• العمل المسلح رديفاً للنضال السلمي
وكما أسلفنا الذكر أن الحراك السياسي للمشترك دخل منعطفاً خطيراً بعد أحداث مهرجان الضالع، بالمهادنة السرية التي أبرمها مع تيارات الجنوب الانفصالية، ولعل الحادثة التي سنرويها من شأنها تفسير مكامن الخطورة التي نقصدها.
ففي يوم السبت 22/ مارس/2008م رفضت قيادة محافظة الضالع منح جمعيات المتقاعدين ترخيص إقامة ندوة في المركز الثقافي بالضالع بدعوى أنها غير معترف بها رسمياً. لكن في عشية نفس اليوم فوجيء الجميع بوسائل إعلام المشترك تروج للخبر بوصفه انتهاك حقوقي جديد من قبل السلطة، و"إحتلال مسلح لقاعة لمنع إقامة ندوة فيها"، في نفس الوقت الذي بادرت قيادات المشترك بالضالع بالتقدم بطلب الترخيص للقاعة باسمها، ومن ثم تسليمها للجمعيات لإقامة ندوتها فيها..
وفي تلك الندوة- التي أقيمت صباح يوم 23/ مارس وحضرتها قيادات المشترك في محلي المحافظة- إنطلقت أولى شرارات العنف، بدعوة وجهها محمد السقاف للعمل المسلح ضد الدولة.. كما حذر السقاف مما وصفه بـ"الاستيطان" او ما يسمى بـ"التركيبة الديموغرافية"- في إطار تحريضه على أبناء المحافظات الشمالية التي تعمل أو تسكن في محافظات اليمن الجنوبية- وقال: "ان الذين استوطنوا الجنوب بعد الوحدة أصبحوا أكثر من النصف".
أما النائب صلاح الشنفرة فقد أشار الى ضرورة "الاستقلال"، وانه لانقاش ولا حوار الا على اساس القضية الجنوبية، ولا إعتراف مطلقا بالسابع من يوليو، معتبراً هذا التاريخ ملغياً لكل ما سبقه من اتفاقيات.. كما تم توزيع منشورات تدعو الى "النضال المسلح"، وعدم الاعتراف بـ"الشماليين"، واعتبار الجنوب بلداً محتلاً، ولا بد من ثورة و"نضال مسلح".
وفي اليوم التالي 24/ مارس أقامت نفس الجمعيات وبقية تيارات الجنوب مهرجاناً بمشاركة قيادات المشترك، تم خلاله توجيه النداء للموظفين "الجنوبيين" بسرعة مغادرة المناطق "الشمالية"، وترك الوظائف والعودة للجنوب، والتبرع بـ(100- 500) ريال لصالح الحراك الجنوبي، كما ألقيت كلمات تدعو للعمل المسلح ضد الدولة.
وكما نرى أن المشترك هو من وقف ضد إجراءات السلطة الرامية إلى تحجيم هذه التيارات، وهو من قدم التسهيلات لها لفرض وجودها، بل أنها أطلقت دعواتها للعمل المسلح، و"طرد الشماليين" من الجنوب، تحت مسؤولية وعهدة المشترك، صاحب الترخيص بإقامة الفعالية..
إن العودة إلى التاريخ الذي إندلعت فيه أحداث الشغب والتخريب في عدد من مدن الجنوب، سيقودنا إلى اليوم التالي من المهرجان الآنف الذكر- بمعنى أن المشترك كان صاحب الفضل الأول في تدشين العنف في الجنوب بتوفيره المكان والحماية القانونية للإعلان عن بدء مرحلة العنف التي أطلق عليها المشترك تسمية مرحلة (النضال السلمي)، الذي تحولت خلاله الضالع إلى مسرح للشغب والتخريب والعنف ضد الباعة والتجار والمسافرين، وموجات من التدمير للمتاجر والمرافق الحكومية المختلفة، وقطع الطرق، وإعادة براميل التشطير إلى منطقة "سناح"- التي كانت تعتبر الخط الحدودي التشطيري لليمن- وغيرها من الأحداث التي إمتدت الى محافظة لحج، وغيرها من المدن اليمنية!
إن حجم الدمار والاعتداءات أنعش آمال المراقبين بأن يقود ذلك اللقاء المشترك إلى إعلان طلاق تلك التيارات، وفض الهدنة بينه وبينها، إلاّ أنه إستغلها فرصة لإصدار بيانات تسخر من هيبة الدولة، وقدراتها على حفظ الأمن.. فجاءت ردود فعل السلطة يوم الأول من أبريل/ 2008م بأن شنت حملة إعتقالات واسعة لكل من تعتقد تورطه أو قوفه خلف أحداث الشغب والتخريب في عدة مدن.. فكان أن فجر المشترك المفاجأة بإعلان إدانته للاعتقالات، ومطالبته بإطلاق سراح جميع من تم إعتقالهم بلا إستثناء، ثم توجيه الدعوة لكافة قواعده لتوسيع دائرة "النضال السلمي"!!
بتقديري أن هذا الموقف مثل منعطفاً جديداً في سياسة "تثوير الشارع" اليمني، إذ أن قاعدة واسعة جداً ممن كانوا في ركب "شارع المشترك" تراجعت إثر ذلك الموقف، ولم يعد يهمها ترقب مهرجانات ومسيرات المشترك، بقدر ما أصبح كل همها ترقب وصول السلطة، وأجهزة أمن السلطة إلى الشارع لتطمئن بأنها ستستطيع إستئناف أعمالها وطلب أرزاقها، أو السفر، أو إرسال صغارها للمدارس.
وأستطيع أن أجزم بالقول بأنه لو كان لدى الحزب الحاكم إعلام بالحد الأدنى من النشاط لقصم ظهر المشترك، ولحول معظم محافظات اليمن إلى دوائر مغلقة للمؤتمر.. إلاّ أن هذا هو العزاء الوحيد للمشترك في الظرف الراهن.
وهنا قد يتوارد السؤال: لماذا تصرف المشترك على ذلك النحو!؟ والإجابة يمكن فهمها من سياق الأحداث: فالمشترك لم يعد سوى حزبي الاشتراكي والاصلاح، وبحكم العصبية المناطقية التي غرسها المشترك فإن الاشتراكي بات في مأمن، وتعزز نفوذه في المحافظات الجنوبية خاصة وأنه في الأشهر الاخيرة بدأ يقترب من مناطيق المشاريع الانفصالية؛ لكن المشكلة ظلت مع الاصلاح، فهو يرى أن وجوده مرهون بالحفاظ على مواثيقه مع "التيارات الجنوبية"، وبالتالي فإن أي تأييد لإجراءات السلطة بحق عناصر تلك التيارات قد يحوله إلى هدف لتلك التيارات، ويوسع موجة التحريض ضد حزبه في مختلف أرجاء المحافظات الجنوبية، الأمر الذي ينذر بإمكانية فقدانه حتى مقراته الحزبية، وشل نشاطه بالكامل إذا ما تنامى العداء ضده..
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشغب والتخريب والفوضى التي عاشتها تلك المناطق هي في الأصل فحوى مشروع (تثوير المدن) الذي ينتهجه الأخوان المسلمين في شتى أنحاء العالم، وأقره المشترك في إطار خطته لـ"تحريك الشارع".. وبالتالي فهو المناخ البديل للتجارب الانتخابية التي يدرك مسبقاً أنها لن تضيف لرصيده شيئاً!
• خلايا الارهاب النائمة تفيق
وفي الحقيقة إن سياسة "تثوير الشارع" لم تكن خلاصتها حالة الفوضى والشغب والتخريب التي شهدتها مناطق مختلفة من الجنوب، بل أن حالة التوتر والاحتقان دفعت السلطات إلى إستنفاذ الجزء الأعظم من أجهزتها الأمنية في دوامة هذا الصخب، الأمر الذي أحدث الكثير من الثغرات الأمنية، وفسح المجال للخلايا الارهابية "النائمة" بأن تفيق مجدداً لانتهاز الفرص المثالية لأنشطتها..
ومن هنا شهدت اليمن سلسلة عمليات إرهابية، إستهدفت سياحاً، وسفارات، ومجمعات أجانب، والعديد من النقاط والدوريات الأمنية، وعلى نحو لم يسبق له مثيل.. إلاّ أنه ترجم بوضوح واحداً من أهم الاثار السلبية التي جرتها سياسة اللقاء المشترك على الأمن القومي لليمن..
بل أن من المخاوف القائمة حالياً هي أن تستغل بعض أطراف اللقاء المشترك مثل هذه الخلايا الإرهابية، وتعمل على تجنيدها لتوجيه ضربات للمصالح الوطنية، التي هي في نظرها "مصالح السلطة"، في ضوء ما تروجه من إتهامات للسلطة بأنها تنهب كل عائدات البترول، والموانيء، والمنشآت الانتاجية- وهذا المنطق هو الذي تسوغ به اليوم مبررات ضرب تلك المصالح، أو في أحسن ظروف الفهم تعطيلها.
وتفيد بعض التقارير الأمنية أن محاولة أحزاب اللقاء المشترك تشتيت تركيز السلطات بين بؤر توتر ساخنة تتوزع بين مراكز المدن، وحول المرافق الحكومية، وتحدق بالمنشآت النفطية والانتاجية خارج المدن، لم يسهم فقط في إنعاش آمال الخلايا والتنظيمات الارهابية في الداخل، وتخفيف الضغط الأمني عليها، بل أيضاً حفز العناصر "الجهادية" التي تمارس أنشطتها خارج الحدود اليمنية للعودة إلى اليمن- كما هو الحال مع عودة الكثير من "المجاهدين" اليمنيين من العراق، وبدء التخطيط لإستئناف أنشطتهم الإرهابية داخل اليمن..
وربما البعض ما زال يذكر أن السلطات الأمنية ضبطت نحو (21) مقاتلاً في عدن قبل يومين فقط من موعد مظاهرة كان المشترك يعتزم تنفيذها في الثاني من أغسطس 2007م.. وكانت تلك العناصر تأمل أن تنفجر الأوضاع في عدن خلال المظاهرة، لتشرع في تحويل عدن إلى مسرح بديل للقاعدة عن المسرح العراقي، الذي دخل الوضع الأمني فيه ضمن رهانات الانتخابات الرئاسية الامريكية، وأصبح البحث عن خنادق بديلة أمراً ملحاً.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل أن الاحتقان الذي أوجدته التعبئة السلبية للشارع، فتح جبهة واسعة من الاعتداءات على أفراد الأمن والجيش، بحيث قاد ذلك إلى إستشهاد أكثر من (42) رجل أمن خلال ثمانية أشهر فقط، جراء تنامى العداء لهذه الاجهزة بعد أن صارت قيادات وقواعد وإعلام المشترك جميعاً يسقطون عنها الصفة الوطنية، ويشيعون أنها "أجهزة قمعية لحماية النظام" وأنها "عصابات"، ويؤلفون أبشع القصص عنها، مستهدفين إذكاء الكراهية والحقد عليها، ومتجاهلين في الوقت نفسه مهمتها الاساسية في حماية الوطن، والأمن، والسيادة الوطنية بغض النظر عن إسم أو شكل النظام الحاكم للبلد.
إن تجربة عام تقريباً من الرهان على "الشارع" أفرزت حجم القصور الثقافي السياسي الذي يعيشه المشترك، وأكدت ان الغاية الاولى والأخيرة التي يسعى لها المشترك هي الإنفلات الأمني للشارع، والانتقال إلى حالة "الفوضى"، لأنها الحالة الوحيدة التي يستطيع فيها المشترك القفز فوق الحسابات الدستورية، والنظم المؤسسية للدولة، ليتحول حينئذ الخيار الديمقراطي إلى مطلب تفاوضي بالامكان المساومة عليه، وإعادة رسم الخرائط الوطنية على أساس التقاسم في كل شيء- إبتداءً من الحقائب الوزارية، ومروراً بالحقائب البرلمانية، وإنتهاءً بالمناصب الحكومية حتى على صعيد المديريات، وليست المحافظات فقط.
وبطبيعة الحال أن أمر كهذا يخالف النصوص الدستورية، ويتعارض حتى مع مبدأ الديمقراطية، لذلك يرى المشترك أن المدخل الوحيد لتعطيل سلطان تلك النصوص والقوانين والمباديء هو "الفوضى"، والانفلات الأمني، مستفيدين- ربما- من التجربة العراقية التي أخضعت كل شيء للتقاسم والمحاصصة على أساس جغرافي، وأثيني، ومذهبي، وديني، وسكاني، بإعتبار أن القبول بذلك هو الأهون ضرراً من البلاء الذي تأتي به المليشيات المسلحة، وقوائم التصفيات الدموية، وإنفجارات السيارات المفخخة..!!
• المشترك بحسابات الواقع
ربما يجد البعض أن الأوضاع في اليمن قد تجاوزت خطوطها الحمراء، وإن ما تبقى لا يتعدى ترقب "المفاجآت"، إلاّ أن هذا التصور يفتقر كثيراً جداً لحسابات الواقع.. ولا شك أن هناك ثمة من سيتساءل: ما هي حسابات الواقع؟ وحينئذ سأجيبه، بأن عليه الوقوف على ناصية رصيف قريبة من أي إعتصام أو مسيرة تنفذها أحزاب المشترك، وتأمل الفئات العمرية المشاركة فيها، والشخصيات المتحدثة، وتقدير الأعداد، ثم الإنتظار حتى يتم تداول الخبر عبر المواقع الاخبارية للمشترك أو صحفه... في ذلك الوقت فقط بوسع المرء الوقوف على حسابات دقيقة لواقع ما يجري في اليمن..!!
فالمشترك يعيش بشخصيتين، الأولى "أسطورية" تنتجها أكثر من (110) صحيفة وموقع إلكتروني، إلى جانب عشرات المسميات لتكوينات تدخل في نطاق "المجتمع المدني" التي تصدر عنها عشرات البيانات شهرياً التي تمطر السلطة بالاتهامات المختلفة- لكن الحقيقة التي لا يعرفها الشارع هو أن الغالبية العظمى من هذه المنظمات غير مرخصة رسمياً، ويديرها شخص واحد أو أفراد أقل من أصابع اليد الواحدة، وأن البيانات التي تصدرها يكتبها أحدهم متى ما رغب، ويوزعها عبر قوائمه البريدية..
أما الشخصية الثانية فهي الحقيقة المجردة من التزويق والتلفيق، والتي تؤكد: أن هناك ما لا يتجاوزون عن الـ(20) شخصاً، يمثلون كل رصيد المشترك في المجتمع المدني، وهم أعضاء مسجلون في كل هذه الجمعيات والمنظمات والائتلافات وغيرها من المسميات.. وهم أيضاً المتحدثون والسائلون في كل الندوات والحلقات النقاشية التي يقيمها المشترك.. وكذلك هم الجمهور الذي يتصدر كل الاعتصامات والمسيرات.. وأن هناك شخصين أو ثلاثة لا أكثر يتولون مهمة تسويق البيانات والتصريحات، وأصداء ما يحدث إلى كل مكان في العالم- بما في ذلك المنظمات الدولية..
وقبل أن أختم، لابد من الإعتراف بإن أكبر حقائق اللقاء المشترك هو (الإعلام).. فالمشترك بتقديري هو (الحاكم الإعلامي) لليمن، وإن نفوذه الاعلامي لا يقتصر على ما يملك من وسائل، بل يمتد حتى إلى وسائل إعلام الحزب الحاكم، وصحف السلطة، والوكالة الرسمية للأنباء.. ومن هنا يستمد قوة تأثيره في الحياة السياسية اليمنية..
ويبقى هناك سؤال مهم جداً: أين كان الحزب الحاكم منذ قرار المعارضة بتحريك الشارع؟ وكيف تعاطى مع الأحداث!؟
ترقبــوا: تقريــر "نبأ نيوز" حول: (المؤتمر وتداعيات الحراك السياسي في اليمن
|