زَغرِدِي أمَّ الشّهيدْ ، فَلمْ يكن ابنُكِ إلاّ قِنديْلاً أنَارَ ظُلمَةَ الطَّريق ، ولمْ يكُنْ إلاّ سَيفاً مَسلُولاً قَطَعَ رقَابَ المُعتدينَ الغَاصِبينَ ليرْفَعَ جَبينَ الأُمَّةِ عَالِياً مُرَفرفاً في سَماءِ الوَطَنْ . . . ولَمْ يَزحَفْ ابنُكِ إلاّ إلى العَليَاءِ طَائِراً يحْمِلُ بينَ جَناحَيْهِ بطَاقَةَ حُبٍّ ينْشُرُهَا في رُبُوعِ الدُنيا .
كُلُنا أبنَاؤُكِ أُمَّ الشّهيدْ . . . فلا تَبكِي أُمَّ الشّهيدْ . . . ولا تَمْلأي الدُنيا عَويْلاً ، فمَا البُكَاءُ إلاّ للفَقِيدْ . . . لم يكُنْ ابنُكِ إلاّ رُوحَاً عَطِرَةً فَاضَتْ إلى جَنَةٍ وخُلُودْ ، وتَركَتْ ورَاءهَا نَسِيْمَ مِسْكٍ نَسْعَدُ بِرَائحَتِه . . . فمَا أنْتِ إلاّ جَبَلاً شَامِخاً صَامِداً يتَحَدّى كُلَّ الصِعاب ، ومَا أنْتِ إلاّ شُعْلَةً وانْتِفَاضَةً أنَاَرَتِ الطّريقْ . . . وشَمعَةَ نُوْرٍ أضَاءتْ قُلُوبَ الثّائِرِينَ ليَسْحَقوا كُلَّ جَبَانْ . . .
مَا أنْتُم أيُّها الشُّهداءُ إلاّ أنْشُودَةَ الخُلودْ . . . فبدِمائِكُمُ الزَكِيَّةِ سُطِّرَ التَاريْخْ ، وبأَيْديْكُمُ الفَتيَّةُ صُنِعَتِ الحضَارةْ ، وبمَجْدِكُم رَفَعتُمْ لوَاءَ الأُمَّة . . . فكَانَتْ قُوَّتُكُمْ أمَامَ ضَعفِهِمْ . . . وشَجَاعَتكُمْ أمَامَ جُبْنِهمْ . . . وحِجَارَتكُمْ أمَامَ نَارِهِمْ وبنَادِقِهِمْ. . .!!!
فمَهْلاً أُمَّ الشّهيدْ . . . لابُدَّ منْ بُزُوغِ فَجْرٍ جَدِيدْ . . . ومِنْ ظُهُورِ شَمْسِ الحُرِيَّة . . . ومنْ إِعْلاءِ بارُودَةِ الحَقِّ والفَتْحِ المُبِينْ
|