[محمد مظفر العولقي(حيد صيرة)]

عجبني كثيرا هذا المقال لما يحتويه من واقعيه وسرد تاريخي ايضا :


يا صاحبي .. إنها وحدة جراد ...!!!؟


الجنوب الحر - أبوعبـــــــــــده

بعد أن عرف بأني من المطالبين بعودة دولة الجنوب ، قال لي أخ عربي – يا أخي حرام عليك ، إن العالم اليوم عالم التكتلات والتوحد ، ففي ذلك تجد الشعوب قوتها ، وتصنع لها مقعداً مهاباً بين الأمم ، فكيف يمكن لمثقف مثلك أن يدعو إلى الفرقة والتشطر بعدما حققت بلدكم نموذجاً رأينا فيه نحن العرب بارقة أمل ، ونواة لوحدتنا العربية المنشودة ....؟؟؟ - فقلت له : يا صاحبي كلامك جميل ، والأجمل منه صدق مشاعرك ، ولست بلائِمُك على ما تقول ، ولكن لي رأي في المسألة ، فإن كنت تريد رداً على شاكلة المختصر المفيد أقول لك كما تقولون في أمثالكم الشعبية ( إللي إيده في الميه ، مش زي إللي إيده في النار ...!!! ) ، وإن كنت ذا صبر ، ولديك الرغبة لمعرفة الحقيقة فأسمع مني ..

يا صاحبي ، إن كنت تعلم فإن الجنوب منذ الأزل ما كان يعرف سوى بأرض الجنوب العربي ، و قد قامت على أرضه دول ، ومشائخ ، وسلطنات متعاقبة ، وتوحدت أرض الجنوب فعلياً بعد نيل الإستقلال من الإستعمار البريطاني ، إذن فكل ما يدعيه حكام الشمال من عودة الفرع إلى الأصل لا أساس له من الصحة ، وليس من سند قانوني ، أو تاريخي يدعمه ، ولعل الخطأ الكبير الذي أوقعنا في هذا الفخ – وأعني ما أقول – هو إلصاق مسمى اليمن في الدولة التي نالت إستقلالها بتضحيات ودماء أبناءها من المحتل البريطاني ، ولأننا دعاة وحدة صادقين رفعنا منذ اليوم الأول لإستقلال بلادنا شعار تحقيق الوحدة اليمنية ، ولربما دافعنا إلى ذلك كان نجاحنا في توحيد السلطنات والمشايخ في دولة واحدة وما لمنساه من الأمن والإستقرار ، والألفة والمحبة ، جراء ذلك ، فكان حلمنا أن تزال الحدود بين الدولتين الجارتين لتكونا دولة واحدة قوية مزدهرة في شبه الجزيرة العربية . ولأن الطرف الآخر كان غارقاً في مستنقع الجهل الذي فرض عليه العيش فيه عهد الإمامة فقد صعب عليه إستيعاب فكرة الوحدة ، وما يمكن أن تعنيه للشعبين الجارين ، ولكن لما أتتهم الفرصة سانحة ، وكان على سدة الحكم عندهم شخص ، المكر ، والخديعة ، وإستغلال الفرص من أصل تكوينه ، غيروا جلودهم ، ولبسوا ثوب الوحدة ، لا بل وصاروا يدعون بأنهم صانعوها ، وأنهم كانوا على الدوام المنادين بضرورة تحقيقها ، وفي غمرة من النشوة التي أوصلتهم إليها تلك المكاسب التي ما كانوا يحلمون بها من أرض وثروة وسلطة ، صدقوا كذبتهم بأنهم من صنع الوحدة ، ولكن ألسنتهم وتصرفاتهم كانت على الدوام تفضحهم ، فما عاد يخجلهم القول بأن الجنوب هو الفرع ، والشمال هو الأصل .
يا صاحبي ، لتعلم أن إتفاقية الوحدة اشارت إلى نص هام ، لعل حاكم صنعاء لم يقرأه ، أو أنه تهجاه فلم يساعده الهجاء على إستيعاب معناه ، فقد نص الإتفاق على أن من يعلن الحرب يكون قد أعلن الإنفصال ، ومن يعلن الإنفصال فإنه يدعو إلى الحرب - أيهما أسبق – و هو من أعلن الحرب على الملاء في خطاب الحرب ( 1 ) الذي القاه في ميدان السبعين صيف 94 م ، فكانت الطلقة الأولى القاتلة للوحدة ، فصار إعلان فك الإرتباط حقاً مشروعاً ، وتحولت الوحدة من مشروع شراكة إلى إحتلال بكل ما تحمله الكلمة من معنى .

ومنذ ذلك اليوم المشؤوم الذي أعلنت فيه القوات الشمالية سيطرتها الكاملة على أرض الجنوب لم ينعم الجنوبيون بعيشهم على أرضهم ، فبعد أن كانت الأراضي تنهب على إستحياء تبجح القوم ، وصاروا يسطون على كل شيىء نهاراً جهاراً ، ومن يعترض فتهمته حاضرة ( أنت إنفصالي ) .

يتحدثون عن خيرات الوحدة ، ولست أدري بأي منطق يفسرون قولهم ، فهل خيرات الوحدة تعني تهديم مؤسسات ناجحة كانت توفر لأبناء الجنوب ما يحتاجونه من العيش الكريم ، تعاونياتنا الإستهلاكية التي كانت توفر كافة إحتياجاتنا وبأسعار معقولة أعدمت على يد غول إسمه المؤسسة الإقتصادية العسكرية ، وفي عشية وضحاها ماتت الأبقار في مزرعة أبقار اللبن بالكود ووجد مئات العاملين فيها أنفسهم بلا عمل ، والسبب أن متنفذاً شمالياً أراد السطو على أرض المزرعة ، وإلى ذات المصير ذهبت جارتها مزرعة الدواجن ومصنع التفريخ ، ودمر مصنع تعليب الأسماك بشقره ، وقسمت أراضي ما كان يعرف ب( مزرعة لينين ) على ثلة من حاشية الرئيس فقطعت أرزاق مئات - إن لم نقل آلآف - العمال الزراعيين الذين كانوا وأسرهم يقتاتون مما يأتيهم من ريع تلك المزرعة ، مصنع الغزل والنسيج بعدن ، مات هو الآخر وإلى جواره أفنيت عدد من المصانع المنتجة في عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ..

هذا فيض من غيض يا صديقي ، إن حال البلاد والعباد في اليمن الجنوبي بعد الوحدة أقل ما يشبه به أنه تحول إلى جحيم ، فأصاب الجميع قحط كذلك الذي تخلفه أسراب الجراد حينما تهجم على أرض مثمرة . لذا نصر على إنهاءِ وحدة الجراد هذه.