أخي الكريم أعتقد أنك مخطىء في مطالبتك هذه ، أو ربما لم تستطع التمييز وإن قصدت الخير فأضعت طريقه
بالنسبة لما تتحدث عنه فقد طواه التصالح والتسامح للأبد
كما أنه حتى من ناحية منطقية وحضارية ولخدمة قضيتنا يجب عدم نقاشه بالصيغة التي طرحتها أنت
ولأوضح مقصدي ولماذا توصلت لما قلت دعني أتحدث معك من القلب إلى القلب
عبر التاريخ وفي المراحل المفصلية في عمر الشعوب الحية والتي تخطت الصعاب وعقب كل ما يعتبر نوعا ما نوع من أنواع الصراع الداخلي المهدد للوطن ككل بل وحتى الخارجي ، وحين يكون هناك ظرف يتطلب إعادة اللحمة الوطنية والتطلع للمستقبل فأننا عادة نكون أما حالتين لاثالث لهما :
الحالة الأولى حالة الشعوب التي عقب نكساتها عادت لتنهض من جديد وعادت لتعانق المجد وتطوي صفحات ماضيها السيئة وتتطلع للمستقبل كمعيار لمعالجة الماضي وطريقة للتعامل مع تركته ومخلفاته ، هذه الشعوب المتحضرة والواعية والتي ترى الأمر برؤية شمولية واسعة بعيدا عن التفاصيل الصغيرة التي قد يؤدي تكبيرها لتصغير المشروع الوطني أو حتى تضييعه نهايئا ، هذه الشعوب وعبر تجارب طويلة وطويلة جدا وأمثلة لاتعد ولاتحصر تلجىء لمايسمى مصالحات جماعية وطي صفحة الماضي وعدم السماح بمحاكمته ومحاكمة شخوصه إطلاقا أو حتى التفكير بهكذا أمر وبهذا فهي تنتقل من الماضي الأسود إلى المستقبل المنير مستعيدة تلاحمها وبنيها وتعاضدها
طبعا الأمثلة كثيرة جدا لكنني سأعطيك أمثلة قريبة جدا كما حصل في جنوب أفريقيا وطيهم لصفحة ماضي التمييز العنصري وتقسيم مجتمعهم السابق وظلم الأغلبية من الأقلية ، تمكنوا من تجاوز ذلك وطيه بالتسامح والتصالح وإعتبار ماحصل ماضي يجب أن لايعيق الطريق نحو والمستقبل
وسأزيدك مثال آخر في أوربا وأثناء الحرب العالمية إنقسمت بعض الشعوب مع وضد النازية بل أن البعض ساعد النازية على إحتلال بلده وكان عميلا لهم
وبعد الحرب في الغالب في الدول التي تريد أن تعيد اللحمة الوطنية تم طي هذه الصفحة نهائيا وتم عدم السماح بوجود محاكمات خصوصا وأن المتعاونين كانوا كثرا وخصوصا أن ذلك سيشق المجتمع وربما يعيد دورة العنف من جديد لاحقا وهذا تقريبا مع بعض الإستثناءات ماحصل في فرنسا وغيرها
أما الحالة الثانية فهي لمن إمتلك الحقد قلبه وأعماه التعصب والكراهية عن أن يرى المستقبل فأنتقم وعذب وقتل وحاكم وبالتالي عادت دورة العنف من جديد بعد فترة أخرى لينتقم ذوي من حوكموا وقتلوا وليكرروا حلقات غير منتهية من العغنف والعنف المضاد ويكون هذا عادة أكثر وضوحا حين يكون ذلك يرتبط بتجمعات بشرية كبيرة أو هيئات سياسية أو مناطقية أو ماسواه مما يشق المجتمع ولو كان المراد منه شكليا إحلال العدالة إلا أن النتيجة تكون عكس ذلك تماما وتبقى هذه الشعوب في ذيل قائمة شعوب الأرض وتصبح أرواح أبناءها رخيصة برخص العقليات التي تقتات على الماضي وصراعاته وتعجز عن أن تسمو نحو المستقبل وتتعالى على جراحها
طبعا البعض يظن أن الإنتقام أو حتى إحلال العدالة عن طريق القوة والدم هي أكثر الحول جذرية وأنه يجب دفع ثمن ماحصل وتحمل عواقبه وأن ذلك يتطلب شجاعة وبأس وقوة وهو مقياس لهم
لكن الحقيقة أن الأكثر صعوبة والأكثر دلالة على القوة والشجاعة هي أن يتعالى المجروح على جرحه وأن يعفو صاحب الحق على من ظلمه وأن يترفع الجميع عن التفاصيل الصغيرة في سبيل الهدف الأكبر
طبعا هذا لايعني عدم الإستفادة من أخطاء الماضي ومناقشتها وضمان عدم تكرارها والقضاء على مسبباتها
لكن حتى هذه يجب أن يراعى الوقت المناسب لها والطريقة المناسبة لنقاشها لأنه حتى الإستفادة من الماضي إن كانت ستكون فائدتها على حساب تضييع الحاضر والمستقبل فيجب أن تؤجل أو حتى تغلق ملفاتها للأبد
تحياتي ولي عودة