> ما هو المخرج إذن للأوضاع الملتهبة اليوم؟
- المخرج هو في الاعتراف بوجود أزمات كبيرة في البلاد، هناك أزمة جنوبية حقيقية وأزمة عامة وسياسية حقيقية، كل هذه أنتجت أزمة أمنية وأزمة اقتصادية.
النظام هو المسئول الأول عن هذه الأزمات المتكررة والمتتالية، وبالتالي يجب عليه أن يخضع وأن يعترف بوجود هذه الأزمة ثم يدعو القوى السياسية للاستماع منها وليس من أجل إسماعها ما يريد.
نص حوار أبوبكر باذيب
> الأحداث في الجنوب تشهد منذ أيام تصاعدا لافتا من خلال الاحتجاجات والاعتصامات، كيف تقرأون المشهد؟
- أعتقد أن الأحداث متصاعدة في الجنوب منذ سنوات ولاتزال، وهي تتصاعد بفعل عدم قدرة السلطة على مواجهة المطالب والاستحقاقات التي تطرحها هذه الجماهير منذ أن بدأت أول تظاهرة سلمية في الجنوب وفي عدن تحديدا من أجل المطالبة ببعض الحقوق المطلبية المستحقة، وأهمها عودة المسرحين لأعمالهم، وكانوا بالآلاف، والسلطة غير قادرة على الاستجابة لهذه الآلاف، وإن استجابت فالاستجابة كانت جزئية.
ولكن القضية اليوم أكثر من مجرد كونها قضية مطلبية ومعيشية، القضية سياسية في نفس الوقت، الناس في الجنوب بشكل عام وربما في كافة المناطق يعانون من أمور كثيرة جراء حرب 1994 ولايتعلق الأمر فقط بإزاحة الناس من أعمالهم وتسريحهم، لكن المواطن الجنوبي يشعر بأن التعامل معه يتم على أساس انه مواطن درجة ثانية.
للأسف بعد هذه الحرب المشئومة جرى التعامل مع الجنوب وكأنه مجرد أرض وثروة، فلم يعط الاعتبار للإنسان الذي يعيش في هذا الجزء من الوطن اليمني بالرغم من أنه لعب دورا رئيسيا في تحقيق الوحدة التي نعيشها الآن.
لم تكتف السلطة بعد حرب صيف 1994 بإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني، وإنما أكاد أقول إنها أقصت المواطن الجنوبي من القرار السياسي والاقتصادي، وكل هذه الأمور تراكمت إلى أن انفجرت في شكل تظاهرات وتحركات أخذت أشكالاً مختلفة، وتكونت العديد من المنظمات المدنية، ولأول مرة صار في الجنوب إحساس عام بضرورة التحرك ضد الغبن الذي كان يعانيه الجنوب طوال هذه الفترة.
للأسف اتجهت الأمور أحيانا من قبل البعض إلى رفع الشعارات، وحاولت السلطة استغلالها، وهذه الشعارات كانت تتعلق بوضع حد لهذا التفرد للسلطة المركزية، ووصلت إلى حد المطالبة أحيانا بحق تقرير مصير الجنوب وما إلى ذلك، لكنني أعزو هذا إلى درجة الاحتقان الذي كان موجودا في الجنوب ولايزال، وعدم تصحيح الأوضاع من قبل السلطة.
القضية الجنوبية
> هل هذا يعني بأن هناك قضية جنوبية بوضوح؟
- علينا أن نعترف بأن هناك قضية جنوبية موجودة على أرض الواقع، حتى عند الذين لايعترفون بهذه القضية، القهر وأسلوب الإذلال الذي مورس خلال هذه الفترة أوجد القضية الجنوبية، ومن دون النظر إلى هذه القضية بشكل واقعي لانستطيع أن نقترب من حلها.
لكن ما هي بالضبط هذه القضية الجنوبية، فلايزال هناك التباس حول هذه القضية، في تقديري أن القضية الجنوبية تكمن في تصفية آثار حرب صيف 94، وتحقيق شراكة وطنية حقيقية، وهي الشراكة التي افتقدها الجنوب منذ حرب 1994، الشراكة لاتعني اقتسام السلطة كما يردد البعض، لكنها تعني شراكة الشعب كله، بمعنى آخر أن المواطنين في الجنوب كما في الشمال يجب أن يكونوا مشاركين في صنع القرار، لابد أن يشعر المواطن الجنوبي بأنه يقول رأيه فيما يتعلق بالقرارات التي تمس مصيره، الشراكة هي شراكة الشعب وليست شراكة أحزاب، فالحركة التي تجري في الجنوب ليست حركة هذا الحزب أو ذاك.
الحزب الاشتراكي اليمني لم يدع أنه صاحب هذه الحركة، لكن لا شك في أنه مؤثر أساسي في هذه الحركة مثله مثل غيره من الأحزاب، السمة الرئيسية في هذه الحركة هي السمة الجماهيرية، وهذه ميزة تنفرد بها هذه الحركة منذ وقت طويل، فنحن لم نشهد مثل هـذه الحـركة، ونتمنى أن تستمر في هذا التوجه على أن ترشد من أهدافها وأساليبها مستقبلا.
> لكن كيف تفسر أن معظم المعتقلين هم من الحزب الاشتراكي وليسوا من المعارضة، ألا يعني أن الحزب الاشتراكي هو المعني؟
- هذا يعود في تقديري إلى الزاوية التي تنظر السلطة من خلالها إلى الأمور، هي تعتقد دائما أن الحزب الاشتراكي وراء كل ما يحدث من تحرك في الجنوب، وإن لم يكن هو الفاعل الرئيسي فيها، فالسلطة تعتقد أنه المؤثر الرئيسي في هذه الأحداث، وصارت تدمغ الحزب الاشتراكي وتتهمه كلما تحركت مثل هذه التحركات.
وأنا أريد أن أقول إن الحزب الاشتراكي لايريد أن ينفي صلته بما يجري في الجنوب، لكن في الأساس هذه الحركة هي حركة شعبية جماهيرية، الحزب لن يتردد في القول إنه يقود هذه الحركة إذا كان فعلا يقودها، لكنه لايقود هذه الحركة ولايدعي قيادتها، لكن العلاقة التاريخية بين الحزب الاشتراكي والجنوب علاقة واضحة، ولا تحتاج للتوضيح أكثر.
اليوم عدد من القيادات الاشتراكية موجودة في المعتقلات، وبعضها ليس له علاقة بأحداث الشغب أو هذه الحركة التي تدعي السلطة أنه يقودها.
> ألا تخشون من انفلات الوضع وعدم القدرة على السيطرة على الشارع في حال ما إذا تدهورت الأمور أكثر؟
- نحن في الاشتراكي وتكتل اللقاء المشترك كذلك نرى أن الأمور إذا انفلتت فستكون السلطة هي المسئولة عن ذلك، لأن الوسائل التي تتبعها الآن في مواجهة هذه التحركات السلمية هي التي تؤدي إلى ردود فعل سلبية من الناس، لنأخذ على سبيل المثال في ردفان والحبيلين الأسبوع الماضي عندما وعدت مجموعة من الشباب بالتجنيد، وأخذوا إلى المعسكرات، ثم طلب منهم أن يخرجوا من المعسكرات لأن التجنيد غير متاح لهم، فعادوا بغضب شديد وعملوا ما عملوه في الحبيلين، وفعلا حصل شغب كبير، والغريب أن السلطة عندما حدث هذا كانت تتفرج ولم تتدخل.
وانتهى الأمر عند هذا الحد، ثم فجأة وبعد يوم مما حدث تأتي السلطة بقوة عسكرية كبيرة جدا معززة بدبابات وصواريخ ومدافع و(آر بي جي) وطائرات وحملة عسكرية كبيرة لا أول لها ولا آخر، وقامت باعتقالات واسعة لعدد من القيادات السياسية، حزبيين وغير حزبيين، ولم تعتقل بحسب علمي عناصر كان لها صلة بأحداث الشغب التي وقعت، حتى إن المرء يتساءل هل كانت السلطة بحاجة للشغب لكي تقوم بهذه العملية العسكرية الطويلة التي تدل أنها مبيتة لاعتقال قيادات الحراك السياسي؟
اليوم نجد أن كثيرا من المظاهرات تنطلق في كل المحافظات للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، بمعنى آخر أن هذه القوة العسكرية لم تسكت هذه الحركة بل بالعكس أفرزت نتائج أخرى، اليوم هناك مشاكل في حضرموت وفي أكثر من منطقة في الجنوب، وحتى في الشمال، هناك تداعيات لهذه الحركة في تعز ومدن أخرى.
المزاج في الجنوب
> هل تعتقدون أن مزاج الناس في الجنوب بدأ يتغير، بمعنى آخر هل بدأ الحنين بالعودة إلى الماضي؟
- أعتقد فعلا أن هناك مزاجا آخر في الجنوب، ويجب أن نأخذ هذا بعين الاعتبار، لانستطيع أن نعتبر ما يحدث الآن في الجنوب أنه مجرد طفرة أو ثورة آنية، هناك فعلا مزاج، نحن الذين أتينا من الجنوب نشعر بأن هناك تغييرا كبيرا حصل في أذهان الناس وطريقة تفكيرهم، وتفجر فجأة في شكل هذه المظاهرات والتحركات.
ولهذا أفسر أن بعض الشعارات التي تنطلق هي بفعل هذا المزاج الحاد، لم يعد هناك تفكير عند البعض أنه يمكن إصلاح الأمور عبر الوحدة، ونحن في حوار دائم مع هذه الأفكار، وهذه الآراء تقول إن السلطة أصبحت تقتل الوحدة بممارساتها غير الوحدوية، وهنا تكمن المشكلة.
وعلى كل حال الاستجابة لهذا المزاج ينبغي أن يتم بشكل عقلاني، وأن تدرك السلطة أولا أن هناك مشكلة حقيقية في الجنوب، وأن المشكلة ليست فقط حقوقية وإنما مشكلة سياسية بدرجة أساسية، بدون هذا أعتقد أن الأمور ستستمر في التدهور والانزلاق نحو الهاوية.
> ألا ترى أن مزاج الشارع يمكن تصديره إلى داخل الحزب الاشتراكي، بمعنى آخر أن ينقسم الحزب بين من يؤيد هذه التحركات ومن يعارض؟
- هذا المزاج الحاد موجود داخل الحزب الاشتراكي أيضا، لا أريد أن أغطي على هذا الأمر، لكننا نحاول في القيادة أن نستوعب كل هذه الأفكار بطريقة ديمقراطية، ونحاول أن نناقش هذه القضايا كلها ونصل إلى اتفاق مشترك.
> حتى الآن ليس هناك خطر يتمثل في انقسام الاشتراكي، بل على العكس كلما مرت الأيام تأكد أن الحزب الاشتراكي هو الملاذ لكل هذه القوى التي تريد أن تحدث تغييرا سلميا للسلطة، نحن لسنا مع أية اتجاهات متطرفة، بل مع الحفاظ على الوحدة، لكن السؤال أية وحدة؟ بعد كل ما حصل، الوحدة ينبغي أن تكون وحدة ديمقراطية كما تم الاتفاق عليها في 22 مايو 1990، لابد من إعادة صياغة للكثير من الأمور إذا أردنا الحفاظ على الوحدة بطريقة ديمقراطية، ونعطيها وجهها الحقيقي المشرق الذي أعلنت فيه في 22 مايو.
الشعار الرئيسي الذي يتبناه الحزب الاشتراكي ويتبناه تكتل اللقاء المشترك هو أن السقف النهائي لهذا الحراك كله هو سقف الوحدة والديمقراطية، ما دون هذا السقف يمكن مناقشة أي أمر من الأمور يتعلق بتطوير الأوضاع في الجنوب والشمال، ولابد أن يقترن هذا التفكير بإصلاح سياسي، لأننا نعتقد أنه بدون إصلاح سياسي للنظام ككل لايمكن التقدم صوب إصلاح الوحدة أو إصلاح أي أمر من الأمور.
> هل هذه النظرة موحدة لقادة الحزب سواء في الداخل أو الخارج؟
- هذه وجهة النظر الغالبة التي تمثل القطاع الغالب من الحزب، والتي كل يوم تكسب أرضا جديدة، خصوصا مع وجود هذه الخروق في هذا الاتجاه أو ذاك.
> بالنسبة لقادة الخارج هل هناك تواصل ورؤية لما يمكن أن يكون؟
- هناك تواصل مع قادة الخارج، وغير صحيح القول إن قادة الخارج من الاشتراكيين هم وراء هذه الأحداث، أو إنهم يشجعون عليها، أنا كنت في الخارج قبل وقت قصير والتقيت الكثير منهم، وأستطيع أن أؤكد أنهم يفكرون بذات الطريقة التي يفكر فيها الحزب الاشتراكي اليمني، الخط السياسي للحزب الاشتراكي اليمني هو الحفاظ على الوحدة مع إعادة الاعتبار للوحدة، وليس صحيحا أنهم وراء بعض الأحداث التي تتهمهم السلطة بالوقوف وراءها، هم يريدون التغيير مثل الحزب الاشتراكي اليمني، التغيير الذي يسير وفق نهج عقلاني يعيد الاعتبار لوحدة 22 مايو، وبنفس الوقت يدركون أن هناك قضية جنوبية ينبغي التعامل معها بشكل سليم وصحيح، هذه القضية إن لم تكن موجودة في السابق فهي موجودة الآن كما يقولون وكما يؤكدون، وكلهم حريصون على الأمن والاستقرار وتعزيز الوحدة.
> هل يشمل هذا الرئيس الأسبق علي ناصر محمد؟
- نعم يشمل الأخ علي ناصر محمد ويشمل الأخ حيدر أبوبكر العطاس وعلي سالم البيض، وكلهم قيادات واعية لما يحدث في الجنوب، ويحرصون على أن تنتهي هذه الحركة بما يحدث تغييرا في إطار الوحدة.
> كيف تقرأون تصريحات الرئيس علي ناصر محمد الأخيرة ورد الفعل من قبل السلطة؟
- تسير في هذا النهج، لا أريد أن أزعم أنه ليس هناك اجتهادات لدى بعض الإخوة في الخارج مثل ما هنالك اجتهادات في الداخل، هناك اجتهادات هنا وهناك، نحن في وضع غير اعتيادي واستثنائي، لذلك لابد أن نتوقع الكثير من الاجتهادات، لكن المهم أن نصل في الأخير للقرار الصحيح والسليم الذي يجنبنا شر التفتت والتمزق والانقسام.
الحوار مع الحاكم
> في ما يتعلق بالأحداث الأخيرة هل جرى حوار بينكم وبين الحزب الحاكم؟
- يجري حوار، لكنه غير رسمي، الحوار الرسمي يمكن أن أقول إنه وصل إلى طريق مسدود، لكن لايمكن القول إن هناك قطيعة مع حزب المؤتمر ومع الرئيس نفسه، ونطرح آراءنا باستمرار أننا إذا أردنا أن نعيد للحوار جدواه وقيمته ينبغي أن نرتب الأمور على النحو الصحيح.
لانستطيع أن نتحاور اليوم مثلما كنا نتحاور قبل عامين أو ثلاثة، هناك شيء جديد يتحرك على الأرض ينبغي أن نستمع لهذا الشيء الجديد، وأهم ما في هذا الجديد هو أن طريقة التغيير صارت مطروحة سواء في الجنوب أو الشمال، القضية ليست قضية انتخابات فقط أو قضية اللجنة العليا للانتخابات، القضية صارت أكبر من هذا، صحيح أن هذا الأمر مهم، ولكن من المهم أن نناقش ما يجري اليوم في اليمن ككل.
لهذا لاتوجد قطيعة مع الحزب الحاكم ومع الأخ الرئيس شخصيا ومع عدد من العناصر العقلانية داخل حزب المؤتمر، لكن لانستطيع أن نزعم أن هذا الحوار رسمي.
> ما هو المخرج في رأيكم لقطع الطريق على كارثة يمكن أن تحدث لو استمرت الأمور على ما هي عليه اليوم في الجنوب؟
- لم يعد المخرج يكمن في حوار بين المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام، لأننا نشعر في المشترك وفي الحزب الاشتراكي اليمني أن الأزمة أصبحت أزمة وطنية عامة، وأن قوى كثيرة داخل المجتمع من حقها أن تقول رأيها في ما يدور وتقديم المخارج المطلوبة.
لهذا ندعو لحوار وطني بشكل أو بآخر، يعد له الإعداد الصحيح حتى يمكن أن نخرج برؤية محددة للخروج من هذه الأزمة الوطنية الحادة.
يجب أن يشمل الحوار كافة القوى السياسية التي لديها القدرة على أن تقول رأيها في ما يدور، والمشاركة فيما يجري من أحداث، لاينبغي أن يكون الحوار مقصورا على المشترك والمؤتمر الشعبي العام وبالطريقة التقليدية السابقة، من الأفضل إشراك قوى كثيرة في هذا الحوار لنخرج بوثيقة تدلنا على طريق انفراج وحل يحفظ لليمن وحدته، ويحمي الشعب اليمني من التمزق».
|