مجلة المشاهد السياسي اللندنية :
اليمن على منعطف جديد
من وثيقة الدوحة الى حرب الانفصال
تطوّر بالغ الأهميّة طرأ في مطلع الأسبوع الفائت على حرب صعدة، تمثّل في إعلان عبد الملك الحوثي وقف الحرب مع السعودية، وانسحابه الكامل من أراضيها التي دخلها مقاتلوه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. المبادرة تضع الرياض، ومعها صنعاء، أمام خيارات جديدة من شأنها أن تفتح باب التسوية لإنهاء النزاع، الذي استنزف اليمن في ست جولات قتالية حتى الآن، وتمدّد الى خارج حدودها بصورة دراماتيكية تهدّد تماسكها الداخلي واستقرار المنطقة. كيف يمكن قراءة هذا التطوّر؟
بين حزيران (يونيو) ٢٠٠٤ وتشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩ ست جولات قتالية وضعت اليمن على شفير الهاوية، والفصل الأهم فيها الذي أخرج الحرب على السيطرة بدأ غداة توقّف جهود الوساطة القطرية لإنهاء القتال بين الجيش اليمني والحوثيين المتّهمين بالتمرّد في ربيع ٢٠٠٨، وهي وساطة كانت قد بدأت في شباط (فبراير) ٢٠٠٧، واصطدمت في مراحلها الأخيرة بعراقيل إقليمية.
وأبرز مفاعيل الحرب بين صنعاء والحوثيين بعد حوالی ست سنوات على اندلاعها وتنقّلها من جولة الى أخرى، أنها تحوّلت الى ثلاث حروب متشابكة: الأولى في الشمال اليمني وداخل الحدود السعودية، الثانية في الوسط ضد تنظيم القاعدة، والثالثة في الجنوب، وهي التي أعادت فتح الملف الانفصالي، والعام ٢٠٠٩ يعتبر بهذا المعنى العام الأسوأ على الصعيد اليمني بعد حرب الانفصال. ويمكن معاينة المشهد اليمني في العام الذي انقضى من خلال خمس محطّات تشكّل في مجملها المأزق الكبير، ويمكن اختصارها في النقاط الآتية:
< حرب الحوثيين التي بدأت جولتها السادسة في آب (أغسطس) الفائت كانت الأشد فتكاً حتى الآن، بعدما دخلت السعودية فيها طرفاً مباشراً، وتطوّعت الولايات المتحدة لمدّها بالدعم.
< حراك الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل التوحيد في ٢٢ أيار/مايو ١٩٩٠) الذي تصاعدت فعاليّته، وتحوّل من احتجاج سلمي للمطالبة بالحقوق الوظيفية الى عنف مسلّح، واستطراداً الى دعوة انفصالية.
< انسداد الأفق السياسي بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة الذي أدّى الى تأجيل الانتخابات البرلمانية الى العام ٢٠١١.
< الأزمة المالية والاقتصادية وأحد عناوينها الكبرى عجز الموازنة بما يفوق ٥٠٠ مليون ريال يمني، نتيجة خفض أسعار النفط الذي يعتبر مصدراً رئيسياً لتمويل العمل الحكومي (في حدود ٧٠ في المئة)، الأمر الذي أدّى الى اتّساع حزام الفقر وتردّي الخدمات.
< خطر «القاعدة» الذي يتنامى، والذي بلغ في نهاية العام الفائت ذروة جديدة، بعدما أدركت الولايات المتحدة أن اليمن تحوّل (بعد أفغانستان وباكستان) الى مركز إقليمي جديد للجماعات المتشدّدة.
هذه العوامل مجتمعة ومنفردة تهدّد وحدة اليمن من جهة والسلام الإقليمي من جهة أخرى، وهي حقيقة أدركتها الجهات العربية الفاعلة منذ العام ٢٠٠٧، وتطوّعت لاحتوائها قبل أن تتمدّد الى داخل الأراضي المجاورة، وقبل أن تدخل السعودية فيها طرفاً مباشراً الى جانب الجيش اليمني. ومن الواضح أن توقّف المساعي القطرية لإنهاء الحرب في صعدة في ربيع ٢٠٠٨، هو الذي قاد في مرحلة لاحقة الى تفجّر الجولتين القتاليّتين الأخيرتين، وإلى التصدّع الذي نشهده في اليمن على مختلف المستويات. ومعروف أن الدوحة التي دخلت على خط الأزمة قبل تفاقمها، كانت قد أبرمت في شباط (فبراير) ٢٠٠٨ اتفاقاً بين الطرفين المتنازعين، تعذّر وضعه موضع التطبيق في مرحلة لاحقة، الأمر الذي استتبع تفجّر الحرب السادسة التي لا تزال مفتوحة حتى الآن.
وأهميّة الاعلان الحوثي الأخير عن إنهاء الحرب مع السعودية تكمن في محاولة الحوثيين فك ارتباط المملكة بالنزاع، بعدما سعت بعض الاطراف، الى إفشال الوساطة القطرية، بإيعاز من بعض القوى الاقليمية.
وفي اقتناع فريق واسع من الخبراء والمحلّلين، أن السياسة الخارجية المستقلّة والنشطة التي تمارسها قطر في عدد من الأزمات الإقليمية، لا تلقى ارتياحاً في بعض الأوساط العربية التي دأبت تقليديّاً على الامساك بالقرارات العربية الأساسية، وهي لا تريد أن تفسح في المجال لشركاء فاعلين، للتدخّل في هذه القرارات.
الوثيقة
هل إن الوساطة القطرية لا تزال في توجّهاتها الأساسية صالحة لإنهاء النزاع في شمال اليمن؟ السؤال مطروح والاجابة عنه تبدو صعبة، بعدما كثر اللاعبون على الساحة اليمنية في ظلّ تفاقم الأوضاع. وللتذكير نعود الى الوثيقة السرّيّة التي وقّعها عبد الكريم الأرياني في ١/٢/٢٠٠٨، وهو المستشار السياسي للرئيس اليمني، وصالح أحمد هبرة عن الجانب الحوثي، ورئيس الوزراء وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن الجانب القطري، في الدوحة، والتي شكّلت محطّة أساسية في إنهاء الفتنة آنذاك.
١ ـ الالتزام الفعلي من الجانبين بوقف العمليات العسكرية بالكامل في جميع المناطق.
٢ ـ تأكيد تنفيذ قرار العفو العام بما في ذلك سحب طلب تسليم يحيى الحوثي من الشرطة الدولية (الإنتربول).
٣ ـ إطلاق المعتقلين خلال فترة لا تزيد على شهر من تاريخ هذه الوثيقة.
٤ ـ عدم التعرض بشأن الحق العام من قبل الدولة لمن شارك في أحداث صعدة. وتتعاون حكومة الجمهورية اليمنية وحكومة قطر لإيجاد حلول لتسوية الحقوق مع أصحاب الحق الخاص في القضايا المحالة على النيابة العامة أو المنظورة أمام المحاكم بعد صدور الأحكام في هذه القضايا.
٥ ـ تشكيل لجنة من الطرفين يتم الاتفاق عليها للبحث عن المفقودين وتسليم الجثث الموجودة لذويها، ويقدّم كل طرف الكشوفات المتوافرة لديه.
٦ ـ تشكيل لجنة مشتركة من جمعية الهلال الأحمر اليمني وجمعية الهلال الأحمر القطري، ومديري المديريّات ووجهاء المناطق، بمساعدة وإشراف من صالح أحمد هبرة، تختص بعودة الحياة إلى طبيعتها في المناطق.
٧ ـ بسط نظام الدولة العام في المديريات كغيرها من المديريات الأخرى في الجمهورية.
٨ ـ إعادة الأسلحة التابعة للجيش والأمن، وكذا تسليم الأسلحة المتوسّطة بعد الاطمئنان واستقرار الأمور بالتشاور مع الوسيط، على أن تسلّم القوائم بعدد وكمّيّات الأسلحة للوسيط للنظر فيها واقتراح ما يلزم بشأنها.
٩ ـ تسليم السيارات والمعدّات التابعة للدولة، وتسليم سيارات ومعدّات المواطنين أو التعويض عنها.
١٠ ـ أن تكون نقاط التفتيش في المنطقة كنقاط التفتيش في المناطق الأخرى من الجمهورية.
١١ ـ احتفاظ المواطنين في المنطقة بأسلحتهم الشخصيّة بحرّيّة من دون استعراض أو ترديد شعارات عند نقاط التفتيش.
١٢ ـ أن يكون وصول عبدالملك الحوثي وعبدالكريم الحوثي وعبدالله عيضة الرزامي إلى قطر، بعد استقرار الأوضاع وتطبيق الاتفاق وعودة الوضع إلى ما كان عليه، وبالتشاور مع الوسيط، وعودتهم من دولة قطر خلال ستة أشهر وبطريقة رسمية.
١٣ ـ إضافة أربعة أعضاء إلى اللجنة الرئاسية وهم: حسين ثورة، ومحمد محمد ناصر المؤيّد، وعلي ناصر قرشة، وصالح شرمة، وتكون مهمّتهم الاشراف والمتابعة الفعلية على أرض الواقع، لتنفيذ ما جاء في الاتفاق الخاص وهذه الوثيقة الخاصة بالاجراءات والخطوات التنفيذية المذكورة أعلاه.
١٤ ـ تعتبر هذه الوثيقة سرّيّة ولا يجوز نشرها أو الافصاح عن محتوياتها إلا لأطرافها ولأغراض تطبيقها.
بعد عامين على توقيع البنود الـ١٤ تدخل الأزمة اليمنية منعطفاً جديداً لا بدّ معه من وثيقة جديدة تتّصل بالحراك الانفصالي الجنوبي الذي يشكّل تهديداً متصاعداً ينطوي على خطر حرب أهليّة جديدة. ومصدر الخطورة الحقيقية يتمثّل في دعم السكان المحلّيّين اليمنيين الجنوبيين للحركة الانفصالية والتي تشكّلت تحت اسم الحراك اليمني الجنوبي، والتي كما هو واضح تعمل ضمن محورين: أحدهما سياسي جماهيري، والثاني عسكري ميليشياوي. ومن ثم، وعلى خلفية دعم السكان المحلّيّين لهذه الحركة، فمن المؤكّد أن العمليات العسكرية والاحتجاجات السياسية سوف تشهد تزايداً متواتراً خلال العام الجاري، وسوف يؤدّي ذلك الى المزيد من المواجهات السياسية والمسلّحة في مناطق اليمن الجنوبي، مع احتمالات أن تسعى الميليشيات الانفصالية الجنوبية المسلّحة الى التغلغل شمالاً، واستهداف بعض المنشآت العسكرية الرسمية اليمنية، وعلى وجه الخصوص في العاصمة صنعاء.
وتشير التوقّعات الى أن التصعيدات السياسية والعسكرية سوف تصل الى قمّتها في يوم ٢٧ نيسان (أبريل) المقبل، وهو يوم الذكرى السنوية لاستقلال اليمن الجنوبي عن بريطانيا، وذلك لأن هذه الذكرى أصبحت تشعل في أوساط اليمنيين الجنوبيين المزيد من المشاعر الوطنية الجنوبية، المصحوبة بالرغبة في استعادة دولتهم، التي أصبحوا يشعرون بأنهم فقدوها وأضاعوا استقلالها، بسبب اتفاقية الوحدة الاندماجية مع اليمن الشمالي. وتشير التوقّعات الى أن انفصال اليمن الجنوبي سوف يشكّل الملف المركزي خلال الفترة المقبلة، خصوصاً إذا ظلّت صنعاء ماضية في توجّهاتها الحالية إزاء الجنوب اليمني. ومن الجهة الأخرى، ظلّت حركة الحراك اليمني الجنوبي تجد المزيد من دعم السكان المحلّيين الجنوبيين. وقد يكون من الصعب المفاضلة حالياً بين خيار الوحدة وخيار الانفصال، فالوحدة مرفوضة بشكل قاطع من جانب اليمنيين الجنوبيين، والانفصال مرفوض بشكل قاطع في أوساط اليمنيين الشماليين. وبالتالي، إذا وافق نظام الرئيس علي عبد الله صالح على الانفصال، فإن النظام سوف يكون قد انتحر، أو بالأحرى نحر نفسه سياسياً، وإن وافق زعماء الحراك اليمني الجنوبي على الوحدة، فإنهم يكونون قد انتحروا، أو بالأحرى نحروا أنفسهم سياسياً. فهل يكون الحلّ في التوصّل الى اتفاقية تتيح للجميع الموازنة بين تطلّعات الوحدويين الشماليين وتطلّعات الانفصاليين الجنوبيين؟ والاجابة بلا شك هي: نعم، يمكن التوصّل الى اتفاق حكم ذاتي، ضمن سلطة سيادة الدولة اليمنية الواحدة. ولكن، هل يستطيع العقل السياسي اليمني المشحون بالبارود، الانفتاح أمام مثل هذه الحلول، أم أنه سوف يواصل حالة الانغلاق وخوض الصراعات السياسية المسلّحة المتمادية العنيدة؟
|