4- ان المطلوب من الحراك هو فقط الابتعاد عن الثقافه الارادويه التي تسلكها الاحزاب القائمه و التي ترى بان الاراده السياسيه هي التي تصنع الواقع ، و انه كيفما تكون الاراده السياسيه يكون الواقع (و لا ننسى أن مهمة الإرادة السياسية هي تغيير الواقع "تغييرا ثوريا" و إلا ما وصل العالم إلى ماوصل إليه من تطور)، بينما الحقيقه الموضوعيه تقول بان الواقع هو الذي يصنع الاراده السياسيه ، و انه كيفما يكون الواقع يجب ان تكون الاراده السياسيه كقاعده عامه ، و ان اية مخالفه لهذه القاعده تؤدي الى كارثه . و هذا بالفعل هو ما اوصلتنا اليه هذه الاحزاب . فعلى سبيل المثال قبل ظهور الحراك الوطني السلمي الجنوبي كانت هذه الاحزاب تنكر القضيه الجنوبيه ، و بعد ظهور الحراك اصبحت تفصّل الواقع على مقاس ارادتها السياسيه ، و تقول بان القضيه الجنوبيه هي مدخل لاصلاح اوضاع البلاد ... الخ . و هذا يعني بان حل القضيه الجنوبيه ليس غايه ، و انما هو وسيله لاصلاح اوضاع الجهموريه العربيه اليمنيه ( الشمال ) . و هذا القول هو ما تقتضيه ارادتها السياسيه و ليس ما يقتضيه الواقع ، لان الواقع يقول بان حل القضيه الجنوبيه هو الغايه و هو الاصلاح في حد ذاته و ليس مدخلا للاصلاح . فهذه الاحزاب لا تعلم بان افعال الانسان و ارادته السياسيه لا جدوى منها الاّ بانسجامها مع الواقع الموضوعي الملموس و قوانينه الموضوعيه المجرده التي تجسّد الاراده الإلهيه نحو الصواب ("الإرادة الإلهية" هنا دخيلة على قانون من قوانين المادية التاريخية و لا تنسجم مع النظرة الدينية للتطور التاريخي... و لكنها ليست موضوع النقاش هنا). فأفعال هذه الاحزاب و أراداتها السياسيه ذهبت سدى و لم تحقق شيئا منذ حرب 1994م حتى الان ، لانها خارج الواقع الموضوعي الملموس ، و هذا دليل كافي على ذلك . و اذكر انني في احد اجتماعات المكتب السياسي في القصر الذي سكنه البيض في صنعاء قبل حرب 1994م عندما كنا نناقش فكرة الدمج بين الحزب و المؤتمر ، و عندما رأيتهم يناقشون الموضوع بعقليه ارادويه خارج الواقع الموضوعي الملموس ، كتبت ملاحظه للدكتور سيف صائل الذي كان امامي في الاجتماع ، و قلت له : عندما يكون الواحد بين غبي و لئيم اين يكون ؟؟؟ . فقال : مع الغبي . فقلت : بشرط الاّ يقود . و عندما جاء دوري في الحديث قلت لهم : انا عندي الحل ، نذهب غداً الى الرئيس و نقول له نحن قد سلمناك دوله و ارض و ثروه و نحن في الحزب لسنا أغلى من ذلك ، فنحن و الحزب امانه في عنقك و نخلص من المشكله . و قد أعتقدوا بان هذه سخريه فأخذ البيض الحديث مني و منحه لأنيس حسن يحيى . و هكذا يمكن القول بان كل هذه الاحزاب قد نشأت على السياسه الارادويه و مازالت متمسّكه بها ، و هي من اوصلنا الى هذه الكارثه التي نعيشها اليوم (كل الأحزاب نشأت على السياسة الإرادوية و لكنها لم توصل شعوبها إلى مثل هذه الكارثة التي أوصلتنا أحزابنا إليها... ترى أين يكمن الخلل؟).
5- ان تدرك اطراف الحراك بان ظهورها المتعدد كان طبيعيا و كان لا بد ان يحصل ، لانه تحصيل حاصل لمواقف قيادة الحزب الاشتراكي الخاطئه التي قال عنها تيار اصلاح مسار الوحده عند تأسيسه في منزل الدكتور عبدالرحمن الوالي بالمنصوره قبل اكثر من 15 سنه ، انها آخر من يعترف بالقضيه الجنوبيه . فلو كانت قد تبنّت القضيه الجنوبيه لكان ظهر الحراك تحت قيادتها و لا يمكن بالضروره ان يبحث عن قياده غيرها و من ثم ما كانت ظهرت مثل هذه الهيئات . و حتى لو كانت قد تخلّت علناً عن القضيه الجنوبيه لكان ظهر حامل سياسي جديد لها قبل ظهور الحراك و لكان ظهر الحراك تحت قيادة هذا الحامل السياسي الجديد و لا يمكن بالضروره ايضا ان يبحث عن قياده غيره و من ثم ما كانت ظهرت مثل هذه الهيئات . و بالتالي فان ظهور هذه الهيئات التي ظهرت في الحراك هي تحصيل حاصل لذلك ، و هي موضوعيا تبحث عن حامل سياسي للحراك و للقضيه الجنوبيه بصرف النظر ان كان اصحابها يدركون ذلك ام لا . وهذا الحامل السياسي هو الذي سيوحد اطراف الحراك . فهي كما اسلفنا نتيجه طبيعيه لمواقف قيادة الحزب الاشتراكي الخاطئه و تحصيل حاصل لها . فلا تبنّت القضيه الجنوبيه و عملت من اجلها ، و لا تخلّت علنا عنها و اعطت فرصه لظهور حامل سياسي جديد لها ، حتى ظهر الحراك قبل ظهور حامله السياسي . و الاسواء من ذلك انها ظلت تصر على ان الازمه هي ازمة السلطه و ليست ازمة الوحده . و اذكر انني عندما يأست من الحزب كتبت رساله للرئيس علي عبدالله صالح تحت عنوان (( رسالتي للتاريخ )) و منسوخه للبيض عبر حسن باعوم بعد الحرب مباشره ، و قلت فيها : ان الازمه هي ازمة الوحده ، و ان الوحده قد حملت وفاتها معها عندما تم اشتراطها بالديمقراطيه ، لانها لا توجد علاقه شرطيه بين الوحده و الديمقراطيه . فممكن للوحده ان تقام بدون الديمقراطيه ، و ممكن للديمقراطيه ان تتحقق بدون الوحده (لا يمكن أن تقوم وحدة ناجحة في هذا العصر إلا بإقترانها بديمقراطية حقة و ما غير ذلك إلا إحتلال و مصادرة لإرادة الشعوب... و لكن من المستحيل أن تقام ديمقراطية بين ديكتاتوريات... في الجنوب كان هناك ديكتاتورية الحزب و في الشمال ديكتاتورية الرئيس... فأي تزاوج هذا الذي يمكن أن ينتج دولة ديمقراطية!!)، و اقترحت للرئيس تعليق الديمقراطيه لمدة عشر سنوات حتى تتم إزالة أثار الحرب و يتم إصلاح مسار الوحده و تقام دولة النظام و القانون (مقترح غريب... الديمقراطية غير موجودة على الساحة إطلاقا لا في الشمال و لا في الجنوب... الموجود هو ديكتاتورية... فكيف تقترح على ديكتاتور يحكم بديكتاتورية عسقبلية متخلفة تعليق أمر غير موجود أصلا "الديمقراطية" حتى يتم إقامة دولة النظام و القانون التي لا يريد هو إقامتها بتاتا)، لانني ادركت بان اشتراط الوحده بالديمقراطيه من قبل الشماليين في سلطة الجنوب و قبولها من قبل الشماليين في سلطة الشمال الذين كانوا يقولون من تحزّب خان ، هي مؤامره لابتلاع الجنوب بالاغلبيه الشماليه عبر الديمقراطيه العدديه كما قال البيض ، و ادركت بعد الحرب بانهم يريدون دفن القضيه الجنوبيه بالمبالغه في الديمقراطيه و ايهام العالم بان الازمه في اليمن هي ازمة الديمقراطيه و ليست ازمة الوحده . و لكنهم لم يفعلوا غير ضياع الوقت و ايصال العلاقه بين الشمال و الجنوب الى الطلاق الابدي . فلا قضية الجنوب دفنت كما كانوا يعتقدون ، و لا دولة النظام و القانون أقيمت ، و لا الديمقراطيه تحققت رغم مرور اكثر من 16 سنه . فهل ما جاء في رسالتي للرئيس كان على خطأ ام ان الذين رفضوه هم الذين كانوا على خطأ ؟؟؟ (الرسالة كانت خطأ و من رفضها كان أيضا خاطئ... و كنتم كالعمية التي تخضب مجنونة!!) . و هل بالفعل علي سالم البيض و علي عبدالله صالح اعلنا وحده في 22 مايو 1990م ، ام انهما من الناحيه الموضوعيه و في المحصله النهائيه لم يفعلا غير اعلان حل دولة الجنوب الى جانب الغياب التاريخي لدولة الشمال و جعل الجنوب مثل الشمال بلا دوله و عرضه لنهب قبائل الشمال و عصابات سلطته ؟؟؟ .
6- ان تدرك اطراف الحراك بان شرعية مطلبها هي من شرعية الثوره في الجنوب ، و ان الخروج عن ذلك يسقط شرعية مطلبها ، و ان حجتها الشرعيه تجاه صنعاء هي في حرب 1994م و نتائجها التي حولت مشروع الوحده الى أسوأ من الاحتلال ، و خير دليل وشاهد على ذلك هو منع الجنوبيين من الوصايه على وطنهم . فلو قالت صنعاء بان الوصي على الجنوب هم العناصر الجنوبيه الموظفه معها في السلطه لهان الامر . و لكن ان تقول انه لا أحد وصي على الجنوب غيرها ، فان ذلك ليس فقط اعترافا بالضم و الالحاق و انكاراً للوحده فحسب ، و انما هو اعتراف ضمني بالاحتلال ، لان السمه الرئيسيه للاحتلال هي الوصايه على الناس و ارضهم و مصادرة سيادتهم عليها ، و هي بالنسبه لنا حقيقه موجوده في الواقع الموضوعي الملموس و تحصيل حاصل لنتائج الحرب ، و إلاّ بأي حق ينهبون أرضنا و ثروتنا و يحرمونا منها و يصادروا سيادتنا عليها ؟؟؟ . فلو عبدالناصر مثلا قام بحرب على سوريا و اجبرها عسكريا على البقاء تحت حكم مصر ، هل ستبقى الوحده بينهما ام انها بالضروره ستتحول الى احتلال كتحصيل حاصل لنتائج الحرب ؟؟؟ . و لذلك فان المطلب الشرعي لكل اطراف الحراك و الذي يستحيل على صنعاء الهروب منه ، هو : الحوار على اساس الشرعيه الدوليه بموجب قراري مجلس الامن الدولي او على اساس الشرعيه الشعبيه بموجب استفتاء شعب الجنوب على قبول هذا الوضع او رفضه و هو ما يسمى بحق تقرير المصير ، بحيث يصاغ برنامج النضال السلمي للحراك الوطني السلمي الجنوبي على هذا الاساس ، بإعتبار ان ذلك هو قاعدة الشرعيه السياسيه و القانونيه للحوار ، و التي لا توجد قاعده للشرعيه غيرها سواءاً جاء غيرها من الشمال او من الجنوب . فقبل ظهور الحراك كانت قاعدة الشرعيه التي يتطلبها الواقع للحوار ، هي : (( ازالة آثار الحرب و اصلاح مسار الوحده )) . و لكن اليوم و بعد ان تحرك الشعب و ظهر الحراك فان الواقع قد اصبح يتطلب شرعيه جديده للحوار ، هي : (( الشرعيه الدوليه أو الشرعيه الشعبيه )) . و اما كيفية الحل على اساس الشرعيه السابقه او الجديده فهي وظيفة الحوار . و لذلك فان من اعتقد بأن قاعدة الشرعيه السابقه تعني الشراكه كحل للقضيه هو لم يفهم الفكره اصلاً . (أتفق مع ضرورة وضع مطلب تقرير المصير و الذي سبق أن وضعته حركة حتم... التي رغم إتهامها بكونها حركة عسكرية لا غير يظهر حقيقة مطلبها الإستراتيجي الذي تمثل في تقرير المصير لشعب الجنوب عن بعد نظر سياسي كونها أول فصيل يطالب بل و يجعل تسميته "تقرير المصير"... كما أن د. أبوبكر السقاف شدد على هذا المطلب في الكثير من كتاباته "7/7 يوم تقرير المصير" أو "حيى على حق تقرير المصير" أو "طال تأخر قطار الفدرالية ولن يستقله أحد ")
يتبع.....
__________________
درة الجنوب ...... الشهيد الطفل عبدالحكيم الحريري
|