عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-23, 05:06 PM   #1
أبو عامر اليافعي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-02-14
الدولة: الجنوب العربي
المشاركات: 18,528
افتراضي

6. اتحاد إمارات الجنوب العربي

منذ أوائل الخمسينات الميلادية تبنت بريطانيا فكرة اتحاد المحميات لعدة أسباب من بينها أسباب سلبية وأخرى إيجابية، فأما السلبية فهي تتمثل في المتغيرات السريعة التي لحقت بها، وأدت إلى انحسار نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، وتضاؤل دورها رغم خروجها من الحرب العالمية الثانية منتصرة وقوة مهيمنة في المنطقة. إلا أن ذلك لم يدم طويلاً حيث فقدت الكثير من نفوذها بعد الحرب عندما استقلت الكثير من مستعمراتها خاصة الهند في عام 1366هـ/ 1947م، وما تبع ذلك من استقلال معظم مستعمراتها في الشرقين الأقصى والأوسط، وظهر ضعف مركزها في المنطقة العربية بشكل عام، ودفع ذلك بريطانيا إلى السعي حثيثاً لإقامة إمبراطورية جديدة لها في أفريقيا مما يتطلب منها إنشاء أوسع شبكة ممكنة من القواعد الإستراتيجية وإنشاء الأحلاف العسكرية، وهنا تأتي الأسباب الإيجابية التي كان محورها في ذلك الوقت أهمية الجنوب العربي للنفوذ البريطاني؛ فالمحميات تشكل مع عدن جزءاً لا يتجزأ من الوجهة العسكرية للدفاع عن الخليج العربي وأفريقيا والمحيط الهندي وبحر العرب حتى استراليا، إضافة إلى أهميتها الاقتصادية المتمثلة بثروتها المعدنية والزراعية. فضلاً عن أن عدن تعد في المركز الأول لتصفية النفط البريطاني. كما شكلت عدن أهمية تجارية؛ لأنها الميناء الوحيد المفتوح بين موانئ البحر الأحمر الغربية والشرقية، والسوق المفتوحة لترويج السلع الانجليزية، ومحطة تموين وصيانة للسفن الحربية والملاحية على الطرق البحرية المهمة، وقاعدة عسكرية مهمة، وأحد مراكز السيطرة البريطانية على مياه المحيط الهندي، كما أن مطارات المحمية الداخلية تتيح لبريطانيا مع قاعدة عدن أن تكون نقاط انطلاق للطائرات البريطانية عند اشتباك بريطانيا في حرب في منطقة الشرق الأوسط.
وقد عُمقت هذه الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية مع تقلص النفوذ البريطاني المباشر في الشرق الأوسط والمحيط الهندي، وبروز الدور الأمريكي والشيوعي في المنطقة قلق الحكومة البريطانية ابتداءً من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أواسط الخمسينيات، وخالجها الخوف من وقوع النفط في أيدي دول عربية عندما يتحقق شكل من أشكال الوحدة السياسية بين الدول العربية، أو في يد الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه سعت السياسة البريطانية إلى إيجاد نوع من النظم الإدارية الموحدة في المنطقة، وفرض المشاريع الدستورية بما يتلاءم ومخططاتها، وفي حين أراد البريطانيون الاحتفاظ بعدن للأسباب السابقة فقد حاولوا صياغة ترتيب سياسي وفقاً لمتطلبات مصالحهم الاقتصادية والعسكرية يكون قادراً على كبح أي تهديد وطني. وكانت الصيغة بسيطة للغاية تتمثل في توحيد الداخل ليشكل الضغط السياسي المحافظ على المصالح البريطانية وقد سار مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي بخطي وئيدة حيث طرح لأول مرة بشكل رسمي في 3 جمادى الأولى 1373هـ / 7 يناير 1954م، عندما عقد اجتماع في دار الحكومة في عدن بحضور توم هيكنبوثام Tom Hickinbotham، حاكم عدن وحكام المحمية الغربية الذين تربطهم مع بريطانيا معاهدات استشارة، وقد أوضح هيكنبوثام للحكام الخطوط الرئيسة للاتحاد الفيدرالي المقترح.
وقد أظهر حكام المحمية الغربية شكوكهم وعدم قناعتهم بالاتحاد، ومن جانب آخر زادت الضغوط الخارجية المؤيدة لمعارضي الاتحاد. ثم ما لبثت الجامعة العربية أن شجبت المشروع ووصفته بأنه نوع من الاستعمار الجديد، ورفعت القضية إلى مجلس الأمن.
وفي 19 شعبان 1375هـ/31 مارس 1956م، ومع نهاية مدة حكم هيكنبوثام لعدن أعاد في آخر خطاب له ألقاه في حضور حكام المحمية الشرقية والغربية طرح مشروع الاتحاد الذي قدمه في عام 1373هـ/ 1954م، وذكر الصعاب التي اعترضت المشروع، وأشار إلى ضرورة إيجاد أي نوع من الترابط بينهم. وحثهم على تنفيذ الاتحاد وأخبرهم أنه يكل إليهم أمر تحضير مسودة المشروع.
وبوصول الحاكم الجديد لعدن السير وليم لوس Sir William Luce (1375 ـ 1380هـ/ 1956 ـ 1960م)، إلى عدن في 24 ذي الحجة 1375هـ/ أول أغسطس 1956م واصل السير على المخطط السياسي نفسه لإقامة الاتحاد. وقد صور له كينيدي تريفاسكس Kennedy Trevaskis، المعتمد البريطاني للمحمية الغربية أن المحمية أسس قيادة من عدن وسيتم مشروع الاتحاد فيها بدون أية معارضة.
وقد عقد حاكم عدن عدة جلسات مع حكام الإمارات، غير أن رابطة أبناء الجنوب رفضت المشروع جملة وتفصيلاً على أساس أنه مشروع انفصالي، يهدف إلى تجزئة المنطقة إلى دويلات تسير دائماً وأبداً في فلك السياسة البريطانية المتقلبة.
وقادت الرابطة حملة شعواء على التوجه البريطاني ونجحت في تكوين جبهة وطنية معارضة لدعوة الحكم الذاتي لعدن وفصلها عن المحميات، وتبنت قيام حكومة قومية في عدن تكون ولاية ضمن ولايات اتحاد الجنوب العربي المستقل، والخاضع لحكومة ديموقراطية شعبية مركزية، وتأكيد أن على أن شعب ولايات اتحاد الجنوب العربي المستقل جزء من شعب الجنوب العربي الكبير، وله حق تقرير المصير، وإنها لا تعترف بأية خطوة تقوم بها السلطات البريطانية أو سلاطين الجنوب لا تتفق والمبادئ السابقة.
وقام حاكم عدن بإجراءات عنيفة لوقف نشاط المعارضين للاتحاد، فقام بنفي رئيس الرابطة محمد علي الجفري في 17 المحرم 1376هـ/ 23 أغسطس 1956 من الجنوب بتهمة قيامه بنشاطات تحريضية. وبعد حين عاد الجفري إلى سلطنة لحج في 29 شعبان 1376هـ/ 30 مارس 1956م وكان رئيس المجلس التشريعي فيها، ووافق حاكم عدن على عودته فأصدر قرار العفو عنه بشرط أن يبقى في لحج ويمنع من دخول عدن ويتوقف عن مزاولة أي نشاط سياسي.
ومع نشاط الرابطة في المحميات لمعارضة الاتحاد أرسل لوس قوة عسكرية لاحتلال لحج عسكرياً وإلقاء القبض على الجفري وأخويه عبدالله وعلوي، وكان لويس يعتقد أن لحج تشكل رأس الحربة في معارضة قيام الاتحاد، وقد نجح كل من محمد وعلوي الجفري بالهرب في حين قبضت السلطات البريطانية على عبدالله الذي نفي إلى جزيرة سوقطرة.
وتبع ذلك خلع بريطانيا للسلطان علي عبدالكريم سلطان لحج وسحب اعتراف بريطانيا به سلطاناً على بلاده في 23 ذي الحجة 1377هـ/ 10 يوليه 1958م.
وقد كان لهذه الإجراءات أثرها إذا أدرك الجميع أن أي سلطان أو أمير يخرج عن إرادة الحاكم معرض للخلع في أي لحظة مهما كانت شعبيته.
ومن جانب آخر حتم الوضع العام في الشرق الأوسط على الحكومة البريطانية الإسراع في تنفيذ الاتحاد لعوامل عديدة منها الزخم الثوري الذي أعقب الوحدة بين مصر وسورية عام 1377هـ/ 1958م، وتعزز وضع الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وبلوغ المد الثوري العربي الوحدوي ذروته والتنسيق الذي تبعه ممثلاً في اتحاد الدول العربية بانضمام اليمن إلى الاتحاد ليوجد في جنوب شبه الجزيرة العربية وضعاً جديداً بالنسبة لحركة التحرير وإمكاناتها، وبالنسبة للاستعمار البريطاني ومخططاته، فقد بات في وسع العناصر الوطنية التي أخذت تشدد من مواقفها العدائية تجاه بريطانيا أن لا تتطلع إلى الحكم في اليمن، بل إلى الحركة القومية العربية التي يقودها عبدالناصر، والتي بدأت في عام 1377هـ/ 1958م، وكأنها على وشك ضم الوطن العربي كله تحت جناحها بما فيه المواقع التي تسيطر عليها بريطانيا في الجنوب.
ومما زاد الخوف والتهديد بالخطر ما يلوح في الأفق من خلافة ولي العهد البدر بن الإمام أحمد الذي عرف عنه التعاطف مع الناصريين، مما قد يؤدي إلى فتح الباب على مصراعيه للمصريين كما أن هناك محاولات السلطان علي عبدالكريم سلطان لحج للسيادة على المحمية الغربية، إضافة إلى بوادر اكتشاف النفط في حضرموت الذي لن يكون لبريطانيا نصيب فيه، إلا إذا تم الاتفاق مسبقاً على نوع من الشراكة والتعاون، ومن الدواعي التي أسهمت في الاستعجال على إقامة الاتحاد المكاسب التي حققها مشروع أبين بوصفه نموذجاً للتعاون بين الإمارات، وما شهدته المحمية من تقدم ملحوظ في مجال الاتصالات والزراعة والمواصلات والتسويق رغم محدودية الدعم الذي قدمه صندوق الرعاية والتنمية التابع لوزارة المستعمرات، وأخيراً كان هناك ضغط بريطاني مبطن وإيحاءات بإمكانية زيادة المساعدات المالية للحكام إذا ما كانوا متحدين في الجنوب.
وكان البريطانيون يخشون أيضاً حال تنفيذ اليمن التزاماتها في الاتحاد أن تصل الروح الجديدة التي تسري في جسم الجمهورية العربية إلى الجنوب العربي، وأن يكون الاتحاد جسراً تعبر عليه القيادة العربية الرسمية لتدفع النضال العربي فيه، كما كانت تخشى المد الشعبي النضالي الذي سيولده قيام دولة اتحادية تنصب على حدود المنطقة التي يحتلها بالقوة، كما لم يكن للبريطانيين تجاهل النشاط الروسي في اليمن ومصر، والذي أظهر ضرورة سيطرة بريطانيا على مضيق باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الأحمر كما هو الحال لقناة السويس البوابة الشمالية.
وقد أسهمت الاعتداءات والغارات اليمنية على المحمية وعلى الأخص المناطق الحدودية منها مع اليمن في دفع حكامها إلى الإلحاح على البريطانيين للإسراع في تنفيذ الاتحاد. إدراكاً منهم لضعف وضع مناطقهم ومكانتها ما دامت منفصلة عن بعضها البعض، وأن السبيل الوحيد لحماية استقلالهم عن اليمن على المدى البعيد هو الاتحاد.
وفي ظل هذه الظروف القلقة بادر مجموعة من حكام المحميات وهم شريف بيحان ونائب الفضلي والسلطان العوذلي وسلطان يافع السفلى ثم انضم إليهم أمير الضالع وشيخ العوالق العليا بإجراء مباحثات حول مشروع الاتحاد، انتهت إلى قيام خمسة من الستة الحكام، باستثناء سلطان يافع السفلى، بزيارة لندن في شهر ذي القعدة 1377هـ/ يونيه 1958م، لعقد المزيد من المباحثات مع الحكومة البريطانية.
وللوصول إلى صيغة نهائية للمشروع، عقد الحكام اجتماعاً مع لينوكس بويد Lennox Boyd، وزير المستعمرات في 28 ذي الحجة 1377/ 15 يوليه 1958، وأكد لهم أن القرار النهائي للاتحاد وعدد الإمارات التي ستدخل فيه من القضايا التي يجب تركها لكل إمارة، أما الحكام فقد أكدوا من جانبهم استعدادهم لقبول الاتحاد، وفي 29 ذي الحجة/ 16 يوليه توجت تلك المحادثات بإعلان الحكومة البريطانية موافقتها من حيث المبدأ على مقترحات الحكام للاتحاد، وعلى تقديم الدعم المالي والفني له. وإبرام معاهدة بين الحكومة البريطانية والاتحاد من أجل الاحتفاظ بحقوق الحماية.
وتم تحديد يوم 3 شعبان 1378/ 11 فبراير 1959 تاريخاً للتدشين الرسمي لاتحاد إمارات الجنوب العربي، ولتوقيع المعاهدة (انظر ملحق المعاهدة بين بريطانيا وحكومة الاتحاد الفيدرالي)، وقد كان لحضور وزير المستعمرات حفل مراسم ذلك اليوم بدعوة من الإمارات المؤسسة للاتحاد دلالة واضحة على أهمية المناسبة كما تم استئجار قطعة أرض من مشيخة العقربي، تقع بين مستعمرة عدن وبلدة عدن الصغرى لتكون عاصمة الاتحاد، وأطلق عليها اسم "الاتحاد".
وأخذت خطوات تنفيذ الاتحاد تسير بثبات، ففي ربيع الآخر 1379/ أكتوبر 1959م انضمت إليه سلطنة لحج مشكلة بذلك خطوة مهمة ودفعة قوية له، إذا أضافت للتجمع أهم إمارة في المحمية الغربية من ناحية عدد سكانها، والمكانة السياسية التي تتمتع بها ، ثم توالى دخول بقية إمارات المحمية الغربية، وامتد الاتحاد ليشمل المحمية الشرقية مبتدئاً بضم السلطنة الواحدية إلى الاتحاد.
__________________
تَهونُ عَلَينا في المَعالي نُفوسُنا * * وَمَن يَخْطَبُ الحَسناءَ لَم يُغلِها المَهرُ
أبو عامر اليافعي غير متواجد حالياً