2009-11-18, 04:28 AM
|
#1
|
قلـــــم ذهبـــــي
تاريخ التسجيل: 2009-06-13
المشاركات: 3,833
|
اليمن: مشهد في فيلم عربي طويل
العرب القطرية
اليمن: مشهد في فيلم عربي طويل
مجاهد البوسيفي
2009-11-17
نذكر طبعا ذلك الفيلم العربي الكلاسيكي الذي ألفه وأخرجه وقام بدور البطولة فيه السيد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، أقصد فيلم (الاستجابة لضغوط الشعب) عندما أعلن قرار عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية (مهما حدث) ثم خرجت الجماهير اليمنية على بكرة أبيها تهدر وتهتف تطالبه بعدم التخلي عن هذه المسؤولية اللذيذة والاستمرار في حكمها شاء أم أبى، وأجبرته بعد عدة مسيرات عفوية ودستة من الاعتصامات الأكثر عفوية، وكومة من العرائض والمطالبات الأكثر من أكثر عفوية، قبل أن يخضع الرئيس المسكين لضغوط شعبه ويضطر للأخذ بخاطره والدوس على كلمته بقلب جامد وإعادة ترشيح نفسه في الانتخابات والفوز بها بشكل طبيعي نظيف وشفاف وسليم ومثالي.
قبل تلك الأحداث التي صدقها البعض في بداياتها كان الرئيس مشغولا في إعطاء اللقاءات الصحفية هنا وهناك باعتباره يقضي مدته الأخيرة في الرئاسة، محرضا الأمة على الدخول في عصر الديمقراطية، ومطلقا نداءات حارة لفتح المجال أمام الشعوب والعمل الحثيث على مواجهة الأخطار التي تتعرض لها الأمة بسبب الديكتاتورية والتخلف والجهل، وتحول السيد الرئيس لفترة إلى صوت معارض للسياسات الرسمية العربية وناقدا شرسا لأوضاع الأمة دافعا بكل جهد لتجاوز الوضع المهين الذي عليه الحال العام والخاص، وهكذا عبر الرئيس لفترة جديدة مدججا بالدعم الجماهيري العارم (العفوي طبعا) وهو دعم من القوة بحيث أصبح الحديث عن توريث اليمن للسيد صالح الابن أمراً دارجاً وشبه معتاد رغماً عن الرئيس نفسه الذي صرح بعد ذلك بأنه لا ينصح ابنه بالترشح للرئاسة لأن الأمر لا يستحق، مشدداً في الوقت نفسه على حقه في الترشح (والعاقل يفهم).
أذكّر بهذا الفيلم لأن اليمن اليوم تعيش نتائجه الكارثية على كل المراحل، فبعد إهمال استمر منذ الستينيات لمحافظة صعدة قرر سكان المحافظة في خطوة لا يمكن الإشادة بها على الإطلاق حملَ السلاح في وجه الدولة أو ما تبقى منها، بعد أن أصابهم اليأس من تحسّن أمور معيشتهم، وكنتيجة طبيعية لتلك الحالة السائدة في المحافظة كانت ردة فعل الحوثيين طفولية بدورها بدأت بشعار (الموت لأميركا وإسرائيل) ثم تطورت إلى حمل السلاح ووصلت اليوم إلى حرب حقيقية شردت الآلاف وفتحت الباب أمام التدخل الدولي في المنطقة وهو أمر ربما يتم بأسرع مما نتوقع.
وبالإضافة إلى الحوثيين بدأ جنوب اليمن في التململ ثم الخروج إلى الشارع للتعبير عن الحيف الذي لحق به بعد أن ضحى بكيان دولته في سبيل إقامة اليمن الموحد ولم يحصل بالمقابل إلا على الإهمال والازدراء والتصنيف الديني المذلّ الذي يغمز فيه النظام كل مرة من سكانه باعتبار أنهم ملاحدة تربوا في أحضان الشيوعية ولا سبيل لهدايتهم.
وبينما اليمن يترنح من كل جهة، كان النظام الحاكم يطلق أوصافه وتصنيفاته غير المسؤولة على أبناء شعبه، فمنهم الملحد والمصاب بإنفلونزا الخنازير والمتطرف المذهبي والعميل لدول الجوار والجاهل والمغرر به.
واليوم يلعب النظام لعبة خطيرة يرهن فيها مستقبل بقائه في الحكم وتوريث البلد للعائلة في مقابل انهيار اليمن بشماله وجنوبه، أي إما بقاء الرئيس ونظامه وإما انهيار البلد بكامله على رأس الجميع، وهو رهان يسير فيه الجميع نحو الحافة دون توقف، سواء أدى للتدخل الخارجي أو الفوضى الداخلية أو أي شيء، المهم أن تستمر لعبة العض على الأصابع من قبل الجميع.
بالطبع ليس من أحد في هذا الزمن يمكن أن يقرّ خطاب الحوثيين المزايد، فما دخل موت أميركا وإسرائيل بمطالبهم الخاصة التي تهم سكان صعدة؟
ولا أحد يمكن أن يوافق على حمل السلاح في وجه الدولة مهما كان النظام متسلطا وغشيما لأن لذلك نتائج تتعدى هذا النظام الذي لا ينظر لأبعد من كرسي الحكم.
استخدام السلاح هو حماقة تنضم لحماقات النظام نفسه، ولكن بالمقابل يجب تفهم الظروف الصعبة التي يعيشها أبناء صعدة وتلك التي يعيشها أبناء الجنوب كغرباء في بلدهم الأم الذي ضحوا من أجل توحده بتضحيات كبيرة لم تجد أي تقدير.
الرئيس علي عبدالله صالح يحصد اليوم الشوك الذي زرعه بالأمس، لكن المصيبة أن الزارعَ واحد والحاصدين كثر.
ليس بغريبٍ أن يتحول الرئيس اليمني من مُطالبٍ بالدخول لعصر الديمقراطية إلى مقاتل لفئات كثيرة من شعبه، فهو في نهاية اليوم ينتمي لأمة موهبتها الوحيدة هي تضييع الفرص والتشبث بالحكم والعصبية مهما كلف الأمر، وسوف يكلف هذا الأمر كثيرا.
[email protected]
www.alarab.com.qa/
|
|
|