الأخوة الكرام أسمحوا لي أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع
أعتقد أن الضرر والخوف الأكبر سابقا واليوم على الجنوب هو من اليمننة السياسية أكثر من أي شيء آخر وأعتقد أن بسببها وبسبب تغلغلها بغطاء الإشتراكي اليمني والإشتراكية وصلنا إلى ما وصلنا إليه
وأعتقد أنه بدون تفكيكها منطقيا وتوضيح مغزاها والوعي بخطرها علينا وعلى وطننا ووضع خطوط فاصلة بين مانؤمن به وبين هذه اليمننة السياسية سنبقى كثيرا ندور في نفس الحلقات المغلقة
طبعا المقصود باليمننة السياسية إختصار هو تبرير تاريخي لأطماع وطالب غير شرعية لجهة عند أخرى في الحاضر والمستقبل وبغطاء تاريخي وإنه ومن خلال التاريخ سوءا كان محرفا أو حتى الصحيح منه وتوجيه مساره تمكنوا من إقناعنا وتثبيت اليمننة السياسية في أنفسنا والتي يهدفون من خلالها إلى جعل التاريخ جسرا يعبرون من خلالها إلى نزرع هويتنا ومواطنتا وكياننا التاريخ والنفسي والحقوقي وأصبحوا يبررون لأنفسهم ويجدون مبررات تجعل من الجنوب كيانا وشعبا وثروات مجرد جزء أو ملك من أملاك الجمهورية العربية يجب أن يعود له وينضم له ويتبعه وأن الحق يفترض ذلك والتاريخ يؤكده
( اليمننة السياسية لا التاريخية ولا الطبيعية ولا الفكرية ولا غيرها فهذه لا مشكلة فيها فمن حقك أن تعتبر نفسك يمنيا تاريخيا أو عربيا أو أمميا لكن هذا الحق لايجب أن يجعلك تظن أن لغيرك حقوق في بلدك وأنك تابع للكيان أو للكيانات السياسية التي تشكل جزء من هذه الأسس التاريخية أو الأيديولوجية وأن دينك وإسلامك ومواطنتك السياسية وحقوقك لاتكتمل الا إن سلمت مصيرك لهذه الكيانات وشعوبها كتابع )
بل أنه حتى الإسلام والدين لايصح إلا بإيمانك باليمننة السياسية وحتى أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لاتنطبق علينا إلا أن جعلنا اليمننة السياسية واقعا وأعترفنا بها بينما في الحقيقة وبغض النظر عن تعريفنا لليمن وهل هو كيان سياسي أو منطقة جغرافية أو مصطلح جهوي أو شعب واحد أو غيره حتى حين قيلت تلك الأحاديث من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يكن في حينها يتحدث عن يمننة سياسية وكيان سياسي موحد لأنه حتى حينها كان اليمن المزعوم على الأقل بثلاث بنى مجتمعية مختلفة جدا وتسهيلا لنقل بثلاثة كيانات سياسية حاكمة
والمشكلة الأكبر أننا جميعا أو لنقل غالبيتنا نؤمن بهذه الخرافات والأساطير التي عبونا بها التي من كثر تكرارها أصبحت واقعا وحقائق بينما هي في واقعها مجرد تبرير تاريخي لمطامع سياسية قديمة وقديمة جدا
والأدهى أن بعضنا حتى مع إيمانه بحقه لازال يحس ببعض تأنيب الضمير وكأنه يجرم أن طالب بحقه لتعزز القناعات السابقة ولعدم إتاحة الفرصة لغير أصحاب الرأي القائل بها لدحضها علميا ودينيا وبالحقائق
طبعا التاريخ الحقيقي لايقول بما يزعمون مطلقا بل يقول بما هو عكسه تماما
لكن حتى لو فرضنا ذلك ولو فرضنا أننا كنا شعبا وكيانا سياسيا قبل الاف السنين أو حتى قبل مئتي عام وقبلنا بذلك جدلا فهل يعني ذلك وجود حقوق سياسية وسيادية لهم في أرض الجنوب اليوم
والمشكلة الأخرى لليمننة السياسية إنها غرست مفهوم المواطنة التاريخية في الجنوب وفقا لمفهوم ورؤية أحادية للتاريخ مبنية على هدف سياسي لايسمح بمناقشتها أو الإختلاف معها أو تبني غيرها أو حتى تبني جزء لها ولأجلها يحرف ويزور الكثير من الحقائق وعممت بدلا عن المواطنة السياسية العصرية والمتعارف عليها في كل زمان ومكان فكل مواطن يمني هو تلقائيا مواطن جنوبي حينها وفقا لنظرية المواطنة التاريخية التي طبقت في الجنوب بل زيد عليها أن المواطن اليمني من غير ذوي الأصول الجنوبية يتمتع بحقوق أكبر وأكثر في الجنوب ولو كان لم يمر على وجوده على أرض الجنوب الحر الا ثواني معدودات بينما يومها وحتى اليوم من الممكن أن يشكك في أصل أي جنوبي أصوله غارقة في عمق التاريخ الجنوبي وأجداده عاشوا الاف السنين ولم يكونوا في أرض غير الجنوب طول تاريخهم فقط لأنه إعترض أو لم يتفق مع مطامعهم في الجنوب أو حتى كان له رأي معارض أو تفسير مغاير للتاريخ
ولاتستغرب مثلا إن سمعت من أحدهم اليوم أن هذا الحضرمي أو ذاك اليافعي أو الآخر الشبواني أو غيرهم ممن جذورهم متشربة في أرض الجنوب أن هؤلاء ليسوا يمنيين وطبعا هو لايقصد يمنيين بتعريفنا لليمننة بل يقصد أن يسلبك هويتك حتى الجنوبية وأصولك الجنوبية ويشكك بنسبك أي يقصد أنهم لاينتمون أصلا لهذه الأرض الجنوبية وليسوا جنوبيين بإعتبار الجنوب جزء من يمنهم المزعوم وأننا دخلاء وغير أصحاب حق ومواطنة ، وهذا مايتنافى مع مفهوم المواطنة ومفهومهم حتى لليمن التاريخي وحتى لو كنا فعلا لسنا في الاصل القريب أو حتى البعيد جنوبيي الجذور طالما تمتعنا شرعيا بجنسية الجنوب ، لكنهم هم غير الجنوبييين جنوبيين ويمنيين أكثر من أهل الأرض فهي أصلا ملكا لهم ونحن ضيوف أو حتى زوار ثقيلي الدم لديهم
ولو طبقنا ذلك ( مفهوم تسيس التاريخ وبناء الكيانات السياسية على أسس تاريخية مزعومة ومفهوم المواطنة التاريخية ) لو طبقناها جدلا على كل أصقاع العالم فهل سيكون العالم كما هو عليه اليوم
وعليه أعتقد أنهم من خلال الإشتراكي اليمني سعوا حثيثا لليمننة السياسية لا للإشتراكية وللآسف نجحوا فيها
وعبر الإشتراكي اليمني فرقوا الجنوب ليوحدوا وليتمكنوا من توحيد يمنهم المزعوم
وعليه أيضا فلو نظرنا وكمقارنة لكل الدول التي تبنت الإشتراكية في نفس الفترة لوجدنا أنه حتى لو أثر فيهم هذا التبني كتبني أيديولوجي لفترة معينة الا أن تأثيره إنتهى بإنتهاء الفكرة وسقوط النظرية والتطبيق ككل فكرة إنسانية وبعدها عادت كل البلدان التي ضمت أو أحتلت أو حتى قسمت وفقا لأنظمتها الإشتراكية في حينها كل هذه البلدان عادت لما كانت عليه وأستعادة كيانتها وأستعادة طبيعتها التاريخية ببساطة بسقوط الإشتراكية بغض النظر عن الأيديولوجيات الحاكمة والسبب بسيط أنها لم تفقد هويتها ومواطنتها السياسية وإن فقدت إستقلالها السياسي الا أنها بقيت أوطانا بهوية معروفة غير تابعة
وهو الأمر الذي لم يحصل في الجنوب فسقوط الإشتراكية في العالم ولاحقا في الجنوب لم تكن نتائجه مشابهة لنا لأن فترة الاشتراكية إستغلت لليمننة السياسية وكانت خلفية لها فحتى إن تغيرت الأيديولوجيا إلا أننا فقدنا الهوية والوطنية والمواطنة الجنوبية السياسية بل أن بعضنا رغم كل شيء لازال يحس أنه جزء من بلد غيره وأنه حتى لو طالب بإستعادة وطنه فذاك نتيجة ظلم عابر لا نتيجة حق طبيعي له لايبرر ضياعة عدل ولا يوجب إستعادته فقط وجود ظلم
ثم لنرى الإشتراكي اليمني وتصرفاته فنراه في الجنوب وحتى اليوم يصر على تفريق الجنوبيين على أسس فكرية وأيديولوجية وبشعارات الرجعية والسلاطين والطبقية وغيرها ويصنف هذا وذاك من الجنوبين وفقها ويقصي هذا ويبعد ذاك حتى في يومنا هذا وهم مع الجنوبيين إشتراكيين أقحاح يلتزمون بكل مبادىء وأفكار تلك الإشتراكية وقناعاتها
بينما الوضع مختلف تماما في الجمهورية العربية اليمنية فهم يجلسون مع كبار شيوخهم ورجعييهم وكبار إقطاعييهم كتف بكتف بدعوى أن الأوطان أهم وإن هؤلاء جزء طبيعي من البنية المجتمعية لديهم يجب تقبلهم كما هم حتى لو أختلفوا ويرمون كل شعاراتهم وايديولوجياتهم الإشتراكية عرض الحائط هناك بل لايمكنك أن تشم ريحة إشتراكيتهم هناك معهم فيا سبحان الله
ومنه يتضح جليا أن المعيار لهم هو غرس اليمننة أكثر منه تبني الإشتراكية
فحين تعني الإشتراكية تقسيم الجنوب ايديولوجيا وغرس التفرقة الجنوبية ليمننة الجنوب سياسيا فهم معها وحين تعني الواقعية والإبتعاد عن الأيدلوجيات توحد الشمال شعبا وبنية مجتمعية في إطار يمننة سياسية واحدة فهم معها على أساس أن المواطنة أهم من الأيديولوجيا ولو تخلوا عن التزمت الإشتراكي بل وحتى كل الإشتراكية
تحياتي وأعتذر عن الإطالة وربما لي عودة