عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-03-20, 08:44 PM   #2
همام الجنوب
قلـــــم نشيـط جــــداً
 
تاريخ التسجيل: 2008-03-14
المشاركات: 151
افتراضي

> من وجهة نظرك ما هي أبرز مصاعب وإشكالات دولة الوحدة منذ قيامها والتي أدت وأفضت بها إلى الاحتراب والتدمير وإعلان الانفصال بين صناعها الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام؟
- ألقيت محاضرة قبل قيام الوحدة بأربعة أشهر في نادي الصحفيين في التواهي، وقلت إن كل المشاكل ستنبعث الآن من جديد، لأن الاقتراب والازدحام على المصالح هو الذي سوف يثير الحساسيات. كان (فيما مضى) هذا يعرف أنه شمالي وهذا عارف أنه جنوبي، لكن عندما توصل هذه القضية إلى زحام منفعة وإلى وصولية وظيفية لا بد أن ترتبك المفاهيم، يحدث بين أبناء المدينة الواحدة، بين أبناء المدرسة الواحدة، لأن هذا موضع الانتفاع، كل واحد يريد أكثر من الآخر، وكل يريد أن ينال ما لا يناله غيره، وكل يريد أن يصل إلى ما وصل من هو أكبر وأكفأ منه. هذه كلها توجد في الدواوين الوظائفية أو في المتاجر أو في أي مكان، لأن الاختلاف والاشتباك من طبيعة الخُلطة، الخُلطة لا بد أن تؤدي إلى عداوات وإلى منافسات، لكن فهمها والدراية بالعداوات (ضروري). يجب أن يكون هناك عداوة لأنها من طبيعة الاختلاط، ولكن لا بد أن يكون هناك شرف العداوة، يعني إذا عادى لا يبلغ المنتهي في الإساءة إلى عدوه أو يستغل به الفرص أو يهاجمه في حالة ضعفه، هذا في حالة المفهوم الإنساني وليس المفهوم السياسي. قلت لهم: لا بد أن تحصل مشاكل، قد يكون أهونها قيام حرب. وقالوا: ليش تقول كذا؟ وضاقت السلطة هنا وضاقت هناك، ولكن ما كادت تمر ستة شهور حتى قالوا صدق البردوني.
> حديثك يوحي بأنه ليس هناك أمان أو مأمن على دولة الوحدة، خاصةً وأنها تجاوزت أصعب اختبار لها؟
- كل وحدة مهيأة للانفصال كيفما كانت. أما وحدتنا فهي منفصلة من يوم قامت، لأن كل فريق كان ينوي إلغاء الفريق الآخر بهذه الطريقة أو بتلك. كان الجنوب واثقاً أن عنده حزب، عنده سياسة منظمة، وعنده (أجهزة) استخبارية منظمة، وأن علي عبد الله صالح "قبيلي" ما عنده من الرؤية السياسية ولا عنده ما يمكن أن يحمي به نفسه ويضر به غيره، لا أكثر من هذا. كانوا يريدون أن ينحوه من السياسة الكبرى أو من زحام السياسة (بحيث) يكون رئيساً رمزياً. هو عرف الوثيقة التي اشتهرت أنه لن يكون إلا رئيسا رمزيا، وأن الحكم الداخلي في يد علي سالم البيض، وهو رئيس جمهورية وذاك نائبه، والقضية كانت كلها زحزحته من المناصب المباشرة وأن يجعلونه رمزا. لكن تلك الوثيقة ظلت كما هي وظل كل واحد يشتغل من خارجها بالطريقة التي تتيسر له ويحس أنه أقدر فيها من غيره.
> تعتقد أن الوثيقة برنامج سياسي لدولة الوحدة أفضل بكثير من تصورات الحزبين الحاكمين حينها؟
- نعم. ولهذا كانت مقبولة. كانت معالجة للأخطاء التي كونتها الوحدة. وبعدها عندما دخلوا الوحدة عرفوا ماذا يريدون لكي تبقى الوحدة، فكانت الوثيقة أشبه بملتقى الآراء، كيف تكون الوحدة، لكان مقبولاً لو أنهم نظروا إلى البلد. الذين كتبوا له الوثيقة، مثلاَ كانوا يعرفون أن قادة المعسكرات من أقارب الرئيس، طيب الوثيقة تقول ما يكون القائد العسكري إلا مدة عامين؛ لهم الآن خمسة عشر عاما وهم قادة وما احد قادر يزحزحهم، فشافوا الذي يكون، لكن كيفية كونه لا ما أحد فكر فيها.
> قلت إن كل وحدة قابلة للانفصال، لكن وحدتنا من أساسها منفصلة، كيف؟
- يعني ما كان هناك ضوابط مشتركة، ما كان هناك حس مشترك، ما كان هناك تعاون على تجاوز السيئ إلى الأفضل أو تجاوز الكائن إلى الممكن، ثم تجاوز الممكن إلى المستحيل أو الذي كان مستحيلا. لكن هذه الوحدة عندما قامت كان كل واحد من الجانبين شاعر بفرديته وتميزه على الآخر. هذا يقول تميزي لأني سياسي وهذا يقول تميزي لأني شمالي. والشمالي متعود أن يفتتح البلدان ويدوخها، يعتاد أن يهاجمها حربياً، يعتاد أن يظل حاكماً بشكل أو بآخر. تكاد أن تكون الشمالية أو ما نسميها الهضاب من يريم إلى صعدة إلى كوكبان إلى حجة، بلاد جعلت من المناطق السفلى، اليمن الأسفل، تعز وإلى أطراف الجنوب، وترى أنها أحق بحكم هذا المكان، وأنها ما خلقت إلا لتحكمها، وأن كل ما فعلته لهذه المنطقة (هو) لليمن كله وباسم اليمن كله، سواءُ كان موافقا على هذا السوء أم غير موافق. وهذا يشبه المارونية في لبنان، الموارنة في لبنان بدأوا يسقطون من كونهم حكاما فقط. هؤلاء المارونيون إذا تكلموا عن مصالحهم أو عن مذهبهم فيروا أنهم معبرون عن لبنان كله. يسمون قواتهم المسلحة "القوات اللبنانية"، يسمون كتائبهم "الكتائب اللبنانية"، وكأنهم هم لبنان. في كل شعب من الشعوب منطقة تكون لها سيطرة أكثر، مثل العلويين في سوريا. وهذه الحساسية تكاد تكون غير موجودة في مصر، لأن مصر بلد جمعها نهر، وكلهم اضطروا أن يكونوا مجتمعين حوله، بفضل هذه الرابطة الإنسانية الانتفاعية كانت مصر موحدة وما في هناك مكان أو منطقة تشعر أنها الأحق تحكم الثانية ترى أن الحكم هو كفاءة وليس مناطقي.
> كيف ترى أو يجب أن يكون نموذج دولة الوحدة؟
- أقول لا بد أن يشعر المتحدون أن هناك حاجة إلى وحدتهم في دولة واحدة. أولاً، يعرفوا أن هناك حاجة. ثانياً، يعرفوا أنه بتجمعهم وتعاونهم سيخلقون بلاداً أفضل (أي) لكي تكون اليمن بعد الوحدة أفضل منها قبل الوحدة. ثالثاً أن يكون هناك حس أننا كلنا شركاء في خلق بلاد أكثر رخاءَ وأكثر علماً وأكثر ثقافة، ويكون هذا شعور في النفس يحسه كل واحد أنه حاجته الخاصة، إذا تحققت هذه الأحاسيس فكل واحد سيحمي هذه الوحدة بحيث أنه لا ينتوي أحد أن يلغي الآخر. فالوحدة كان ينبغي أن تكون أُخوة مطلقة، وأن ينتقلوا مما كانوا عليه إلى ما هو أفضل (بحيث) ينسى أنه هذا كان حاكما في عدن وهذا حاكما بصنعاء، الآن هم حاكمون لليمن كله، وأن عليهم مسؤوليات وأن لهم حقوقا وواجبات، فإذا اتحدوا بنية خلق يمن أفضل وسياسة أحسن فهذا هو الذي كان ينبغي. لكن ما أحد كان عنده هذا التصور؛ أن الوحدة اشتراك في الأمر والاشتراك معناه التعاون والتضافر على كل شيء. لو سادت التعاونية والتضافر كان ممكناً أن يخلقوا وحدة أفضل تخلقها وتوجبها المصالح المشتركة والمكاسب التي يشاهدها الشعب رأي العين. لكن عندما توحدوا تضخم الجهاز تضخم، تضخم حتى أصبحت الدولة رأساً كبيرا على عنق نحيل (ضاحكاً).
الحقيقة أن الوحدة كانت مأساة، وأن المرء يلاحظها من اليوم الثاني، ما أحد مثلاَ شعر حساسية الصنعائي نحو الريف، حتى الريف في الشمال. الصنعائي عنده حساسية أن صنعاء صنعاء وأن كل الوافدين عليها طرأوا (عليها)، وأنهم تلقوهم قهراً وأنهم اختلطوا بهم قهراً، ويعتبروا نفوسهم أنهم أحق بالأمر. وطبعاً إلى جانب صنعاء ما حول صنعاء شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. فهذه الحاسة ما يميتها إلا ثقافة كبرى وتعلم أكبر ومفهوم للسياسة أجود وحس بالمسؤولية: كيف يخدم بلده؟ وكيف يطور أوضاعه؟ وكيف يومه أحسن من أمسه وغده أحسن من يومه؟ وهكذا يعني هناك زعامة حقيقة. الزعامة الحقيقية ما تجسدت في أي شخص ولا في أي حزب.
> من خلال تجربة النظامين الشطريين السابقين ما أبرز إيجابياتهما وسلبياتهما؟ وما هي الأفضليات التي يجب أن تسود وتعمم في دولة الوحدة بدلاً من إشاعة الفوضى والفساد؟
- أنا في الحقيقة قد أومأت إلى هذا، وهو الشعور بالتعاون، وأنهم مسؤولون أن يخلقوا مجتمعاً أفضل. هذا لم يوجد. فكيف يمكن أن يوجد؟ وجوده يضمن بقاء دولة واحدة، عدمه يفصل الدولة إذا ظل كل واحد كما كان عند أمه وفي السلطة يستغلها كبستان أو كمزرعة أو كمتجر. لا. هذا في الحقيقة ما يجب أن يكون له من الوحدة إلا نصيب مثل أحد المواطنين، له امتياز الحكم، له امتياز أنه رئيس، له امتياز أنه نائب رئيس، له مميزات أنه مدير، له مميزات أنه رئيس وزراء، هذه حقوق له من حقه؛ لكن من واجبه أن يجعل هذه الثقة في محلها، وأن يكون عاملا في كل تحركه وسكناته من أجل الكل.
> لكن أريد أن أقول لك ما هي أفضل الإيجابيات التي كانت في النظام السابق في المحافظات الشمالية أو الجنوبية؟
- كل ما كان كان سيئا. ما في ولا مزية أبداً. من يوم ما توحدوا إلى أن انفصلوا.
> من قيام الثورة حتى يوم الوحدة ما أفضل الإيجابيات التي كانت موجودة في الشمال أو في الجنوب والتي يفترض أن تعمم في دولة الوحدة؟
- الذي كان موجودا قبل الوحدة هو الذي ساد بعد الوحدة. ليس هناك تغيير أبداً. كل واحد دخل الوحدة بشعور الفردية وبشعور الإقليم.
> هل ترى أن الثورة اليمنية، بشقيها: سبتمبر وأكتوبر، وما رفعته من أهداف تحررية عظيمة وما ناضلت وضحّت من أجله الحركة الوطنية اليمنية... هل ترى أن الثورة اليمنية حققت تلك الأهداف والغايات النبيلة؟
- لا، أبداً. ما حققت أي غاية نبيلة ولا حققت أي هدف، لأنها كانت تنقل مشاكل العهد البائد إلى العهد الحاضر إلى جانب ما تجدده وتستجد من مشاكل وأزمات. كانت الدولة تركم المشكلة فوق المشكلة والمأساة فوق المأساة والأزمة فوق الأزمة، وما كان عندها شعور (بأهمية) الحل من أول أزمة، فإذا جاءت الأزمة الثانية تكون وسائل حلها موجودة. ظلت المشاكل تتصل بالمشاكل. عندنا في صنعاء مثلا مجاري المياه لها تقريباً ست سنوات وهي تسد طريق المطار وتنشر للناس الروائح والذباب والأوبئة، وما أحد قال إنه في رئيس دولة. الحقيقة ما نقول إن الحكم عندنا حكومي، الحكم عندنا رئاسي مثل ما هو ملكي في السعودية وكما هو أميري في الإمارات، مثل ما هو رئاسي في مصر. الحكم عندنا ما هو حكومي أبداً. مثلاً يقولون فلان رئيس وزراء، رئيس الوزراء مجرد كاتب عند الرئيس، الحكومة كلها رئاسية، وليست الرئاسة مجرد رمز يسود والحكومة قوة تنفذ. لا، القوة التنفيذية والقوة السيادية هي للرئاسة.
همام الجنوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس