لا يستطيع الرئيس حل قضية لا يعترف بوجودها بقلم: ''د. أبو بكر السقاف''
لا يستطيع الرئيس حل قضية لا يعترف بوجودها بقلم: ''د. أبو بكر السقاف''
صنعاء – لندن " عدن برس " : 24 – 8 – 2007
أوضح رئيس الجمهورية في حديثه إلى الوسط في 15/8/2007م بجلاء أن قضية الجنوب أبعد
ما يكون عن الحل، بل هي لا تطرح بما هي كذلك بعد أن مزقها أشلاء ونتفا صغيرة "تم استغلالها" من قبل "أولئك الذين بالغوا بالإثارة في بعض المحافظات الجنوبية" ورتب على هذه المقدمة الخاطئة حكما خاطئا "فهم أشخاص لا يمثلون غير أنفسهم ولا يمثلون هذه المحافظات.
كلمة بقصد غير صحيحة في وصفها لما يحدث في كل الجنوب، وهذا أمر كبير وحقيقة ظاهرة تملأ الأسماع والأبصار منذ نحو خمسة أشهر وأما عزوها إلى "القوى المهزومة سواء في الداخل أو في الخارج وبالذات أولئك الذين رحلوا إلى الخارج وغابوا عن الأنظار وكما قيل "من غاب عن الناظر غاب عن الخاطر" فهو تفسير أقل ما يقال عنه إنه روتيني هنا وفي غير بلد عربي لا يرى حاكمه واقع بلاده، حتى وهو يتدهور باتجاه الهاوية ويتسلى بإرجاع كل ما يحدث إلى الخارج، وهذا ضرب من نظرية المؤامرة التي تتحكم في التفكير السياسي لا سيما في الأنظمة الأمنية، التي تجعل الأولوية المطلقة لأمن صاحب الدولة، وبعدها تأتي الأوليات الأخرى، المرتبطة بهذا المبدأ الحاكم، الذي أصبح علة وجود الدولة، ونسمع ردا على هذا الفهم للدولة ينداح قادما من مسافة زمنية، عمرها خمسة وعشرون من القرون "ولكن الدولة لم تخلق لرجل واحد" أنتيتونا(سوفو كليس، انيتغونا)
وهذا الإمعان في الزهو بنصر يبدو اليوم مشكوكا فيه وغير مجد ليس من الحكمة السياسية في شيء، لا سيما وقد بلغت القلوب الحناجر.
ولكنه في سياق حديثه يبدو متسقا مع مقدماته وإن تناقضت مع الواقع والوقائع، فكل هذا الضجيج لا معنى له في نظره، فالأمر بقضه وقضيضه كما كان أسلافنا يقولون، لا يستحق هذه المبالغة، فهو ليس إلاّ"حالات نادرة "وقد حدث تقاعد غير قانوني لحالات نادرة" إن الواقع محجوب وراء تصورات وأفكار لا علاقة لها به ولذا يغيب في حدود مجال الرؤية، ولا تسعفه على بعض الرؤية "الحالات النادرة" إنه يحاور تصوره عن الواقع لا الواقع والوقائع. وحال قضية الأراضي تجري على هذا المنوال نفسه، إذ يلخصها في "تمليك من وقفوا في صف الوحدة وتعويض الإخوان الذين غرر بهم" تبدو العدالة ناجزة وكأنها تنزل رحمة وعفوا وغفرانا على الجميع حتى الذين غرر بهم.
لن نذكر الأراضي التي نهبت في أبين وحضرموت، ويكفي ما يلي عن عدن: "وجميع الاعتداءات والتصرفات ضد أراضي الملاك من كافة الجهات الحكومية (المساحة العسكرية، المؤسسة الاقتصادية، هيئة الأراضي) وهذه فقرة من رسالة من لجنة ملاك الأراضي الزراعية في عدن - لحج وقع عليها (661) شخصا. الأيام 18/8/2007م.
بيد أن الذروة الدرامية تأتي عندما أجاب عن السؤال المتعلق بالشكاوى من مواطنين كثيرين ضد أعلى المسئولين، فالمسألة لا تعدو البطء في "أصدرنا توجيهات إلى اللجان المشكلة والجهات المعنية فحصل بطء منها، مما دعا القوى السياسية إلى استغلالها.. وحددنا لها سقفا زمنيا لا يزيد عن شهر" بطء استثنائي عمره نحو 14 عاما، لم يجترحه حتى حكام الأقاليم والمتصرفيات في عهد الدولة العثمانية، والمكان اللائق به ليس تاريخ علم الإدارة بل موسوعة جينس المعروفة التي تحرص على جمع الطرائف والعجائب في صعيد واحد.
اتسم الحديث بالحدة التي تمثلت في أوصاف أطلقها على من كان بالأمس نائبا للرئيس ورئيسا للوزراء ووزيرا للمغتربين دون بينة إلا الإشادة بنفسه في جمل مترعة بالمدح الذاتي، وكلها لا تتسق "وثقافة الكلمة" التي يطالب بها نقاده ونحن نعرف كيف عاملهم بتسامح رفيع ونذكر تمثيلاً لا حصرا الزملاء عبد الكريم الخيواني، ونبيل سبيع وعبد الله سلام الحكيمي وخالد سلمان وعبد الفتاح الحكيمي.
أما حديث الأفاعي وهو يتكرر عنده في تصوير اليمن والسياسة اليمنية فهو يشي بفلتات اللسان التي يذكرها فرويد في تحليله النفسي للكلمات والعلامات.. أما الأفعى ومهندس المال، فالرئيس يعرف من الأفعى ومن صاحب بيت المال ، لا سيما في تاريخ الوحدة منذ لحظات النفق الصغير إلى النفق الكبير الذي تتخبط به البلاد.
اقتصرت هنا على القضايا المتعلقة بقضية الجنوب، والمطالب الكبيرة والعادلة للمتقاعدين المدنيين والعسكريين وكل الذين ظلموا ويظلمون، ولم يكن الجنوب يوما ولن يكون مشروعا صغيراً لحفنة من الساسة، إنه قضية بحجم وطن وسماء حرية وراية أما المشروع الصغير الوحيد في بلادنا فهو هذه الدولة التي تدعي أنها قائمة باسم قضية كبيرة وتجسدها بينما هي لا تعدو أن تكون نظام أقلية جهوية جغرافية تتبع داخلها أقلية أصغر منها، ثم مجموعة مغلقة وجد صغيرة لا تحاور إلا نفسها تحيط بفرد يمثلها ويختزلها والجهة الجغرافية، وما يسمى وطنا يقع بالنسبة لأهل البلاد في الجنوب والشمال والشرق والغرب في دائرة الافتراض والحلم المنشود، فهذه الأقلية وصاحبها هي الدولة، وهي التي تحكم، وما مجلس النواب والوزارات والحزب الحاكم إلا وكالات معتمدة لتصريف الأمور الإجرائية.. "إمامة" قبيلة معكوسة بدثار ورعاية امبريالية أمريكية.
مرجع هذه السلطة ليس الشرعية الدستورية بل القوة العسكرية وتبدأ من الجمع بين رئاسة الجيش والدولة ومن هنا فإن مسلمة أن الأصل مدنية الدولة يحتاج إلى برهان (سؤال الزميل المحاور) إن مدنية الدولة بداية البدايات وهي التي لم يقترب منها التفكير السياسي في بلادنا حتى اللحظة مع أنها أساس البناء وطوق النجاة، هنا وفي غير بلد عربي وإسلامي.
إن كل ما جاء على لسان الرئيس في هذا الحديث يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يريد حلاً للقضايا ولا يفكر فيها من الجانب الصحيح وأنه لا يزال يفكر ويقرر داخل نشوة يوم 7/7/94م وأنه يبدو غير مبال بحركة الزمان وبأن الناس ينضجون داخل عذابهم فيقررون مواجهة المصير وأن الجمهور ليس دمية تحرك من قرب أو بعد، وأن المراهنة على شق الصفوف وملل الناس وقلة صبرهم أمور لا تصدق دائما لا سيما عندما يكون الحق أوضح وأبهى من شمس عدن.
* نشرت صحيفة لا يحضرني اسمها أنه تم صرف أراض في عدن لسراة البلاد وأعيانها وأنجزت الإجراءات في الأسبوع الذي بدأ بـ7/7/2007م، والاعتصام الكبير، ومعروف أن الصرف في عدن بيد الرئيس وحده.
نقلا عن صحيفة " الوسط "
الأربعاء 22 أغسطس 2007
|