د. سعيد الجريري
كأن الزميل العزيز احمد الشلفي المحلل الشمالي الوحيد في قناة الجزيرة الموقرة .. لا يدري أن عدن غسلت يدها من الوحدة في 1994، ثم جددت طهورها في 2007، وتوضأت بدماء أبنائها الطاهرة في 2016، ولم يكن الطرف المعتدي عليها سوى صنعاء السياسية، وفي كل مرة يتغير العنوان فقط، أما النص فهو هو نفسه!.
.
.
يعني يريدون من عدن أن تكون مسيحا، كل يوم، يتسامى في زمن وضيع؟! ، كأن تواجه العدوان مثلا، على أمنها واستقرارها بمنتهى أريحية المسترخي على شاطىء صيفي! .
التأكد من هوية أي فرد في المدينة كائنا من كان، لا يمس كرامته ولا هو اتهام له، وهو من الإجراءات البدهية في الظرف الطبيعي ناهيك عن الاستثنائي كالذي تعيشه عدن التي تستعيد ذاتها.
هناك منطق وهناك واقع أيضا. فعدن التي كانت مدججة ومطوقة بألوية وقوى عسكرية وأمنية عفاشية متحوثة (معادية بالطبيعة والضرورة ايضا) وجل قادتها وجندها من (الشمال سابقا) وكانوا أشد قسوة عليها من إسرائيل المجرمة على فلسطين. فهل يراد أن نفهم أن الأرض انشقت وابتلعتهم، وليس كثير منهم يؤدي مهام عدوانية، بعد هزيمتهم، وفق خطة مرسومة، تهدف إلى انتكاسة ما؟.
من نافل القول أن عدن، كما هي حضرموت - وهذا معلن ويعرفه العالم - لم يعد للوحدة اليمنية فيهما نفس، فلا علمها يرفع، ولا نشيدها يؤدى في المدارس والأنشطة العامة ولن يتم الاحتفال بيوم 22 مايو، وليس هناك أثر لعلامات الانتماء إلى وحدة ولدت ميتة، ولم تبق لها إلا غلالة هي من بقايا الوضع القانوني سياسيا - وهي اضطرارية - كما يضطر الفلسطيني إلى استعمال عملة الاحتلال الإسرائيلي ووثائقه الإدارية ... إلخ.
الأشقاء في (الشمال سابقا) يدركون أن لا مستقبل وحدويا، بعد كل ما حدث، فلماذا يتجاهل الطيبون منهم، بالأخص، تلك الحقيقة، وبدلا من ان ينشغلوا بعدن واستعادتها مدنيتها، لعل من الحري بهم أن يوجهوا جهدهم باتجاه مناطقهم ومستقبلهم السياسي والاقتصادي والأمني، وهم قادرون - لو أرادوا - أن يرسموا خطا بيانيا صاعدا، يتجاوز خيبات التواكل على (الجنوب سابقا) واستنزاف ثرواته ومدنيته ومستقبله الحر .
يمكننا أن نتعايش بمحبة وسلام، وتجاور آمن، عندما يمحون من مخيلتهم وهم أننا من ملاحق صنعاء، وخرافة عودة الفرع إلى الأصل التي أوصلتهم الآن إلى لحظة بائسة لا يحسدون عليها، مانشيتها العريض: عدن تتطلع إلى مستقبل آمن، بينما تخشى صنعاء من مجهول!.
عدن ذاهبة إلى الاستقلال، وتلك إرادة شعب، فهل تحقق صنعاء استقلالها ويعي المخلصون فيها أنها قادرة على البقاء والنماء بدون (الجنوب سابقا)؟.
الأرض تتسع للحياة. نريد أن نستمع إلى علي بن علي الآنسي مثلما كنا نستمع إلى جماليات اللون الصنعائي في صوته، بلا منغصات الجشع الذي قتل كل إحساس جميل.
نريد أن تكون أغنية عبدالرب إدريس الصنعانية اللحن بلمساته الخاصة" قلبي مع الغيد" بريد محبة وسلام.
فقط .. فكروا في مستقبلكم بعيدا عنا، فليس الشعب الذي افترش الساحات وواجه المجنزرات والاعتقالات والتعتيم والتشويه الإعلامي طوال سنوات، بشعب يعبث، أو كان "يتوله" - بتعبيرنا الدارج - وليس شهداء السلم والحرب أصفارا على الشمال. إنهم الذين خطوا المسار ، ولقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
|