ابو يمن في أمريكا
كيف بدات هجرة اليمنيين الى أمريكا ووصولهم الى الشمال الامريكي -ولاية -متشجن- والعييش والإستقرار في مدينة - ديترويت-؟ القصة تتطول وتبداء من مدينة عدن -إستيمر بوينت- فبعد ان اصبحت عدن اكبر مركز لتموين السفن البخارية بالفحم الحجري في العالم بعد أكتشاف المحرك البخاري كان الفحم الحجري يُجلب من بريطانيا وبعد ذلك من افريقيا لتموين السفن العابرة عبر المحيطات إلى التواهي ولقد شيدت بريطانيا مستودعات هائلة لتخزينه حيث كان يستقبل ميناء عدن السفن العابرة ويمونها بوقود الفحم الحجري حيث ولا زال قاع ميناء التواهي مغطى بهذا الفحم الحجري إلى اليوم.
أحتاج الميناء في عدن الى الكثير من عمال الفحم او من يسمونهم - كولية- وهي كملة مشتقة من كلمة -كول- اي فحم . كانت مهمة العامل اليمني نقل وتخزين الفحم الى المخازن وكذلك العمل على البواخرفي غَرف الفحم وتلقيمه الفرن المشتعل لتسخين -المراجل - وتوسعاً- وعند تصاعد بخار الماء الساخن في جوف المراجل يوجه البخارعبر أنابيب الى شفرات او زعنفات - التوربين- فيدور التوربين ثم يدور العمود المسمى-الداسر- الذي تنتهي طرفيته بمروحة الدسر ويدفع بالسفينة لتمخر عباب البحار العالية.
نستطيع أن نقول أن -الكُولية - كانوا من أوائل المهاجرين من اليمن الى بلاد العم سام،قبل قرن من الزمان ولكن اول مهاجر إلى أمريكا كان -جمّال- استجلب من سوريا لتعليم الجيش الامريكي كيفية رعاية وتسييير قوافل الجمال عبر السهوب والصحاري الواسعة الممتدة على مساحات الجنوب الأمريكي .وإسمه -العم علي- .
وحتى لا نتوه في شروح جانبية فما انا بصدده هو ان الهجرة اليمنية الى امريكا قد بدات قبل قرابة القرن وتواصلت واتصلت الى اليوم، حيث وكما اخبرني رئيس جمعية ابناء الجنوب في مدينة ديترويت منطقة- ديكس- الشيخ يحيى قاسم المفلحي- ان ابناء اليمن من المهاجرين ومعظمهم من حاملي الجنسية الامريكية تقاطروا على كليفورنيا ونيويورك ولكن الشريحة الكبرى كانت من نصيب ولاية - متشجن- ويناهز تعدادهم في مدينة ديترويت وعموم الولاية قرابة ال 75 الف مهاجر، ويناهاز عدد المهاجرين اليمنيين في امريكا ( 250 الف) مهاجرينتشرون في عموم أمريكا . هولاء المهاجرون صبغوا مدينة -ديترويت- عاصمة صناعة السيارات في العالم صبغوا بهويتهم وثقافتهم بعض احياء المدينة الكبرى، فترى محلاتهم ومطاعمهم وترى المدارس تغص بأطفالهم وكذلك ستشاهد الحدائق وهي تزدحم باسرهم في ايام الربيع والصيف التي تحول مدينة -ديترويت - الى حديقة باذخة.
ولقد امضيت قرابة الساعة والنصف في -ديوان الجالية الجنوبية- واخذنا الحديث مع رئيس الجالية -الشيخ يحيى قاسم المفلحي- حول ما حققه ابناء الوطن في المهجر من نجاحات يسندهم صبرهم وتحملهم واقبالهم على العمل بكل إخلاص ، حتى يقال ان اكثر شخص عمل بدون اجازات مرضية او تغيُب كان مهاجر يمني من -رداع- تراكمت اجازاته في شركة- فورد - عبر 23 سنة بعمل يومي دون إنقطاع وعندما تعجب مدير الموارد البشرية من سجله واخلاصه كان ان اخبر الادارة بان هولاء الاشخاص يجب ان ينالوا فرصة استقدامهم للعمل في شركة فورد للسيارات، وهم اليوم يعملون على خطوط الانتاج التي تدفع في كل بضع دقائق بسيارة فارهة، وتشكل شركة فورد الشركة الاكثر مبيعا للسيارات الامريكة الفخمة وسيارات الدفع الرباعي بل وسيارات المزارع بما فيها الشاحنات الضخمة والحافلات.
ولقد اتتكم الاخبار ان مدينة ديترويت قد سبق وان اعلنت إفلاسها حيث تراكمت الديون على بلديات المدينة وعجزت المدينة عن تسيير الخدمات فاعلنت افلاسها وتحملت الحكومة مديونيتها بما فيها البنوك المُقرضة ،حيث وصل حجم الدين الى 18 مليار دولار امريكي . كان هذا في عام 2014م وسبقها ازمة الديون وكساد العقار وكان ذلك في 2013م وعجز المستاجرين عن سداد الاقساط والتي هبطت بسعر العقارات في هذه المدينة ليباع البيت بالمزاد باقل من سعره بنسبة وصلت في بعضها الى اقل من 70% وهذه الازمة اصابت كل امريكا ولكن نصيب مدينة - ديترويت- كان مخيفاً ومدوياً.
نتيجة وطأة الازمة تحركت كتلة السكان التي فقدت وظائفها واعمالها في ديترويت- فأمريكا بلد المواطن المُتنقل- تحركت الكتلة السكانية، ومنهم من إنتقل الى الجنوب ومنهم من تحرك صوب الغرب والوسط الامريكي، ومنهم من صمد في مدينة ديترويت وهم الراسخون في المال والاعمال ،واشدهم عشاق الأرض والتراب! ومن هولاء الذين صمدوا وصابروا وصبروا كان أبو يمن!
اليوم وقد زرتها فلمحت ديترويت وقد افاقت من هوانها وبدات تشمخ وتزهو كمدينة تبعث من بين الرماد كطائر -الفينيق- فشوارعا تشع بالبهاء والألق ومراكزها التجارية تغص بالرواد، ويعود ذلك لم ثبتوا في الارض وآثروا الصمود في -ديترويت- ومنهم الجالية اليمنية التي شعروا ان هذه الارض كانت سخية كريمة وافرة وارفة معهم فمنحوها بدورهم الوفاء و السخاء والحب والصمود والتشبث بها .
همس في إذني في ديوان الجمعية الكابتن البحري -جمال قاسم المفلحي- وقال في هذه المدينة كان يتوقف فيها المعمل او المصنع فترى العامل الامريكي يخرج من المصنع مسرعا ويلقي ببدلة عمله في حاوية النفايات القريبة، وينطلق بسيارته لا يلوي على شيء حتى يصل الى- ميامي- فلوريدا- او-سانفرانسسكوا- كليفورينا.
ابو يمن كان الأختلاف فقد جمع من خزانة شركته اغراضه وعدته وذهب ليشتري مطرقة ومنشار ومعول والواح الخشب ليصلح ويرمم بيته ويزرع حديقته بل ويشحذ تفكيره في كيفية تدبر مبلغا من المال ليشتري بيت جاره الأمريكي الذي تركه على قائمة -المزاد- ليبيعه البنك .
لم يعجز اي يمني عن سداد أقساط بيته بل ان منهم من اصبح يملك عشرات البيوت الجميلة ،حين عجز الكثيرون عن سداد القسط الشهري. هذا اليمني هو الذي تشبث بموقعه، لانه إحطاط لغوائل ايامه ولانه يعلم ان أمريكا تستحق ان يتشبث بها بعد ان دفع الوطن بجده -الكولي- ليركب اليم ويعمل في سفينة بخارية تعمل بوقود الفحم حجري وتحمل جلود البقر.
ومن سخريات القدر فلا زال -اليماني- الى اليوم يتلفت في وطنه حسيرا مهانا على شاطىء البحر يحدق في الافق لعله يرى على مقربة منه قارب نجاة يلوح من بين الموج ليستقله ويسعى ناجيا بنفسه و بأطفاله ومودعا وطنا موحشا تعمد إذلاله وتشريده وظلمه و-زجه- في حروب داحس والغبراء.
كيف ضاق الوطن بهذا الانسان بالامس واليوم؟ واصبح امنية -اليماني- بالأمس ان يجد سفينة جلود البقرتاخذه بعيدا عن وطنه ، واليوم يتلفت باحثا عن قارب صيد يستقله ليلقي به في رمال -جيبوتي- المحرقة .هذا الوطن الذي تركنا صغارا وحملنا أحزانه
كبارا.لن نكره الوطن فالطيور لا تنتقم من صغارها ولا تحرق أعشاشها
الشيخ فاروق قاسم المفلحي
|