عن تسليم أسلحة الحوثيين*
د. عيدروس نصر ناصر
هي نقطة واحدة من نقاط القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن الكثيرة بشأن اليمن وصراع الدولة والمليشيات الحوثية، وهي تقريبا النقطة التي لم تكد تغيب عن كل قرارات مجلس الأمن بشأن اليمن وكل الاتفاقيات الموقعة بين الدولة اليمنية (المفترضة) والحركة الحوثية منذ اتفاقية الدوحة، وربما ما قبلها حتى ما سمي ب"مبادرة النقاط السبع" التي أتى بها المبعوث الدولي من مسقط.
في العام 2007م كان كاتب هذه السطور أحد أعضاء اللجنة الرئاسية التي كلفت بمتابعة تنفيذ اتفاقية الدوحة، وعندما وصلنا الى نقطة تسليم الأسلحة جاءنا مبعوثو الحوثي بإنبوبة صرف صحي وبعض القطع المكسرة كان المبعوث يحملها بيديه وقال لنا إن هذه هي كل الأسلحة التي مع الحوثيين، لقد كانت السخرية واضحة في هذا المشهد، وأيقننا جميعا أن الحركة الحوثية لن تكون إلا حركة مسلحة وهي بدون السلاح لا تساوي شيئاً يذكر.
مذ ذاك قطعت الحوثيون أشواطا فلكية في حيازة الأسلحة ففضلا عن ما تم نهبه من معسكرات الدولة التي سلمت للحوثيين تسليماً هناك عشرات الطائرات والسفن الإيرانية التي تدفقت إلى مطارات وسواحل اليمن ولم تكن تحمل وروداً أو أدويةً ولا حتى مواداً غذائيةً، بل كانت تحمل أسلحةً وأدوات قتلٍ مما يمكن وما لا يمكن تصوره وليست جيهان إلا حالةً واحدةً من عشرات الحالات.
كان الحوثيون يشترطون تسليم جميع المسلحين أسلحتهم للدولة كي يسلموا هم أسلحتهم، وبرغم عدم وجود مليشيات مسلحة معلنة رسمياً إلا إن الحوثيين قد يكونون محقين في هذه الجزئية فهم يعلمون أن الجيش اليمني ليس سوى مليشيات موزعة بين مراكز الفساد وأصحاب النفوذ فضلاً عن تمتع بعض الشخصيات بوحدات عسكرية متكاملة كحماية شخصية وتلك الوحدات تتحول في الغالب إلى أدوات بطش بيد (مالكيها) ضد المواطنين، كما إنها للمفارقة تتقاضى رواتب وتمويناً وإعاشةً وغيرها من خزينة الدولة، وليس شيخ الجعاشن سوى حالة صغيرة من عشرات الحالات المشابهة.
عندما يشترط الحوثيون تسليم كل المليشيات أسلحتها فإنهم لا يعبرون عن احترامهم للدولة وجديتهم في إعادة ما نهبوا من إسلحة، بل إنه الشرط (التعجيزي) الذي به يخلِّدون ما بأيديهم من إسلحة لتبقى ملكهم إلى الأبد، وأقول شرط تعجيزي ليس لأنه صعب التنفيذ، لكن لأنهم يعلمون أن الدولة (كل الدولة) أعجز من أن توقف شيخاً صغيراً بصحبته عشرة أو عشرين مسلحاً من حمايته، فما بالنا بمن يتبعهم ألوية وكتائب من المرافقين المسلحين!!
لن يسلم الحوثيون أسلحتهم، ولن ينفذوا قرار مجلس الأمن ولا حتى إحدى فقراته لأنهم لم ينفذوا القرارات والاتافاقات التي وقعوا عليها وأولها اتفاق "السلم والشراكة" الذي صاغوه بأيديهم ووقعوا عليه قبل غيرهم، ولن ينصاعوا (ومعهم مئات العتاولة وقادة المليشيات الرسمية وغير الرسمية) لدولة ولا لنظام ولا لقانون إلا بدولة تقوم على مبدأ المواطنة الحرة والمتساوية والتخلص والى الأبد من التراتبية والتمايز في المواطنة واجتثاث آفات الفساد والتعالي وادعاء التفوُّق في الانتماء وفي الحق التاريخي وفي المستوى الاجتماعي وحتى في الأدوار التاريخية التي يقوم معظمها على التلفيق والتزوير، أما الوعود فما أسهل أن يقطع البعض عهداً مشفوعاً بالأيمان المغلظة ثم لا يلبث أن ينكث بعهده قبل أن يجف الحبر الذي كتب به، وصدق إخوتنا المصريون عندما قالوا "قالوا للحرامي احلف، قال جاك الفرج".
------------------
* من صفحة الكاتب على فيس بوك
|