حول الخطاب السياسي الجنوبي وأزمة القيادة
05 جمادى الأولى 1435هـ - 06 مارس 2014 م 09:00 عدد القرائات 268
حول الخطاب السياسي الجنوبي وأزمة القيادة
Share on emailShare on print
( صدى عدن ) خاص :
حول الخطاب السياسي الجنوبي وأزمة القيادة
بقلم : احمد عبد اللاه
واحدة من اهم إشكاليات الحراك الجنوبي تتمثل في لغة وعمق الخطاب السياسي ومدى تقبّله داخلياً وخارجياً، فعندما تسمعه او تصغي اليه او تقرأه تجد نفسك امام مطرقة متقادمة تصعد وتهوي بوتيرة واحدة على رأس مسمار في حائط خرساني .
مظلوميات وحكايات 94 والثروة والأراضي والوظائف.. اصبحت فولكلور شعبي يتكرر في أذهان العالم الذي وجد له تعليلاً في فساد الدولة في صنعاء ورأى انه يمكن إصلاحها تدريجياً من خلال تخفيف عبء المركزية.
اما الامر الاخر فيكمن في وحل الهوية التي يبحث عنها الجنوبيون بصورة متباينة ويحاولون اكتشافها باستخدام مفاتيح مختلفه لمكمن الجذور والانتماء.. مع ان الهوية السياسية مسالة ديناميكية وليست ساكنة، فالشعوب في أرض اليمن والخليج والشام والمغرب العربي ومصر مع السودان لها روابط عامة ولها أواصر بينية خاصة، تاريخية وجغرافية وقومية، لكن رغم الجوار الجغرافي او التداخلات التاريخية والبشرية، فإنّ لكل قطر هويته السياسية وبيئتة الثقافية وسمات اجتماعية عامة تنعكس في طريقة عيش الناس وسلوكهم وطموحاتهم وتميِّز كل قطر عن جيرانه بشكل بديهي، ولا غرابة في ان يكون هناك اختلاف بين الشمال والجنوب في اليمن فهناك ايضاً اختلافات كبيرة بين دول متجاورة ومتداخلة كالسعودية والبحرين، والكويت والعراق وبين العراق وسوريا وهناك اختلاف بين مصر والسودان وفي المغرب العربي بين تونس وليبيا وبين المغرب وموريتانيا وفي الشام بين لبنان والأردن وسوريا، وهكذا ولا ننسى اننا نعيش حالة الدولة العصرية التي نشأت في القرن العشرين وليس في سبأ وحمير او في زمن هارون الرشيد.
ولهذا يمكن للجنوب ان يكون ما يشاء يمني او عربي لان الاسم مجرد تعريف للدولة، بشرط ان يبتعد عن الخطاب العنصري وعن فرضية الجذور الجينية المطلقة او الاصطفاءات العرقية التي لا وجود لها.. لان في ذلك مجافاة للحقيقة وتجريح عظيم للذات قبل كل شيء.. وعليه ان يبحث عن مفاهيم وتخريجات عصرية كي يحترمه العالم، لان الجنوب والشمال شقان لانتماء كبير بغض النظر عن الهوية السياسية للدولتين.
وعلى الجنوبيين التركيز على أزمة الوحدة اليمنية باعتبارها عملية سياسية كارثية ولم تكن قدر محتوم، بل كانت مجرد ضرورة في المخيال السياسي ، تلك الضرورة التي تخون نفسها من اول لحظة، ثم تحولت الى رغبة متسرعة ومتهورة لمهندسي لحظة التدمير الذاتي دون استفتاء احد.. والكارثة فيها ان الجنوبيين تحولوا من الدقيقة الاولى الى أقلية شعبية مضطَهَدة لا يوجد أمامها أفق للحفاظ على حقّها في ميزان الحياة او في التعايش المتكافئ، وليس بمقدورها التعاطي مع ثوابت الواقع الجديد، ومن المستحيل ان تستطيع المنافسة في اطار السلطة والجيش والقبيلة والاحزاب كما انه ليس بمقدورها المنافسة في الاقتصاد والتجارة والتعليم او في سوق العمل، وغائبون تماما في كل المجالات الحيوية حتى في مؤسسات المجتمع المدني، وان الوحدة القسرية هذه باتت تحمل مشروع ضياع كامل لشعب عظيم سجّل حضوراً تاريخياً قوياً في عهود مختلفة، وأصبح الان مهددا بالانقراض المعنوي والروحي.
ولهذا لا يوجد سبيل للحلول الجزئية لان المسألة تتعلق بحياة الجنوبيين بمفهومها الشمولي وليس بحقوق مدنية محددة. وفي ظل غياب دولة مدنية حقيقية وغياب قيم العدل والمساواة والديمقراطية والحرية فان الوحدة اليمنية تقود الى انحسار شعب باكمله وتصبح لهذا مصدر دائم لعدم الاستقرار في هذا الجزء من العالم.
ولا احد يظن ان بناء الدولة أو تأصيل تلك القيم في السلطة والمجتمع مسالة تتعلق بالنوايا او بقرار سياسي لانها قضايا بحاجة الى عقود وتاريخ لكي تصبح جزء من الثقافة العامة للمجتمع ومترجمة في الواقع ليس فقط في المبادئ الدستورية التي تحكم السلوك العام للدولة من الزاوية النظرية. ولهذا فان المسالة الجنوبية ذات مضمون إنساني وسياسي في آنٍ واحد، حيث لا يمكن للمجتمع الإقليمي او الدولي ان يتلاعب بها لغرض جيوسياسي ويفرض ارادة الطرف الأقوى على الطرف الضعيف.
ان انحياز المجتمع الدولي والإقليمي لشكل الوحدة القسرية الحالية بعناصرها المهيمنة يشجع بلا حدود سلوك مراكز القوى اليمنية وجيوشها ومليشياتها باستخدام ابشع ألوان البطش فيصبح القتل اليومي والإعدامات الميدانية وقصف المدنيين الأبرياء مباح طالما وهناك ارادة دولية لفرض ارادة الطرف القوي والتغاضي عن قمع الحريات الرئيسة وحقوق الانسان واستخدام القوة المفرطة وكل أشكال التضييق على الناشطين الحراكيين في الجنوب. وكل ذلك سيقود بالطبع الى تعقيد المشهد ووضعه على شفير المجهول المخيف بشكل ربما يفاجئ العالم ويقود الى كوارث وصراعات دموية بين الناس انفسهم .
القيادات الجنوبية القديمة، من زاوية أخرى، ما زال وسيظل سلوكها وخطابها السياسي ( معذرةً) مشابه تماماً لحالات التّبوُّل اللا إرادي المستعصية، كما ان تاريخها لا يقدّم اي إضاءات تمكّنها من الحضور النقي المجرد عن مسبّقات كبيرة... ليس فقط لان تلك الأسماء ارتبطت بتاريخ من المآسي بل لانها مع كل ذلك لم تدرك ان الحاضر نتاج لتاريخ من الأخطاء العظيمة وانه يتطلب معادلات مختلفة وعلاقات لا تنتمي الى الماضي بشيء وتخلو من الطموحات الذاتية للحكم والتفرّد. أما القيادات الميدانية فإنها تمثل الوجه الثوري اليومي الغير مسيّس وتستمد حضورها وتأثيرها من تبعيتها المطلقه لقيادات الخارج .. وهذه ازمة مركبة تجعل السلوك والخطاب الجنوبي رهائن المحابس القاسية.
شباب الحراك الجنوبي يقدمون أرواحهم وتسيل دماؤهم بشكل يومي وفي ظروف صعبة وخطرة، من اجل مستقبل الأجيال، لهذا فان الاولوية اليوم تكمن في معالجة تلك الأزمة بشكل ملموس وواعي جداً، وان تدرك القيادات ان عليها التضحية اولا، والعمل على إيجاد شكل سياسي وطني جامع تتقدمه نخبة مميزة ومقبولة، قادرة على قيادة العمل السياسي في الداخل ومخاطبة العالم لكي يرى جنوباً جديداً ويسمع لغةً جديدةً .