
على خلفية تزينها خريطة الجنوب العربي كـُـتب إسم الكتاب: اللقمة القاتلة
ذلك هو الكتاب الذي يتهيأ الكاتب البريطاني “باتريك كريجر” لإصداره قريبا عن الجنوب العربي وثورة شعبة..
باتريك كريجر في كتابه “الجنوب العربي- اللقمة القاتلة” عند العقود الأولى لقيام المملكة المتوكلية في اليمن عقب هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وخروج الأتراك من اليمن عام 1918.
تحت راية الإمامة تزحف جيوش قبائل حاشد وبكيل صوب ما يسمى باليمن الأسفل التي تشمل ألوية إب وتعز والتهائم لتشن حربا ضروسا ضد سكان هذه المناطق، فتكتسح المدن وتدمر المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وتبث الخوف وتنشر الفزع، وتقتلع مشائخ ووجاهات المنطقة وتجعل أعزة أهلها أذلة.
يبحث الكاتب عن أسباب تلك الحروب في كتابات مؤرخي دولة الإمام وأمرائه، فلا يعثر على سبب وجيه يفسر شن تلك الحروب لاسيما وأن مشائخ وأعيان تلك البلاد جميعها قد أعلنوا ولاءهم للإمام ولم يظهروا شكلا من أشكال التمرد أو وجها من أوجه العصيان، بل تجشموا مشاق الانتقال إلى صنعاء للوقوف في الحضرة “الشريفة” وإظهار الخضوع والطاعة للإمام يحيى حميدالدين منذ الأيام الأولى لتأسيس الدولة.
كما ينقب الكاتب في ركام كتابات ذلك العصر فلا يجد سوى توظيف مقيت للدين لإضفاء سمة القداسة على تلك الحروب من خلال وصفها “بالغزوات” مثل غزوة “حبيش” و “غزوة فتح تعز”، و “غزوة المقاطرة”، كما أن جيوش “الفتح” من قبائل حاشد وبكيل هم “المجاهدون” أما أبناء اليمن الأسفل المدافعون عن بلادهم أمام هذه الهجمة القبلية الطائفية فهم الفئة الباغية المارقة. ويمضي الكاتب متأملا في نتائج تلك الحروب فلا يجد سوى السيطرة على هذه المناطق التي جرى “فتحها”، والهيمنة عليها، ونهب ما تنعم به من ثروات زراعية وحيوانية ومنافذ بحرية، وإخضاع أهلها للقيام بأعمال السخرة لصالح المتنفذين القادمين من مناطق اليمن الأعلى من أمير اللواء ومساعديه وأركان حكمه من قادة عسكريين وعمال قضوات وعمال نواحي وحكام شرع ومدراء مال ومدراء أمن ومدراء جمارك وغيرهم الكثير من جيش البطش والنهب في هيئة موظفي دولة في كل قضاء وناحية ومدينة وعزلة، وكذا المشائخ من قبائل حاشد وبكيل الذين جرى نقلهم من مناطقهم الجبلية وتوطينهم في الأرض الجديدة الخضراء واقتطاع مساحات من الأراضي الزراعية لصالحهم، وفرض تسلطهم على المزارعين ونهب ما بأيدي الرعيّة بطرق شتى وأساليب مختلفة ومتنوعة.
ولم تتوقف المطامع القبلية الطائفية عند حدود غزو تلك المناطق من اليمن الأسفل بل ظل زعماء ومشائخ حاشد وبكيل يتطلعون للسيطرة على الجنوب العربي إذ يعتبرونه فرعا من أملاكهم لابد من استرداده والاستحواذ على ما يزخر به من ثروات. وقد سلط كريجر الضوء في كتاباته السابقة وخاصة في مقالته “القضية الجنوبية.. جوهرها ودورها في الصراع السياسي” على نزعة التسلط والهيمنة المترسخة لدى حكام الشمال تجاه الجنوب، وأبرز، استنادا إلى مذكراتهم، أن القيادات العسكرية والقبلية في اليمن والتي غدت تمسك بزمام السلطة في العهد الجمهوري، لم تكن لتقرّ أو تعترف باستقلال الجنوب في دولة مستقلة عقب جلاء الاستعمار البريطاني عام 1967، وإنما وجدت نفسها مضطرة لذلك بسبب ظروف الحرب التي كانت تخوضها مع الملكيين.