عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-05-29, 07:18 PM   #4
لشري
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2010-06-15
المشاركات: 2,488
افتراضي

القاموس البحري

تراث حضرموت - السبت 7 / 04 / 2012 - 03:25 مساءً

من أبدع الكتب التي ألفت في ملاحة جنوب الجزيرة العربية ،



ألفه المرحوم الشيخ بدر بن أحمد بن سالم الكسادي ولد بمدينة الحامي عام 1913م ومات على يد الحكم الشمولي عام 1973م وهو أحد رجال الحكم في العهد القعيطي وتولى إدارة محكمة المكلا الجنائية ونائب لواء المكلا ، وقد ألفه بتحفيز من الأستاذ المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف والذي قام بعد ذلك بدوره في ترتيب فصوله وكتابة المقدمة التاريخية الرائعة وحفظه من الضياع.

والقاموس البحري – كما يقول عنه مقدمه بامطرف – تناول السفينة الشراعية بالتشريح فأخذها مادة خاما وسار معها منذ وضع أول قطعة خشبية في بنائها حتى استوت سفينة كاملة بأجزائها الثابتة والمنقولة ، والعلاقات لتي كانت قامة حينذاك بين البحار والقبطان ومالك السفينة والتاجر والمسافر تحت ظروف متنوعة، كما شرح العوائد والتقاليد والقوانين التي تحكمت في جوانب مهمة من الملاحة البحرية قديما وحديثا ، كما ذكر الأساطير والمعتقدات التي خيمت على رجال البحر وذويهم.

وأن مؤلفه ليس دخيلا على هذه الصناعة فهو من أسرة مارست ركوب البحر قبل أن تجلس على دست الحكم ومن بلدة الحامي التي عرفت منذ فجر التاريخ بالملاحة البحرية والبحارة الأقوياء وهي الرافد الأساسي لميناء الشحر حتى استحق أبنائها أن يطلق عليهم من بين الحضارم (أبناء التربة الطيبة الملتصقين بها). ومما يميز القاموس البحري أن مؤلفه وضعه من الذاكرة وتلك ظاهرة جديرة بالإعجاب ويتصف بأنه جديد في بابه حيث تناول مؤلفه بالشرح الوصاف قطع السفينة الشراعية الثابتة والمنقولة إلا انه مما يحز في النفس لم تجد الرسام الكفؤ الذي يرسمهما ليأخذ القارئ عن شكلها وعن مكانها في السفينة فكرة سريعة وذكية، وان كان الأستاذ حسن صالح شهاب عند مراجعته للكتاب قد وضع رسوما بآخره ولكنها لسفينة من نوع البوم الخليجي ومسمياته تختلف عن مسميات السفينة الشراعية بحضرموت المعروفة بالسنبوق وقد أخبرته بتلك الملاحظة عند سفرنا معه إلى مسقط في العام الماضي فاعتذر لعدم وجود صور لأجزاء السنبوق الحضرمي فضلا عن السنبوق نفسه ولكنه ممكن يتلافى ذلك النقص بتصوير أجزاء السفينة الموجودة بالحامي مثلا وإلحاقها بالكتاب ليكون صامتا ناطقا ويتحقق ما أمله الأستاذ بامطرف في مقدمته للكتاب من تدارك ذلك النقص برسام أو مصور كفؤ.

ويتكون القاموس البحري من تمهيد وسبعة فصول كالتالي:

التمهيد: يذكر فيه مؤلفه مصدر المعلومات التي أوردها في كتابه وفي مقدمتها خبرته الشخصية حيث مارس المهنة البحرية لفترة من عمره مع عمه زوج أمه النوخذة محمد سعيد المقدي ، والوسط الاجتماعي البحري الذي يزخر بالربابنة الأفذاذ الذين يعدون بحق في الصف الأول من القباطنة والبحارة في مزاولة مهنة الملاحة البحرية منذ مئات السنين، وقد استفاد منهم المؤلف في جلساته معهم ومباحثتهم ونقاشهم في أمور الملاحة البحرية وما يتعلق بها ومن أولئك الربابنة الذين استفاد منهم : صديقه الربان عمر بن حسين عيديد والربان شيخ بن محمد باعباد والربان سالم سالمين كعيتي والربان محمد عبدالله باعباد وغيرهم ، وعنهم دوّن معظم المعلومات التي قال عنها أنها مخزونة في ذاكرة كثيرين من أفراد بلدة الحامي.

ويذكر فيه سبب التأليف وذلك لما أطاحت الجبهة القومية بالسلطنة القعيطية عام 1967م احتجز- بل وسحل وقتل - على أثره العديد من الشخصيات العسكرية والسياسية والعلمية وكان من بينهم المؤلف بدر الكسادي وزميله الأستاذ محمد بامطرف ومن عجيب الصدف أن ضمتهم زنزانة واحدة تحمل رقم (11) ويصف المؤلف رحمه الله ذلك اللقاء بقوله:" وبحكم عيشتنا وسكنانا معا في هذه الزنزانة بقينا نتجاذب أطراف الحديث في ليالينا المظلمة وأحيانا يجرنا إلى شؤون البحر وعوائده وأساطيره ورحلات السفن الشراعية وأوقات رحلاتها الموسمية وذات ليلة اقترح علي الأستاذ بامطرف تدوين ما هو مسجل بذاكرتي من معلومات عن شؤون البحر ولكني ترددت وكان الأستاذ بامطرف يلح علي بشدة على التدوين والتأليف فوعدته بان أنفذ فكرته إذا سمحت ظروف المعتقل القاسية وعندها اكتب كتابي هذا وأنا في داخل المعتقل بعد أن أصبحت بعض الظروف مواتية".

وفي نهاية التمهيد يعترف المؤلف بالجميل الذي قدمه له قباطنة الحامي الذين استقى منهم تلك المعلومات مفتخرا بآبائه وإخوانه من شيوخ وشباب الحامي من أمثال الملاح الشهير سعيد سالم باطايع والملاح العبقري عوض أحمد بن عروة الذين هم – كما قال عنهم – مثال حي في شؤون ومهنة البحر ومثال حي في مغامراتهم البطولية التي يمتد تاريخها إلى قرون عديدة في المغامرات البحرية ومهنتهم الرئيسية هي مصارعة وترويض عباب البحر.

الفصل الأول: شرح فيه السفينة وتكوينها وأسماء أجزائها من الداخل والخارج مبتدئا بالهيراب وهو قاعدة السفينة وأول خشبة توضع في صناعتها ، ومنتهيا بالشحم وهو مادة دهنية تستخرج من سمك السردين تطلى بها السفن من الخارج.

الفصل الثاني: شرح فيه أدوات السفينة المنقولة المسماة (آلة السفينة) شارحا عملها داخل السفينة وخارجها وما يترتب عليها من أهمية لتسيير السفينة ، وهب ضرورية لكل سفينة مفندا أسمائها باللهجة الحضرمية المصطلح عليها في سفن حضرموت منذ زمن بعيد ، مبتدئاً بالاستام وهي قطعة من الخشب يركب فيها دقل السفينة المسمى في الخليج بالصاري ، كما يستعرض فيه بعض الأدوات التي تستدم في السفينة مثل النالية وهي كلمة هندية تعني الخريطة، والديرة والساعة الرملية والروزنامة وهي كلمة هندية ومعناها روز – أي يوم – ونامه – أي سجل فهو السجل اليومي ، والرحماني وهو كتاب خاص بمجاري البحر تسير عليه السفن بالبحر ومؤلفه فارسي ، ويختم هذا الفصل بجواني الشراع وهي أكياس يحفظ فيها شراع السفينة عندما ترسوا في الميناء.

الفصل الثالث: ويتحدث فيه عن بداية السنة البحرية المعروفة بالنيروز واول يوم فيها يصادف 16أغسطس ويعتبر هذا اليوم صالحا لبداية سفر السفن الشراعية في جنوب الجزيرة العربية.

كما يستعرض فيه جزوة السفينة أي طاقمها وألقابهم البحرية واختصاصهم ومالهم من حقوق وما عليهم من مسئوليات ، ويتكون طاقم السفينة من:

1. الناخوذة القائد التجاري للسفينة.

2. الصرنج نائب الناخوذة وهو القائد البحري للسفينة.

3. الوكيل وهو مسئول على ميرة السفينة ومؤن بحارتها.

4. السكوني وهو قائد دفة السفينة.

5. الكراني وهو كاتب حسابات السفينة .

6. مقدم قدام وهو المسئول عن أدوات السفينة كالحبال والبراوصة التي ترسي عليها السفينة.

7. بحارين وهم العاملون في السفينة في عمليتي الشحن والتفريغ في الموانئ.

8. صغايرة درك هم الطباخين في السفينة ويقدمون الطعام والشراب للبحارة.

9. طحان وهو الذي يطحن الطعام لبحارة السفينة.

10. المعلم وهو الشخص الذي له خبرة تامة في شؤون الفلك والخرائط البحرية والقياس ومعرفة الطول والعرض للسفينة.

11. الربان هو الشخص الذي له خبرة ومعرفة بالموانئ وأعماقها والجبال ومعرفة البرور وأماكن الشرب والحطب وغيرها.

12. صغيّر قرص وهو الولد الصغير الذي لم يتجاوز سنه العاشرة ومهمته يقدم ماء الشرب للبحارة بمقابل الأكل والشرب مجانا ولا تعطى له أجرة.

كما يستعرض في هذا الفصل أجور عمال السفينة والأسهم المتحصل عليها بعد العودة من رحلتهم البحرية مثلا الناخوذة له أربعة أسهم والصرنج ثلاثة وهكذا ، وكيفية استئجار الناخوذة للبحارين وإعطائهم قرضة وتقاديم أي مبالغ مالية ليجهزوا بها أهلهم مدة سفرهم ، كما يتعرض لبعض الأمور المدنية عندما تعمل السفينة مخالفة أو احد ركابها أو يهرب احد عمالها أو يتأخر عن العمل أو يفصل لسبب من الأسباب وغيرها من المخالفات الجنائية كالسرقات ومخالفات الركاب والتكتل ضد الناخوذة وتهريب الممنوعات ، وكذلك شحن وتفريغ السفينة ورمي الأموال عندما تتعرض السفينة للعواصف وتعويض الأموال المفقودة وصدام السفن في البحار أو الميناء وتأليف اللجان للبحث في القضايا المتقدمة ووضع الحلول المناسبة لها.

الفصل الرابع: يتحدث فيه عن إعلان ساعة السفر وتحديد وقت خروج السفينة من الميناء والإجراءات المتبعة وقواعد السفر عندما تكون السفينة سائرة في عرض البحر ، والكلمات المصطلح عليها التي تستعمل في أثناء سفر السفينة ومعناها والقصد منها مثل يدور وهو أمر يصدره السكوني لتغيير اتجاه الشراع ، وشبص وهي إضاءة البحر ليلا ويسميها علماء الكائنات المائية الحية (الإضاءة الفسفورية أو البيولوجية) ، ويتطرق للإجراءات وتحديد المسئوليات وتوزيع الأعمال والحراسات في أثناء سير السفينة ، وعملية السنجرة وهي مرافقة السفن مع بعضها البعض ويقال لها سنجار ، وخطوط المرور بالنسبة للسفن أثناء سيرها في البحار ، ودخول السفينة إلى الميناء وما يترتب على ذلك من إجراءات ومسئوليات ونهاية السفر بانتهاء السنة البحرية في أوائل شهر يناير وعندها يغلق البحر حتى منتصف أغسطس وتشطين السفينة في إحدى الموانئ الهادئة من الرياح كالمكلا أو بروم ويعمل لها صيانة بطلائها بالنورة (الجير الأبيض) والصيفة (زيت سمك الساردين) وغيرها.

الفصل الخامس: أورد فيه أسماء الرياح الموسمية التي تسافر عليا السفن في جنوب الجزيرة العربية مثل رياح الشمال ورياح الازيب التي تهب من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ، والردود وتهب من الجنوب إلى الشمال وريح البري وخواخر أي رياح متقطعة من عدة جهات والشتاء وتهب من البر إلى البحر من الجهة الشمالية إلى الجنوبية وغيرها.

وقد استعان في هذا الفصل بكتاب الأستاذ محمد بامطرف (الرفيق النافع في شرح منظومتي باطايع) الذي ألفه عام 1966م عند ذكره الاتجاهات في البوصلة البحرية وقد نقلها منه بالحرف الواحد دون الإشارة إليه.

الفصل السادس: أورد فيه أسماء مواسم السفر الرئيسية التي تسافر فيها السفن إلى الهند وشرق إفريقيا مثل قرأ موسم وموسم الديماني ، وسجلات السفينة وأدوات القياس وكذلك الطقوس الدينية مثل صلاة الجماعة وقراءة المولد النبوي وراتب الحداد والنذر، وإجراءات الوفاة في البحر والغرق ونحوه.

الفصل السابع: تحدث فيه عن العادات والتقاليد البحرية التي تمارس في الموانئ والسفن الشراعية وهي ماخرة في عباب البحر مثل إسالة الدم على السفينة الجديدة ، والفولة المشتقة من كلمة فوّل الحضرمية بمعنى نجى وهي نوعان منها ما يعمل والسفينة في البحر عند راس فرتك تشحن سفينة صغيرة من القصدير بالتمر وغيره وترسل إلى ذلك الرأس الذي يعتقد انه يسكنه الجن والنوع الثاني يعمل عندما تصل السفينة إلى الميناء توزع تلك الفولة على الأطفال ، ومنها التجلوب وهو غناء وابتهال خاص بالنساء وذلك عندما تتأخر السفن عن وقتها المحدد بسبب اشتداد الرياح أو غيرها فتتجمعن ليلا في إحدى بيوت الحارة وتقمن بضرب الطبول والابتهال إلى الله بعودة أزواجهم وأبنائهم إليهم سالمين وهناك العديد من النساء المتخصصات في شعر التجلوب بهذا ينتهي كتاب القاموس البحري الذي أودع فيه مؤلفه عصارة ما عرفه وخبره من علم شؤون البحر بالممارسة والمشاهدة والملاحظة فعليه رحمة الله ورضوانه وأسكنه فسيح جناته وجعل ما قدمه في ميزان حسناته.

والجدير ذكره إن هناك كتابا آخر يحمل اسم القاموس البحري للأستاذ محمد جواد علي طبع في الدار العربية للموسوعات عام 1988م يتحدث فيه مؤلفه عن الكلمات والمصطلحات البحرية باللغتين العربية والانجليزية ولكن قاموسنا البحري فاق وطاب وحاز مؤلفه على قصب السبق في هذا الباب ، وقد تمت طباعة القاموس البحري مرتين الأولى في المجمع الثقافي بأبوظبي الإمارات العربية المتحدة عام 2004م بمراجعة الأستاذ حسن صالح شهاب والثانية بهيئة الثقافة والتراث بأبوظبي عام 2009م وذلك عن نسخته الوحيدة التي وجدت في مكتبة المؤرخ بامطرف رحمه الله تعالى.

بقلم الباحث : أ محمد باهارون
لشري غير متواجد حالياً