عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-05-22, 04:14 PM   #9
المؤمن الشافعي
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-02-14
المشاركات: 1,677
افتراضي

*سؤالي بصفتك مسلماً وداعية. كبير من الطائفة السنية الشافعية .. ما رؤيتك لما يحدث الآن في اليمن؟

ما أراه في اليمن يحزنني ويؤلمني بصفتي من اليمن، وبصفتي مسلماً وخادماً للدعوة، وبصفتي إنساناً، وهو أمر مقلق للغاية ولا أدري ما بين سؤالك والنشر ما المتغيرات والمآسي التي يمكن أن تحصل في اليمن.. فالشعب في اليمن عانى كثيراً مثلما عانت بعض الشعوب الأخرى، وله مطالب عادلة ويعيش حالة ضنك وفقر وذل وأذى وآلام في بلد فيها الكثير من الخيرات.

كثير من الناس خرجوا يطالبون بحقوقهم، لكن ما جرى بعد ذلك هو أن اختلط كثير من الأمور وكثير من التوازنات، فلم تعد المسألة الآن فقط ثورة تعارك حاكماً أو تعارك نظاماً، وإنما أصبحت الآن ثورة مظلومين ضد نظام، وبجانبها أيضاً لعبة سياسية ممن كانوا بالأمس مع النظام، ومنهم من يتهم بالمشاركة في جرائم القتل، ومنهم من يتهم بنهب ثروات الشعب، فإذا بهم اليوم يعلنون أنفسهم ثوريين بل ويتحدثون باسم الثورة ودخلوا في صراع جديد مع النظام الذي كان بعضهم جزءاً أساسياً منه، وكان البعض الآخر شريكاً له في صراعات دموية سابقة، ومنهم من استغل الخطاب الإسلامي بالأمس لإعطاء مشروعية دينية للنظام في اقتتال على السلطة عام 1994 ذهب ضحيته أكثر من ثلاثين ألف يمني، بل لقد وصفوا القتال في صف النظام بالجهاد في سبيل الله، ولهم خطب تتحدث عن كرامات المجاهدين - بزعمهم - ضمن مظلة هذا النظام الذي صرنا نسمع من الأشخاص أنفسهم اليوم خطاباً إسلامياً يعد الثورة عليه أيضاً جهاداً في سبيل الله! وقد تُحمَد لهم إن صحت النية أنّهم أعلنوا الوقوف في وجه الظلم.

فالوضع في اليمن اليوم له خصوصية مختلفة تماماً عن بقية الدول لكون المعركة أصبحت مزدوجة: فهناك معركة ثورة ضد نظام وهناك معركة أصحاب مصالح سياسية واقتصادية ضد النظام، أضف إلى ذلك أن اليمن فيه أكثر من ستين مليون قطعة سلاح تمتلكها القبائل، غير أسلحة الجيش والدولة، كما أن الجيش ليست له عقيدة قتالية واحدة كما هو حال الجيش المصري على سبيل المقارنة، بل هو أيضاً متأثر بالصراعات والتنافسات السياسية الموجودة في البلاد، وأضف إلى كل هذا الوضع الداخلي المعقد إذ هناك انعكاسات لما يجري في اليمن على دول المنطقة ومصالح متعلقة بدول العالم الكبرى.

فاليمن يقوم على أهم ممر بحري في العالم إن شئت من جهة باب المندب وهو الذي يقابل قناة السويس وإن شئت من جهة الممر الكبير الواسع بحر العرب، وهناك الكثير من المصالح المترتبة على هذا الأمر، كما أن هناك مشكلة القاعدة (والقاعدة موجودة في اليمن ولا ينكر ذلك إلا جاهل بشؤون اليمن) لكن هناك علامات استفهام كثيرة على ظهورها السريع المفاجئ واختفائها السريع المفاجئ تناغماً مع التغيرات السياسية التي في اليمن.

فالصورة الآن كما ترى معتمة للغاية لكن أخطر ما فيها هو الاستهانة بالدم والاستخفاف بحرمة النفس الإنسانية التي عظمها الله سبحانه وتعالى، وهذا أخطر ما نراه اليوم وهو سهولة القتل ليس فقط عند النظام بل عند العديد من الأطراف السياسية المتصارعة اليوم، وهذا هو القدر الذي أنا متأكد منه، أما ما زاد على هذا فلا أستطيع أن أتكلم به حتى أكون واثقاً من دقة كل كلمة أقولها، لأنها تحتاج إلى متابعة يومية لتطورات الأحداث من داخلها، لا مما ينقل في وسائل الإعلام الموالية أو المعارضة أو القنوات الإخبارية التي تملكها دول لها مصالح في توجيه الأحداث الراهنة.

* كلامكم فيه توصيف لحالة اليمن لكن ما الحل؟

المشكلة في اليمن وغيره لها حل، وحل واضح جداً، لكن المشكلة أن نفسيات الناس اليوم بسبب شدة وطأة الظلم عليهم وبسبب تسارع الأحداث مع التغطية الإعلامية الموجهة وبسبب تراكمات قديمة ولأسباب عديدة أصبح لدى الناس صعوبة في الإصغاء للحل الذي لا يرون فيه طريق السرعة في الخلاص.. الحل الحقيقي يكمن في تزكية الأنفس وإصلاح القلوب لأن كل المصائب التي ترونها أمامكم إنما حصلت بسبب نفوس لم تتزكَ، وقلوب لم تراقب الله سبحانه، ولم تتعامل معه عز وجل، ولم تحسن صلتها به تعالى، ولم تمتثل أوامره، فالذي يراقب الله عز وجل لا يمكن أن يريق دماً بغير حق، والذي يراقب الله عز وجل لا يمكن أن يستغل حقوق المظلومين ليسخرها ضمن أطماعه السياسية.. فالمشكلة مشكلة أنفس تحتاج إلى تصفية ومعاملة مع الله بالدرجة الأولى، ومن خلال مجال اختصاص الفقير وهو خدمة الدعوة إلى الله، لا يوجد عندي إجابة غير هذه ولو لم تعجبكم أو تعجب الناس الذين يريدون إجابات بحلول فورية، لكن مهمتي أن أبين ما أمر دين الله به على أنه الحق.

ومع ذلك، لعلّ خروج الأطراف السياسية المتصارعة، في هذه المرحلة، من الساحة السياسية أو حتى من اليمن فيه حقنٌ لكثير من الدماء.

*سؤالي الأخير، كيف تنظر إلى دور الأزهر الشريف خاصة في هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة؟

​دور الأزهر الشريف المرجو انتهاضه في هذه المرحلة معقود عليه الأمل لإخراج المنطقة من النفق المظلم الذي تمر به - رضي بذلك من رضي وغضب منه من غضب - فالأزهر وأمثاله من مراكز التعليم والتربية الأصيلة التي تقوم على الاتصال بالسند النبوي الثابت رواية ودراية وتزكية، هو الأساس والمرتكز الحقيقي الذي يمكن أن يبصر الناس بالمخرج من النفق الضيق، وما حصل في وثيقة الأزهر هو رسالة سريعة توضح مثل هذا الأمر.. إذ كيف استطاع الأزهر بعد فترة الصراع والتصادم الإعلامي في مجلسين أو ثلاثة أن يضم الأطراف المختلفة المتصارعة في وثيقة واحدة ويخرج جميع العقلاء وقد رضوا بها حلاً لاختلافهم.. فهذا مؤشر بسيط لما يمكن أن يكون للأزهر من دور في المرحلة المقبلة.

وأسأل الله تعالى أن يبارك فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي ضرب المثل الراقي لدور العالم الذي لا يبحث عن النجومية السريعة ولا التصريحات النارية الصارخة، والذي يعمل بصمت على الرغم من كل الكلام الذي يثار ضده والهجوم الذي يستهدفه ليخرج لأمته بشيء نافع، كما أسأله جلّ في علاه أن يبارك فضيلة مفتي الجمهورية الشيخ علي جمعة الذي صبر وحلم على الكثير من الجرأة والتطاول على مقامه من أقزام تطفلوا على الخطاب الإسلامي من خلال قنوات فضائية إسلامية - بعضها محل استفهام حول خلفيات تمويلها واستمرارها - ومع ذلك سكت وصبر والتفت إلى مسألة البناء ولم ينشغل بالكلام الذي انشغلوا به، فهذان نموذجان راقيان معاصران للأزهر الشريف، وأقول بصدق إنّه يمكن أن تقام دراسات عليا في مختلف جامعات العالم على الدور الذي يقوم به الشيخ أحمد الطيب والشيخ علي جمعة في مثل هذه المرحلة الحرجة.
__________________
]رأيــي صــــــواب يحــــتـمل الخــــــــطا )
( ورأي الآخـرين خـــطا يحـتمل الصـواب )
( والأختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية )
المؤمن الشافعي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس