الأستاذة هدى اليافعي
طوال 22 عام وأنا أعمل بكل تفاني وإخلاص وحيادية مع جميع الأطراف والأطياف في مجال العمل الخيري والدعوة إلى الله لوجه الله وبدون أي تعصب مع أو ضد أي جهة .
.
.
. أعلم بأنهم يختلفون .. يتصارعون ، ثم أفاجأ – مفاجأة سارة طبعاً بالنسبة لي لأن المهم عندي هو حقن الدماء وعدم كهربة الأجواء والنفوس - - بأنهم اتفقوا ضمن صفقات - تحت الطاولة وفوق الطاولة - فأصدقاء الأمس أعداء اليوم والعكس صحيح كما قال أحدهم ، والتحالفات تتغير بحسب المصالح السياسية بين جميع الأطراف .
.
فعلاً كنت أذهل لتغير المواقف .. وحتى الفتاوى في بعض الأحيان فما هو ممنوع اليوم قد يكون جائزاً غداً ، وما هو مباح اليوم قد يُمنع غداً ، لكني كنت ولا زلت أجاهد نفسي على أهمية حسن الظن بالجميع ، فالمسلمون اليوم يعيشون فترة حالكة من الفتن والضعف وفقدان الهوية ، ونتيجة لذلك تتخبط الأمة أحياناً في وسط أمواج عاتية من التوترات والمحن والحروب والنزاعات المسلحة ، وهذا أمر يتطلب الاجتهاد والتسديد والمقاربة فبحسب المثل اليمني ( ما أسهل الحرب على المتفرجين ) وما أسهل أن ينتقد الشخص الذي يكون بعيداً عن دائرة الأحداث قرارات الآخرين ، ويتمنى عليهم لو أنهم فعلوا كذا وكذا ، ويقول : لو كنت مكانهم لفعلت كذا وكذا ، ولكن الحقيقة هي أن وصف الدواء المناسب لكل داء وزمان ، وبحسب ما يتوائم مع أفهام الناس في كل بيئة بناءً على ( خاطبوا الناس على قدر عقولهم ) .
.
.ظللت أعيش آمالي الجميلة في إمكانية إحداث ( تغيير إيجابي ) يُسهم مع جهود الآخرين في تحسين أوضاع الناس في ظل سياسة خاصة بي شخصياً تقوم على أهمية احترام حرية الآخرين ، وعدم التشنيع عليهم ما دامت حدود حريتهم لا تعتدي على حقوق الآخرين بأي شكل من الأشكال ، الكثيرين من حولي كانوا ينتقدون ما يسمونها الطيبة الزايدة .. والتسامح الذي لا يفهمه أصحاب النفوس المريضة على أنّه حُلُم وحسن خلق؛ بل يعتقدون أنّه ضعف وسذاجة ، فأرفع في وجوههم قول الله عز وجل : { ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك } .
.
.
ذهبت الأيام .. وتسارعت الأحداث .. وارتفعت وتيرة التهديدات من جميع الأطراف .. وبدأت دماء الأبرياء تتفجر أنهاراً هنا وهناك في اليمن بحجج واهية .. وأعذار أقبح من الذنوب ، حاولت جهدي .. ليل نهار أن أصلح ذات بين الناس .. أرسلت المبادرات تلو المبادرات ، نصحت لهذا وذاك ، حاولت مخاطبة بعض الأطراف الخارجية ببعض الأفكار التي أفهم بسبب قربي من جميع الأطراف أنها أكثر عملية في حل المشكلة وحقن الدماء ... حاولت ... وحاولت .. وحاولت ..
.
.ولكن السؤال الذي كان يُحبط جميع جهودي ومبادراتي .. من أنتِ ؟!! من الحزب أو الجهة التي تمثلينها ويمثلونك ..؟!! فأقول بكل فخر : أنا مستقلة .. لا أنتمي لأي حزب أو تنظيم ، أنا أمثل منظمة مجتمع مدني . .. مؤسسة خيرية تنموية .. أسعى لإصلاح ذات البين وحقن الدماء .
.
.
لن أطيل على القرّاء الكرام ردود الفعل التي كنت أواجهها من جميع الأطراف التي تعاملت معها وأنا فخورة بحيادي واستقلالي والتي أقلها أنّ الذين في حزب المؤتمر يصنفوني على أنّي إصلاحية ، والأخوة في التجمّع اليمني للإصلاح يصنفوني بأني مؤتمرية ، والعلمانيون يصنفوني بأني متشدّدة ، والصوفية يصنفوني بأني وهابية – بحسب زعمهم – و...و...و.. إلى آخر قائمة التصنيفات الخاطئة البعيدة كل البعد عن الحقيقة ، فكل ما في الأمر أنّي تعاملت مع جميع الأطراف والأطياف داخل اليمن وخارجها بلطف وحسن ظن لسبب بسيط هو أن الجميع يقولون ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فكلمة التوحيد هي المحيط الواسع الذي تجتمع إليه جميع مصبّات مشاعر الإيمان ، ولا يحق لأحد أن يستبعد أي مؤمن بكلمة التوحيد لمجرد اختلاف في وجهات النظر السياسية .
.
.
وقعت الفأس في الرأس ، وبدأت الأمور تتعقد أكثر وأكثر في اليمن ، وأصبحت بلادي على وشك السقوط في هاوية حرب أهلية لا يعلم مداها إلا الله ، فالجميع يستعد للحرب ويكدّس الأسلحة ، ويحفر الخنادق ، .. كل هذه الأمور تحدث من حولنا رغم أن الجميع يتغنى بالمبادرة الخليجية ، وأهمية التعاطي معها بإيجابية ، هذا ما يُقال في وسائل الإعلام ، ثم ما يلبث الجميع أن يعودوا إلى ثكناتهم الاجتماعية والسياسية وهم في شك عظيم من صدق ونزاهة الأطراف الأخرى .
.
.
إذا هي ( أزمة ثقة ) بين جميع الأطراف ، لا يمكن أن يُعاد بنائها إلا عبر حوار وطني يتمتع فيه الجميع بهامش كبير من الوضوح والشفافية والصدق ... والثقة بالأطراف الأخرى .
.
.. نعم الحوار الوطني ... كيف السبيل للوصول إليه بالنسبة لنا نحن ( المستقلون ) الذين لا ظهر يُساندنا سرّاً وعلناً من المنظمات الأجنبية – بغض النظر عن خيرها أو شرّها - ،
.
ولا نحمل بطاقات حزبية ندخل عبر المقاعد المخصصة لها إلى مؤتمر الحوار الوطني !!
.
حاولت التواصل مع العديد من الأطراف المقربة من لجنة الحوار .. من الأخ رئيس الجمهورية
.
... لو سمحتم نريد أن نشارك في مؤتمر الحوار الوطني .. لدينا أفكار رائعة لحل العديد من المشكلات المستعصية .. لو سمحتم .. اسمحوا لنا .. اسمعوا لنا ..
.
.يا بطانة الأخ الرئيس ردّوا على اتصالاتنا .. رسائلنا .. ... لا حياة لمن تنادي ...
.
.
.. في ظلمات القهر والحزن الذي أشعر به .. لاحت لي أنوار هادئة من بعيد .. تلاها أصوات أخوة أفاضل نصحوني .. وثقوا بي وهم لم يعرفوني إلا من قريب ..
.
.
. لم يشترطوا علي أي شيء .. ( فأنا بطبيعتي أكره القيود والشروط ) ..
.لم أسمع منهم كلمة نابية ضد أي جهة أخرى أو حزب منافس لهم .. ( وهذه صفة مهمة بالنسبة لي حيث أنّي ضد المهاترات والحروب الكلامية ) ..
.
. لم يصنّفوا المجتمع المسلم إلى مؤمن وفاسق وفاجر – هذا ما لمسته منهم ظاهراً والله حسيب سرائرهم – ..
.
. لم أسمع منهم إلى الآن إلا كل خير وغيرة على دين الله وعلى مصلحة الوطن ، شعرت أنهم يُشبهونني في حسن الظن بالآخرين .. وفي سلمية الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
.
.
يتمتعون بخطاب تصالحي مع جميع الأطراف ..
.
. يواجهون حرب شديدة ، وتصنيفات ظالمة وهم ما زالوا في بداية الطريق ، التيار الإسلامي السلفي من أهل العزيمة يتهمهم بالتفريط ، والتيار الإسلامي الآخر يشمت بهم لأنهم كسروا حاجز الصمت واعترفوا بأهمية الأخذ بوسيلة الحزبية – غير المتعصبة – إذا كانت ستحقن الدماء وتوحد الصفوف وتدعم حلول سلمية تحافظ على دين الأمة وهوية المجتمع المسلم .
.
.
البعض يستنكر مشاركتهم في الحوار الوطني وفي تكوين حزب سياسي ابتداءً ؛ بل وصل الأمر ببعضهم إلى أن يكفرهم .. والبعض الآخر يعمل على خذلانهم .. ولكنهم رغم كل هذه التحديات ما زالوا صامدين على منهجهم الوسطي المعتدل ..
.
. ولأنهم كذلك قرّرت أن أقبل عرضهم الأخوي الطيب بأن أمثلهم في مؤتمر الحوار الوطني ..
هؤلاء هم : اتحاد الرشاد اليمني السلفي ..
.
.جزاهم الله عني خير الجزاء . وثبتني وإياهم على الحق ... وعلى الخير والتسامح .. والغيرة على مصالح الوطن .. والعمل على توحيد الصف ونبذ العنف .
.
. أخيراً .. ما قلت من خير في هذا المقال فبتوفيق من الله وحده ، وما قلت من شر فمن نفسي والشيطان فأستغفر الله وأتوب إليه .
|