تحقيق لـ(عدن الغد) عن البطالة: وزراء ومدراء بالوراثة وتوظيف بـ(شخطة قلم) في الشمال وشروط تعجيزية في الجنوب
اصبح خريجي الشهادات العليا في عدن عمال ورش صغيرة كحل لدعم دخل اسرهم ـ عدن الغد
الجمعة 28 ديسمبر 2012 04:03 مساءً
((عدن الغد)) محمد فضل مرشد
عاطلون عن العمل: إما التوظيف أو الاعتصام المفتوح
"عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج شاهرا على الناس سيفه".. إن كان ذلك رأي سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - في رجل واحد لم يجد له ولأسرته قوت يومهم، فلنا أن نتصور فداحة الظلم الذي يرتكب منذ أعوام طوال ومايزال بحق جيل كامل من الشباب في الجنوب من قتل بطيء وامتهان لآدميتهم ليل نهار على رصيف البطالة (الإجباري).
ولأن السيل بلغ الزبى والأرواح قد بلغت الحناجر فالكلام المنمق وتجميل الحقائق البشعة بات مرفوضا من كل ذي ضمير حي لا يخشى في قول الحق لومة لائم، لذا نصر على قولها والتأكيد عليها: ما يتعرض له شباب الجنوب من حرمانهم حقهم في الوظيفة العامة جريمة دمرت ولازالت تدمر جيلا بكاملة.
وفي تحقيقنا هذا نفتح الباب أمام شباب من عدن ليعلنوا رفضهم الموت بصمت على أرصفة البطالة، والتأكيد على تحركهم لانتزاع حقوقهم.
بعكس كل التحقيقات الصحفية التي قمت بها لم أجد صعوبة في اختيار البداية لهذا التحقيق، ففي هذه اللحظة التي أكتب فيها وأنا أجلس بجوار مسكني أقترب مني أحد أبناء حينا بمدينة المنصورة.. محمد عبدالقوي الحصني هو اسم ذلك الشاب، والذي بادرني بالحديث عن الشروط التعجيزية التي واجهها خلال متابعته الجهات الرسمية المختصة بالتوظيف في عدن.
الشاب محمد، الذي يعول زوجة وطفلتين، تحدث قائلا: "كلما توجهنا إلى الخدمة لطلب وظيفة يشترطوا توفر شهادة بكلاريوس أو دبلوم عال (بعد الثانوية العامة) وهم يعرفون أن أبناء عدن قد تعرضوا منذ عشرين سنة للتطفيش من الدراسة الجامعية بل أن الأطفال حاليا بالكاد يكملون المرحلة الابتدائية بسبب المخطط الممنهج الذي دمر التعليم وحطم الشباب في الجنوب، وفي حالتي فأنا أحمل شهادة الثانوية العامة ومع ذلك تلك الجهات الرسمية تصر على توفر الدبلوم العالي أو البكلاريوس".
يستكمل الشاب محمد سرد هذا (التمييز العنصري) الممارس بحق أبناء الجنوب قائلا: "طيب قلنا خلاص امنحونا وضيفة بالأمن أو الجيش فأجابوا بأن من شروط القبول في الجيش والأمن أن لا يزيد السن عن خمسة وعشرين عاما ولأننا في الثلاثين فغير مقبول، والغريب أن كل هذه الشروط وغيرها سواء في ما يتعلق بالتوظيف في القطاع المدني أو العسكري أو الأمني غير معمول بها في الشمال، فهناك يوظفون عيالهم حتى لو كان (ما عندوش) الشهادة الابتدائية ومش مهم كم عمرة خمس عشرة سنة أو أربعين سنة".
واختتم بقوله: "(نشتي) نعرف هل من حقنا نتوظف ونعيش أسرنا بكرامة في بلادنا ولا حلال على غيرنا وحرام علينا؟َ!".
مقارنة فاضحة
مضى محمد إلى أسرته وطفلتيه بعد أن طيبت خاطره بكلمتين، لكن خاطري بقي موجوعا لوجعه، والسؤال يجول في رأسي: هل ما يحدث لنا شباب المحافظات الجنوبية هو (تمييز عنصري) أم أننا نبالغ كثيرا في الأمر؟.
وقررت ألا أجيب وحدي على السؤال، بل أن أترك الإجابة لغيري حرصا على المصداقية، وفعلا توجهت بالسؤال إلى عدد كبير من شباب عدن، والذين تتلخص إجاباتهم في المقارنة التالية:
- التوظيف في الجنوب: يشترط في المتقدم للوظيفة العامة توفر شهادة دبلوم عال بعد الثانوية العامة أو شهادة بكلاريوس وأن يكون مقيدا لدى الخدمة المدنية، وفي حال توفر كافة الشروط فعلى الشاب المتقدم الانتظار للدور لفترة غير محددة قد تتجاوز العشر سنوات، وألا يزيد العمر على 25 عاما بالنسبة للجيش والأمن.
- التوظيف في الشمال: يوظف المتقدم فورا وإن كان خريج الخامس ابتدائي ومهما كان عمره، بل وهناك وزراء بالوراثة ومدراء عموم أيضا بالوراثة ومرافق حكومية شبه عائلية.
وطفح الكيل
يقول الشاب مشعل صالح مبارك بأنه سيقوم بتغيير اسم جده ولقب عائلته واستبدالهما باسم ولقب عائلة أحد المسئولين لأن التوظيف أصبح بحسب الألقاب القلبية والانتماءات المناطقية.
وقال مشعل: "اللي حاصل الآن في عدن أن كل مسئول يوظف أولاده وأولاد عمه واخوانه وأهله وأبناء منطقته فقط، ويتم توظيفهم بأوامر فورية ولا مؤهلات ولا خدمة مدنية ولا يحزنون، ونحن شباب عدن نجري من مكان لا مكان علشان نحصل عمل حيثما يكون، لأن عندنا أسر ولكن يقولوا لنا جيبوا شهادة بكلاريوس ولا دبلوم وعمرك كم و... و.... والجماعة بشخطة قلم يوظفوا طوابير بيوم وليلة وهم ما يعرفون الألف من الباء".
وأضاف قائلا: "أبناء عدن خلاص طفح بهم الكيل ولا عاد نقدر نصبر يوما واحدا ولا عاد نصدق الوعود الوهمية، والآن نحنا نطالب بتوظيفنا زينا زي غيرنا أو سنضطر للخروج إلى الشوارع والاعتصام السلمي للمطالبة بتوظيفنا ونؤكد أن اعتصاماتنا التي سننفذها لاعلاقة لها بالسياسة من بعيد أو قريب بل مطلب حقوقي وهو التوظيف الذي حرمنا منه بينما مسئولون يوظفون المئات من الأهل وأبناء القبيلة والقرية".
توضيح واستفسار
- توضيح: قد تقول الجهات الرسمية المسئولة عن التوظيف في عدن بأنه قد تم مطلع العام الحالي توظيف الآلاف من أبناء عدن.. وبودنا نؤكد بأن هذا الأمر صحيح مائة %، ولكن يتوجب أن نوضح حقيقة أن من تم توظيفهم غالبيتهم العظمى ممن تقدموا للتوظيف قبل عشرة أعوام وخمسة عشر عاما بل وأكثر بكثير، أي أن أضعافهم قد باتوا الآن في سن العمل وأن تلك المعالجة الترقيعية لم تنه سوى معاناة جزء من الطابور الطويل للعاطلين عن العمل في عدن.
- استفسار: لماذا يشترط توفر شهادتي البكلاريوس والدبلوم العالي في التوظيف.. أليست هناك وظائف يدوية أو حرفية لأصحاب الشهادات المهنية أو خريجي الثانوية العامة.
الانتظارالقاتل
فؤاد علي الرديني، شاب آخر من عدن متزوج وأب، تخرج في أحد المعاهد المهنية بعدن منذ سنوات ومايزال يعاني الانتظار القاتل للوظيفة العامة.
يقول الشاب فؤاد: "سنوات طويلة وأن أتابع جميع الجهات الرسمية في عدن لأحصل على وظيفة تكفل لي العيش الكريم أنا وأسرتي وأطفالي، ولكن مع الأسف نجد أن الوظيفة أصبحت لأولاد وأقارب المسئولين أما نحن أبناء عدن فتوضع أمامنا العراقيل والعقبات لحرماننا من التوظيف، فعلى سبيل المثال عدم قبول خريجي المعاهد المهنية والثانوية العامة قرار مجحف بحق شريحة كبيرة من الشباب، والأغرب أن أبناء المحافظات الشمالية يتم توظيفهم بكل سهولة وبدون أي شروط أو عقبات".
وأضاف قائلا: "نحن كشباب نطالب بحقنا في التوظيف الذي كفله الدستور والقانون لكل مواطن حتى ذوي الاحتياجات الخاصة فما بالنا نحن القادرين على العمل في أي وظيفة مهنية أو حرفية أو حتى كتبة، وندعو الجهات الرسمية المختصة في عدن والمجلس المحلي إلى معالجة قضيتنا بدون أي تأخير وتمكيننا من العمل ووقف المحاباة في التوظيف من قبل الفاسدين والنافذين في أجهزة الدولة بعدن، ما لم فإننا سنضطر للخروج إلى الشارع للتعبير عن معاناتنا والمطالبة بحقنا في التوظيف".
حق مسلوب
بدوره تحدث الشاب وجدي محمد علي مقبل عن تفشي الأمراض النفسية بين أوساط الشباب نتيجة معاناتهم الشديدة من البطالة لسنوات وبقائهم عالة وعبأ ثقيلا على كاهل أسرهم.
وقال وجدي: "لا يخفى على أحد انتشار الأمراض النفسية بين أوساط الشباب ولا يكاد حي من أحياء عدن يخلو من شباب وقعوا فريسة الاكتئاب بل والجنون بعد أن كابدوا مرارة البقاء عالة على أسرهم، وليس من المعقول أن يصل الشاب منا إلى الثلاثين من العمر وهو لم يجد بعد العمل الكريم الذي يمكنه من الاعتماد على نفسه وإقامة حياته الطبيعية".
وأضاف: "في كل بيت من بيوت عدن مأساة لا يتحملها عقل بشر، فمعظم الأسر العدنية أصبحت في أحسن الأحوال قائمة على شخص أو شخصين يعملون وينفقون فيما بقية من في البيت وغالبيتهم شباب في سن العمل ومنهم من تجاوز الثلاثين من العمر فعاطلون عن العمل لأنهم لم يجدوا وظيفة في القطاع العام بينما القطاع الخاص يعلم الجميع أن المستثمرين تم تطفيشهم من قبل عصابات الفساد، فإلى متى سيستمر هذا الوضع اللا إنساني".
واختتم وجدي قائلا: "الآن وصلنا إلى قناعة تامة بأننا مضطهدون حتى في أبسط حقوقنا الانسانية المتمثلة في التوظيف والعمل الكريم وإذا لم يتم معالجة أوضاعنا سريعا فلن يكون أمامنا سوى المطالب بحقنا بكافة الوسائل السلمية المشروعة بما فيها الاعتصام، وندعو كافة الشباب في عدن إلى أخذ زمام المبادرة ورفض استمرار مسلسل تدمير الشباب على أرصفة البطالة والضياع فيما المسئولون والمتنفذون في مختلف القطاعات المدنية والأمنية والعسكرية يقومون في كل يوم بمنح الوظائف لذوي القربى والواسطة".
للقضية بقية
شباب آخرون من أبناء عدن العاطلون عن العمل سيكشفون بدورهم في الحلقة القادمة أوجه المعاناة المريرة التي يكابدها جيل حرم من أبسط حقوقه وفقد كل قيمة أو معنى للحياة ويكاد يفقد آدميته في تلك الزاوية المظلمة المسماة (رصيف البطالة).
اقرأ المزيد من عدن الغد | تحقيق لـ(عدن الغد) عن البطالة: وزراء ومدراء بالوراثة وتوظيف بـ(شخطة قلم) في الشمال وشروط تعجيزية في الجنوب
http://adenalghad.net/news/35139/#ixzz2GVTRiBOh