عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-12-19, 09:56 AM   #20
حيد حديد
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-06
المشاركات: 13,431
افتراضي

فقدان الشعور بوديّة المركز

حافظ مصطفى علي عوبلي


كيف نفهم ما جرى ويجري على المستوى المنطقي ، بغض النظر عن ظلم الشمال للجنوب بالمفهوم السياسي ، كيف نفهم الفوارق في التعامل بين البشر في الجنوب والشمال على اساس الادارة والاستحقاق المالي والمرتبي ؟ جنوبي في صنعاء – تعد صنعاء مكان شرعي للاستحقاق- يستحق الدعم ،شمالي في عدن – له صلة بالمركز- يستحق الدعم ، صنعاء هي النفوذ والاستحقاق وما عداها من امكنة مجرد روافد لدعم المركز ، وعندما يتحدث الاعلاميون الممثلون للمركز وكذلك الساسة عن صنعاء يؤكدون رمزيتها بأسلوب شاعري ، لتبدو لنا انها مجرد بيوت وجبال وأشجار ، لتبدو في التحليل الاخير هي المعادل المقدس للوحدة .( يجب أن لا نحمل الوحدة كل اخطاء الفاسدين والمتنفدين ) و (والفاسدون غير متواجدين في الشمال ايضا هم في الجنوب) و(معاناة الناس واحدة ) وبهذا يصل التحليل الى أن معاناة الناس واحدة ! هكذا يفكر المستفيدون من المركز ويريدون أن يعمموا هذا التفكير بكل انانية على الآخرين! في هذا الفكر استهتار بالبشر بل إنكار لوجودهم ، بل الاستهانة بهم حد عدم رؤيتهم موجودين ! والدليل على ذلك كثير من السلوك الجمعي لبشر المركز مثل التفريق بين شهداء الجنوب والشمال وابرز انموذج هو ما تستلمه اسرة قحطان الشعبي وأي مناضل او شهيد في الشمال خاصة اولئك المناضلين القريبين من المركز ستجد الفرق بين 15 الف ريال للجنوبي و70 الف ريال للشمالي بالإضافة الى رخصة استيراد مفتوحة ، وقس على ذلك فهناك من يستلم جنوبيا 5 ألاف ريال وربما اقل في الجنوب! وإذا ماخرجنا عن هذا الانموذج سنجد ذلك يتكرر في عينات شتى فمثلا عازف في الجنوب ليس له اي استحقاق مالي مقارنة بزميله من الشمال من صندوق التراث التي ترفده عدن بنصيب الاسد ! وهذا يتكرر في مواضع كثيرة على مستوى القضاء وغيره من الاستحقاقات ليصل الامر الى اختلاف الرواتب والأجور للفرد في المركز مقارنة بالأطراف ناهيك عن العلاوات .
نحاول إن نفهم هذا التباين بين بشر هنا وبشر هناك ولماذا اضفى المكان -الذي يفترض به إن يكون رمزا للتوحد شرعية الاستحواذ على نصيب الاخرين ناهيك عن مركزة الصلاحيات لدى صنعاء ويكررون ( نحن اخوة) و(الوحدة براء) . نحن لم نفقد مصالحنا كما يدعي المركز ولكننا فقدنا الشعور بأن المركز امين على مصالحنا ، نعم فقدنا الشعور بودية المركز ، بل مضى الامر الى حد ارسال المركز لفرق الموت الى من يصرخون نيابة عنا في المظاهرات السلمية ، ولكننا حينما نتساءل عن ماهية هذا ألمركز هل هو حكومة الوفاق ؟ هل هو عبد ربه منصور ؟ هل هو علي عبدالله صالح ؟ هل هو حميد الاحمر وعلي محسن الاحمر ؟ هل هو الشيوخ والقبائل ؟ كيف نحدد ماهية هذا المركز ؟ هنا نحاول إن نفهم ثقافة المكان والمكان لا يُفهم إلا من خلال ناسه والناس الذين يمثلون المكان اليوم هم في الاساس امتداد لقرون من العادات والتقاليد والقيم والسلوك الاجتماعي الضارب في جذور المجتمع . اذا المكان يملك ثقافة والثقافة التي يملكها لها سطوة اقوى حتى على من لديهم الرغبة في التغيير . وكل من يطرأ على المكان لا يمكنه إلا إن يذوب فيه وخاصة صنعاء بسبب سنوات العزلة الطويلة والانكفاء على الذات لعقود راسخة في المجتمع ، لهذا نرى الناس في المركز يتحدثون بلغة وثقافة ومعتقد وكأنهم يتحدثون عن الحقيقة . ذلك و بحسب ماتشير الدراسات إن المجتمع الذي يتحصن بالجبال يعترف ويتعايش مع ثقافة النهب والاستحواذ على يملكه الاخرون ، ويعترف بالتراتبية بين الجنس البشري ، ولا يرى في القوانين الحديثة اسلوب حياة حتى وان كان اساسها الدين ! الا إن المصيبة تكمن في أن المركز الذي نسلط الضوء عليه هو العاصمة صنعاء وليس مجرد ناحية او عزلة او محافظة ، ولعل من اهم نتائج هذه الثقافة الخطيرة هي تسربها الى عقول بعض الوزراء او المثقفين ممن ينتمون الى المدنية ، مثلا قال لي وزير جنوبي معروف بحبه لعدن انه لاحظ انفعالا لدى العدنيون عندما يحصل شمالي على ارض في عدن بينما لا يوجد هذا الانفعال لدى الشمالي اذا ما منح جنوبي ارض في صنعاء ! ولكنني حينما اوضحت له النهب المنظم بدليل صرف ارض لشمالي على ارضية صرفت لجنوبي من قبل ثم يُطلب من الطرفين التراضي وتعويض احدهم بعد التراضي ! هذه القرصنة والنهب تكمن وراءه سياسة لم تعرفها عدن من قبل عنوانها الفوضى ، والحل يكمن في منع صرف ارض تم صرفها من قبل والحق لمن صرفت ارضيه قبل بل من المفترض معاقبة الهيئة ألإدارية في مصلحة اراضي الدولة على اقدامها على صرف بقعة لشخص صرفت من قبل لشخص آخر، لان ذلك العمل فتنة ومهدد للسلم الاجتماعي ونهب منظم ، استمع لي الوزير جيدا وقال نعم هذا هو الحل المفترض ! والسبب في غياب الامر وضبابية الرؤية التي وقع فيها الوزير الطيب انه قضى اكثر من ثمان سنوات في صنعاء فأثرت عليه ثقافتها ، ولكنه لم يكن تأثير غائر او جذري ، لهذا من المهم الانتصار للثقافة المحلية وعدم الوقوع في براثن ثقافة غريبة يتعايش معها القهر والظلم ، والاستعلاء والقهر لا يراها الناس مما تشربوا ثقافة صنعاء إلا سلوكا طبيعيا ونراها في عدن كارثة بل أم الكوارث .
حيد حديد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس