اليمن.. الأعداء يأتون من الخلف
الحوثيون في اليمن، وبخاصة في ظل الواقع السياسي الجديد لا يحظون بالكثير من التحالفات والقبول في الأوساط السياسية اليمنية لا لدى الحكومة ولا لدى مختلف الفصائل السياسية، ومصدر قوتهم الآن يتركز في دعم مالي إيراني ضعيف
لم يكن تصريح رئيس جهاز الأمن القومي اليمني اللواء علي الأحمدي يوم أمس، إلا تصديقا لكل التكهنات والمعلومات الاستخباراتية التي تتوارد منذ مدة ليست بالقليلة عن الدور الإيراني النشط في اليمن، والذي ازداد نشاطه بعد الثورة اليمنية واستفاد مليا من الفراغ السياسي والأمني الذي خلفته الثورة.
إيران تجند أتباعا في اليمن، وتدعم الحوثيين وتقيم قواعد استخباراتية جديدة. في الواقع هذا أمر جيد للغاية، فالذي يحمل هذه الأنباء ليس مسؤولا استخباراتيا سعوديا ولا أميركيا، إنه مسؤول يمني رفيع، ويتحدث انطلاقا من وقائع لا تقبل الجدال، وقد سبق هذا التصريح، تصريح لرئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي طالب فيه إيران بوقف التدخل في بلاده كاشفا عن الكثير من الخلايا الإيرانية التي تم ضبطها في اليمن.
وفي الثامن من شهر أكتوبر الماضي، كشفت قوى الأمن اليمنية عن شبكة تجسس بقيادة إيرانية دخلت اليمن تحت غطاء استثماري، وقد تم ضبط شبكة التجسس، والتي تضم في عضويتها أيضا سوريين ويمنيين، كما تم الكشف عن خمس شبكات تجسسية تعمل لصالح إيران وتمت إحالة أعضائها إلى القضاء في وقت سابق، بينما لا يزال أعضاء من شبكات تجسس إيرانية تم كشفها مؤخرا رهن الاعتقال.
من الواضح أن إيران ليست لديها أطماع مباشرة في اليمن، ولكن اليمن منطقة مهمة للغاية على مستوى التطلعات الإيرانية الإقليمية، وكمحاولة إيرانية أيضا لتعويض ما ستخسره جراء ما يتعرض له النظام السوري وما سيتبعه من آثار تصل إلى حزب الله الإيراني في لبنان.
إذن، إيران تبحث عن نسخة جديدة لحزب الله، وليس أنسب من اليمن لما تمثله ظروفها السياسية والاقتصادية، إضافة إلى استغلال وحدة المذهب بين الحوثيين كمنتمين إلى الطائفة الشيعية الاثني عشرية بكل رؤاها ومواقفها وتفاصيل عقيدتها السياسية، ويشير الباحث أحمد محمد الدغشي أستاذ أصول التربية وفلسفتها المشارك بكلية التربية بجامعة صنعاء أن الظاهرة الحوثية نتاج فكر جارودي مغالٍ شط عن الزيدية الأعدل والأكثر قرباً من أهل السنة والجماعة، وحسين الحوثي نسخة مستعارة من الفكر الاثني عشري، إذن فالعوامل السياسية والمذهبية توضح أن ثمة قاعدة مذهبية وفراغ سياسي اتجهت إيران لاستغلاله وإقامة قواعد لها في اليمن على غرار تجربتها في لبنان.
لكن الأهداف بالتأكيد ستكون مختلفة للغاية، أو نوعية على الأقل، فإيران بوجودها في اليمن، ستكون لأول مرة في دولة ذات حدود مباشرة مع السعودية، وهو ما سيجعل تحركاتها هذه المرة تتجه نحو الاستهداف المباشر، وعمليات التعدي التي قامت بها الميليشيات الحوثية على الحدود السعودية وما استدعاه ذلك من عملية ردع، تشير إلى أن الدعم لم يعد مجرد آمال وخطط إيرانية بل أصبح واقعا.
الواقع في اليمن الآن سيئ للغاية، وهذا هو المناخ الأنسب لإيران إما من خلال الدعم غير المباشرة للقاعدة أو من خلال الدعم المباشر والصريح للحوثيين، وعمليات الاختطاف والاغتيال التي تعرض لها سعوديون في اليمن لا يمكن قراءتها بعيدا عن التحركات الإيرانية في اليمن.
هذا ليس نوعا من الهجاء السياسي لإيران، فالواقع يقول أكثر من ذلك، لكن علينا أن ندرك أن ترك اليمن لإيران والتراجع عن الدخول في ذات المعركة السياسية والاستخباراتية سيمثل العامل الأبرز في إنجاح التغلغل الإيراني، أيضا لا بد من التأكيد على أن هذه هي الفترة الأنسب لضرب ذلك التغلغل وإيقافه، اليمن يقف اقتصادها على حافة الانهيار، وإيران منشغلة بواقعها الاقتصادي المتردي الذي خلفته العقوبات الدولية، والقوى السياسية اليمنية لا تغريها الوعود بمستقبل سياسي مؤثر بقدر ما تغريها عمليات الإنقاذ الاقتصادية التي هي بحاجة إليها .
أيضا، فالحوثيون في اليمن، وبخاصة في ظل الواقع السياسي الجديد لا يحظون بالكثير من التحالفات والقبول في الأوساط السياسية اليمنية لا لدى الحكومة ولا لدى مختلف الفصائل السياسية، ومصدر قوتهم الآن يتركز في دعم مالي إيراني ضعيف لا يتجاوز مئات الآلاف من الدولارات شهريا.
على الجانب العام فدول الخليج العربي هي الأولى باليمن، باقتصاده وأمنه واستقراره وبالعمق الاستراتيجي الذي يمكن أن يمثله على أكثر من صعيد، خاصة أن ملف انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي يمثل فكرة لها ما يبررها جغرافيا وسياسيا، وستمثل أبرز عوامل وخطوات الدعم الاقتصادي لليمن . وللخليج أيضا على مستوى الاستثمار والعمالة وحتى التصنيع.
يحتاج اليمن إلى رؤية استخباراتية واعية تسهم مع الدولة اليمنية في إعادة ترتيب القوى السياسية اليمنية وفق رؤية وطنية، وفي ذات الوقت تحتاج إلى مليارات الدولارات التي سيتم صرفها الآن بعيدا عن عما كان يقوم به النظام اليمني السابق.
إذن كل العوامل الآن مواتية لإخراج إيران من المشهد اليمني، وتقليم أظافرها التي ما زالت قصيرة ومجهدة وفقيرة، والعمل على إنقاذ اليمن من أجل اليمن ومن أجل الجيران، لكن هذه الفرصة المواتية قد لا تستمر طويلا.
يحيى الأمير 2012-12-11 1:17 AM
http://www.alwatan.com.sa/Articles/D...rticleID=14712