القراءات السطحية غير منصفة أحياناً ..
 

كتبتٌ هذه المداخلة تعقيباً على موضوع قرأته هنا للكاتب الدكتور فيصل الجاسم ، فتشت عن الموضوع لأذيله بمداخلتي هذه فلم أعثر عليه ، ولهذا اضطررت إلى نشره تحت عنوان مستقل :

مشكلة المثقف العربي أنه لا يكلف نفسه عناء التوغل في عمق الصورة ، بل يكتفي بالتأمل في إطارها وشكلها الخارجي ، والدكتور فيصل الجاسم الذي يتربع عرش الإعلاميين العرب أو يكاد من خلال برنامجه المعروف " الإتجاه المعاكس " الذي تبثه قناة الجزيرة مساء كل ثلاثاء ، يتحدث عن انفصال من نوع الإنسلاخ عن الحكومة المركزية ، أو طموح شريحة من شرائح المجتمع إلى صيغة حكم بديل في إطار الدولة الأم .. نقول مثل هذا الطرح عندما نتكلم عن انفصال جنوب السودان كجزء من منظومة الدولة الواحدة ، أو أكراد العراق ، أو دروز لبنان ، والأمر جد مختلف عندما يكون موضوعنا هو " الجنوب العربي " الذي حصل على استقلاله من بريطانيا ، وهذه الأخيرة تعلم علم اليقين ألا علاقة لهذه المستعمرة بدولة كاليمن في عهدها الملكي ، فكيف تيمننت بمجرد حصولها على الإستقلال ! فيصل الجاسم وكوكبة من المثقفين العرب ينظرون إلى خارطة الوطن العربي بعيون النظام ، ويقرأونها كما رسمها إعلام النظام الذي يسخر كل طاقاته وإمكاناته المادية والبشرية في سبيل تثبيت مزاعم اختلقها ، وترتب عليها ضياع دولة وشعب له في سجل التضحيات ملاحم لن تُمحى من ذاكرة الأيام .
لسنا شريحة عرقية تطمح إلى الإنفصال عن الدولة ، بل نحن الدولة بعينها ، نحن لسنا فرعاً أعيد إلى الأصل كما يدعي نظام صنعاء مستشهداً بزعامات جنوبية دشنت مشروع اليمننة في ماضي مراهقتها السياسية ، وما زالت تكابر في هذا السبيل الآثم ، هذه الزعامات هي ذاتها التي دفعت بجماهي الشعب ذات يوم إلى الخروج لتجأر بشعارهم " تخفيض الرواتب واجب " في موكب حزين يذكر بالخوف والرعب من سطوة الحزب وهم قادته ، ويمضي في شعاراتهم مردداً " تحريق الشيذر واجب " !! وهو أكثر البشرية حرصاً على عرضه دون أدنى شك ، لكنهم يصرون على تجريعه هذا الطفح المذموم ، وهم من لقنوه شعار " يا علي ناصر ويا بن ربيع يا عماد اللجنة المركزية ، ما لبا وحدة مع حكم رجعي والجماهير تحمل البندقية " واليوم وبعد أن قبلوا بالوحدة مع حكم رجعي ، والبندقية اختطفها من أيديهم وأوصى لكل منهم بربطة " قات " يتعاطاها يومياً – مع توابعها – ذهبوا يطلقون لخيالهم العنان في الحل الأمثل الذي يجنبهم المحاكمات ، وحبال المشانق التي تنتظرهم ، فالدم لا يموت ، وإعفاؤهم شأن لا يمتلكه أحد ، ولهذا تفتقت مواهبهم عن مشروع الفيدرالية ، بنفس الطريقة التي يفكر بها علي عبدالله صالح ، كيف نلجأ إلى الفوضى لأن فيها خلاصنا ، ولأن الوحدة مع أبو يمن ضربٌ من الفوضى بأي مسمىً شئت ، إذاً فليكن بالفيدرالية .
ليت قومي يعلمون ، وأولهم الدكتور فيصل الجاسم بأن الحكاية لها أبعاد تمتد إلى ستينيات القرن الماضي ، مروراً بخطاب إعلان الحرب في 7/7/1994م الذي ارتجله شريك الوحدة ، والموقع على اتفافيتها ، وبطريقة تنم عن استهتار بالعهود والمواثيق كما هي طبيعته ، وصولاً إلى يومنا الحاضر ، وما تشهده ساحات التحرير من زخم الإنتفاضة الجماهيرية في شتى مدن وقرى الجنوب العربي المحتل ، هذه الفترة الزمنية منذ سقوط الجنوب واعتباره غنيمة حرب ، وحتى اليوم ، تختزن أسراراً وخفايا ، لو اطلع عليها أستاذنا القدير لاتخذ حديثه منحىً آخر ، ولناصر مطلبنا في التحرير والإستقلال .
وللمرحوم فيصل عبد اللطيف الشعبي مقولة لن أنساها ما حييت ، يقول فيصل : " عيب مثقفينا أنهم يقرأون الكتاب ، فلا يعلق في أذهانهم سوى ما تحويه الصفحة الأخيرة من ذلكم الكتاب " .

تحياتي
طائر الاشجان