مـعـركـة عـدن






مقدمة :
إن هذه السلطة الرعناء ، إنما تعيش وتقوم على الأزمات ، كما أنها لا تدير إلا بصناعة أزمات أخرى
ــ علي سالم البيض ـــ








حدث جداً مهم أن يعلن النظام اليمني في صنعاء هزيمته المذلة في الحرب السادسة مساء يوم الخميس الحادي عشر من فبراير 2010م ، إعلان الهزيمة في هذه الحرب التي خاضها النظام هذه المرة في ظل تصعيد متعمد من أجل هدف إقصاء القضية الجنوبية العربية من الواجهة الإعلامية والسياسية الدولية بعد أن شنت الحرب في صيف العام المنصرم مع تصاعد القضية الجنوبية العربية داخلياً بشكل جعل من افتعال الحرب السادسة في صعده خياراً حتمياً لنظام صنعاء ...

لقد شكل مؤتمر لندن نهاية يناير الماضي محوراً رئيسياً تجاه اليمن ، فإذا كانت نتائج مؤتمر لندن وضعت النظام اليمني تحت وصاية دولية بأن شددت على نظام صنعاء تنفيذ أجندات واضحة المعالم فأن هذا لا يمنع أبداً من أن النظام في صنعاء لن يترك ممارسته المعتادة في خلط الأوراق وافتعال الأزمات التي على أقل الأحوال قد تخلق له مساحة للمناورة السياسية في أصعب معركة سيخوضها في تاريخه ...

بعد مؤتمر لندن تنبئنا في مقالة سابقة بأن النظام اليمني سيعمد على تصعيد جانب تنظيم القاعدة ، فهذا الملف الأكثر عنفواناً في المجتمع الدولي ، وبالفعل حدثت مواجهات مختلفة في مأرب وصنعاء وحتى في حضرموت إلا أن اللافت هو ما أعلنه نائب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب سعيد الشهري المتواجد في اليمن حالياً بتاريخ التاسع من فبراير 2010م من أن تنظيم القاعدة يسعى إلى السيطرة على باب المندب بالتعاون مع المجاهدين في الصومال ...

ومن المعلوم عن تنظيم القاعدة على مدار تاريخه أنه لم يضع يوماً فكرة السيطرة على منطقة جغرافية ، فحتى تواجده كتنظيم مسلح في أفغانستان إنما كان تحت راية دولة طالبان التي عندما سقطت في نهاية العام 2001م تشتت التنظيم الإسلامي المتشدد على شكل مجموعات متفرقة لا تنتمي بالضرورة إلى رأس التنظيم إنما الانتماء هو انتماء منهجية متعارف عليها بين أفراد هذا التنظيم وقيادتهم المعزولة عنهم في أفغانستان أو حيثما كانت ...

إذن كيف يفهم هذا الإعلان الصادر عن نائب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ، يفهم ويفند أنه مجاراة فقط لتصعيد تهدف له القيادة اليمنية قبيل أن تذهب إلى مؤتمر الرياض في نهاية شهر فبراير الجاري من هذا العام ، ويفهم أيضاً في سياقه النمطي أن إعلان هزيمة النظام اليمني في حرب صعده لا يعني إطلاقاً إسقاط كل الأوراق التي يمتلكها هذا النظام ...

وحتى نعرف كيف يستنزف النظام اليمني خصومه ، علينا دائماً أن نعاود قراءة ما حدث في الحرب السادسة بشمال اليمن ، فلقد شن النظام اليمني حربه الغير مبررة على الحوثيين ثم صعدها في توجيه اتهامات ( مبطنه ) إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمساعدة الحوثيين ، وعندما وجد أن طهران لم تتفاعل مع الاتهامات وأن المجتمع الدولي لم يكترث بالحرب الدائرة في صعده أوعز إلى الحوثيين التسلل للأراضي السعودية في هدف توسيع دائرة الحرب ، بل أن النظام اليمني كان يريد من هذه الحرب أن تكون حرباً إقليمية على قاعدة مذهبية تتواجه فيه أنظمة السعودية وإيران على أرض اليمن ...

الحرب السادسة في صعده كانت مناورة لها هدف كبير لا يمكن تخطيه بحال من الأحوال ، فالنظام اليمني كان جاداً وهو يتعامل مع هذا الملف على أساس واحد هو إقصاء قضية الجنوب العربي عن واجهة الأحداث السياسية الدولية ، ولن يعني النظام اليمني تكاليف الحرب من قتل وتشريد وإهلاك للأموال لأن الهدف هو أكبر من كل تكاليف الحرب مهما كانت باهظة الثمن ...

ما بعد مؤتمر لندن وإعلان الوصاية الدولية على النظام اليمني وإن كانت غير معلنة ، فلقد أتاحت فرصة للمتابعين والمحللين مراقبة الوضع اليمني الداخلي بمنظار مختلف وهو ما يمكن قراءته في عديد من المقالات التي ظهرت على الصحف العربية والعالمية ، وإن كانت أبرزها مقالات الأستاذ عبدالرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية التي أجبرت نظام صنعاء على إقالة محافظ صعده نتيجة ما ورد في المقالة المعنية من وقائع لم يجد إزائها النظام اليمني من وسيلة إلا إقالة المحافظ عن منصبه الحكومي ...

يقول النظام اليمني أنه توصل إلى هدنة في صعده ، والحقيقة أنه ينفذ أوامر لندن وواشنطن مجبراً راضخاً لأوامر مؤتمر لندن وقبيل حضوره إلى مؤتمر الرياض ، وعليه الآن أن يواجه معركة عدن التي لن ينفذها إليها بغير اختراق القضية الجنوبية العربية أيضاً عبر افتعال أزمات وأزمات لعلها تطيل من حياة نظام فاسد أرعن أحمق ...