حرمة إنتهاك شهر رمضان المبارك بقتل المسلمين
أما بعد فيا أيها الإخوة الكرام الأحبة، ويا أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كدنا نسمع بانتهاك حرمة بيت الله الحرام، وأرض الله المحرمة، حتى سمعنا بانتهاك حرمة هذا الشهر الكريم العظيم المبارك من تلك الفئة الباغية التي تدعو إلى الفتنة، والتي تستبيح دماء المسلمين وأموالهم، وفي أي شهر؟ في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هُدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، في شهر المواساة الذي يواسي فيه المسلم إخوانه المسلمين، في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهل هؤلاء بدينهم، ويدل على أنهم لا يتعلقون بهذا الدين لا من قريب ولا من بعيد، فأي حرمة أعظم من رحمة الأرض الحرام؟ ثم بعد ذلك أي حرمة أعظم من هذا الشهر الكريم المبارك؟ فالأماكن لها حرماتها، والأزمنة لها حرماتها، يضاعف فيها الأجر لمن قدم الحسنات، ويضاعف فيها الوزر لمن انتهكها، ولمن استخف بها، ولمن فعل فيها المعاصي، فكيف بمن يفعل العظائم؟ كيف بمن يفعل أكبر الكبائر؟ الشرك بالله ثم القتل والعياذ بالله. ولاشك أن قتل المسلمين الصائمين المصلين من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات، فكيف إذا كان ذلك في شهر رمضان؟ لاشك أن الجرم أشنع وأعظم. وهذه المسألة لا تخلو من ثلاثة أحوال، إما أن يستبيح أولئك القوم دماء المسلمين فهذا كفر؛ لأنهم أنكروا معلوماً من الدين بالضرورة كمن أنكر حرمة الزنى أو الخمر، وكذلك من أنكر حرمة قتل المسلم، وإما أن يعتقدوا كفر هؤلاء المسلمين ولو كانوا عصاةً فمن كفر مسلماً فقد كفر، وإما أن لا يعتقدوا استباحة دم المسلم فهو كفر دون كفر لقوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)(1) وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: (لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)(2) أي: لا تفعلوا أفعال الكافرين أو أن أعمالكم تؤدي إلى جزاء الكفار، وهو العذاب بالنار يوم القيامة والعياذ بالله تبارك وتعالى – وفي الحديث الحسن: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أوالرجل يقتل مؤمناً متعمدًا)(3) وقتل المعاهد أيضًا جريمة ثانية تضاف على الجريمة الأولى روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً)(4). لم يرح رائحة الجنة من شدة بُعده، ومن شدة طرده من رحمة الله تبارك وتعالى؛ لأن هؤلاء المعاهدين إنما أعطيناهم العهد والأمان نحن المسلمين، ونحن القدوة بين العالمين، فإذا لم نف بعهدنا ولم نف بوعدنا، فأي إسلام وأي دين وأي إيمان هذا الذي ندعيه؟ وقتل المعاهد فيه الغدر وفيه الخيانة، والغدر والخيانة من أقبح الصفات، ومن أقبح الأعمال، روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)(5) وفي رواية: (وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)(6) فالإسلام ليس كلمة تقال ولا ادعاء يدعى وإنما هو التزام بكل شرائع هذا الدين وأحكامه سواء ما أعجبه منها وما لم يعجبه، فالأمر مداره على طاعة الله وعلى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. وروى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر) – أي غدر أو نقض العهد (مسلماً) – فكيف بمن أخفر دولةً مسلمةً، وكيف بمن أخفر شعباً مسلمًا (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبلُ منه يوم القيامة صرف ولا عدل)(7). وفي الحديث الحسن: (لا إيمان لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له) أناس نائمون، وأطفال يلعبون، ونساء يعملن في بيوتهن، وفجأة من غير علم ولا خبر ولا استعداد ولا شيء، وإذا بهم يفاجؤون بالموت يدخل عليهم، وإذا ببيوتهم تنطبق عليهم، وإذا بحياتهم والعياذ بالله تتحول في لحظات إلى دمار وعذاب. لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في القتال وفي الجهاد في سبيل الله من الغدر كما جاء في الحديث الصحيح قال: (اغزاولا تغلوا) – يعني لا تسرقوا في الغزو – (ولا تغدروا) – حتى في الجهاد وأنت تجاهد لا تغدر ولا تخون وإنما تواجه بوضوح وصدق – (ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا)(8) وفي رواية: (انطلقوا بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تقتلوا شيخًا فانياً ولا طفلاً صغيرًا ولا امرأةً) إذا كان هذا في الجهاد، وإذا كان هذا في القتال وفي الحرب، فكيف بما هو ليس بقتال ولا بحرب ولا بشيء من ذلك؟ وكم ذهب من هؤلاء الأطفال في هذه التفجيرات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وفي الحديث الصحيح: (المكر والخديعة في النار) هذا جبن وضعف وخور الذي يستغل غفلة الناس وضعف الناس فيتقوى عليهم بمكره وغدره والعياذ بالله وأيضًا جريمة أخرى: وهي قتل أنفسهم، إزهاق أرواحهم في شهر رمضان المبارك، فلم يكتفوا بإزهاق أرواح الآخرين بل أزهقوا أرواحهم هم أنفسهم. روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار الذي يقتحم يقتحم في النار)(9) يعني يرمي بنفسه في المهالك وهو يحمل المتفجرات ويحمل الأذى والبلاء يرمي نفسه غير عابئ لا بنفسه ولا بالآخرين، إنما يرمي نفسه في النار والعياذ بالله. وهذا الرجل الذي رآه الصحابة في غزوة وكان شجاعاً ما ترك شاذةً ولا فاذةً إلا وضربها بسيفه، فاثنوا عليه إمام النبي وقالوا ما رأينا اليوم مثل فلان في قتاله وفي جهاده فقال صلى الله عليه وسلم: (هو في النار) فتعجب القوم وخرج واحد منهم يتتبع هذا الرجل يريد أن يرى ماذا يفعل، فرآه أصيب بجرح وهو في المعركة فلم يتحمل ذلك الجرح فوضع السيف على صدره وضغط بصدره على السيف حتى خرج من ظهره فمات وقتل نفسه واستعجل الموت، فخرج ذلك الرجل يجري إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول أشهد أنك رسول الله، أشهد أنك رسول الله قال: (وما ذاك) قال: الرجل الذي قلت إنه في النار رأيته فعل في نفسه كذا وكذا فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو لنا وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة)(10). وروى مسلم (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتةً جاهليةً)(11) خرج عن جماعة المسلمين خرج عن أكثر المسلمين خرج عن غالبية المسلمين يريد أن يفرق جماعتهم ويشتت شملهم ويمزق كلمتهم في هذا الشهر الكريم فهذه ميتة جاهلية لأنه يريد أن يعود بنا إلى الجاهلية والذنب والجريمة الأخرى أيضًا بعد التقتيل: التمثيل والتعذيب بالنار فهذه المتفجرات نيران تلتهب وتحرق وفيها من التمثيل ما الله به عليم، فالذين لم يموتوا في هذه التفجيرات تأثروا، والتمثيل يكون بتقطيع الأنف والأذن أو الأطراف أو التشويه عموماً. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: (إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار) فلما أردنا الخروج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إني كنتُ أمرتكم أن تُحرقوا فلاناً وفلانًا بالنار، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإذا وجدتموهما فاقتلوهما)(12) نهى صلوات ربي وسلامه عليه أن يمثل المسلم بعدوه الكافر، فكيف بأهله كيف بإخوانه المسلمين، كيف يمثلون بهم، ويحرقون وجوههم وأجسادهم ويشوهونهم. وروى البخاري: (لعن الله من مثّل بالحيوان) فمن باب أولى الإنسان، ومن باب أولى المسلم والمؤمن، ومن باب أولى في شهر رمضان. وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على حمار قد وُسِم في وجهه فقال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الذي وسمه)(13) ثم نهى عن الكي والضرب في الوجه صلوات ربي وسلامه عليه، وهذا في البهائم، ففي الناس وفي المسلمين من باب أولى. وفي الحديث الحسن: (من ضرب سوطاً ظلماً اُقتص منه يوم القيامة)(14) ولو كان طِفلاً صغيرًا ولو كان مملوكاً (من ضرب سوطاً) واحدًا، فكيف بمن أسقط الأعمدة والجدران والبيوت على رؤوس الأطفال والنساء والكبار؟ أي جرم هذا؟ وأي ذنب هذا؟ وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئًا فيه روح غرضاً) يعني هدفاً وكان قد رأى عليه الصلاة والسلام من يعبثون بالطير، جعلوا الطير هدفاً ويرمون عليه يتسلون ويلعبون فقال صلى الله عليه وسلم ذلك: (لعن الله من اتخذ ذا روح غرضاً) فكيف بالانسان وكيف بالمسلم. وروى مسلم: (إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)(15) وفي الحديث الحسن (من جرّد ظهر مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان)(16) فكيف بمن لم يجرّد ظهره فقط، بل جرّده كله والعياذ بالله بهذه النيران وهذه المتفجرات الخطر الكبير، والأمر خطير، ليس بالأمر الهيّن، ليس بالأمر السهل، وقد تكرر الوعظ وهؤلاء البغاة المعتدون، هذه الفئة التي تريد أن تزيل الأمن في هذه البلاد، لا زالت والعياذ بالله تهدد أمننا واستقرارنا نسأل الله تبارك وتعالى أن يكف يدها وأن يمنع شرها وأن يصرف أذاها عن المسلمين وعن هذه البلاد، إنه على كل شيء قدير. وأخيرًا تخريب أموال المسلمين فقد حذرنا صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عندما قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)(17) هذه أموال معصومة أموال محرمة، هذه المنازل وتلك السيارات وذلك الأثاث كل هذه الأشياء محرمة معصومة لا يجوز لإنسان أن يتلفها، فكيف بمن أتلف مثل هذه الأمور الكثيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الحديث الحسن: (لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه)(18) عصا، فكيف بمن دمر البيوت والسيارات والأثاث ولم يبق شيئًا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال الراوي: ذلك لشدة ما حرم الله من مال المسلم على المسلم. وفي الحديث الحسن عن ابن معسود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، أي الظلم ؟ فقال: (ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طُوّقها يوم القيامة إلى قعر الأرض، ولا يعلم قعرها إلا الله الذي خلقها(19) فكيف بمن دمر الأرض ومن عليها؟ كيف بمن فجر البيوت ومن عليها؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، جهل عظيم ومنكر كبير، وبلاء شديد، نسأل الله تبارك وتعالى أن يطفئ هذه الفتنة أنه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه، وأن يحقن دماء المسلمين، وأن يرد المسلمين إلى دينهم ردًا جميلاً، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يهدي سفهاء المسلمين، وأن يكف شرهم وأذاهم عن الإسلام وعن المسلمين |
Loading...
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.