أبو غريب الصبيحي
2008-11-26, 04:04 PM
بقلم / أبو غريب الصبيحي
لقد أثارني هذا المقطع الفيديو ، لأحد شعراء الجنوب الشعبيين الصريحين ، حيث إنه تطرق في قصيدته الملقاة الى قضية نعاني منها أبناء الجنوب في يومنا هذا ، لقد كان شاعراً صريحاً ، نطق في الشعر فأبلغ في توصيف المشكلة بوضوح مسمياته ، مما حذا بي إلى الإلحاح المتكرر بمطالبة الدعم الفني في المركز الإعلامي الجنوبي ، الى عدم نشر المقطع الفيديو إلا مع موضوعي هذا ، فقد تطرق الشاعر إلى أمر ٍ يثير جدلاً صاخباً في الشارع الجنوبي ، حيث يحاول الإحتلال أو أعوانه و الواقعين تحت دعاية إعلامه ، تصوير الحراك الجنوبي ، على إن هناك بعض المنتفعين و أصحاب المصالح المفقودة ، يقومون بإفتعال و إختلاق البلبلة _ يقصدون الحراك و النضال السلمي لتحرير الجنوب بمفهومنا_، مما تشكل تخوفاً من قبل المشككين أو من لم تطأ قدمه الحراك ، و إن كانت هذه الفئة قلة و قلوبهم مع إخوانهم الجنوبيين في الحراك الشعبي ، تشكيكاً حول نوايا من هم في الحراك الجنوبي .
رابط المقطع الفيديو للقصيدة
http://aldhala.net/ask12.wmv
لقد كثرت مسميات توصيف كل من يساند القضية الجنوبية أو يكتب لأجلها "بالناشط السياسي " ، مما تثير تسأؤلات عديدة عن أسبابها ، و عن الأثر و الإنطباع الذي تخلفه في المجتمع السياسي و الإجتماعي ، في ظل عدم إيجاد تعريف واضح لأهلية أن يطلق على المرء بالناشط السياسي .
لماذا يمتدح المرء نفسه بإنه ناشط سياسي ؟
هل هو يمن على الوطن بما قدمه ؟ و لماذا ؟
أم إنه حجز مقعد سلطوي أو وظيفي للمستقبل ؟ و هل هذا وقته ؟
ما زلت أتذكر إحدى المواقف ذات مرة ليست ببعيدة عن وقتنا الحالي ، عندما كنت بمعية مجموعة من الأفراد نتبادل أطراف الحديث ، بخصوص مستجدات الوضع في الداخل ، و بدأنا الحديث عن جهة جنوبية تدعم كتاباً ، يكتبون كتابات لا تخدم توحيد الصف الجنوبي ، و إذا بأحد الشباب الموجودين يضرب الأرض بكفة يده ، معترضاً على هذا الحديث قائلاً : " أنا ناشط سياسي في ( . . . . . .) و هذا الكلام لا ندعمه ، أسفت كثيراً حينها أن يتحدث شخصاً عن نفسه بهذا التوصيف ، و أسفت كثيراً أن يصبح ناشطاً سياسياً كل من شارك في فعالية أو أجرى إتصالاً معيناً بإحدى القيادات أو ناشط سياسي "أصلي" ، أو كتب مقالاً لوطنه يندد بالإحتلال .
كثر النشطاء السياسيين ، و تحول بفضلهم الحراك إلى عراك في الميدان و في النت ، و لم يجد المواطن أحداً من المواطنيين يقاسمونه المسير نحو التحرير ، و أصبح وحيداً بمعية النشطاء السياسيين .
لقد كنا نعلم أن للناشط السياسي أو الإجتماعي ثقل مؤثر في الشارع ، و لديه إتصال بجمعيات المجتمع المدني و المنظمات الصحفيه و الحقوقية المحلية و الدولية ، و لم يعلموا إلا و قد أطلقت عليهم الأقلام الرصينة المحايدة توصيف "ناشط سياسي " .
كما إننا لم نعلم ما هي الشهادات الإعلامية أو الحقوقية التي يحملها هؤلاء النشطاء ، الذين أوقعوا الوطن في خزعبلات و فوضى عارمة ، متدافعين نحو كراسي يفيض بها تفكيرهم للمستقبل .
في الضفة الأخره هناك من يعمل بصمت ، و لم يتيح الوقت له بعد لإستخراج بطاقة " ناشط سياسي " ، كما لم يتيح له الوقت أيضاً ليتحول إلى ناشطاً تجارياً ، لا يميز بين السياسة و بين الربح و الخسارة ، و لقد علمنا بما لم يعلمه البعض عن هؤلاء الناشطين الجدد ، و هم لا يعلمون أن وصف " ناشط سياسي " عندما لا يطلقه قلمٌ أكثر رزانةً ، لا يفرق بين المقربين و المبعدين ، تكون مقززة و تنفر الجميع منها إلى حدٍ ما ، و لا أعلم إلى متى سيتباهى هؤلاء بهذه التوصيفات البليدة ، و هناك أقوال و أمثال شعبية ، تطرقت كثيراً إلى الحديث عن الصامتين و خطورتهم ، فالبعض يقول : " ذاك الفلان من تحت لا تحت " ، وتارة " المسكين يطلع لنا سكين " و أحياناً " يا ما تحت السواهي دواهي " .
يتذكر أحد المناضلين القدامى بحسرة بالغة ، الفترة السابقة التي مر بها الجنوب في تاريخه ، بعد استقلاله عن الإستعمار البريطاني ، بأن هنالك أشخاصاً سجلوا حينها ضمن قائمة مناضلي الثورة ، و نالوا بها أوسمة و درجات وظيفية أنذاك ، و هم كانوا حين إندلاع الثورة صغاراً في السن .
لهذا فقد كان التساؤل وارداً ، عن أسباب هذه الظاهرة ، و هل هي ظاهرةنفسية أم لها إرتباطات أخرى ؟
قد يكون الجواب عادةً و بديهياً ، بأن السبب هو حب الظهور و أن يكون شيئاً مذكوراً ، مصحوباً بالتفكير الملازم بأن المستقبل السياسي هو غنيمة المناضل ، خصوصاً إن لم يكن يملك ما يؤهله ليلعب دوراً سياسياً ، أو لا يملك درجة علمية تمكنه من الحصول على وظيفة مرموقة ، في مرحلة ما بعد الإستقلال .
كما يشار إلى أن إثارة الشعور الذاتي عند الأفراد ، و التي تنتهجها الأحزاب و التنظيمات حديثة العهد ، تعد إحدى أهم ركائز إستفحال ظاهرة كثرة النشطاء السياسيين بلا نشاط في مرحلتنا الحالية في الجنوب.
و حول هذا الموضوع يقول الأستاذان في العلوم السياسية د/محمود خيري و د/ بطرس بطرس غالي ، في كتابهما "مدخل في علم السياسة" : " بأن بعض الأحزاب قد تلجأ إلى إثارة شعور الأفراد و الجماعات لكسب التأييد الشعبي ، و يحدث هذا بصفة خاصة في مبدأ تكوينها ، و إن كان بعضها يظل مستخدماً هذا السلاح طول حياته ، ليستميل أنصاراً جدداً ، و لكن مع تخفيف حدته "
أيضاً هناك شكل آخر من أشكال إثارة الشعور الذاتي ، مثل إستغلال العاطفة عند عوام الشعب ، و هو ما نلحظه اليوم متمثلاً ببث الكراهية ضد كل ما هو شمالي ، أو له علاقه بالشمال ، و غيرها مما يستخدم فقط لإستمالة الأنصار و هذا موضوع متشعب و يمكن التطرق إليه في موضوع منفصل .
إن مستقبل الجنوب بعد رحيل الإحتلال اليمني ، و إستعادة الدولة و السيادة الجنوبية لن يكون كما يتصوره البعض ، و لن يشبه الحالة التي عاشها الجنوب في فترة دولته السابقة ، و التي كانت قائمة من عام 1967 و حتى عام 1990 عندما قامت الوحدة الطوعية المغدور بها .
إذ أن هناك من يعمل بصمت شديد ، راسماً ملامح المستقبل الجنوبي بعد التحرير ، و كل هذا العمل منظماً و برعاية و إشراف دولي ، و هذه الرعاية هي ذاتها التي حافظت على سلمية النضال الجنوبي ، و عدم جره إلى منزلق العنف ، و لعل ما تحدث به الأمين العام المساعد الأسبق للحزب الإشتراكي اليمني سالم صالح لصحيفة الخليج يكفي للإجابة عن السؤال كاملاً ، و ذلك عنما قال في الحوار بأن تحول أبناء الجنوب من إستخدام السلاح للتعبير عن مطالبهم إلى التظاهر الحضاري السلمي ، تحولاً ربانياً يجب على نظام صنعاء الإصغاء إليه بدلاً من مجابهته بالعنف .
مثلاً هناك بعض الأمور التي تثير إنتباه المراقبين ، مثل : عدم اللجوء إلى إستخدام العنف ، بعد الإعتقالات الإستفزازية للقياديين الجنوبيين ، و كيف أستمر الحراك الشعبي الجنوبي و تصعد بعد إعتقال قياداته ؟ و من يقوم بتنظيمه ؟ .
لا شك أن هناك جهود جباره تبدل بعيداً عن الأضواء و الأعين ، و أصحاب هذه الجهود هم ذاتهم من يقود هذا النضال السلمي بعيداً عن الظهور و البحث عن تزكيات و إمتداح أنفسهم .
و مما لا شك فيه أيضاً أن هؤلاء هم من جعل أبناء شعبنا الجنوبي يحتكم إلى مفهوماً جديداً بالنسبة لهم ، و هو "ضبط النفس " ، و عدم إستخدام العنف الذي يريد نظام الإحتلال منه ذريعةً لضرب الحراك الجنوبي سياسياً و عسكرياً .
إن إستخدام العنف من قبل تكوينات الجنوب القبلية ، كرد فعل على إستشهاد أبنائها بشكل بلطجي من قوات الإحتلال اليمني ، أمراً طبيعياً يكفي لتفجير الوضع في الجنوب ، إن عدم إستخدامه له دلالة كبيره على أن هناك قوى خفية عن الإعلام ، تدير الحراك الداخلي بشكل مدروس و دقيق ، و بإشراف دولي لبرنامج الحراك الذي يعدونه .
يشار إلى أن تسليم قتلة الشهيدين الصوملي و حافظ لسلطات الإحتلال ، يأتي في هذا البرنامج المدروس ، حيث كانت هناك توقعات بالقصاص الشعبي من قتلة الشهيدين ، و شكل تسليمهم إدانة للنظام اليمني أمام الرأي العام الداخلي و الخارجي ، حيث تعامل محتجزي الجنود مع سلطات الإحتلال و ما يسمى بالسيادة الوطنية ، و كان الرد من نظام صنعاء تعاملاً يدل على أن هناك فعلاً إحتلال . لعدم محاكمة و تسليم بقية القتلة الى العدالة .
ما نريد إيصاله بأن مستقبل الجنوب السياسي ، لن يكون بيد تلك الجهة التي تعمل ليلاً و نهاراً و جهاراً بحثاً عن قدم موطأ لها في ثورة الجنوب الداخلية ، و التي ما فتئت مؤخراً إلا و هاجمت غالبية قيادات الجنوب في الداخل ، لتزيحه من طريق مستقبلها السياسي ، مستخدمة ً بعضاً من عناصرها التي بثت و أثارت في نفسياتهم الشعور الذاتي و التزكيات و المجاملات الجنوبية التقليدية ، و كذلك لن ينال هؤلاء الأفراد مهما كانوا و كانت مناطقهم أكثر مما يستحقونه ، إنما المستقبل بيد الشعب الجنوبي المكافح ، و في أيدي أمينة و عقول أكثر رزانةً و رصانة ، و هي التي تسهر الليل و تعمل في النهار لأجل الجنوب ، و تنظيم حراكة بعيداً عن الأضواء و التزحلق خلف المناصب الوهمية ، و البحث عن أنصار و أتباع .
فمن يناضل لأجل الجنوب الأرض و الإنسان و القضية ، ليس عليه أن يمن على وطنه ، و يقول أنا كنت و عملت ، لإن نضاله و عمله لم يكون من أجل أحد ، إنما من أجل الحفاظ و الدفاع على هويته و هوية أبنائه ، و لأجل الدفاع أيضاً عن الكرامة و العزة ، و لأجل مستقبل مشرق أفضل له و لشعبه و لأهله و أبنائه .
إن هناك رؤى سياسية مستقبلية خافية عن العيان ، لكي لا يتكرر تاريخ التصفيات ضد أي من سيسمون "بالإنتهازيين " أو "الرجعيين " و حماية حقوق و صون كرامة كل جنوبي ، و عدم تكرار أيضاً تسليم مناضلي الثورة الحقيقيين أو" المزعوميين " مهاماً في الدولة لا يستحقونها ، أو بتعبير صحيح لا يملكون مؤهلاً ليكلفوا بها.
لقد قادنا هذا التفكير الضيق في السابق إلى هاوية الصراعات و تدمير البلد في مدة أقصاها 23 سنة من فترة نيل الإستقلال عام 1967 و قيام جمهورية اليمن الجنوبية و حتى عام 1990 حين قامت الوحدة الطوعية بين العربية اليمنية و اليمن الدمقراطية ( الجنوب العربي ) .
فيا نشطائنا الجدد إعملوا بإخلاص لأجل وطنكم و شعبكم و أهلكم في الجنوب ، فلا يوجد هناك فراغ سياسي و إداري في دولة الجنوب بعد الإستقلال ، فالكراسي كلها شاغرة منتظرة خيرة كوادرها التي ستبني الوطن .
فأفيقوا الآن وأتركوا الأحلام ، فالأحلام ظل مستمر زمنها ، إلا إنه لا بد أن يفيق منها المرء !!!.
لقد أثارني هذا المقطع الفيديو ، لأحد شعراء الجنوب الشعبيين الصريحين ، حيث إنه تطرق في قصيدته الملقاة الى قضية نعاني منها أبناء الجنوب في يومنا هذا ، لقد كان شاعراً صريحاً ، نطق في الشعر فأبلغ في توصيف المشكلة بوضوح مسمياته ، مما حذا بي إلى الإلحاح المتكرر بمطالبة الدعم الفني في المركز الإعلامي الجنوبي ، الى عدم نشر المقطع الفيديو إلا مع موضوعي هذا ، فقد تطرق الشاعر إلى أمر ٍ يثير جدلاً صاخباً في الشارع الجنوبي ، حيث يحاول الإحتلال أو أعوانه و الواقعين تحت دعاية إعلامه ، تصوير الحراك الجنوبي ، على إن هناك بعض المنتفعين و أصحاب المصالح المفقودة ، يقومون بإفتعال و إختلاق البلبلة _ يقصدون الحراك و النضال السلمي لتحرير الجنوب بمفهومنا_، مما تشكل تخوفاً من قبل المشككين أو من لم تطأ قدمه الحراك ، و إن كانت هذه الفئة قلة و قلوبهم مع إخوانهم الجنوبيين في الحراك الشعبي ، تشكيكاً حول نوايا من هم في الحراك الجنوبي .
رابط المقطع الفيديو للقصيدة
http://aldhala.net/ask12.wmv
لقد كثرت مسميات توصيف كل من يساند القضية الجنوبية أو يكتب لأجلها "بالناشط السياسي " ، مما تثير تسأؤلات عديدة عن أسبابها ، و عن الأثر و الإنطباع الذي تخلفه في المجتمع السياسي و الإجتماعي ، في ظل عدم إيجاد تعريف واضح لأهلية أن يطلق على المرء بالناشط السياسي .
لماذا يمتدح المرء نفسه بإنه ناشط سياسي ؟
هل هو يمن على الوطن بما قدمه ؟ و لماذا ؟
أم إنه حجز مقعد سلطوي أو وظيفي للمستقبل ؟ و هل هذا وقته ؟
ما زلت أتذكر إحدى المواقف ذات مرة ليست ببعيدة عن وقتنا الحالي ، عندما كنت بمعية مجموعة من الأفراد نتبادل أطراف الحديث ، بخصوص مستجدات الوضع في الداخل ، و بدأنا الحديث عن جهة جنوبية تدعم كتاباً ، يكتبون كتابات لا تخدم توحيد الصف الجنوبي ، و إذا بأحد الشباب الموجودين يضرب الأرض بكفة يده ، معترضاً على هذا الحديث قائلاً : " أنا ناشط سياسي في ( . . . . . .) و هذا الكلام لا ندعمه ، أسفت كثيراً حينها أن يتحدث شخصاً عن نفسه بهذا التوصيف ، و أسفت كثيراً أن يصبح ناشطاً سياسياً كل من شارك في فعالية أو أجرى إتصالاً معيناً بإحدى القيادات أو ناشط سياسي "أصلي" ، أو كتب مقالاً لوطنه يندد بالإحتلال .
كثر النشطاء السياسيين ، و تحول بفضلهم الحراك إلى عراك في الميدان و في النت ، و لم يجد المواطن أحداً من المواطنيين يقاسمونه المسير نحو التحرير ، و أصبح وحيداً بمعية النشطاء السياسيين .
لقد كنا نعلم أن للناشط السياسي أو الإجتماعي ثقل مؤثر في الشارع ، و لديه إتصال بجمعيات المجتمع المدني و المنظمات الصحفيه و الحقوقية المحلية و الدولية ، و لم يعلموا إلا و قد أطلقت عليهم الأقلام الرصينة المحايدة توصيف "ناشط سياسي " .
كما إننا لم نعلم ما هي الشهادات الإعلامية أو الحقوقية التي يحملها هؤلاء النشطاء ، الذين أوقعوا الوطن في خزعبلات و فوضى عارمة ، متدافعين نحو كراسي يفيض بها تفكيرهم للمستقبل .
في الضفة الأخره هناك من يعمل بصمت ، و لم يتيح الوقت له بعد لإستخراج بطاقة " ناشط سياسي " ، كما لم يتيح له الوقت أيضاً ليتحول إلى ناشطاً تجارياً ، لا يميز بين السياسة و بين الربح و الخسارة ، و لقد علمنا بما لم يعلمه البعض عن هؤلاء الناشطين الجدد ، و هم لا يعلمون أن وصف " ناشط سياسي " عندما لا يطلقه قلمٌ أكثر رزانةً ، لا يفرق بين المقربين و المبعدين ، تكون مقززة و تنفر الجميع منها إلى حدٍ ما ، و لا أعلم إلى متى سيتباهى هؤلاء بهذه التوصيفات البليدة ، و هناك أقوال و أمثال شعبية ، تطرقت كثيراً إلى الحديث عن الصامتين و خطورتهم ، فالبعض يقول : " ذاك الفلان من تحت لا تحت " ، وتارة " المسكين يطلع لنا سكين " و أحياناً " يا ما تحت السواهي دواهي " .
يتذكر أحد المناضلين القدامى بحسرة بالغة ، الفترة السابقة التي مر بها الجنوب في تاريخه ، بعد استقلاله عن الإستعمار البريطاني ، بأن هنالك أشخاصاً سجلوا حينها ضمن قائمة مناضلي الثورة ، و نالوا بها أوسمة و درجات وظيفية أنذاك ، و هم كانوا حين إندلاع الثورة صغاراً في السن .
لهذا فقد كان التساؤل وارداً ، عن أسباب هذه الظاهرة ، و هل هي ظاهرةنفسية أم لها إرتباطات أخرى ؟
قد يكون الجواب عادةً و بديهياً ، بأن السبب هو حب الظهور و أن يكون شيئاً مذكوراً ، مصحوباً بالتفكير الملازم بأن المستقبل السياسي هو غنيمة المناضل ، خصوصاً إن لم يكن يملك ما يؤهله ليلعب دوراً سياسياً ، أو لا يملك درجة علمية تمكنه من الحصول على وظيفة مرموقة ، في مرحلة ما بعد الإستقلال .
كما يشار إلى أن إثارة الشعور الذاتي عند الأفراد ، و التي تنتهجها الأحزاب و التنظيمات حديثة العهد ، تعد إحدى أهم ركائز إستفحال ظاهرة كثرة النشطاء السياسيين بلا نشاط في مرحلتنا الحالية في الجنوب.
و حول هذا الموضوع يقول الأستاذان في العلوم السياسية د/محمود خيري و د/ بطرس بطرس غالي ، في كتابهما "مدخل في علم السياسة" : " بأن بعض الأحزاب قد تلجأ إلى إثارة شعور الأفراد و الجماعات لكسب التأييد الشعبي ، و يحدث هذا بصفة خاصة في مبدأ تكوينها ، و إن كان بعضها يظل مستخدماً هذا السلاح طول حياته ، ليستميل أنصاراً جدداً ، و لكن مع تخفيف حدته "
أيضاً هناك شكل آخر من أشكال إثارة الشعور الذاتي ، مثل إستغلال العاطفة عند عوام الشعب ، و هو ما نلحظه اليوم متمثلاً ببث الكراهية ضد كل ما هو شمالي ، أو له علاقه بالشمال ، و غيرها مما يستخدم فقط لإستمالة الأنصار و هذا موضوع متشعب و يمكن التطرق إليه في موضوع منفصل .
إن مستقبل الجنوب بعد رحيل الإحتلال اليمني ، و إستعادة الدولة و السيادة الجنوبية لن يكون كما يتصوره البعض ، و لن يشبه الحالة التي عاشها الجنوب في فترة دولته السابقة ، و التي كانت قائمة من عام 1967 و حتى عام 1990 عندما قامت الوحدة الطوعية المغدور بها .
إذ أن هناك من يعمل بصمت شديد ، راسماً ملامح المستقبل الجنوبي بعد التحرير ، و كل هذا العمل منظماً و برعاية و إشراف دولي ، و هذه الرعاية هي ذاتها التي حافظت على سلمية النضال الجنوبي ، و عدم جره إلى منزلق العنف ، و لعل ما تحدث به الأمين العام المساعد الأسبق للحزب الإشتراكي اليمني سالم صالح لصحيفة الخليج يكفي للإجابة عن السؤال كاملاً ، و ذلك عنما قال في الحوار بأن تحول أبناء الجنوب من إستخدام السلاح للتعبير عن مطالبهم إلى التظاهر الحضاري السلمي ، تحولاً ربانياً يجب على نظام صنعاء الإصغاء إليه بدلاً من مجابهته بالعنف .
مثلاً هناك بعض الأمور التي تثير إنتباه المراقبين ، مثل : عدم اللجوء إلى إستخدام العنف ، بعد الإعتقالات الإستفزازية للقياديين الجنوبيين ، و كيف أستمر الحراك الشعبي الجنوبي و تصعد بعد إعتقال قياداته ؟ و من يقوم بتنظيمه ؟ .
لا شك أن هناك جهود جباره تبدل بعيداً عن الأضواء و الأعين ، و أصحاب هذه الجهود هم ذاتهم من يقود هذا النضال السلمي بعيداً عن الظهور و البحث عن تزكيات و إمتداح أنفسهم .
و مما لا شك فيه أيضاً أن هؤلاء هم من جعل أبناء شعبنا الجنوبي يحتكم إلى مفهوماً جديداً بالنسبة لهم ، و هو "ضبط النفس " ، و عدم إستخدام العنف الذي يريد نظام الإحتلال منه ذريعةً لضرب الحراك الجنوبي سياسياً و عسكرياً .
إن إستخدام العنف من قبل تكوينات الجنوب القبلية ، كرد فعل على إستشهاد أبنائها بشكل بلطجي من قوات الإحتلال اليمني ، أمراً طبيعياً يكفي لتفجير الوضع في الجنوب ، إن عدم إستخدامه له دلالة كبيره على أن هناك قوى خفية عن الإعلام ، تدير الحراك الداخلي بشكل مدروس و دقيق ، و بإشراف دولي لبرنامج الحراك الذي يعدونه .
يشار إلى أن تسليم قتلة الشهيدين الصوملي و حافظ لسلطات الإحتلال ، يأتي في هذا البرنامج المدروس ، حيث كانت هناك توقعات بالقصاص الشعبي من قتلة الشهيدين ، و شكل تسليمهم إدانة للنظام اليمني أمام الرأي العام الداخلي و الخارجي ، حيث تعامل محتجزي الجنود مع سلطات الإحتلال و ما يسمى بالسيادة الوطنية ، و كان الرد من نظام صنعاء تعاملاً يدل على أن هناك فعلاً إحتلال . لعدم محاكمة و تسليم بقية القتلة الى العدالة .
ما نريد إيصاله بأن مستقبل الجنوب السياسي ، لن يكون بيد تلك الجهة التي تعمل ليلاً و نهاراً و جهاراً بحثاً عن قدم موطأ لها في ثورة الجنوب الداخلية ، و التي ما فتئت مؤخراً إلا و هاجمت غالبية قيادات الجنوب في الداخل ، لتزيحه من طريق مستقبلها السياسي ، مستخدمة ً بعضاً من عناصرها التي بثت و أثارت في نفسياتهم الشعور الذاتي و التزكيات و المجاملات الجنوبية التقليدية ، و كذلك لن ينال هؤلاء الأفراد مهما كانوا و كانت مناطقهم أكثر مما يستحقونه ، إنما المستقبل بيد الشعب الجنوبي المكافح ، و في أيدي أمينة و عقول أكثر رزانةً و رصانة ، و هي التي تسهر الليل و تعمل في النهار لأجل الجنوب ، و تنظيم حراكة بعيداً عن الأضواء و التزحلق خلف المناصب الوهمية ، و البحث عن أنصار و أتباع .
فمن يناضل لأجل الجنوب الأرض و الإنسان و القضية ، ليس عليه أن يمن على وطنه ، و يقول أنا كنت و عملت ، لإن نضاله و عمله لم يكون من أجل أحد ، إنما من أجل الحفاظ و الدفاع على هويته و هوية أبنائه ، و لأجل الدفاع أيضاً عن الكرامة و العزة ، و لأجل مستقبل مشرق أفضل له و لشعبه و لأهله و أبنائه .
إن هناك رؤى سياسية مستقبلية خافية عن العيان ، لكي لا يتكرر تاريخ التصفيات ضد أي من سيسمون "بالإنتهازيين " أو "الرجعيين " و حماية حقوق و صون كرامة كل جنوبي ، و عدم تكرار أيضاً تسليم مناضلي الثورة الحقيقيين أو" المزعوميين " مهاماً في الدولة لا يستحقونها ، أو بتعبير صحيح لا يملكون مؤهلاً ليكلفوا بها.
لقد قادنا هذا التفكير الضيق في السابق إلى هاوية الصراعات و تدمير البلد في مدة أقصاها 23 سنة من فترة نيل الإستقلال عام 1967 و قيام جمهورية اليمن الجنوبية و حتى عام 1990 حين قامت الوحدة الطوعية بين العربية اليمنية و اليمن الدمقراطية ( الجنوب العربي ) .
فيا نشطائنا الجدد إعملوا بإخلاص لأجل وطنكم و شعبكم و أهلكم في الجنوب ، فلا يوجد هناك فراغ سياسي و إداري في دولة الجنوب بعد الإستقلال ، فالكراسي كلها شاغرة منتظرة خيرة كوادرها التي ستبني الوطن .
فأفيقوا الآن وأتركوا الأحلام ، فالأحلام ظل مستمر زمنها ، إلا إنه لا بد أن يفيق منها المرء !!!.