أبو عامر اليافعي
2008-11-14, 01:43 PM
وجه الدعوة للارياني للخروج من اليمن وهو سيستقبله في أي مطار، وقال إن السياسات أكبر عائق
حيدر أبوبكر العطاس: رفض اللامركزية سيوجد بدائل أخرى، بينها تشظي البلاد، والذين في السلطة متحمسون للانفصال أكثر ممن هم خارجها 13/11/2008
حوار: سامي غالب، خاص لـ"نيوزيمن":
http://bsmlh.net/up/uploads/bsmlh_cb3aeb89e4.jpg (http://bsmlh.net/up/)
العطاس وغالب
امتد هذا الحوار مع حيدر أبوبكر العطاس 3 ساعات خلاف ما كان متفقاً عليه بأن لا يتجاوز الساعة. وهو قال لي إنه اعتذر عن تلبية طلبات عديدة لإجراء مقابلات صحفية معه مؤخراً، خصوصاً بعد التصريحات الشهيرة لمستشار رئيس الجمهورية عبدالكريم الإرياني التي بثتها قناة «الحرة»، قبل أن يضيف: رُبَّ صدفة خير من ألف ميعاد.
كنت مررت بالقاهرة قبل أسبوعين في طريق عودتي إلى صنعاء من زيارة إلى الولايات المتحدة الاميركية. وقد أبلغني أحد معارفي هناك بوجود «رئيس وزراء دولة الوحدة» في القاهرة، مقترحاً عليَّ ضمنياً التواصل معه لإجراء حوار صحفي.
اتصلت بـــ«رجل الدولة» الذي صار في أدبيات الخطاب الرسمي «مهندس الانفصال»، وقد رحب بالحديث إلى «نيوزيمن والنداء» التي قال إنه يتابعها ويكن لها الاحترام.
في اليوم التالي تحدث كـ«رجل الدولة»: يتكلم عن القليل مما يعرف موفراً الكثير إلى مذكراته المرتقبة، وربما إلى ملمات قادمة، مدللاً على آرائه بالحقائق والمعلومات، نائياً عن إغراء «الصفات». وعندما مازحته لافتاً إلى تشبثه بميراثه كرجل سياسة متخفف من العقائدية، ابتسم قبل أن يسافر عبر الزمان إلى حقبة الحكم الاشتراكي في اليمن الجنوبي، ويرجع مجدداً إلى الصحفي الذي يناكفه، موضحاً: في الماضي كان يؤخذ عليَّ ذلك، حتى أنه لم يسجل لي أي حديث أتغنى فيه بالماركسية اللينينية.
والحق أن أبرز ما أدركته في شخص «المتخفف من الغلو والعقائدية» هو السلام الداخلي الذي فاض مراراً خلال هذا الحوار. إلى هذا السلام عزوت النبرة الهادئة التي طبعت إجاباته، حتى وهو يرد على أسئلة تتعلق بشخصه، دافعاً عن نفسه اتهامات تتعلق بمسلكه وثروته!
&> تجددت الدعوات "الفضائية" إليك للعودة، وذلك عبر تصريحات أدلى بها عبدالكريم الإرياني لقناة "الحرة" مؤخراً، كيف تلقيت هذه الدعوة الأخيرة؟
- الاتصالات بشأن عودتي لم تنقطع منذ 1994. تأخذ أحياناً شكل الاتصال المباشر، وأحياناً شكل الدعوات عبر الفضائيات. المحزن هو تصوير المسألة على أنها مجرد شخص يعود ويحصل على ما يريد. لقد أكدت على الدوام أن القضية ليست شخصية، ولو كان الأمر بالنسبة لي قضية شخصية لكنت حسمته مبكراً، والجميع يعرف ذلك. لكن القضية قضية شعب ومستقبل وطن، كيف تعالج الأمور بشكل صحيح، بحيث كل شخص عنده إمكانية يسهم من موقعه ومع مختلف الفعاليات والشخصيات في تنمية البلد. كانت إجاباتهم دائماً: اطلب ما تريد. كان ردي باختصار: ليست لدي مطالب شخصية، اتخذوا إجراءات حقيقية على الأرض ستجدونني أمامكم من دون دعوة.
&> الإرياني تحدث عنك باعتبارك صديقاً، لكنه استخدم في الوقت نفسه عبارات قاسية، كما في قوله إنك انفصالي حتى العظم، كيف تقرأ هذه الصداقة؟
- معرفتي بالإرياني قديمة، وعلاقتي به متواصلة من وقت إلى آخر. نلتقي صدفة أحياناً، وأحياناً نلتقي في مناسبات وفعاليات نشارك فيها. أعرف موقفه وآراءه حول مختلف قضايا اليمن، هو ممّن يتمنى أن يتخلص من هذا النظام، ويبحث عن اليوم الذي يستطيع أن ينفذ فيه بجلده ويخرج. وهذه الكبوة التي حصلت منه سببُها أنه طُلب منه ذلك، طُلب منه قول هذا الشيء، ولا أعتقد أن هذا موقفه. تواجهنا في مناسبات عديدة، قبل الوحدة وبعدها، وبعد حرب 1994، ولاحقاً في مناسبات إقليمية ومنتديات دولية، وكان من الناس الذين يرون أن اليمن يتجه نحو الهاوية، وفي نظره لا يوجد أفق مفتوح للبلد. شخصياً لم أفاجأ بما قاله، ولكن كثيرين فوجئوا. أنا لا ألومه، لأنه إنْ لم يقل ذلك فربما يواجه مشكلة.
&> ما دلالة توقيت تصريحاته، علماً بأن المذيع هو من سأله، لكنه استطرد في خصوصك، أيوجد شيء محدد من جهتك يمكن قوله؟
- من جهتي، أواصل قراءتي للأحداث وإعلان آرائي حيال ما يعتمل في البلد. النقد وإبداء الرأي لا يعجبان النظام. يحاولون إسكات من هم في الداخل ومن هم في الخارج. نحن لا نتعرض للأشخاص، وفوق مستوى شخصنة المسائل، نتعامل مع قضايا وطنية، سواء ما يحدث في اليمن عموماً، أم ما يحدث في الجنوب خصوصاً منذ حرب 1994 الظالمة.
&> الإرياني ركز على ضمان الحقوق السياسية والمدنية، أقصد شيئاً محدداً...؟
- لا يوجد شيء محدد. قالوا لي: اكتب ما تريد على بياض ونحن سنلبيه. وكذلك فيما يخص الحقوق السياسية، مجرد كلام. يريدون أن يعود الجميع إلى القفص وبعد ذلك يضعون الحلول على طريقتهم. لذلك أنا لا أفكر في العودة قبل أن تكون هناك خطوات جادة على طريق الإصلاح الوطني الشامل، خطوات تتم على الأرض تكون الضمانة لكل القوى السياسية سواءً في الداخل أم في الخارج.
أي صوت ينتقد الممارسات يحاولون إسكاته، لا يوجد "نَفَس" لتقبل الرأي الآخر، لاحظْ ما جرى أمس (مطلع الأسبوع الماضي)، شنوا هجوماً على (النائب الإصلاحي) محسن باصرة في حضرموت ووزعوا منشورات وملصقات ضده.
&> الإرياني وجه إليك دعوة للعودة إلى اليمن، وفي المقابل أنت تقول إنه يتمنى أن يخرج من اليمن، ما الذي يمكن أن تعرضه عليه لمساعدته؟
- (ضاحكاً) أوجه إليه دعوة للخروج.
&> هو أبدى استعداده لأن يرافقك في رحلة العودة بالطائرة، وأنت بالتأكيد لا تستطيع أن ترافقه من مطار صنعاء؟
- لكنني مستعد لاستقباله في أي مطار يحط فيه. الدكتور أعرفه وهو شخص طيب، ولا أريد أن ينجر مع الآخرين.
&> عندما يصفك بالصديق، هل جمعتكما فعلاً صداقه؟
- نعم، وكانت لنا جلسات، وكنا نتفق ونختلف في الآراء، وهذه هي الرابطة الحية، والعلاقة تتعزز بين الناس عندما تتباين أفكارهم وفي نفس الوقت تتعايش، التعدد يفترض أن يقوي العلاقات.
&> في 2005، و2006، كان هناك تفاؤل بقرب عودتك، وأذكر أنك أدليت بتصريحات تقول إن عودتك مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية؟
- وُجِدت جهود مكثفة لعودتي في مرحلتين. الأولى عند الذكرى الـــــ15 للوحدة واحتفالات حضرموت. كان هناك إصرار على عودتي لحضور احتفالات حضرموت، حتى أنه طُلِب مني أن أعود فقط لحضور الاحتفالات ثم أغادر. رفضت، لأنني لا أقبل أن أؤدي هذا الدور. ما لم تكن عودتي مقرونة بإجراءات حقيقية على الأرض فلن تكون. والثانية عند الانتخابات الرئاسية. كتبت حينها آملاً أن تشكل هذه الانتخابات نقطة مضيئة على طريق الانفراج، لكنني صدمت عندما رأيت ذلك التحدي السافر من قبل السلطة لإرادة الشعب باغتصاب الصناديق واتهام المعارضة ومرشحها بالإرهاب وغيره، وتُوجت الممارسات بمسرحية التفجيرات في حضرموت وشبوة. كل ذلك لم يعد خافياً على أحد، لا في الشارع اليمني ولا في المحيطين الإقليمي والدولي. الانتخابات لم تشكل ذلك الأمل الذي أردناه. حتى لجان الرقابة الدولية أرهبوها، أوهموها بإمكانية وقوع أعمال إرهابية كيلا تنزل إلى المحافظات.
&> على أن المشترك في النهاية تعامل مع نتائج تلك الانتخابات وقبل بها، خلاف موقف بين شملان الذي رفضها؟
- قيادة المشترك قدَّرت الموضوع بشكل مبالغ فيه. كان بوسعها أن تخطو خطوة أكبر لتكون أقرب إلى الناس بدلاً من أن تخذل الجماهير التي خرجت معها. هذه نقطة محسوبة ضدها. وأنا تكلمت مع الإخوان (في قيادة المشترك) في هذا الأمر.
&> الحكم، سواء عبر الإرياني أم في تصريحات واتصالات أخرى، يصوِّر الأمر كأنه شخصي، وأنه مجرد عودة شخصيات من الخارج سيمثل حلاً سحرياً للأزمة في الجنوب، أليس هذا من أسباب الإخفاق في الإمساك بالحل للأزمة هناك؟
- الإخوان في السلطة أسرى التناقض، والسبب هو القرار المتخذ بعدم التخلي عن السلطة، عدم القبول بإرادة الشعب، والاحتفاظ بالسلطة مهما كلف ذلك من ثمن. تصوير الأمر على أن عودة بعض الأشخاص من الخارج سيعالج الأمور هو تصوير خاطئ. ثم كيف تفسر تزامن دعوتهم إلى العودة مع حملات دعائية؟! أقرأ الكثير من الهجوم الذي تشنه ضدي مواقع وصحف رسمية، وقد دهشت أن يقود الرئيس علي عبدالله صالح شخصياً هذه الحملات. كانت البداية في مقابلة مع صحيفة "الوسط" عندما قال إن حيدر أبو بكر العطاس هو رأس الأفعى. كان ذلك بمثابة تهديد، وقد اتصلت بي منظمات دولية، معتبرة كلام الرئيس تهديداً مباشراً. سُئلت لاحقاً عن رأيي فيما قاله، ولم أرد على أي من الشتائم، وقلت إن الرئيس كان في حالة غضب؛ على أن صفة الغضب عندما تعتري الحاكم تنزع منه أهلية الحكم. وفي مقابلته الأخيرة في القناة المصرية، ورداً على سؤال حول عدم مشاركة قادة ثورة أكتوبر في احتفالات ذكراها، قال إن قادة أكتوبر شهداء، ثم فجأة أضاف أن العطاس لم يكن من ثوار أكتوبر. انزلق بشكل لم أتوقعه. قادة ثورة أكتوبر موجودون، وعدد كبير منهم أحياء، موجودون في السلطة والمعارضة. هذا مؤشر سلبي. أنا كنت من مؤسسي الجبهة القومية، وقد شاركت في المؤتمر الأول للجبهة القومية الذي عقد في مدينة تعز في يونيو 1965. جئت إلى صنعاء في وقت متوتر جداً، وغادرناها براً إلى تعز. كنت أمثل القطاع الطلابي باعتباري سكرتير القطاع الطلابي في القاهرة. وهذا القطاع شارك ببسالة في ثورة أكتوبر، ولا يزال ينتظر منه اليوم، في اليمن، الدور الكبير، سواءً في الجنوب أم في الشمال.
&> أنت تراهن على فعالية الحركة الطلابية الموجودة الآن في الجامعات؟
- نعم. بإمكان الحركة الطلابية أن تسند الحركة الشعبية السلمية في الجنوب، وأن تسند أيضاً الاحتجاجات الشعبية في الشمال. ما أريد قوله هو أن هذا التناقض في الطرح من قبل السلطة هو تعبير عن اهتزاز في الرؤية. فخامة الرئيس يقول دائماً إن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. والآراء التي تصدر عنا سياسية. عندما يقول هذا الكلام ويمارس عكسه فذلك أمر محزن، وكما يقول الله سبحانه وتعالى: {كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
&> لم لا تعزو هذا الهجوم من قبل الرئيس إلى شعوره بالخذلان. انتظر عودتك، وربما كأن يؤمل أن عودة شخصية مهمة مثلك، لها رمزيتها في الجنوب، ستساعد في التعامل مع الوضع في الجنوب؟
- ربما أراد مساعدته في امتصاص حالة الغضب. لكن المساعدة لا تأتي من الآخرين، بل من تغيير السياسات. هذه السياسات هي أكبر عائق. أي شخص يأتي من الخارج مهما علا مركزه لن يساعد في وقف هذه الاحتجاجات أو احتوائها ما لم تكن هناك سياسة واعية تعرف المشكلة وتعترف بها وتضع المعالجات الصحيحة. ما حصل في الجنوب منذ 94 شيء عجيب لم يكن أحد يتصوره. الحرب استهدفت الجنوب فعلياً، وليس الحزب الاشتراكي فقط. من الواضح أنه لم تكن هناك نية لوحدة حقيقية لدى هذه القيادة في صنعاء، وإنما كانت تريد أن تستولي على المزيد من الأراضي والمزيد من السلطة. إقصاء الناس هي سياستهم، والخوف من الناس كبير جداً عندهم. عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضد ارتفاع الأسعار في نهاية عام 1992 لاحظت استنفارهم الشديد. أرادوا إنزال القوات المسلحة لقمع الناس. قاتلت كي لا تنزل القوات إلى الشارع.
&> لكنكم كحزب اشتراكي اتُّهمتم حينها بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات، ما يعني أنه ليس لكم مصلحة في إنزال قوات؟
- أبداً، أبداً. الاشتراكي لم يكن وراء هذه الاحتجاجات. وقد طلعتُ علناً (في وسائل الإعلام) وقلت إن التجار الدخلاء على التجارة هم سبب المشكلة لأنهم بالغوا في رفع الأسعار.
&> في 1994 بدا الأمر على أنه صراع بين نخبتين في الحكم آل إلى انتصار النخبة الشمالية (أو معسكر الرئيس صالح) على النخبة الجنوبية أو الاشتراكي وحلفائه. الأمر مختلف الآن مع تصاعد حركة الاحتجاجات، الأمر لم يعد موضوع فلان الذي أقصي من الحكم أو يعيش في المنفى، بل صار أعقد بكثير، هل ترى أن المعالجات التي اتخذها الرئيس مؤخراً تنبئ عن فهم كهذا؟
- لا مؤشرات على ذلك. المعالجات بعيدة كل البعد عن الإمساك بلب المشكلة. سأعود قليلاً إلى الوراء، في 1993 تشكلت لجنة تقصي حقائق أثناء الأزمة. في لقاء مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وأعضاء من البرلمان تكلمت بصراحة، قلت إن اليافطة المطروحة الآن هي استهداف الاشتراكي، لكن ما يجري في الممارسة هو استهداف الجنوب، لأن الجنوب ليس كله اشتراكياً، أعضاء الاشتراكي هم 26 ألفاً، والاستهداف المباشر كان لأبناء الجنوب. بعد حرب 1994 ثبتت صحة كلامي بالممارسة التي استهدفت جميع فئات الشعب في الجنوب، لم تستهدف فقط النخبة المثقفة أو التنظيم السياسي الذي كان يقود الدولة في الجنوب وأدخلها في الوحدة. قبل فترة تحدثت في قناة "الجزيرة"، وقلت: إذا صح كلامهم بأنهم يستهدفون الحزب الاشتراكي، فهاهم قد أقصوا الاشتراكي، لكن شعب الجنوب باقٍ. كان ممكناً بعد 94 أن يُعيدوا استيعاب شعب الجنوب في الوحدة، كأن يتم إتاحة الفرصة للشعب لاختيار قيادة جديدة عبر انتخابات سليمة تحت إشراف دولي، تتولى إدارة الجنوب في هذه الوحدة. لم يكن هدفهم الحزب الاشتراكي فقط، على الدور الكبير الذي لعبه الاشتراكي. ظهر الاشتراكي باعتباره (ذريعة) فقط.
&> يصعب لي التمييز كثيراً بين الاشتراكي والوضع في الجنوب. الاشتراكي كان المظلة السياسية للجنوب مهما كان الرأي فيه، وفي انتخابات 1993 بدا وكأن المواطنين في المحافظات الجنوبية والشرقية يفوضون بالمطلق الحزب الاشتراكي من خلال التصويت الكثيف لمرشحيه...؟
- صحيح. كان ذلك دليلاً على صحة الكلام الذي قلته في حضور الشيخ عبدالله والبرلمانيين. في هذه الانتخابات فإن الكثير من الناس الذين كانوا ضد الاشتراكي عند قيام الوحدة صوتوا لصالح مرشحيه. هذا اعتُبر استفتاء جديداً، وبعضهم ترجمه على أنه استفتاء ضد الوحدة. للأسف السلطة لم تستوعب هذا، وقد تمادت بعد 94 في استباحة الجنوب من شرقه إلى غربه، لم تقم وزناً لأي شيء، والمعالجات التي تتم الآن تتوزع على شراء ذمم وتحريض على الفساد، وإسكات بعض الأصوات باستقطابها، ومن تستقطبه تطلق يده.
&> وماذا بشأن انتخابات المحافظين، صار المحافظون منتخبين من المجالس المحلية، وهم من أبناء المحافظات ذاتها؟
- هذه الإجراءات من باب ذر الرماد على العيون ولن تساعد أبداً. المشكلة عميقة واستباحة الجنوب مستمرة. الإمام (أحمد بن يحيى حميد الدين) عندما دخل صنعاء (عام 1948) أباحها للقبائل 3 أيام، ثم أوقف القبائل بعدها. لكن الجنوب يستباح منذ 1994 إلى اليوم.
&> أريد أن أناقشك حول الحساسية الشديدة حيالك في صنعاء، واستحضارك كـــ"رأس أفعى"، و"انفصالي حتى العظم"، إلامَ يرد ذلك؟ ألانك فعلاً اتخذت موقفاً متحفظاً حيال أسلوب قيام الوحدة؟
- كان لي موقف واضح وعبر 3 مراحل، الأولى في نهاية 1986 عندما توسط العقيد معمر القذافي بيننا وبين إخواننا في صنعاء الذين قطعوا اتصالاتهم بنا بعد أحداث 1986. جاء الرئيس علي عبدالله صالح ومعه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وبحضور القذافي في طرابلس طرح الإخوانفي الشمال أن الوحدة ستضع حداً للمشاكل. كان هذا الطرح خارج الأجندة المقررة للاجتماع. أرادوا أن "يضربوا عصا" بيننا وبين القذافي المعروف بحماسته للوحدة العربية. قلت في اللقاء إننا نرحب بالوحدة ولكن انطلاقاً من مشروع الاتحاد العربي الذي كان القذافي أعلنه للتو. أضفت أن الوحدة تكون بين الجماهيرية والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لتكون نواة للاتحاد العربي. رحب القذافي بالمقترح، وزعل الرئيس علي عبدالله صالح، و"تفركش" الاجتماع. وقال لي الرئيس: لماذا تطرح هذا الموضوع؟ فقلت له: لماذا طرحت موضوع الوحدة؟ نحن لم نأت هنا لبحث موضوع الوحدة. كان ذلك في يوليو 1986.
المرحلة الثانية كانت في فبراير 1987، عندما وضعت برنامجاً للإصلاح السياسي والاقتصادي في الجنوب. كان هناك شد وجذب حول البرنامج. وفي صنعاء اعتبر أن إعداد برنامج للإصلاح يعني "ما فيش وحدة". وقد حاولوا عرقلته من خلال بعض العناصر المتعاونة معهم في النظام في عدن.
&> تقصد أن السلطة في الشمال كانت قد تمكنت من اختراق السلطة في الجنوب عبر شخصيات رفيعة؟
- نعم. وفي سبتمبر 1987 طلعت إلى صنعاء للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى 25 لثورة سبتمبر. جلست مع الرئيس لمدة ساعتين نناقش موضوع الوحدة. كان الإرياني حاضراً. قلت لهم: علينا ألا نقفز إلى وحدة سياسية، لا نريد أن نكرر مأساة الوحدة المصرية- السورية. إذا أنتم جادون وتتطلعون إلى وحدة حقيقية دعونا نحضِّر لها بشكل جيد، ندمج مصالح الشعبين في الشمال والجنوب، لا توجد مصالح الآن، توجد عواطف فقط، لنبدأ بتوحيد الأنظمة والقوانين والوحدة السياسية ستأتي اتوماتيكياً. بعد نقاش قبل الرئيس هذا الكلام، وتم تكليف راشد محمد ثابت ويحيى العرشي (وزيري الوحدة في الجنوب والشمال) بإعداد تصور. ذهبنا إلى دار الضيافة، كان معي محمد سعيد عبدالله (محسن) وصالح عبيد. بعد نحو ساعة خرج راشد والعرشي دون أن ينجزا أي تصور، قال العرشي: كلما بدأنا العمل خرج راشد عن الموضوع، وقام بمهاجمتنا. تضايقت وقلت لهما: أنتما شخصان كبيران، أنجزا مهمتكما. والحال أنني أحسست بوجود مخطط لإفشال الموضوع. وفعلاً نجح راشد محمد ثابت في إفساد الموضوع، ولم يتم التوصل إلى صيغة (مشروع).
&> لماذا سلك راشد هذا المسلك؟ هل تلمح إلى وجود صلة له بطرف في الشمال؟
- أعتقد أن تعليمات صدرت إليه بإفشال الأمر.
يتبع >>>>
حيدر أبوبكر العطاس: رفض اللامركزية سيوجد بدائل أخرى، بينها تشظي البلاد، والذين في السلطة متحمسون للانفصال أكثر ممن هم خارجها 13/11/2008
حوار: سامي غالب، خاص لـ"نيوزيمن":
http://bsmlh.net/up/uploads/bsmlh_cb3aeb89e4.jpg (http://bsmlh.net/up/)
العطاس وغالب
امتد هذا الحوار مع حيدر أبوبكر العطاس 3 ساعات خلاف ما كان متفقاً عليه بأن لا يتجاوز الساعة. وهو قال لي إنه اعتذر عن تلبية طلبات عديدة لإجراء مقابلات صحفية معه مؤخراً، خصوصاً بعد التصريحات الشهيرة لمستشار رئيس الجمهورية عبدالكريم الإرياني التي بثتها قناة «الحرة»، قبل أن يضيف: رُبَّ صدفة خير من ألف ميعاد.
كنت مررت بالقاهرة قبل أسبوعين في طريق عودتي إلى صنعاء من زيارة إلى الولايات المتحدة الاميركية. وقد أبلغني أحد معارفي هناك بوجود «رئيس وزراء دولة الوحدة» في القاهرة، مقترحاً عليَّ ضمنياً التواصل معه لإجراء حوار صحفي.
اتصلت بـــ«رجل الدولة» الذي صار في أدبيات الخطاب الرسمي «مهندس الانفصال»، وقد رحب بالحديث إلى «نيوزيمن والنداء» التي قال إنه يتابعها ويكن لها الاحترام.
في اليوم التالي تحدث كـ«رجل الدولة»: يتكلم عن القليل مما يعرف موفراً الكثير إلى مذكراته المرتقبة، وربما إلى ملمات قادمة، مدللاً على آرائه بالحقائق والمعلومات، نائياً عن إغراء «الصفات». وعندما مازحته لافتاً إلى تشبثه بميراثه كرجل سياسة متخفف من العقائدية، ابتسم قبل أن يسافر عبر الزمان إلى حقبة الحكم الاشتراكي في اليمن الجنوبي، ويرجع مجدداً إلى الصحفي الذي يناكفه، موضحاً: في الماضي كان يؤخذ عليَّ ذلك، حتى أنه لم يسجل لي أي حديث أتغنى فيه بالماركسية اللينينية.
والحق أن أبرز ما أدركته في شخص «المتخفف من الغلو والعقائدية» هو السلام الداخلي الذي فاض مراراً خلال هذا الحوار. إلى هذا السلام عزوت النبرة الهادئة التي طبعت إجاباته، حتى وهو يرد على أسئلة تتعلق بشخصه، دافعاً عن نفسه اتهامات تتعلق بمسلكه وثروته!
&> تجددت الدعوات "الفضائية" إليك للعودة، وذلك عبر تصريحات أدلى بها عبدالكريم الإرياني لقناة "الحرة" مؤخراً، كيف تلقيت هذه الدعوة الأخيرة؟
- الاتصالات بشأن عودتي لم تنقطع منذ 1994. تأخذ أحياناً شكل الاتصال المباشر، وأحياناً شكل الدعوات عبر الفضائيات. المحزن هو تصوير المسألة على أنها مجرد شخص يعود ويحصل على ما يريد. لقد أكدت على الدوام أن القضية ليست شخصية، ولو كان الأمر بالنسبة لي قضية شخصية لكنت حسمته مبكراً، والجميع يعرف ذلك. لكن القضية قضية شعب ومستقبل وطن، كيف تعالج الأمور بشكل صحيح، بحيث كل شخص عنده إمكانية يسهم من موقعه ومع مختلف الفعاليات والشخصيات في تنمية البلد. كانت إجاباتهم دائماً: اطلب ما تريد. كان ردي باختصار: ليست لدي مطالب شخصية، اتخذوا إجراءات حقيقية على الأرض ستجدونني أمامكم من دون دعوة.
&> الإرياني تحدث عنك باعتبارك صديقاً، لكنه استخدم في الوقت نفسه عبارات قاسية، كما في قوله إنك انفصالي حتى العظم، كيف تقرأ هذه الصداقة؟
- معرفتي بالإرياني قديمة، وعلاقتي به متواصلة من وقت إلى آخر. نلتقي صدفة أحياناً، وأحياناً نلتقي في مناسبات وفعاليات نشارك فيها. أعرف موقفه وآراءه حول مختلف قضايا اليمن، هو ممّن يتمنى أن يتخلص من هذا النظام، ويبحث عن اليوم الذي يستطيع أن ينفذ فيه بجلده ويخرج. وهذه الكبوة التي حصلت منه سببُها أنه طُلب منه ذلك، طُلب منه قول هذا الشيء، ولا أعتقد أن هذا موقفه. تواجهنا في مناسبات عديدة، قبل الوحدة وبعدها، وبعد حرب 1994، ولاحقاً في مناسبات إقليمية ومنتديات دولية، وكان من الناس الذين يرون أن اليمن يتجه نحو الهاوية، وفي نظره لا يوجد أفق مفتوح للبلد. شخصياً لم أفاجأ بما قاله، ولكن كثيرين فوجئوا. أنا لا ألومه، لأنه إنْ لم يقل ذلك فربما يواجه مشكلة.
&> ما دلالة توقيت تصريحاته، علماً بأن المذيع هو من سأله، لكنه استطرد في خصوصك، أيوجد شيء محدد من جهتك يمكن قوله؟
- من جهتي، أواصل قراءتي للأحداث وإعلان آرائي حيال ما يعتمل في البلد. النقد وإبداء الرأي لا يعجبان النظام. يحاولون إسكات من هم في الداخل ومن هم في الخارج. نحن لا نتعرض للأشخاص، وفوق مستوى شخصنة المسائل، نتعامل مع قضايا وطنية، سواء ما يحدث في اليمن عموماً، أم ما يحدث في الجنوب خصوصاً منذ حرب 1994 الظالمة.
&> الإرياني ركز على ضمان الحقوق السياسية والمدنية، أقصد شيئاً محدداً...؟
- لا يوجد شيء محدد. قالوا لي: اكتب ما تريد على بياض ونحن سنلبيه. وكذلك فيما يخص الحقوق السياسية، مجرد كلام. يريدون أن يعود الجميع إلى القفص وبعد ذلك يضعون الحلول على طريقتهم. لذلك أنا لا أفكر في العودة قبل أن تكون هناك خطوات جادة على طريق الإصلاح الوطني الشامل، خطوات تتم على الأرض تكون الضمانة لكل القوى السياسية سواءً في الداخل أم في الخارج.
أي صوت ينتقد الممارسات يحاولون إسكاته، لا يوجد "نَفَس" لتقبل الرأي الآخر، لاحظْ ما جرى أمس (مطلع الأسبوع الماضي)، شنوا هجوماً على (النائب الإصلاحي) محسن باصرة في حضرموت ووزعوا منشورات وملصقات ضده.
&> الإرياني وجه إليك دعوة للعودة إلى اليمن، وفي المقابل أنت تقول إنه يتمنى أن يخرج من اليمن، ما الذي يمكن أن تعرضه عليه لمساعدته؟
- (ضاحكاً) أوجه إليه دعوة للخروج.
&> هو أبدى استعداده لأن يرافقك في رحلة العودة بالطائرة، وأنت بالتأكيد لا تستطيع أن ترافقه من مطار صنعاء؟
- لكنني مستعد لاستقباله في أي مطار يحط فيه. الدكتور أعرفه وهو شخص طيب، ولا أريد أن ينجر مع الآخرين.
&> عندما يصفك بالصديق، هل جمعتكما فعلاً صداقه؟
- نعم، وكانت لنا جلسات، وكنا نتفق ونختلف في الآراء، وهذه هي الرابطة الحية، والعلاقة تتعزز بين الناس عندما تتباين أفكارهم وفي نفس الوقت تتعايش، التعدد يفترض أن يقوي العلاقات.
&> في 2005، و2006، كان هناك تفاؤل بقرب عودتك، وأذكر أنك أدليت بتصريحات تقول إن عودتك مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية؟
- وُجِدت جهود مكثفة لعودتي في مرحلتين. الأولى عند الذكرى الـــــ15 للوحدة واحتفالات حضرموت. كان هناك إصرار على عودتي لحضور احتفالات حضرموت، حتى أنه طُلِب مني أن أعود فقط لحضور الاحتفالات ثم أغادر. رفضت، لأنني لا أقبل أن أؤدي هذا الدور. ما لم تكن عودتي مقرونة بإجراءات حقيقية على الأرض فلن تكون. والثانية عند الانتخابات الرئاسية. كتبت حينها آملاً أن تشكل هذه الانتخابات نقطة مضيئة على طريق الانفراج، لكنني صدمت عندما رأيت ذلك التحدي السافر من قبل السلطة لإرادة الشعب باغتصاب الصناديق واتهام المعارضة ومرشحها بالإرهاب وغيره، وتُوجت الممارسات بمسرحية التفجيرات في حضرموت وشبوة. كل ذلك لم يعد خافياً على أحد، لا في الشارع اليمني ولا في المحيطين الإقليمي والدولي. الانتخابات لم تشكل ذلك الأمل الذي أردناه. حتى لجان الرقابة الدولية أرهبوها، أوهموها بإمكانية وقوع أعمال إرهابية كيلا تنزل إلى المحافظات.
&> على أن المشترك في النهاية تعامل مع نتائج تلك الانتخابات وقبل بها، خلاف موقف بين شملان الذي رفضها؟
- قيادة المشترك قدَّرت الموضوع بشكل مبالغ فيه. كان بوسعها أن تخطو خطوة أكبر لتكون أقرب إلى الناس بدلاً من أن تخذل الجماهير التي خرجت معها. هذه نقطة محسوبة ضدها. وأنا تكلمت مع الإخوان (في قيادة المشترك) في هذا الأمر.
&> الحكم، سواء عبر الإرياني أم في تصريحات واتصالات أخرى، يصوِّر الأمر كأنه شخصي، وأنه مجرد عودة شخصيات من الخارج سيمثل حلاً سحرياً للأزمة في الجنوب، أليس هذا من أسباب الإخفاق في الإمساك بالحل للأزمة هناك؟
- الإخوان في السلطة أسرى التناقض، والسبب هو القرار المتخذ بعدم التخلي عن السلطة، عدم القبول بإرادة الشعب، والاحتفاظ بالسلطة مهما كلف ذلك من ثمن. تصوير الأمر على أن عودة بعض الأشخاص من الخارج سيعالج الأمور هو تصوير خاطئ. ثم كيف تفسر تزامن دعوتهم إلى العودة مع حملات دعائية؟! أقرأ الكثير من الهجوم الذي تشنه ضدي مواقع وصحف رسمية، وقد دهشت أن يقود الرئيس علي عبدالله صالح شخصياً هذه الحملات. كانت البداية في مقابلة مع صحيفة "الوسط" عندما قال إن حيدر أبو بكر العطاس هو رأس الأفعى. كان ذلك بمثابة تهديد، وقد اتصلت بي منظمات دولية، معتبرة كلام الرئيس تهديداً مباشراً. سُئلت لاحقاً عن رأيي فيما قاله، ولم أرد على أي من الشتائم، وقلت إن الرئيس كان في حالة غضب؛ على أن صفة الغضب عندما تعتري الحاكم تنزع منه أهلية الحكم. وفي مقابلته الأخيرة في القناة المصرية، ورداً على سؤال حول عدم مشاركة قادة ثورة أكتوبر في احتفالات ذكراها، قال إن قادة أكتوبر شهداء، ثم فجأة أضاف أن العطاس لم يكن من ثوار أكتوبر. انزلق بشكل لم أتوقعه. قادة ثورة أكتوبر موجودون، وعدد كبير منهم أحياء، موجودون في السلطة والمعارضة. هذا مؤشر سلبي. أنا كنت من مؤسسي الجبهة القومية، وقد شاركت في المؤتمر الأول للجبهة القومية الذي عقد في مدينة تعز في يونيو 1965. جئت إلى صنعاء في وقت متوتر جداً، وغادرناها براً إلى تعز. كنت أمثل القطاع الطلابي باعتباري سكرتير القطاع الطلابي في القاهرة. وهذا القطاع شارك ببسالة في ثورة أكتوبر، ولا يزال ينتظر منه اليوم، في اليمن، الدور الكبير، سواءً في الجنوب أم في الشمال.
&> أنت تراهن على فعالية الحركة الطلابية الموجودة الآن في الجامعات؟
- نعم. بإمكان الحركة الطلابية أن تسند الحركة الشعبية السلمية في الجنوب، وأن تسند أيضاً الاحتجاجات الشعبية في الشمال. ما أريد قوله هو أن هذا التناقض في الطرح من قبل السلطة هو تعبير عن اهتزاز في الرؤية. فخامة الرئيس يقول دائماً إن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. والآراء التي تصدر عنا سياسية. عندما يقول هذا الكلام ويمارس عكسه فذلك أمر محزن، وكما يقول الله سبحانه وتعالى: {كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
&> لم لا تعزو هذا الهجوم من قبل الرئيس إلى شعوره بالخذلان. انتظر عودتك، وربما كأن يؤمل أن عودة شخصية مهمة مثلك، لها رمزيتها في الجنوب، ستساعد في التعامل مع الوضع في الجنوب؟
- ربما أراد مساعدته في امتصاص حالة الغضب. لكن المساعدة لا تأتي من الآخرين، بل من تغيير السياسات. هذه السياسات هي أكبر عائق. أي شخص يأتي من الخارج مهما علا مركزه لن يساعد في وقف هذه الاحتجاجات أو احتوائها ما لم تكن هناك سياسة واعية تعرف المشكلة وتعترف بها وتضع المعالجات الصحيحة. ما حصل في الجنوب منذ 94 شيء عجيب لم يكن أحد يتصوره. الحرب استهدفت الجنوب فعلياً، وليس الحزب الاشتراكي فقط. من الواضح أنه لم تكن هناك نية لوحدة حقيقية لدى هذه القيادة في صنعاء، وإنما كانت تريد أن تستولي على المزيد من الأراضي والمزيد من السلطة. إقصاء الناس هي سياستهم، والخوف من الناس كبير جداً عندهم. عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية ضد ارتفاع الأسعار في نهاية عام 1992 لاحظت استنفارهم الشديد. أرادوا إنزال القوات المسلحة لقمع الناس. قاتلت كي لا تنزل القوات إلى الشارع.
&> لكنكم كحزب اشتراكي اتُّهمتم حينها بالوقوف وراء هذه الاحتجاجات، ما يعني أنه ليس لكم مصلحة في إنزال قوات؟
- أبداً، أبداً. الاشتراكي لم يكن وراء هذه الاحتجاجات. وقد طلعتُ علناً (في وسائل الإعلام) وقلت إن التجار الدخلاء على التجارة هم سبب المشكلة لأنهم بالغوا في رفع الأسعار.
&> في 1994 بدا الأمر على أنه صراع بين نخبتين في الحكم آل إلى انتصار النخبة الشمالية (أو معسكر الرئيس صالح) على النخبة الجنوبية أو الاشتراكي وحلفائه. الأمر مختلف الآن مع تصاعد حركة الاحتجاجات، الأمر لم يعد موضوع فلان الذي أقصي من الحكم أو يعيش في المنفى، بل صار أعقد بكثير، هل ترى أن المعالجات التي اتخذها الرئيس مؤخراً تنبئ عن فهم كهذا؟
- لا مؤشرات على ذلك. المعالجات بعيدة كل البعد عن الإمساك بلب المشكلة. سأعود قليلاً إلى الوراء، في 1993 تشكلت لجنة تقصي حقائق أثناء الأزمة. في لقاء مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وأعضاء من البرلمان تكلمت بصراحة، قلت إن اليافطة المطروحة الآن هي استهداف الاشتراكي، لكن ما يجري في الممارسة هو استهداف الجنوب، لأن الجنوب ليس كله اشتراكياً، أعضاء الاشتراكي هم 26 ألفاً، والاستهداف المباشر كان لأبناء الجنوب. بعد حرب 1994 ثبتت صحة كلامي بالممارسة التي استهدفت جميع فئات الشعب في الجنوب، لم تستهدف فقط النخبة المثقفة أو التنظيم السياسي الذي كان يقود الدولة في الجنوب وأدخلها في الوحدة. قبل فترة تحدثت في قناة "الجزيرة"، وقلت: إذا صح كلامهم بأنهم يستهدفون الحزب الاشتراكي، فهاهم قد أقصوا الاشتراكي، لكن شعب الجنوب باقٍ. كان ممكناً بعد 94 أن يُعيدوا استيعاب شعب الجنوب في الوحدة، كأن يتم إتاحة الفرصة للشعب لاختيار قيادة جديدة عبر انتخابات سليمة تحت إشراف دولي، تتولى إدارة الجنوب في هذه الوحدة. لم يكن هدفهم الحزب الاشتراكي فقط، على الدور الكبير الذي لعبه الاشتراكي. ظهر الاشتراكي باعتباره (ذريعة) فقط.
&> يصعب لي التمييز كثيراً بين الاشتراكي والوضع في الجنوب. الاشتراكي كان المظلة السياسية للجنوب مهما كان الرأي فيه، وفي انتخابات 1993 بدا وكأن المواطنين في المحافظات الجنوبية والشرقية يفوضون بالمطلق الحزب الاشتراكي من خلال التصويت الكثيف لمرشحيه...؟
- صحيح. كان ذلك دليلاً على صحة الكلام الذي قلته في حضور الشيخ عبدالله والبرلمانيين. في هذه الانتخابات فإن الكثير من الناس الذين كانوا ضد الاشتراكي عند قيام الوحدة صوتوا لصالح مرشحيه. هذا اعتُبر استفتاء جديداً، وبعضهم ترجمه على أنه استفتاء ضد الوحدة. للأسف السلطة لم تستوعب هذا، وقد تمادت بعد 94 في استباحة الجنوب من شرقه إلى غربه، لم تقم وزناً لأي شيء، والمعالجات التي تتم الآن تتوزع على شراء ذمم وتحريض على الفساد، وإسكات بعض الأصوات باستقطابها، ومن تستقطبه تطلق يده.
&> وماذا بشأن انتخابات المحافظين، صار المحافظون منتخبين من المجالس المحلية، وهم من أبناء المحافظات ذاتها؟
- هذه الإجراءات من باب ذر الرماد على العيون ولن تساعد أبداً. المشكلة عميقة واستباحة الجنوب مستمرة. الإمام (أحمد بن يحيى حميد الدين) عندما دخل صنعاء (عام 1948) أباحها للقبائل 3 أيام، ثم أوقف القبائل بعدها. لكن الجنوب يستباح منذ 1994 إلى اليوم.
&> أريد أن أناقشك حول الحساسية الشديدة حيالك في صنعاء، واستحضارك كـــ"رأس أفعى"، و"انفصالي حتى العظم"، إلامَ يرد ذلك؟ ألانك فعلاً اتخذت موقفاً متحفظاً حيال أسلوب قيام الوحدة؟
- كان لي موقف واضح وعبر 3 مراحل، الأولى في نهاية 1986 عندما توسط العقيد معمر القذافي بيننا وبين إخواننا في صنعاء الذين قطعوا اتصالاتهم بنا بعد أحداث 1986. جاء الرئيس علي عبدالله صالح ومعه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وبحضور القذافي في طرابلس طرح الإخوانفي الشمال أن الوحدة ستضع حداً للمشاكل. كان هذا الطرح خارج الأجندة المقررة للاجتماع. أرادوا أن "يضربوا عصا" بيننا وبين القذافي المعروف بحماسته للوحدة العربية. قلت في اللقاء إننا نرحب بالوحدة ولكن انطلاقاً من مشروع الاتحاد العربي الذي كان القذافي أعلنه للتو. أضفت أن الوحدة تكون بين الجماهيرية والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لتكون نواة للاتحاد العربي. رحب القذافي بالمقترح، وزعل الرئيس علي عبدالله صالح، و"تفركش" الاجتماع. وقال لي الرئيس: لماذا تطرح هذا الموضوع؟ فقلت له: لماذا طرحت موضوع الوحدة؟ نحن لم نأت هنا لبحث موضوع الوحدة. كان ذلك في يوليو 1986.
المرحلة الثانية كانت في فبراير 1987، عندما وضعت برنامجاً للإصلاح السياسي والاقتصادي في الجنوب. كان هناك شد وجذب حول البرنامج. وفي صنعاء اعتبر أن إعداد برنامج للإصلاح يعني "ما فيش وحدة". وقد حاولوا عرقلته من خلال بعض العناصر المتعاونة معهم في النظام في عدن.
&> تقصد أن السلطة في الشمال كانت قد تمكنت من اختراق السلطة في الجنوب عبر شخصيات رفيعة؟
- نعم. وفي سبتمبر 1987 طلعت إلى صنعاء للمشاركة في الاحتفالات بالذكرى 25 لثورة سبتمبر. جلست مع الرئيس لمدة ساعتين نناقش موضوع الوحدة. كان الإرياني حاضراً. قلت لهم: علينا ألا نقفز إلى وحدة سياسية، لا نريد أن نكرر مأساة الوحدة المصرية- السورية. إذا أنتم جادون وتتطلعون إلى وحدة حقيقية دعونا نحضِّر لها بشكل جيد، ندمج مصالح الشعبين في الشمال والجنوب، لا توجد مصالح الآن، توجد عواطف فقط، لنبدأ بتوحيد الأنظمة والقوانين والوحدة السياسية ستأتي اتوماتيكياً. بعد نقاش قبل الرئيس هذا الكلام، وتم تكليف راشد محمد ثابت ويحيى العرشي (وزيري الوحدة في الجنوب والشمال) بإعداد تصور. ذهبنا إلى دار الضيافة، كان معي محمد سعيد عبدالله (محسن) وصالح عبيد. بعد نحو ساعة خرج راشد والعرشي دون أن ينجزا أي تصور، قال العرشي: كلما بدأنا العمل خرج راشد عن الموضوع، وقام بمهاجمتنا. تضايقت وقلت لهما: أنتما شخصان كبيران، أنجزا مهمتكما. والحال أنني أحسست بوجود مخطط لإفشال الموضوع. وفعلاً نجح راشد محمد ثابت في إفساد الموضوع، ولم يتم التوصل إلى صيغة (مشروع).
&> لماذا سلك راشد هذا المسلك؟ هل تلمح إلى وجود صلة له بطرف في الشمال؟
- أعتقد أن تعليمات صدرت إليه بإفشال الأمر.
يتبع >>>>