تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حبات السبحة /غسان شربل ـ صحيفة الحياة


الشامخ رأيه
2011-06-21, 01:35 AM
حبات السبحة /غسان شربل
June 20, 2011
“الحياة”


كانت موسكو غارقة في الثلج، والكرملين في حال استنفار لاحتضان كل الرفاق والأصدقاء. إنها الإطلالة الأولى على العالم الاشتراكي، والعالم، لميخائيل غورباتشوف. كان دخول الصحافيين الى القاعة محظوراً. وكدت أيأس قبل أن يتكرم أحد المدعوين العرب الى المؤتمر الـ27 للحزب الشيوعي السوفياتي بإعارتي بطاقته.
تسللت الى القاعة وجلست قلقاً بين رجال أنهكهم العمر أو القمع أو العمل السري، وكان بينهم على ما أذكر خالد بكداش وعزيز محمد ومحمد إبراهيم نقد. فجأة بدأوا التوافد الى المنصة العريضة. أعضاء المكتب السياسي لحزب لينين. أندريه غروميكو وصل بملامحه الجليدية. ثم قادة الدول المنضوية في حلف وارسو، وزعماء دول تدور في الفلك السوفياتي بينهم منغيستو هايلي مريام وعلي سالم البيض. وقف الحضور وصفقوا حين دخل فيديل كاسترو بثيابه الزيتونية وهالته. ثم دخل غورباتشوف فاستقبلته القاعة بما يليق بالقيصر الجديد على عرش لينين.


لم يكن سراً أن رياحاً جديدة قد هبت حين وقع الخيار على غورباتشوف بعدما تعب الكرملين من القيادات المسنة وفتح ملف الخلافة ثلاث مرات في أقل من ثلاثة أعوام. لكن الحاضرين الذين جاؤوا الى المنصة لتقديم فروض الطاعة والولاء لم يدر في خلدهم أن القيصر استدعاهم ليوزع عليهم كاسات السم. أنا أيضاً لم أتوقع أن يكون ذلك النهار الرصاصة الأولى في مقتلة ستغيّر وجه العالم وستدفع الاتحاد السوفياتي الى المتاحف وكتب التاريخ.
إننا في عام 1986. ألقى غورباتشوف خطاباً طويلاً أطلق خلاله كلمتين ساحرتين قاتلتين هما: البيريسترويكا (إعادة البناء) وغلاسنوست (الشفافية أو المكاشفة). وما يجمع بين الكلمتين هو الرغبة في التصالح مع العصر والتقدم والناس بعد سباق تسلح منهك مع الولايات المتحدة. وأخطر ما في الكلمتين هو الاعتراف بالحقائق واحترام الأرقام ومكاشفة الناس بدلاً من الاستمرار في الاتكاء على رواية رسمية تتلاعب بالوقائع وتزور الأرقام وتجعل قرار الشعب في قبضة الحزب، وقرار الحزب في يد حفنة تمتدح القيصر.


النافذة التي فتحها غورباتشوف سمحت للهواء الطازج بالتسلل الى القلعة. بدأ الناس في طرح الأسئلة فتكشفت عورات الحزب والدولة وارتكابات أجهزة الاستخبارات. وعلى رغم أن غورباتشوف أرجأ إلغاء المادة المتعلقة بهيمنة الحزب على الدولة والمجتمع، عجز حزب لينين عن مواجهة امتحان الإصلاح والتحديث. وحين انهار جدار برلين بعد ثلاث سنوات، فتكت العاصفة بمن كانوا على المنصة يوم إطلاق الكلمتين السحريتين. تساقطوا مع أوسمتهم وحكوماتهم وأحزابهم. وحده كاسترو نجا وأقام وحيداً في الجزيرة الى أن أرغمه العمر على وضع الأختام في عهدة شقيقه.


علمتني تلك التجربة صعوبة تحقيق الإصلاح والتحديث والانتقال من نظام الحزب الواحد الى التعددية، من دون آلام وانهيار كبير. فالأحزاب الحاكمة استناداً الى أيديولوجيا لا مكان فيها للآخر تتحول في النهاية الى تركيبة حزبية – أمنية – مالية تتكلس مفاصلها ويلازمها الخوف من أي سؤال جديد. إن دعوتها الى الإصلاح تشبه مطالبة هرم سمين بتأدية رقصة سريعة وعنيفة ومقلقة لا يقرها عقله لا يحتملها جسده. تشيخ الأحزاب كالأفراد. تزداد تمسكاً بسلطتها وتزداد خوفاً من الناس ومن صناديق الاقتراع غير المضمونة ومن عناوين الصحف غير الرسمية.


لهذا يرى الحاكم في دعوته الى إصلاح عميق ما يشبه الدعوة الى نحر نظامه وقطع الغصن الذي يقف عليه. يشعر بأن المعارضين سيعتبرون كل تنازل قليلاً وسيطالبون بالمزيد. وأن برنامجهم الفعلي هو إنهاء حزبه ونظامه وعهده، وأن الإصلاحات قد تؤخر السقوط لكنها لا تلغيه، وأن وليمة الإصلاحات مسمومة بطبيعتها.
ذات يوم فتح حديث الإصلاحات في مجلس صدام حسين. حاول بعض الحاضرين تجميل بعض الخطوات، وجاء الرد من الرئيس واضحاً وقاطعاً: «إن الحكم يشبه السبحة، إذا فرّطت بحبة فرّطت بأخواتها وبالسبحة برمتها». خيار الإصلاح مكلف وخيار مقاومته باهظ.

الشامخ رأيه
2011-06-21, 01:37 AM
التعليق :

هذا الكلام حدث عام 1986م في الإتحاد السوفييتي السابق !! بمعنى أن ( الرفاق ) آنذاك كانوا يبحثون لهم عن ملجأ يلجأون إليه عند الانهيار الكبير للأم الكبرى الاتحاد السوفييتي !! فلكم أن تتصوروا كم الفترة الزمنية بين ذاك العهد وبين اليوم ؟!! بل أن الرفاق قد سقطت شرعيتهم عام 1990م عند الانهيار الكبير للدولة السوفييتية وانهيار جدار برلين إلى سقوط باقي الأنظمة الشيوعية الأخرى !!

فقد انتفضت شعوبهم ضد جلاديها من رفاق درب لينين وماركس وانجلز وبدأت بإصلاحات شاملة وفق البيريسترويكا التي أعلنها رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك ميخائيل جورباتشوف وسقطت كل رموز الشيوعية في العالم في العام 1990م !!

واليوم ونحن في عام 2011م نرى الشعوب العربية تنتفض مثلما انتفضت شعوب الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية في العام 1990م ضد جلاديها بل وتقدمهم للمحاكمة العادلة !!

بينما نرى الشعب اليمني الجنوبي ( الشعب الوحيد في العالم ) الذي لا زال يرفع صور أحد أشهر جلاديه ويتمنى عودته إلى سدة الحكم اليوم ؟! والذي كان الأحرى به أن يطالب باستعادة دولتة ومحاكمة كل المجرمين الذين أذاقوه الويلات والحروب والدمار طيلة فترات حكمهم البائد !!

بل أن العجيب والغريب أن أحد أولئك الذين حضروا المؤتمر الـ 27 للحزب الشيوعي السوفياتي هو نفسه اليوم الذي لازال شعبه يحبه ويبجله ويتمنى عودته بعد تلك الثورات التي أطاحت بالرفاق عام 1990م ، والثورات العربية التي أطاحت وستطيح إن شاء الله بباقي الطغاة والجلادين العرب اليوم !!

إنها مفارقة عجيبة من بعض فئات شعب الجنوب لا جميعهم

نتمنى أن تكون ثورة الجنوب لإسقاط النظام الجنوبي وتصحيح المسار أولاً ، ثم المطلب الآخر والأخير وهو استقلال دولة الجنوب وفك الارتباط من هيمنة الشمال . فهل عقمت أرحام النساء في الجنوب أن تلد جيلاً ذو أيادٍ بيضاء وعقول مستنيرة لقيادة الجنوب ؟!! أم أن الأمر : ( لا بد من تسليم السلطة لأيادٍ آمنة ) ؟!

أرجو أن يبقى موضوعي للنقاش والآراء الأخرى إن كانت هناك حرية للرأي في هذا المنبر

الشامخ رأيه
2011-06-22, 02:25 AM
يرفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع