نايف الكلدي
2010-12-07, 12:23 AM
منطقتي المظلومة فقط وهذا دليلي وبرهاني لــ أبي عامر اليافعي
في مكان ما اجتمع بعض الجنوبيين ومن عجائب الصدف أن أولئك الجنوبيين ينتمون إلى معظم مناطق الجنوب حيث كان هنالك من المهرة" سقطرى وعفريري " ومن حضرموت " مكلاوي وشبامي " ومن شبو ة " بيحاني وواحدي وعولقي " ومن أبين " فضلي وعوذلي وكازمي " وهنالك عدني ولحجي وردفاني ويافعي وضالعي وصبيحي كأنما الجنوب اجتمع بكله.
ساد بينهم علاقات حميمية وخاصة أنهم جميعا يعانون مر صعوبة الحياة وآلامها ويجمعهم في النفوس وطنا واحدا ولكنه وطنا مسلوب وكانوا يواسون بعضهم ويقفون مع بعضهم في السراء والضراء والحياة تمر كما هي يوما بعد يوم .
أحيانا كانوا يتجاذبون أطراف الحديث عن الوطن وعن الهموم وكيفية المصير وللحال السيئ الذي وصل إليه أبناء الجنوب ودائما كانوا يتحدثون عن ذلك بمرارة ومع بداية الحراك الجنوبي استبشروا خيرا.
مع الحراك اتفق منهم من اتفق بينهم واختلف من اختلف حول النظام والوحدة والانفصال والحراك ووو الخ .
البعض دعا إلى المساهمة في الحراك والبعض سكت وصمت .
مع مرور الأيام شعر الجميع انه لابد أن يكون لكل منهم رأي وموقف وانه لابد من أن يكون لهم تأثير بشكل أو بآخر بما يجري وحقيقة لم يعجبهم حال التفرق والتمزق ودائما كانوا يتساءلون عن السبب في كل الظروف لابد أن يكون لكل منهم محلا من الإعراب في الأمر .
قرروا يوما أن يتحدثوا بشفافية وعن طريق المكاشفة عن أسباب هذا التفرق والشتات من واقع نظرة كل منطقة عن الماضي القريب وتعاهدوا أن يكون ذلك بمنتهى الصراحة وان يتقبل مايقال مهما كان .
وتجنبا للإحراج وضعوا أسماء مناطقهم بأوراق مطوية في علبة ثم يتم اختيار الأوراق من داخلها وكل من تكون منطقته هي المختارة يبدأ بالحديث :
فكانت أول ورقة من نصيب السقطري فقالوا له الآن لك الكلام فابدأ بالحديث :
السقطري :
انتم كما تعلمون أعيش في جزيرة نائية لا احد يعرف عنها إلا أنها موطن شجرة دم الأخوين وهي مهملة بشكل كامل والمؤن تأتينا بعد أن تنتهي صلاحياتها وانتشر فينا السل والطاعون والملاريا ونستجدي أحيانا القوت والماء من المعسكر الموجود في الجزيرة لا كهرباء ولا مشاريع مياه والكل يتغنى بجزيرتنا ولم نجد فيكم أي خير لنا بينما كنا قبل الاستقلال تحت رعاية شبه كاملة من الانجليز وكان السواح يأتونا من كل بلاد والحياة في أجمل معانيها فماذا استفدنا منكم وما الذي يجعلنا نتفق معكم وهذا هو عملكم ونظرتكم إلينا ؟
اللحجي :
نحن كنا دولة ولدينا البساتين والخضرة والفل والكاذي والفن الجميل ونعيش في جنة على الأرض إن اتجهنا جنوبا ذهبنا إلى عدن أجمل المدن وان اتجهنا شمالا فالي الحسيني والرمادة وكانت لحج مهوى العشاق والعلماء والمثقفين وأرباب الفن الأصيل وتحولت بسببكم إلى ارض قفراء وبساتينها للنهب والسلب والمصادرة وتبيت لحج يوميا على بحيرات من البالوعات والقذارة بعد أن كانت تحفة زمانها وخرج من لحج ألاف المعلمين ينشرون العلم في المناطق الريفية التي عمها الجهل والظلام وبالأخير لم تجوزي لحج إلا بالازدراء والاحتقار والتشويه والتنكيل وماتت أحرارها أو هربت وتحول عبيدها إلى سادة يعيثون في الأرض فسادا فكيف نثق بكم مرة أخرى بعد هذا المآل؟
الفضلي :
كنا نزرع القطن طويل التيلة وتأتي إليه بريطانيا وتشتريه بأغلى الأثمان وحتى سموه الذهب الأبيض وكنا نزرع اللوز الأبيني الجميل والأرض خضراء بامتداد البصر ووديانها تزخر بالمياه الوفيرة فانقلب الحال كما حدث لصاحبي ابن لحج الخضيرة وطالت المراحل ونحن نعيش في بيوت من صفيح ونعامل كعبيد مع أن الثورة كما قيل لنا أتت لأجلنا ولكنها أتت للأجل المحتوم فينا وثلاثون عاما ياربي كما خلقتني لم نل الشبع والأرض أرضنا ولم نرتوي يوما والسيول تجري تحتنا وكل وباء يحدث نحن أول من يناله وكل كارثة بيئية تأخذ منا ما تأخذه وغيرنا ينعم ويتنعم بالخيرات والأمجاد ولا مجدا نالنا ولا خيرا أصابنا فلماذا أقف معكم وما الذي يجبرني أن أصدقكم بعد كل هذا ؟
الردفاني :
كما يبدو كتب علينا قدرنا أن تكون دمائنا مسفوكة وأرواحنا مهدورة في كل مرحلة وفي كل منعطف وذنبنا الكبير إنا كنا ثوارا ورفضا الضيم والاحتلال وقدمنا رؤوسنا لأجل الآخرين ومع ذلك فوضعنا بائس ونعيش في بيوت تسمى بيوتا وهي فقط عبارة عن ديام صغيرة وكهوف حقيرة
آبائنا أكلوا الحصى لكي لا تدنس كرامتهم واخذوا أرواحهم على اكفهم ومع ذلك فالمقتول منا والمظلوم منا وغيرنا يعيش حياة الأمراء ولم نحصد إلا الفقر والاتهام ومن يبتسم له الحظ منا يكون جندي في الصحراء أو فوق الجبال النائية وننتظر كل يوم خبر موته فكأنما خلقنا الله لنقتل ليعيش الآخرون
فكيف اليوم أقف معكم ما الذي يجعلني اطمأن للوضع مستقبلا وهذه تعاملكم وإهمالكم لنا ؟
العولقي :
بعد التشاور مع إخواني البيحاني والواحدي اتفقنا على أن أتكلم باسمنا جميعا لان معاناتنا واحدة وخصوصيتنا متطابقة من جنوب شبوة إلى شمالها .
فنحن أهل شبوة غيض الله لنا ارض واسعة وخيرات كثيرة عددنا قليل وخير أرضنا كثير ولكن أين نحن من خيرات أرضنا ولماذا عددنا القليل فقير الأرض رحيبة ولكنها ضاقت فمنا من تم سحله ومنا من تم طرده ومنا من تم مصادرة حقه ومنا من اتهم بأبشع التهم فهمنا على وجوهنا في الأرض نبحث عن بقية من كرامة أو صمتنا صمت المقهور وتهمة الرجعية جاهزة لأي صوت نرفعه أو أي تمرد نحاول أن نصنعه ونالنا منكم كل عذاب وقهر والآن ماذا تريدون منا ؟ لسنا أغبياء حتى نصدقكم مرة أخرى فما أصبنا به يكفينا وما نالنا منكم مر ومؤلم إيلاما شديدا فنحن لن نؤمن لكم بعد الآن .
الحضرمي - المكلاوي والشبامي :
نحن أبو حضرم خاصيتنا واحدة عبر التاريخ ارض الفن والتاريخ والتجارة والسلام شعب متحضر نشر الدين في أصقاع الأرض وطبعنا الجنوب كله بطابع الدين المتسامح الزاهد في الدنيا والآخرة وكوّنا دولا مرموقة ولنا تاريخ قبل كل تاريخ يذكر والحضرمي له سمعة في أعالي السماء.. البحر نحن أسياده والتجارة نحن أصحابها والعلم بنا ازدهر والتاريخ نحن كتبناه وجعلنا العرب يرددوا أهازيجنا وجاءت ثورتكم وقلبت عاليها واطيها وضاعت حضرموت والحضارم وتشردوا رغما عنهم وأموالنا نهبت أو هربت .
الخيرات فينا وغيرنا ينعم بها وتحولنا إلى أراجيز لمن حكم وبدلا من أن كنا نعلم الناس صرنا فرق رقص تردد ليل نهار صبوحة خطبها نصيب ولا ندري من صبوحة ومن نصيب وتحولنا تحت حكم العسكر القادمون من ريف التخلف وبالأمر نفذ ثم ناقش.
ضاع تاريخنا وعظمتنا في دفاتر لينين وماركس وتحول علمائنا إلى مجموعة دراويش ولم نل منكم خيرا فلماذا تريدون اليوم أن نقف معكم وانتم لا تدركون الصالح من الطالح في الأمور وهيهات أن نلدغ مرة أخرى منكم.
العدني :
آآه وآآآه .. إن كان منكم من يشكو مرة فانا أشكو ألف مرة .. عدن وما أدراك ما عدن .. أنها من أعظم البنادر وكانت في زمن ما من أهم موانئ العالم ودرة مدن البحور واليها مهوى الأفئدة ففيها الحضارة والتحضر وفيها مزيج الثقافات البشرية وعبرها تمر سفن وبضائع العالم عشقها الشعراء والكتاب والعلماء والأحرار والمطربين والسياسيين وكل طوائف العالم وكانت قبلة للعابدين ومنارا للتائهين أناسها مسالمين ودودين مثقفين متنورين احتضنت كل الاجناس وروضت القبائل وكانت بحق جنة عدن حتى أتاها الثوار وتحولت إلى أشباح مدينة وأضحت صحراء مقفرة ففيها يحتكم الرفاق إلى السلاح ومن أبنائها يسقط الضحايا والأبرياء وليس لها من الأمر شيئا ولا يوجد سببا واحدا يدعو إلى أن تدمر شكلا ومضمونا ويعربد الرفاق فيها ليلا ونهارا فكيف أثق فيكم وقد قتلتم أنبل مافيها وأجمل ماحوت من التسامح والتراحم والجمال ؟ هيهات أن نسمع لكم ثانية فما عرفناه منكم يجعلنا نفكر ألف مرة قبل أن نقبله ؟
اليافعي :
لنا تاريخ كتب بأحرف من نور وكنا سادة يشار ألينا بالبنان فامتدادنا كان عظيما إلى باب اليمن في عهد الإسماعيلي والى حيدر عباد وحضرموت القعيطي والكسادي والى لحج وعدن العبدلي والى أبين العفيفي ولنا العز كله أيام ماكنا للعز عنوانا وجاءت ثورة الرفاق لكي تحجمنا في جبال جرداء لا مشرب فيها ولا مأكل واتضح لنا إن الثورة لم تقم إلا ضدنا فتركنا ديارنا ودولنا واتجهنا إلى بلاد الشتات نبحث عن لقمة عيش مغموسة بالعذاب والكد والتعب لان وطننا ثار ضدنا بدون أن نسيء لأحد ولم يبق لنا إلا الاغتراب طريقا والرحيل ملاذا وكلما حاولنا أن نعود وجدنا الثورة قائمة ضدنا شرّقنا أو غرّبنا وما نجمعه في تغريبتنا نبدده فوق جبال مقفرة أو سهولا سكانها ذئاب جائعة تتربص بنا المنون فضعنا وضاع تاريخنا وفننا الأصيل وعزة أمجادنا الغابرة فكيف نعود لمثلكم وماذا سنجني من حقدكم ؟ وأي معنى للحياة بعد هذا الضياع؟
المهري العفريري:
نحن المساحة الرحيبة والحارس الأمين شرقا ولكننا المحافظة المنسية تجتمعون وتتفقون وتقررون وكأنه لا وجدود لنا بينكم وتبنون وتعمرون مناطقكم ونحن على هامش التاريخ وكل ماتريدونه منا هو السمع والطاعة والموافقة وكأننا عبيدا لكم أو رعية لسلطانكم أو مجرد تابعون ليس لهم من الأمر شيئا .منكم أيها الرفاق من يقول بسم الثورة ومنكم الضالين ومنكم المغضوب عليهم ونحن ليس معنا إلا قول آمينا .
جعلتم أرضنا مصدر للفتنة مع الآخرين وأشعلتم في ديارنا ثورة على الجيران وضرب الطيران علينا والموت نصيبنا والحريق لأرضنا فغادر معظمنا بلادنا إلى أراضي الجيران ورحلنا بعائلاتنا وغنمنا وخيامنا وجمالنا ومن بقي منا عاش حياة القرون الوسطى لا من يسال عنا ولا من يجيب فماذا تريدون اليوم منا ؟ وحتى لو أردتم ستعودون لسابق عهدكم من الإهمال لنا وتقرير كل شيء من قبلكم نيابة عنا فهل تعتقدون بانا سنقبل منكم ذلك؟
الضالعي :
سمونا بوابة الجنوب والناس داخل المدينة ونحن طوال أعمارنا مجرد حراس في بوابتها وأول الضربات لنا وأول من يقتل منا ولا بيت منا إلا وفيه مقتول إن هزم الجنوب قالوا نحن السبب وان انتصرنا لووا أعناقهم بعيدا عنا نحن مادة الحروب ووقودها ولم نجن من كل المعارك والمشاكل إلا الحصرم والبكاء والعويل وكل مصيبة تحدث تحصد منا رؤوس يانعة ونختلف فيما بيننا والاتهام لنا فماذا جنينا وماذا استفدنا من كل ذلك ؟ فاتركونا لشأننا وكفاية مابنا وما عانيناه.
العوذلي :
أنا سأتحدث باسمي واسم ابن عمي الكازمي بعد الاتفاق معه لان حالنا واحد ومعاناتنا متشابهة فنحن طبع علينا الفقر وقدر لنا أن نكون واجهة المشاكل ففي كل مرحلة تلحقنا تهمة مرة نحن مرتزقة ومرة نحن زمرة ومرة نحن قتلة مع انه القتل فينا والفقر فينا ولا يوجد فينا رجل أعمال مشهور أو صاحب مال مذكور وصاحب الحظ فينا أما عسكري أو دريول ونسكن في خيام مبعثرة أو بيوت تشبه الجروف الخاوية وكم قدمنا من أرواح لأجل الآخرين ومامعنا إلا التهم الجاهزة والمشاكل المتتابعة وعلى هذا ماذا استفدنا وأين نتاج تعبنا وإهدار أرواحنا ؟
الصبيحي :
نحن دائما المنسيون من الخيرات مع إننا أول من علم الناس كيف يكووا ثوارا ومعنى أن يكونوا مثقفين وساسة مرموقين فمنا قادة الجنوب الذي حرروا البلاد وأعلنوا الاستقلال ووقفوا الند للند أمام أعظم الدول وقادتنا قتلوا وساستنا هربوا وفي كل مرحلة يذهب أفضلنا موتا وقتلا لكن لم يسال الآخرين كيف نعيش وأين مردود عطائنا ؟
فنحن من حملنا منارة العلم لا مدارس معنا ونحن من نور الناس لا مستشفيات نعرف شكلا لها وخيرنا راعي غنم أو سائم مع الإبل والتضحيات مطلوبة منا ولا احد يذكرنا إلا عند الويل والثبور فقط فهل تجدون إنا سنكون كما تدعون اليوم إليه ؟ بظني دروس الماضي كافية للاختيار وشافية للاعتبار .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن إن كنا جميعنا مظلومين ومنهوبين فمن الذي استفاد في الماضي ومن المستفيد من حالنا اليوم هذا ؟ وهل هنالك من علاقة بين المستفيد سابقا والمستفيد لاحقا؟ وهل هنالك من عبرة وموعظة من كل هذا البكاء والعويل والشكاء الوبيل ؟
ألا نرحم حالنا ونعرف مصيرنا وما هو أهلا لنا ومستحقا بنا ؟
هل يستمر الغباء وتدوم السذاجة أم لابد من وقفة شامخة ونظرة سامقة إلى العلى ؟
تناهي إلى سمعي زامل قديم يقول: " كلن يرد العوجاء على الثاني .. وكلهم تحت هيج أعوج يجرونه "
ولكم التحية.
أبو عامر اليافعي
كاتب وأكاديمي جنوبي
في مكان ما اجتمع بعض الجنوبيين ومن عجائب الصدف أن أولئك الجنوبيين ينتمون إلى معظم مناطق الجنوب حيث كان هنالك من المهرة" سقطرى وعفريري " ومن حضرموت " مكلاوي وشبامي " ومن شبو ة " بيحاني وواحدي وعولقي " ومن أبين " فضلي وعوذلي وكازمي " وهنالك عدني ولحجي وردفاني ويافعي وضالعي وصبيحي كأنما الجنوب اجتمع بكله.
ساد بينهم علاقات حميمية وخاصة أنهم جميعا يعانون مر صعوبة الحياة وآلامها ويجمعهم في النفوس وطنا واحدا ولكنه وطنا مسلوب وكانوا يواسون بعضهم ويقفون مع بعضهم في السراء والضراء والحياة تمر كما هي يوما بعد يوم .
أحيانا كانوا يتجاذبون أطراف الحديث عن الوطن وعن الهموم وكيفية المصير وللحال السيئ الذي وصل إليه أبناء الجنوب ودائما كانوا يتحدثون عن ذلك بمرارة ومع بداية الحراك الجنوبي استبشروا خيرا.
مع الحراك اتفق منهم من اتفق بينهم واختلف من اختلف حول النظام والوحدة والانفصال والحراك ووو الخ .
البعض دعا إلى المساهمة في الحراك والبعض سكت وصمت .
مع مرور الأيام شعر الجميع انه لابد أن يكون لكل منهم رأي وموقف وانه لابد من أن يكون لهم تأثير بشكل أو بآخر بما يجري وحقيقة لم يعجبهم حال التفرق والتمزق ودائما كانوا يتساءلون عن السبب في كل الظروف لابد أن يكون لكل منهم محلا من الإعراب في الأمر .
قرروا يوما أن يتحدثوا بشفافية وعن طريق المكاشفة عن أسباب هذا التفرق والشتات من واقع نظرة كل منطقة عن الماضي القريب وتعاهدوا أن يكون ذلك بمنتهى الصراحة وان يتقبل مايقال مهما كان .
وتجنبا للإحراج وضعوا أسماء مناطقهم بأوراق مطوية في علبة ثم يتم اختيار الأوراق من داخلها وكل من تكون منطقته هي المختارة يبدأ بالحديث :
فكانت أول ورقة من نصيب السقطري فقالوا له الآن لك الكلام فابدأ بالحديث :
السقطري :
انتم كما تعلمون أعيش في جزيرة نائية لا احد يعرف عنها إلا أنها موطن شجرة دم الأخوين وهي مهملة بشكل كامل والمؤن تأتينا بعد أن تنتهي صلاحياتها وانتشر فينا السل والطاعون والملاريا ونستجدي أحيانا القوت والماء من المعسكر الموجود في الجزيرة لا كهرباء ولا مشاريع مياه والكل يتغنى بجزيرتنا ولم نجد فيكم أي خير لنا بينما كنا قبل الاستقلال تحت رعاية شبه كاملة من الانجليز وكان السواح يأتونا من كل بلاد والحياة في أجمل معانيها فماذا استفدنا منكم وما الذي يجعلنا نتفق معكم وهذا هو عملكم ونظرتكم إلينا ؟
اللحجي :
نحن كنا دولة ولدينا البساتين والخضرة والفل والكاذي والفن الجميل ونعيش في جنة على الأرض إن اتجهنا جنوبا ذهبنا إلى عدن أجمل المدن وان اتجهنا شمالا فالي الحسيني والرمادة وكانت لحج مهوى العشاق والعلماء والمثقفين وأرباب الفن الأصيل وتحولت بسببكم إلى ارض قفراء وبساتينها للنهب والسلب والمصادرة وتبيت لحج يوميا على بحيرات من البالوعات والقذارة بعد أن كانت تحفة زمانها وخرج من لحج ألاف المعلمين ينشرون العلم في المناطق الريفية التي عمها الجهل والظلام وبالأخير لم تجوزي لحج إلا بالازدراء والاحتقار والتشويه والتنكيل وماتت أحرارها أو هربت وتحول عبيدها إلى سادة يعيثون في الأرض فسادا فكيف نثق بكم مرة أخرى بعد هذا المآل؟
الفضلي :
كنا نزرع القطن طويل التيلة وتأتي إليه بريطانيا وتشتريه بأغلى الأثمان وحتى سموه الذهب الأبيض وكنا نزرع اللوز الأبيني الجميل والأرض خضراء بامتداد البصر ووديانها تزخر بالمياه الوفيرة فانقلب الحال كما حدث لصاحبي ابن لحج الخضيرة وطالت المراحل ونحن نعيش في بيوت من صفيح ونعامل كعبيد مع أن الثورة كما قيل لنا أتت لأجلنا ولكنها أتت للأجل المحتوم فينا وثلاثون عاما ياربي كما خلقتني لم نل الشبع والأرض أرضنا ولم نرتوي يوما والسيول تجري تحتنا وكل وباء يحدث نحن أول من يناله وكل كارثة بيئية تأخذ منا ما تأخذه وغيرنا ينعم ويتنعم بالخيرات والأمجاد ولا مجدا نالنا ولا خيرا أصابنا فلماذا أقف معكم وما الذي يجبرني أن أصدقكم بعد كل هذا ؟
الردفاني :
كما يبدو كتب علينا قدرنا أن تكون دمائنا مسفوكة وأرواحنا مهدورة في كل مرحلة وفي كل منعطف وذنبنا الكبير إنا كنا ثوارا ورفضا الضيم والاحتلال وقدمنا رؤوسنا لأجل الآخرين ومع ذلك فوضعنا بائس ونعيش في بيوت تسمى بيوتا وهي فقط عبارة عن ديام صغيرة وكهوف حقيرة
آبائنا أكلوا الحصى لكي لا تدنس كرامتهم واخذوا أرواحهم على اكفهم ومع ذلك فالمقتول منا والمظلوم منا وغيرنا يعيش حياة الأمراء ولم نحصد إلا الفقر والاتهام ومن يبتسم له الحظ منا يكون جندي في الصحراء أو فوق الجبال النائية وننتظر كل يوم خبر موته فكأنما خلقنا الله لنقتل ليعيش الآخرون
فكيف اليوم أقف معكم ما الذي يجعلني اطمأن للوضع مستقبلا وهذه تعاملكم وإهمالكم لنا ؟
العولقي :
بعد التشاور مع إخواني البيحاني والواحدي اتفقنا على أن أتكلم باسمنا جميعا لان معاناتنا واحدة وخصوصيتنا متطابقة من جنوب شبوة إلى شمالها .
فنحن أهل شبوة غيض الله لنا ارض واسعة وخيرات كثيرة عددنا قليل وخير أرضنا كثير ولكن أين نحن من خيرات أرضنا ولماذا عددنا القليل فقير الأرض رحيبة ولكنها ضاقت فمنا من تم سحله ومنا من تم طرده ومنا من تم مصادرة حقه ومنا من اتهم بأبشع التهم فهمنا على وجوهنا في الأرض نبحث عن بقية من كرامة أو صمتنا صمت المقهور وتهمة الرجعية جاهزة لأي صوت نرفعه أو أي تمرد نحاول أن نصنعه ونالنا منكم كل عذاب وقهر والآن ماذا تريدون منا ؟ لسنا أغبياء حتى نصدقكم مرة أخرى فما أصبنا به يكفينا وما نالنا منكم مر ومؤلم إيلاما شديدا فنحن لن نؤمن لكم بعد الآن .
الحضرمي - المكلاوي والشبامي :
نحن أبو حضرم خاصيتنا واحدة عبر التاريخ ارض الفن والتاريخ والتجارة والسلام شعب متحضر نشر الدين في أصقاع الأرض وطبعنا الجنوب كله بطابع الدين المتسامح الزاهد في الدنيا والآخرة وكوّنا دولا مرموقة ولنا تاريخ قبل كل تاريخ يذكر والحضرمي له سمعة في أعالي السماء.. البحر نحن أسياده والتجارة نحن أصحابها والعلم بنا ازدهر والتاريخ نحن كتبناه وجعلنا العرب يرددوا أهازيجنا وجاءت ثورتكم وقلبت عاليها واطيها وضاعت حضرموت والحضارم وتشردوا رغما عنهم وأموالنا نهبت أو هربت .
الخيرات فينا وغيرنا ينعم بها وتحولنا إلى أراجيز لمن حكم وبدلا من أن كنا نعلم الناس صرنا فرق رقص تردد ليل نهار صبوحة خطبها نصيب ولا ندري من صبوحة ومن نصيب وتحولنا تحت حكم العسكر القادمون من ريف التخلف وبالأمر نفذ ثم ناقش.
ضاع تاريخنا وعظمتنا في دفاتر لينين وماركس وتحول علمائنا إلى مجموعة دراويش ولم نل منكم خيرا فلماذا تريدون اليوم أن نقف معكم وانتم لا تدركون الصالح من الطالح في الأمور وهيهات أن نلدغ مرة أخرى منكم.
العدني :
آآه وآآآه .. إن كان منكم من يشكو مرة فانا أشكو ألف مرة .. عدن وما أدراك ما عدن .. أنها من أعظم البنادر وكانت في زمن ما من أهم موانئ العالم ودرة مدن البحور واليها مهوى الأفئدة ففيها الحضارة والتحضر وفيها مزيج الثقافات البشرية وعبرها تمر سفن وبضائع العالم عشقها الشعراء والكتاب والعلماء والأحرار والمطربين والسياسيين وكل طوائف العالم وكانت قبلة للعابدين ومنارا للتائهين أناسها مسالمين ودودين مثقفين متنورين احتضنت كل الاجناس وروضت القبائل وكانت بحق جنة عدن حتى أتاها الثوار وتحولت إلى أشباح مدينة وأضحت صحراء مقفرة ففيها يحتكم الرفاق إلى السلاح ومن أبنائها يسقط الضحايا والأبرياء وليس لها من الأمر شيئا ولا يوجد سببا واحدا يدعو إلى أن تدمر شكلا ومضمونا ويعربد الرفاق فيها ليلا ونهارا فكيف أثق فيكم وقد قتلتم أنبل مافيها وأجمل ماحوت من التسامح والتراحم والجمال ؟ هيهات أن نسمع لكم ثانية فما عرفناه منكم يجعلنا نفكر ألف مرة قبل أن نقبله ؟
اليافعي :
لنا تاريخ كتب بأحرف من نور وكنا سادة يشار ألينا بالبنان فامتدادنا كان عظيما إلى باب اليمن في عهد الإسماعيلي والى حيدر عباد وحضرموت القعيطي والكسادي والى لحج وعدن العبدلي والى أبين العفيفي ولنا العز كله أيام ماكنا للعز عنوانا وجاءت ثورة الرفاق لكي تحجمنا في جبال جرداء لا مشرب فيها ولا مأكل واتضح لنا إن الثورة لم تقم إلا ضدنا فتركنا ديارنا ودولنا واتجهنا إلى بلاد الشتات نبحث عن لقمة عيش مغموسة بالعذاب والكد والتعب لان وطننا ثار ضدنا بدون أن نسيء لأحد ولم يبق لنا إلا الاغتراب طريقا والرحيل ملاذا وكلما حاولنا أن نعود وجدنا الثورة قائمة ضدنا شرّقنا أو غرّبنا وما نجمعه في تغريبتنا نبدده فوق جبال مقفرة أو سهولا سكانها ذئاب جائعة تتربص بنا المنون فضعنا وضاع تاريخنا وفننا الأصيل وعزة أمجادنا الغابرة فكيف نعود لمثلكم وماذا سنجني من حقدكم ؟ وأي معنى للحياة بعد هذا الضياع؟
المهري العفريري:
نحن المساحة الرحيبة والحارس الأمين شرقا ولكننا المحافظة المنسية تجتمعون وتتفقون وتقررون وكأنه لا وجدود لنا بينكم وتبنون وتعمرون مناطقكم ونحن على هامش التاريخ وكل ماتريدونه منا هو السمع والطاعة والموافقة وكأننا عبيدا لكم أو رعية لسلطانكم أو مجرد تابعون ليس لهم من الأمر شيئا .منكم أيها الرفاق من يقول بسم الثورة ومنكم الضالين ومنكم المغضوب عليهم ونحن ليس معنا إلا قول آمينا .
جعلتم أرضنا مصدر للفتنة مع الآخرين وأشعلتم في ديارنا ثورة على الجيران وضرب الطيران علينا والموت نصيبنا والحريق لأرضنا فغادر معظمنا بلادنا إلى أراضي الجيران ورحلنا بعائلاتنا وغنمنا وخيامنا وجمالنا ومن بقي منا عاش حياة القرون الوسطى لا من يسال عنا ولا من يجيب فماذا تريدون اليوم منا ؟ وحتى لو أردتم ستعودون لسابق عهدكم من الإهمال لنا وتقرير كل شيء من قبلكم نيابة عنا فهل تعتقدون بانا سنقبل منكم ذلك؟
الضالعي :
سمونا بوابة الجنوب والناس داخل المدينة ونحن طوال أعمارنا مجرد حراس في بوابتها وأول الضربات لنا وأول من يقتل منا ولا بيت منا إلا وفيه مقتول إن هزم الجنوب قالوا نحن السبب وان انتصرنا لووا أعناقهم بعيدا عنا نحن مادة الحروب ووقودها ولم نجن من كل المعارك والمشاكل إلا الحصرم والبكاء والعويل وكل مصيبة تحدث تحصد منا رؤوس يانعة ونختلف فيما بيننا والاتهام لنا فماذا جنينا وماذا استفدنا من كل ذلك ؟ فاتركونا لشأننا وكفاية مابنا وما عانيناه.
العوذلي :
أنا سأتحدث باسمي واسم ابن عمي الكازمي بعد الاتفاق معه لان حالنا واحد ومعاناتنا متشابهة فنحن طبع علينا الفقر وقدر لنا أن نكون واجهة المشاكل ففي كل مرحلة تلحقنا تهمة مرة نحن مرتزقة ومرة نحن زمرة ومرة نحن قتلة مع انه القتل فينا والفقر فينا ولا يوجد فينا رجل أعمال مشهور أو صاحب مال مذكور وصاحب الحظ فينا أما عسكري أو دريول ونسكن في خيام مبعثرة أو بيوت تشبه الجروف الخاوية وكم قدمنا من أرواح لأجل الآخرين ومامعنا إلا التهم الجاهزة والمشاكل المتتابعة وعلى هذا ماذا استفدنا وأين نتاج تعبنا وإهدار أرواحنا ؟
الصبيحي :
نحن دائما المنسيون من الخيرات مع إننا أول من علم الناس كيف يكووا ثوارا ومعنى أن يكونوا مثقفين وساسة مرموقين فمنا قادة الجنوب الذي حرروا البلاد وأعلنوا الاستقلال ووقفوا الند للند أمام أعظم الدول وقادتنا قتلوا وساستنا هربوا وفي كل مرحلة يذهب أفضلنا موتا وقتلا لكن لم يسال الآخرين كيف نعيش وأين مردود عطائنا ؟
فنحن من حملنا منارة العلم لا مدارس معنا ونحن من نور الناس لا مستشفيات نعرف شكلا لها وخيرنا راعي غنم أو سائم مع الإبل والتضحيات مطلوبة منا ولا احد يذكرنا إلا عند الويل والثبور فقط فهل تجدون إنا سنكون كما تدعون اليوم إليه ؟ بظني دروس الماضي كافية للاختيار وشافية للاعتبار .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن إن كنا جميعنا مظلومين ومنهوبين فمن الذي استفاد في الماضي ومن المستفيد من حالنا اليوم هذا ؟ وهل هنالك من علاقة بين المستفيد سابقا والمستفيد لاحقا؟ وهل هنالك من عبرة وموعظة من كل هذا البكاء والعويل والشكاء الوبيل ؟
ألا نرحم حالنا ونعرف مصيرنا وما هو أهلا لنا ومستحقا بنا ؟
هل يستمر الغباء وتدوم السذاجة أم لابد من وقفة شامخة ونظرة سامقة إلى العلى ؟
تناهي إلى سمعي زامل قديم يقول: " كلن يرد العوجاء على الثاني .. وكلهم تحت هيج أعوج يجرونه "
ولكم التحية.
أبو عامر اليافعي
كاتب وأكاديمي جنوبي