مقهى الدروازه
2010-02-03, 01:29 PM
مؤتمر لندن والحاجة إلى نظرة مختلفة إلى اليمن...
| بقلم: خيرالله خيرالله * |
أكد انعقاد مؤتمر دولي في لندن من أجل مساعدة اليمن وجود وعي أميركي وأوروبي وحتى عربي لمدى خطورة الوضع في هذا البلد المهم من نواح عدة. في مقدم هذه النواحي الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن وتأثير ما يدور فيه بشكل مباشر على المحيط، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي.
كان مؤتمر لندن خطوة في الطريق الصحيح. لكنه كان خطوة متواضعة، ذلك أن المطلوب قبل أي شيء آخر مقاربة شاملة لمشاكل اليمن المتنوعة والمعقدة، والتي لا يمكن عزل أي منها عن الأخرى. على سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن الانصراف إلى ضرب «القاعدة» في اليمن من دون التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى انتشار هذا التنظيم الإرهابي في البلد. هل يمكن لـ«القاعدة» وما شابهها الانتشار لولا الفقر والبؤس والجهل؟ أليست البرامج التعليمية المتخلفة من بين الأسباب الرئيسية التي تسهل انتعاش «القاعدة» ونشر الأفكار المتطرفة؟ من يستطيع إنشاء مدارس حقيقية وحديثة من دون مساعدات خارجية في بلد فقير مثل اليمن؟ نعم، هناك تقصير من الحكومة اليمنية في مجال التنمية الشاملة، ولكن لابد من الاعتراف في الوقت ذاته بأنه كان هناك تجاهل عربي ودولي لخطورة ترك اليمن في حال بائسة، بحجة الفساد وعدم صرف المساعدات بطريقة سليمة. هناك فساد في اليمن، لكن لابد من الاعتراف بأن الفساد لا يعالج عن طريق وقف المساعدات وترك اليمن يقلع شوكه بيديه بهدف تصفية حسابات قديمة معه. في النهاية، الجميع في مركب واحد. والمقصود بالجميع اليمن والدول القريبة منه والمجتمع الدولي. هل تستطيع الأسرة الدولية تحمل وجود صومال آخرى في شبه الجزيرة العربية، في بلد يتحكم بباب المندب؟
أن يأتي الاهتمام باليمن متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً، ذلك أنه لم يكن طبيعياً ترك الأوضاع تتدهور في بلد يضم نحو ثلاثة وعشرين مليون نسمة يعاني من الفقر والتخلف بسبب شحة موارده الطبيعية، بما في ذلك المياه، والزيادة السنوية الكبيرة في عدد السكان. كذلك لم يكن طبيعياً أن تكون هناك تلك الهوة الكبيرة بين دول مجلس التعاون، الغنية عموماً، من جهة واليمن الفقير من جهة أخرى...
كان ترك اليمن من دون مساعدة الطريق الأسهل الذي يمهد للوصول إلى قيام دولة فاشلة أخرى لا تبعد كثيراً عن الصومال. من يتحمل قيام مثل هذه الدولة التي يسهل تحولها إلى مصدر للبؤس والإرهاب في المنطقة كلها؟
ما الذي يمكن عمله الآن؟ أظهر مؤتمر لندن أن العالم أخذ علماً بخطورة الوضع في اليمن. ولكن مرة أخرى، من المهم تفادي التركيز على «القاعدة» وحدها. ما قد يكون أهم من ذلك بكثير السعي إلى توفير الأمل لليمنيين. على سبيل المثال وليس الحصر، قد تكون أفضل طريقة لمواجهة التمرد الحوثي، الذي تدعمه إيران بشكل مكشوف، العمل على تنمية المنطقة التي يتحركون فيها، وهي منطقة شاسعة. مثل هذه العملية تفرض تعاوناً وتنسيقاً مع زعماء القبائل في المحافظات المعنية، خصوصاً صعدة وعمران والجوف وحجة، وذلك بهدف إقامة مشاريع معينة قد تكون صغيرة لكنها توفر فرص عمل لعدد لا بأس به من المواطنين. إن العمل على استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق التعاطي الإيجابي مع قبائل المنطقة الممتدة من صنعاء إلى صعدة ليس عيباً. إنه الطريق الأقصر إلى حقن الماء وقطع الطريق على التطرف والمتطرفين من حوثيين وغير حوثيين... والتفرغ لمشاكل أخرى لا يمكن تجاهلها. بين هذه المشاكل المحافظة على وحدة اليمن، بدلاً من انتشار الفوضى فيه. في النهاية من يضمن، في حال انفراط الوحدة أن يعود الجنوب موحداً. من يضمن ألا تكون حضرموت دولة مستقلة تدور في فلك السعودية، فيما المهرة دولة أخرى تريد الانضمام إلى سلطنة عمان. أما المحافظات الأخرى، فليس ما يضمن ألا تكون قواعد للتطرف والمتطرفين مادام الفقر والبؤس سيدي الموقف فيهما.
ما لا يمكن تجاهله أنه إضافة إلى الحرب في الشمال، هناك تململ في الجنوب. وهناك «القاعدة» التي لا ترى الإدارة الأميركية غيرها للأسف الشديد، علماً أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون سعت في الخطاب الذي ألقته في لندن إلى تصويب الموقف الأميركي عن طريق التأكيد أن هناك مشاكل أخرى في اليمن غير «القاعدة». وهناك أزمة اقتصادية عميقة يعاني منها البلد وهناك نمو سكاني غير طبيعي. هذه العوامل كلها يمكن أن تؤدي إلى انفجار داخلي. لكن الصورة ليست كلها سوداء. في المقابل، هناك مجتمع يمني عرف كيف يتأقلم مع التجربة الديموقراطية والتعددية الحزبية الفريدة من نوعها في المنطقة. استطاع اليمن المحافظة على هذه التجربة التي ترافقت مع قيام الوحدة في العام 1990 ويبدو منطقياً أن يساعد المجتمع الدولي اليمن في تطوير التجربة الديموقراطية والحزبية، رغم الصعوبات الضخمة التي تواجهها.
فوق ذلك كله، هناك مؤسسات تابعة للدولة اليمنية. قسم من هذه المؤسسات جيد وفعال يمكن البناء عليه. لماذا لا تكون هناك إعادة نظر شاملة في النظرة إلى اليمن؟ لماذا استبعاد التفكير في الاستعانة بالعمالة اليمنية في دول الخليج مجدداً مع الاستثمار في الوقت ذاته بالإنسان اليمني؟ وهذا ممكن في حال إنشاء معاهد تدريبية داخل اليمن نفسه تمهيداً لفتح الأبواب الخليجية أمام العمال اليمنيين الذين سيصبحون عندئذ مؤهلين لممارسة وظائف معينة، حتى لو كانت متواضعة. يستطيع كل عامل يمني في الخليج المساعدة في إعالة ما لا يقل عن خمسة أشخاص في اليمن. فتح أبواب الخليج أمام العمالة اليمنية، بطريقة مدروسة طبعاً، يساهم إلى حد كبير في الحد من الأزمة الاقتصادية في البلد. لابدّ من نقطة انطلاق. مؤتمر لندن يمكن أن يؤسس إلى مرحلة جديدة بالنسبة إلى تعاطي المجتمعين العربي والدولي مع اليمن... شرط النظر إلى النصف المليء من كوب الماء. الأكيد أن السلطات اليمنية تدرك أن هناك مسؤوليات عليها تحملها، بدءاً بقبول تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة. لكن على المجتمع الدولي أن يدرك أيضاً أن إهماله لليمن طوال الفترة الماضية لم يكن موقفاً حكيماً، وأنه يتحمل جزءاً من مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في هذا البلد. هل في الإمكان إنقاذ اليمن؟ الجواب نعم. هناك معطيات تشجع على ذلك. من بين المعطيات أن المجتمع اليمني قبلي في معظمه. وهذا يعني أن هناك قيماً لدى هذا المجتمع تجعله قادراً على التغلب على الصعوبات والتأقلم مع التغييرات مهما كانت كبيرة!
* كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=182962
| بقلم: خيرالله خيرالله * |
أكد انعقاد مؤتمر دولي في لندن من أجل مساعدة اليمن وجود وعي أميركي وأوروبي وحتى عربي لمدى خطورة الوضع في هذا البلد المهم من نواح عدة. في مقدم هذه النواحي الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن وتأثير ما يدور فيه بشكل مباشر على المحيط، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي.
كان مؤتمر لندن خطوة في الطريق الصحيح. لكنه كان خطوة متواضعة، ذلك أن المطلوب قبل أي شيء آخر مقاربة شاملة لمشاكل اليمن المتنوعة والمعقدة، والتي لا يمكن عزل أي منها عن الأخرى. على سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن الانصراف إلى ضرب «القاعدة» في اليمن من دون التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى انتشار هذا التنظيم الإرهابي في البلد. هل يمكن لـ«القاعدة» وما شابهها الانتشار لولا الفقر والبؤس والجهل؟ أليست البرامج التعليمية المتخلفة من بين الأسباب الرئيسية التي تسهل انتعاش «القاعدة» ونشر الأفكار المتطرفة؟ من يستطيع إنشاء مدارس حقيقية وحديثة من دون مساعدات خارجية في بلد فقير مثل اليمن؟ نعم، هناك تقصير من الحكومة اليمنية في مجال التنمية الشاملة، ولكن لابد من الاعتراف في الوقت ذاته بأنه كان هناك تجاهل عربي ودولي لخطورة ترك اليمن في حال بائسة، بحجة الفساد وعدم صرف المساعدات بطريقة سليمة. هناك فساد في اليمن، لكن لابد من الاعتراف بأن الفساد لا يعالج عن طريق وقف المساعدات وترك اليمن يقلع شوكه بيديه بهدف تصفية حسابات قديمة معه. في النهاية، الجميع في مركب واحد. والمقصود بالجميع اليمن والدول القريبة منه والمجتمع الدولي. هل تستطيع الأسرة الدولية تحمل وجود صومال آخرى في شبه الجزيرة العربية، في بلد يتحكم بباب المندب؟
أن يأتي الاهتمام باليمن متأخراً أفضل من ألا يأتي أبداً، ذلك أنه لم يكن طبيعياً ترك الأوضاع تتدهور في بلد يضم نحو ثلاثة وعشرين مليون نسمة يعاني من الفقر والتخلف بسبب شحة موارده الطبيعية، بما في ذلك المياه، والزيادة السنوية الكبيرة في عدد السكان. كذلك لم يكن طبيعياً أن تكون هناك تلك الهوة الكبيرة بين دول مجلس التعاون، الغنية عموماً، من جهة واليمن الفقير من جهة أخرى...
كان ترك اليمن من دون مساعدة الطريق الأسهل الذي يمهد للوصول إلى قيام دولة فاشلة أخرى لا تبعد كثيراً عن الصومال. من يتحمل قيام مثل هذه الدولة التي يسهل تحولها إلى مصدر للبؤس والإرهاب في المنطقة كلها؟
ما الذي يمكن عمله الآن؟ أظهر مؤتمر لندن أن العالم أخذ علماً بخطورة الوضع في اليمن. ولكن مرة أخرى، من المهم تفادي التركيز على «القاعدة» وحدها. ما قد يكون أهم من ذلك بكثير السعي إلى توفير الأمل لليمنيين. على سبيل المثال وليس الحصر، قد تكون أفضل طريقة لمواجهة التمرد الحوثي، الذي تدعمه إيران بشكل مكشوف، العمل على تنمية المنطقة التي يتحركون فيها، وهي منطقة شاسعة. مثل هذه العملية تفرض تعاوناً وتنسيقاً مع زعماء القبائل في المحافظات المعنية، خصوصاً صعدة وعمران والجوف وحجة، وذلك بهدف إقامة مشاريع معينة قد تكون صغيرة لكنها توفر فرص عمل لعدد لا بأس به من المواطنين. إن العمل على استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق التعاطي الإيجابي مع قبائل المنطقة الممتدة من صنعاء إلى صعدة ليس عيباً. إنه الطريق الأقصر إلى حقن الماء وقطع الطريق على التطرف والمتطرفين من حوثيين وغير حوثيين... والتفرغ لمشاكل أخرى لا يمكن تجاهلها. بين هذه المشاكل المحافظة على وحدة اليمن، بدلاً من انتشار الفوضى فيه. في النهاية من يضمن، في حال انفراط الوحدة أن يعود الجنوب موحداً. من يضمن ألا تكون حضرموت دولة مستقلة تدور في فلك السعودية، فيما المهرة دولة أخرى تريد الانضمام إلى سلطنة عمان. أما المحافظات الأخرى، فليس ما يضمن ألا تكون قواعد للتطرف والمتطرفين مادام الفقر والبؤس سيدي الموقف فيهما.
ما لا يمكن تجاهله أنه إضافة إلى الحرب في الشمال، هناك تململ في الجنوب. وهناك «القاعدة» التي لا ترى الإدارة الأميركية غيرها للأسف الشديد، علماً أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون سعت في الخطاب الذي ألقته في لندن إلى تصويب الموقف الأميركي عن طريق التأكيد أن هناك مشاكل أخرى في اليمن غير «القاعدة». وهناك أزمة اقتصادية عميقة يعاني منها البلد وهناك نمو سكاني غير طبيعي. هذه العوامل كلها يمكن أن تؤدي إلى انفجار داخلي. لكن الصورة ليست كلها سوداء. في المقابل، هناك مجتمع يمني عرف كيف يتأقلم مع التجربة الديموقراطية والتعددية الحزبية الفريدة من نوعها في المنطقة. استطاع اليمن المحافظة على هذه التجربة التي ترافقت مع قيام الوحدة في العام 1990 ويبدو منطقياً أن يساعد المجتمع الدولي اليمن في تطوير التجربة الديموقراطية والحزبية، رغم الصعوبات الضخمة التي تواجهها.
فوق ذلك كله، هناك مؤسسات تابعة للدولة اليمنية. قسم من هذه المؤسسات جيد وفعال يمكن البناء عليه. لماذا لا تكون هناك إعادة نظر شاملة في النظرة إلى اليمن؟ لماذا استبعاد التفكير في الاستعانة بالعمالة اليمنية في دول الخليج مجدداً مع الاستثمار في الوقت ذاته بالإنسان اليمني؟ وهذا ممكن في حال إنشاء معاهد تدريبية داخل اليمن نفسه تمهيداً لفتح الأبواب الخليجية أمام العمال اليمنيين الذين سيصبحون عندئذ مؤهلين لممارسة وظائف معينة، حتى لو كانت متواضعة. يستطيع كل عامل يمني في الخليج المساعدة في إعالة ما لا يقل عن خمسة أشخاص في اليمن. فتح أبواب الخليج أمام العمالة اليمنية، بطريقة مدروسة طبعاً، يساهم إلى حد كبير في الحد من الأزمة الاقتصادية في البلد. لابدّ من نقطة انطلاق. مؤتمر لندن يمكن أن يؤسس إلى مرحلة جديدة بالنسبة إلى تعاطي المجتمعين العربي والدولي مع اليمن... شرط النظر إلى النصف المليء من كوب الماء. الأكيد أن السلطات اليمنية تدرك أن هناك مسؤوليات عليها تحملها، بدءاً بقبول تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة. لكن على المجتمع الدولي أن يدرك أيضاً أن إهماله لليمن طوال الفترة الماضية لم يكن موقفاً حكيماً، وأنه يتحمل جزءاً من مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع في هذا البلد. هل في الإمكان إنقاذ اليمن؟ الجواب نعم. هناك معطيات تشجع على ذلك. من بين المعطيات أن المجتمع اليمني قبلي في معظمه. وهذا يعني أن هناك قيماً لدى هذا المجتمع تجعله قادراً على التغلب على الصعوبات والتأقلم مع التغييرات مهما كانت كبيرة!
* كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن
http://www.alraimedia.com/Alrai/Article.aspx?id=182962