تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : خروج الزيود إلى حضرموت ( سيل الليل ):


مقرطس
2009-05-24, 11:32 PM
خروج الزيود إلى حضرموت ( سيل الليل ):


في يوم 15 من شوال سنة 1069 جهز الإمام المتوكل على الله إسماعيل جيشا تحت قيادة أحمد بن الحسن الصفى للاستيلاء على حضرموت والانتقام من السلطان بدر بن عبد الله الكثيري ، فسار الجيش في طريق خولان ومأرب وبيحان وبلاد العوالق ، ولما وصلوا وادي حجر لاقوا كثير من المصاعب والمتاعب لوعرة الطريق وانقطاع المدد ، وكادوا يضلون الطريق ويموتون جوعا ، لولا أنهم أكلوا لحوم الحمر ؛ ولما وصلوا عقبة بامسدوس وجدوا جماعة من جيش السلطان بدر بن عبد الله مرابطين هناك ، فزحف الصفى بجيشه وهزمه ، ثم انحدر إلى الهجرين بعد أن ضمّ إليه بعض قبائل نوّح من أهالي حجر ، وثارت الحرب بينهم وبين آل محفوظ ، وجاء نهد لينضموا في صف آل محفوظ ، ولكنهم وجدوا الصفى قد احتل البلد وأباحها لعسكره يقتلون ويعذبون وينهبون ويسلبون ، ثم سار إلى هينن فخرج السلطان بدر بن عبد الله بقومه لملاقاته وهم ينشدون قول الشاعر : د


كتب القتل والقتال علينا = وعلى الغانيات جرّ الذيول

فثارت الحرب بين الفريقين ودامت أياما كاد الحضارم ينتصرون فيها على العدوّ لولا أنه كان لديه من السلاح ما ليس لديهم ، ولولا أنه كان يعرف من فنون الحرب مالا يعرفه الحضرميون ، لذلك انتصر عليهم بعد أن سالت الدماء وذهبت أرواح المئات من الطرفين ، ثم سار إلى شبام واستولى عليها قهرا بالسيف ، وكان الزيود في طريقهم من الهجرين إلى هينن ومن هينن إلى شبام يقتلون كل من يلاقونه أمامهم من الرجال والنساء والولدان ، لذلك سماهم الحضرميون سيل الليل . ولما رأى السلطان بدر بن عبد الله وحشية عدوّه وجلافته وفتكه وتنكيله بالأهالي ، ورأى انتصاراته تترى ، أعلن الطاعة للإمام حقنا للدماء وحفظا لأرواح الضعفاء من الشيوخ والعجزة والنساء والولدان . ولكن الصفى ألقى القبض عليه وأرسله إلى الإمام المتوكل ، فسجنه هذا أياما ثم سمح له بالعودة إلى حضرموت [4] أما أحمد بن الحسن الصفى فقد عاد من حضرموت إلى اليمن ولديه من الغنائم والمكاسب ما ليس له حصر . قال الكبسي : ((وقد عاد مولانا أحمد من حضرموت في أبهة عظيمة ومملكة جسيمة ، وقد فاز بخير الدنيا والآخرة ( كذا ) )) . أراد الإمام أن يولى ابن أخيه الحسين بن الحسن على حضرموت فامتنع ، فأرسل أحد أقاربه إليها ، ولما جاءها لم يقابله الحضارم باحترام ولم يخضعوا له ولم يقيموا له وزنا ولاثمنا ، فعاد إلى اليمن غير مأسوف عليه ولامحمود ، فاضطرّ الإمام بعد ذلك أن يجعل السلطان بدر بن عمر الكثيري واليا من قبله على حضرموت ، فكان ذلك ، وفي سنة 1071 شعر جماعة من عقلاء آل كثير بسوء عاقبة التنافر والتشاحن والتنازع القائم بين السلطان بدر بن عمر وابن أخيه السلطان بدر بن عبد الله ، ووجدوا أن تنازعهما على السلطة مصدر الرزايا ورسول الخراب ، رأوا أن الخلاف القائم بينهما هو السبب الوحيد لاستيلاء الإمام على حضرموت ، ولقتل كثي! ر من الأبرياء ، ولذهاب أموال لا تحصى ، لذلك سعوا بكل مقدورهم لإزالة الشحناء والبغضاء بين الأميرين ولإيجاد الوفاق والوئام بينهما ، ولقد نجحوا في مساعيهم الشريفة حيث تسامح الأميران وتناسيا ما حدث فيما مضى من الشقاق وقتال ، وارتبط كل منهما بالآخر ارتباطا متينا وساد عليهما الحب والولاء والوئام ، ففرح الشعب لذلك فرحا عظيما ، وجاءت رؤساء القبائل تهنئ الأميرين بالصلح وتشكرهما لجنوحهما للسلم والإخاء والوئام .


ظل السلطان بدر بن عمر الكثيري يحكم حضرموت من قبل الإمام ، وكانت العلائق بينه وبين اليمن متينة والصلات قوية . ولما توفى قام بالأمر بعده ابنه السلطان عمر بن بدر ، وفي سنة 1079 قام أهل ظفار مع جماعة من الحضارم بالتحريض ضد الإمام لجور عامله ابن الشيخ زيد خليل ، وحاصروا هذا الوالي في قصره ومنعوا عنه القوت ، واعتدوا على سبعة وعشرين من رجاله بالضرب وكادوا يقضون عليهم ولما بلغ ذلك إلى الإمام أرسل مولاه عثمان بن زيد ، ولكنه رجع من ظفار خائبا ، فقد كاد يقتله الثائرون . استمرت هذه الاضطرابات والقلاقل شهورا ، وأخيرا طرد الثائرون الوالي ابن الشيخ زيد خليل ، وقطعوا كل علاقة باليمن وأظهروا الطاعة للسلطان عيسى بن بدر الكثيري ، وهكذا خلعت ظفار طاعة اليمن قبل أن تخلعها حضرموت ، وفضلت حكم الكثيري على حكم الإمام ، ولقد كان من المنتظر أن يرسل الإمام جيشا لاس! ترداد ظفار وإخضاع أهلها لحكمه ، ولكنه لم يفعل لاشتغاله بإخماد الفتن الداخلية التي اشتعل لهيبها في أرجاء اليمن . ولما توفى السلطان عيسى بن بدر الكثيري قام بالأمر بعده السلطان حسن بن عبد الله بن عمر الكثيري .










تاريخ حضرموت السياسي
صلاح البكري