وخرج المارد الجنوبي من القمقم

[المناضل الجنوبي]

- لقد نشأت الحركة الوطنية في الجنوب العربي في الخمسينات من القرن العشرين، في مرحلة الاحلام والآمال الكبيرة، في جو مفحم بروح الحماس والنضال التحرري... في جو التحرر من الاستعمار، في ذروة المد القومي العربي... وكانت مصر عبدالناصر، قلعة العروبة والقلب النابض للأمة العربية يومذاك، هي محور وقبلة حركات التحرر الوطني للشعوب العربية والافريقية، التواقة للحرية والاستقلال والوحدة .
ومنذ البداية، آمن أبناء الجنوب العربي، بإن النضال في سبيل الحرية وأنتصار قضايا الامة العربية بصورة عامة، وقضية الجنوب بصورة خاصة، سيكون طويلاً وشاقاً، إدراكاً من القيادات الجنوبية، التي تقود الحركة الوطنية حينذاك، بإيمان صادق للدور المناط بها، وأن الثورة وآفاقها ومستقبلها مرهون الى حد كبير، بإنتصار النضال المشترك، مع بقية نضالات الشعوب العربية والافريقية، وأن نضال أبناء الجنوب، جزء لا يتجزأ من نضالات الشعوب العربية التواقة للحرية، وقد أفسح المجال أمام شعب الجنوب العربي، للمشاركة في الثورة وتقرير مصيره ومستقبله بإرادته الحرة، حتى توج ذلك الانتصار بعد تضحيات جسام بإعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م .
اليوم تعيد هذه المرحلة الحاسمة من تاريخنا المجيد، ملامح الخمسينات والستينات، بقساوتها وتعقيداتها وتشابكها، إتصال أبناء الجنوب بالمرحلة التأسيسية، ليؤكدوا مجدداً، الاصرار على إستئناف النضال ضد الغزو الشمالي الهمجي القبلي العنصري المتخلف للجنوب .
فالجنوب وشعبه حياً لا يموت، رغم كل المصائب والاهوال، التي وقعت على دماغه، لازال واقف ومستعد لدفع ضريبة الحرية، واقفاً كالطود الاشم في وجه العدوان والاحتلال، حتى ينال إستقلاله الثاني بعون الله، ورجاله البواسل وشعبه المؤمن الصبور.
2- أبناء الجنوب المخلصون الوطنيون الشرفاء، أمام معركة عادلة ومشروعة ومن نوع آخر وإحتلال آخر، يضع الشعب وكل القوى الحية الخيرة من جديد في خضم نضالي تحرري نبيل، يفرض عند هذا المنعطف الخطير، نقاوت الوسائل والاهداف، لخوض غمار معركة الشرف تستعيد للجنوب، ليس جو النضال الذي نشأ فيه فحسب، بل تستعيد وطن مخطوف.. تستعيد حرية وكرامة شعب محتل، خصوصاً وأن شعبنا ذهب لاعلان الوحدة مع الشمال في 22 مايو 1990م، ولم يبيع وطنه وتاريخه، أو يلغي وجوده أو هويته، ولم يسقط حقوقه، وفي نفس الوقت لم يتنازل عن مواريثه وأصالته.. ولكن حول نظام صنعاء الجنوبيين الى متسولين لحقوقهم في وطنهم.
3- هزمنا في 7/7/1994م، وهي هزيمة تعتبر بكل المقاييس وصمة عار في جبين تاريخنا، عندئذ لابد من محو العار اليوم أو غداً، وبالتالي لابد أن تمثل لنا هذه الهزيمة فرصة تاريخية جديدة لابناء الجنوب، لان يعودوا الى تاريخهم ورشدهم وأنفسهم، لمعرفة ليس الاسباب والعوامل التي أدت الى ضياع وطننا وشعبننا ودولتنا وأنفسنا نتيجة غباء وجهل قيادتنا، وإنما يستوجب الواجب الوطني والقومي والديني والاخلاقي، مواصلة النضال بدون هواده، ومحاولة للنهوض مجدداً والعودة الى مجدنا وتاريخنا المشرّف في مرحلة الكفاح المسلح، لنستمد من تلك الايام المشرقة دلالات ومعان سامية ونبيلة، تعكس تضافر الجهود المخلصة في العمل، لترسيخ وحدة وطنية جنوبية حقيقة على الارض، لضمان مسيرتنا التحررية الطويلة، على أساس الايمان بشعبنا وقضيته العادلة، لرسم إستراتيجية وطنية للبناء التنظيمي القوي الفعال، إعتماداً على الثقة العميقة بمشروعية نضالنا الوطني، ولنستمد من معطيات الانتفاضة السلمية في الجنوب، مبررات وجودنا على أرضنا، روح الارادة والتصميم في معركتنا الراهنة، القوة التي تجعلنا نجدد مضمون رسالتنا في مواجهة الاحتلال الشمالي.
4- طالما ورئيس الاحتلال وعساكره، تعاملوا ولازالوا يتعاملون مع الجنوب منذ 7/7/1994م، بإستهانة وإستهتار بكل القيم والمشاعر الانسانية..
وكأننا لم نكن يوماً وطناً وشعباً ودولة..
كأننا لا ثرنا ولا حاربنا ولا نهضنا ولا حلمنا أو ضحينا..
وكأننا من كوكب آخر..
وكأننا وطن وشعب وجد صدفة في 22 مايو 1990م، بلا هوية ويريد الانتساب الى هوية جديدة...
الامر الذي شجع القيادات العسكرية الشمالية أن تعبث بمقدرات شعبنا، وعملت على تصوير تاريخنا ونضالنا كله، وكأنه داست عليه عجلات سيارة مسرعة في حادث سير، ليصبح مجرد رغوة طفت على سطح التاريخ، أو لعبة كلمات متقاطعة، حتى أصبحت حياتنا ودمنا بلا ثمن .
لذلك فإننا لا نجد ما نخسره، سوى التأكيد القاطع من أننا نعيش في زمن لا مكان فيه للضعفاء والمترددين، بخاصة وأنها لا تنقصنا الوطنية أو الشجاعة أو التجربة، وأنما ينقصنا الحظ، وتفرقنا بالامس أدى الى ضياع الوطن، فالتاريخ يثبت دوماً أن النصر لا يأتي مجاناً أو صدفه، وطريقه دائماً مفروش بالمعاناة والتضحيات، وعلى الجنوبيين في الداخل، وفي المقام الاول العمل على تنظيم الصفوف، ليس من أجل الاعتصامات ورفع الشعارات، أو التسابق على المكرفونات للتنافس على الخطابات والتصريحات الحماسية، التى قد ترضي ضمائر البعض مؤقتاً، ولكن العمل على ضرورة توحيد الصفوف على قاعدة وطنية حقيقية، تتمثل في روح قيادة موحدة، القادرة على تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية، القادرة على العمل الميداني في التنسيق والتنظيم، بين مختلف محافظات الجنوب، وفق الامكانات والوسائل المتاحة، على نحو يؤدي الى تعبئة الطاقات والجهود، لتعزيز الروح المعنوية والثبات في الميدان وترتيب وتنظيم الامور على مستوى كل محافظة، على أن يتم إختيار قيادات مجربة تتمتع بالحكمة والشجاعة والاحساس الوطني والايمان بقضية الحرية والانتماء الى الشعب في الجنوب، في رفض الواقع المهين الذي فرضه علينا الاحتلال، والذي لا يستطيع الجنوبي أن يمشي فيه وهو مرفوع الرأس.
*معيد في جامعة عدن
أبين/ جنوب اليمن
7 مايو 2008