القضية الوطنية الجنوبية بين الرغبة العاطفية وشروط انتصارها (2)

[الكاش]

بقلم الأستاذ محمد علي شائف ..

القضية الوطنية الجنوبية بين الرغبة العاطفية وشروط انتصارها (2)


محمد علي شايف -

خليج عدن - خاص

2-الموقف من التاريخ - تاريخنا
(الامة مثل الفرد يصاب بالجرح فيشفى,يصاب بصدمة فيفيق,يصاب بخسارة في المال فيعوضه,لكن فقدان الذاكرة كارثة بلا حدود لانه يؤدي بكل شيئ بما في ذلك التارخ والمستقبل) محمد حسنين هيكل.

ان ذاكرة كل شعب هي ارثه الثقافي والحضاري أي تاريخه المنعكس في منجزاتة المادية والروحية ,بما هي تجل عن بنية العقل الذي ابدع هذه الحضارة او تلك طوال مسيرته الانسانية داخل منظومة التطور البشري بشقية العام والخاص .

وبصدد موضوعنا فان موقف الحركة الشعبية الجنوبية التحررية المضمون من التاريخ يفسر مستوى الوعي للقضية الوطنية الجنوبية ,وبالتالي ادراك شروط وعوامل انتصارها . واذ تتنوع المواقف ازاء الماضي –التاريخ – فلا غرو ان تتعدد الرؤى نحو مهمة الحاضر النضالية وماهية استشراف المستقبل(= ملامحة ومضامينه السياسية والفكرية وقيمة المنشودة).

ومما لاشك فيه ان قضيتنا , برغم جلاء الحق فيها, قضية مركبة التعقيد, وجوهر تعقيدها له صلة مركزية بالتاريخ والجغرافيا. فالتاريخ عندما يكرر نفسه فان الجغرافيا دور المحرك لدورة لتاريخ الجديدة التي يعيش شعب الجنوب قطيعتها التاريخية ,فكما يقول الجغرافيون فان التاريخ جغرافيا متحركة بينما الجغرافيا تاريخ توقف, واذ يتكالب على قضيتنا طرفا المعادلة(=التاريخ الثابت والمتحرك)كمبرر لااخلاقي ووهم ابتلع شعب الجنوب طعمه القاتل , فان الدور ثورة الجنوب الثانية لاسيما قواها السياسية والشعبية ينبغي ان يرتقي الا مصاف هذا التعقيد بالوقوف على جذوره التاريخية والجيو-ثقافية.

ولا يعتقد كاتب هذه السطور اختلاف اثنين بشان دور الوعي التاريخي الزائف في ايصال شعب الجنوب الى هذه الفاجعة الانسانية التي يتجرع مرراتها المهينة منذ عقد ونيف.غدت فيه (الوحدة اليمنية) اداة قمع ذاتي ظاهر وخفي لنخب الجنوب السياسية والثقافية,هذه التي صاغت مسلمة (الوحدة قدر ومصير الشعب) استجابة لاتجاه سلطة المتبني للفكرة رسميا,مازجا بين الفكرين القومي والاممي على حساب البعد الوطني الذي توارى خلف مسلمات الايديولوجيا واساطير واوهام التاريخ, فيتحول الوطني الى عنصر ثانوي داخل النسق العام الذي شكلته اليوتوبيا الحالمة المسنودة بسلطة الفكر وفكر السلطة السياسية الجنوبية, لتجري عملية تشكيل وعي تاريخي وسياسي زائف, متعالي على الواقع.

بمعنى اخر جرت عملية بناء وعي مغتصب ازاح اولوية الهوية الوطنية لشعب الجنوب ,برغم انها اول استحقاقته المرتبطة عضويا باستقلاله من الاستعمار البريطاني,اذ من غير المنطقي الحديث عن دولة الاستقلال بدون هوية مستقله للشعب الذي حرر ارضه من الاستعمار واعلن دولتة المستقله في 30 نوفمبر 1967م. لكنها الايدولوجيا عادة ماتقوم مقام الواقع وحقائقه فتتجاوزهما-ان لم نقل تستبيحهما- مذوبة في موضوعنا الفوارق الجوهرية بين ماهو نسق عام الانتماء كالانتماء القومي والانتماء الديني وبين ماهو هوية ثقافية وجيو-تاريخية متميزة عن الهويات الداخلة في نسق الانتماء العام ولذلك كان شعب الجنوب ضحية سهلة لفخ(الوحدة اليمنية قدر ومصير)

اضطراب الرؤية
اذا كانت القاعد العامة عن علاقة البشر افرادا وجماعات تقول بان ((فرض ارادة على ارادة اخرى :استعمار)) بمعزل عن جنس ودين ولغة المستعمر وبمعزل عن وسيلة الفرض التي تتم بواستطها تغليب ارادة على اخرى, وطالما اتخذ الصراع طابع صراع ارادتين حرتين ,كما هو حال الصراع بين ارادة شعب الجنوب المغدور وارادة الجمهورية العربية اليمنية القائمة على القوة ,أي الصراع بين قوة الحق الجنوبي وباطل القوة العدواني القائم على ثقافة الغزو من اجل الغنيمة ونزوع التدمير الشامل للاخر كثقافة سبئية بامتياز فان المسالة قد اخذت بعدا اعمق للصراع, بعدا ثقافيا أي صراع هويتين.

يتبع في الحلقة(3)