الحراك الجنوبي السلمي الانتفاضة الشعبية في الشمال بين مؤامرة التضليل و خديعة الاحتواء

[ali algahafee]

قراءة في المشهد السياسي اليمني
/ بقلم: عمر سعيد العمودي

الأربعاء, 09 مارس 2011 12:38
- الإصلاح.. المؤتمر.. تبادل الأدوار
- الحراك الجنوبي السلمي.. الانتفاضة الشعبية في الشمال بين مؤامرة التضليل و خديعة الاحتواء
- الحزب الاشتراكي من ركاكة المواقف إلى التسول السياسي على موائد الانحدار

لا يزال الخطاب السياسي لرأس النظام الحاكم في اليمن يتجاهل المعطيات السياسية لواقعه المعاش و كذا للمحيط الإقليمي و الدولي و ما افرزه من رؤية جديدة للأحداث فوجئ بها زعما كانوا لوقت قريب اقرب أصدقاء الغرب في المنطقة فما كان من هذا الغرب الصديق إلا التعاطي مع الواقع .. مع الشعوب المنتفضة ليطلب من قادة هذه الدول وفي أصعب الظروف ( الرحيل و الآن و دون تباطؤ) نزولاً عند رغبة الجماهير، انه درس و عظه تدعو إلى الاعتبار ، ان خدمة الغرب لعقود و تمثيل مصالحها و حمايتها في المنطقة إلى السماح باستباحة الأرض و السيادة و قتل الأبرياء وتبديد ثروات الأمة لم تشفع كل تلك الطقوس و القرابين وبدا ذلك فاضحاً و في نظر الشعوب عماله من الطراز الأول


ان السيناريو الماثل الآن أمام النظام الحاكم في اليمن هو نفس السيناريو بل و الإخراج الذي تم في الثورتين المباركتين التونسية و المصرية لأوجه التشابه العديدة بين قادة هذه الدول و أدوات القمع و مسمياتها ناهيك عن الفساد الطافح الذي ينهك الوطن و الإنسان دون حسيب


ان الحزب الحاكم في اليمن وهو المؤتمر الشعبي العام يتركب من تحالفات قبلية نفعية في المقام الأول إلى جانب رجال الأعمال و تجار معتمدون على السلطة و النفوذ في إدارة أعمالهم الخاصة ومع هذا فالأنباء تتحدث اليوم عن استقالات بالعشرات من مراكز مهمة في هذا النسيج الذي يبدو ان تركيبه اوهن بل أدق من خيوط العنكبوت و مع هذا فلن يألو جهداً في تسخير كل إمكانات الدولة لإحباط مشروع التغيير و إسقاط النظام بما يشكله ذلك من تهديد بل و خسارة سياسية فادحة قد تخرجه نهائياً من الساحة وهو أمر يبدو صعب المنال في الوقت الراهن و سيستميت في المناورات واغتنام الفرص و استغلال التباينات هنا و هناك و التحذير من القادم (الحوثية و الجنوب) حتى يظهر أفق جديد لخوض معركته الحاسمة، غير ان الأزمات التي خلقها المؤتمر في اليمن لا تعد ولا تحصى و هو ارث ثقيل يصعب التخلص منه ولعل لحروب صعدة الطاحنة و الجرح النازف هناك إلى جانب قضايا الجنوبيين و خاصة بعيد حرب صيف 94 م من القرن الماضي و تسريح الآلاف من الموظفين و احتكار الوظيفة العامة ونهب الثروة و تدميرها و تقطيع أوصال الأرض و توزيعها على المتنفذين و تصفية وتدمير المؤسسات الحكومية الجنوبية قاطبة و شطب و غياب بل و تغييب للإرث الجنوبي الزاخر و الرائد من وسائل الإعلام الرسمية المختلفة مروراً بفرض ثقافة جديدة أساسها المصالح المادية البحتة وهي موسوعة النسيج الاجتماعي بل والعلاقات الاجتماعية السائدة هناك و انتهاءاً بخيارات محدودة عنصرية و مقيتة كل ذلك إلى جانب عدم الإنصات لمطالب الجماهير هناك من منطلق حق القوة التي لا تخفى على احد


نعود إلى المشهد السياسي لنرى عن قرب ( تكتل اللقاء المشترك) و مكوناته السياسية فهو في الحقيقة الساطعة التجمع اليمني للإصلاح و ما تأبطه لبعض الأحزاب و على رأسها الاشتراكي إلا كنهج مرحلي وربما إعلامي ولهذا لا يسمع سوى صوت الإصلاح في هذه المعركة بل وبكل إمكاناته مع صوت خافت للاشتراكي يعيد نفس التصريحات وهمس للأحزاب المنضوية الأخرى ناهيك عن إعلان حزب رابطة اليمن انسحابه منه و التحاقه بمطالب الجماهير


عموماً ان فسيفسا التركيبة السياسية للأحزاب اليمنية أكثر تعقيداً كما إنها أكثر هشاشة و ان التصورات المحتملة من واقع التفاعلات السائدة لا يمكن الركون إليها مطلقًا فالأحزاب السياسية تستند في الغالب إلى وجاهات (أفراد) وشيوخ قبائل كما تتداخل مع هذه الفئات وتتقاطع المصالح الشخصية الصرفة و ينحصر الحزب في الغالب أيضا على رأي الفرد الذي يتحدث عن وجهة نظره من خلاله


وعليه فإن التحالف الذي يشاهد اليوم بين الاشتراكي و الإصلاح لا تستصيغه عقول الجنوبيون فهم يدركون تماما ان ذلك من السبع المستحيلات وان لا شي تغير في مبادئ و ايديولوجية الحزب الإلحادية ( في نظرهم) و هو أمر على النقيض تماماً من رؤى الإصلاح و ادبياته كما أصبحت تترسخ قناعة لدى الجنوبيين مفادها ان الحزب كان رأس كل الأزمات و الكوارث التي ألمت به


كما ان التسول السياسي الذي يمارسه الحزب اليوم على موائد الانحدار المختلفة ساعد إلى حد كبير في نضوب المعين لقاعدته الشعبية الواسعة في الجنوب فضلاً عن مئات الاستقالات لكوادره وبمستويات مختلفة كما ان عدم طرحه و تمثيله لقضايا الجنوب وبقوة على الساحة السياسية و ضع علامات استفهام كبيرة حول جغرافيته و بالتالي هويته بل و اسقط عنه الشرعية التي كان يمثلها للجنوبيين واعتقد بل واجزم ان انتصار الانتفاضة الشعبية في الشمال وتبني حزب الإصلاح لأفكارها و مطالبها سيقذف بالحزب الاشتراكي إلى قارعة الطريق و سيسجل التاريخ الحديث احد أفظع و أبشع صور الانتحار


ان قراءة موضوعية لدراماتيكية الأحداث على الساحة اليمنية يعيد لنا نفس المشهد بل وبنفس الوجوه و الشخصيات في توزيع جديد للأدوار ، ان ظهور رموز و قيادات الإصلاح في ساحات التغيير المطالبة بإسقاط النظام يعيد نفس المشاهد والأدوار مع بدايات التسعينات من القرن الماضي فهي نفس الرموز التي تبنت شحذ الهمم و الخطابات الصاخبة والفتاوى لتعميد الوحدة فعليا بالدم و ارتفع حينها شعار (محاربة قوى الردة و الانفصال) ليستوعب الجنوبيون مقاصد الانفصال ولكنهم لم يفقهوا بعد معاني الردة!!! و ها هو يتكرر الموقف و لو ضمن سيناريو وإخراج جديد يضع الحزب الاشتراكي مرة أخرى تحت أقدام اللاعبون انفسهم بل ويعرض تاريخه السياسي للاندثار
ا ن قراءة سريعة للأحداث و الشواهد و التصريحات التي تصدر هنا وهناك تعمق الفكرة لدى الجنوبيين بوجود رائحة لمؤامرة جديدة تحاك ضدهم و ان خطاب المغازلة ما هو إلا احد فصولها البليدة لتسويق أفكار و رؤى لتشتيت الموقف و خلط الأوراق وإيجاد الضبابية للمشهد السياسي العام في الجنوب و هذا ما يمارسه الإعلام الرسمي و ما يسمى بالمعارض على السواء إذ لا يختلفان مطلقاً في تعاطيهما مع القضية الجنوبية و مع أطروحاتها ومطالبها السياسية الصرفة بل و مع ضحايا هذا الحراك السلمي من شهداء و جرحى و معتقلون


ان قضية الجنوب قضية حقوقية بالمقام الأول وان شعار ( الوحدة أو الموت) شعار تشتم منه رائحة الغطرسة و الغرور بل و العنصرية لان لا احد ولد على هذه الأرض حراً يقبل ان يخيره امرءٍ (أي كان) بين أمرين


لقد لاحت في أفق البسيطة بشائر الحق والخلاص و ان زمن الطغاة قد أزف وان عناصر الاستبداد و الجبروت لم تجد شيئا أمام إرادة الشعوب و ان الحليم من اتعظ بغيره كما وان دماء الإنسان حرمات وظلمات و لا تسقط بالتقادم ولو صمت العلماء دهراً عن سفكها هكذا يتساءل الجنوبيون
ولو عاد نيرون .. أم ان نيرون لا يزال حياً؟ و هذه روما تحترق ويهتف على أطلالها الجنرال ( الوحدة أو الموت) وتعيد له المقابر و الشواهد و الأطلال المحترقة وبقايا الأشلاء المبعثرة وجداول الدماء الداكنة و تمتزج معها صراخات الثكالى و الأرامل و اليتامى و الجوعى و البؤساء و المكلومين صدى صوته البحوح
ويتساءل هل هذه هي روما حقاً.. ويجيب عن نفسه بل هذه هي عـــدن.. قبلة الشرق.. الثغر الباسم.. اجل هـذه صيرة ومنارة العيدروس .. و ...
ويبح صوته و يتساءل من جديد ويهتف من جديد ويبح صوته و تبقى عـدن


بقلم: عمر سعيد العمودي


المكلا 7/3/2011