الرئيسية التسجيل مكتبي  

|| إلى كل أبناء الجنوب الأبطال في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجة لا تخافوا ولا تخشوا على ثورة الجنوب التحررية,وطيبوا نفسا فثورة الجنوب اليوم هيا بنيانًا شُيد من جماجم الشهداء وعُجن ترابه بدماء الشهداء والجرحى فهي أشد من الجبال رسوخًا وأعز من النجوم منالًا,وحاشا الكريم الرحمن الرحيم أن تذهب تضحياتكم سدى فلا تلتفتوا إلى المحبطين والمخذلين وليكن ولائكم لله ثم للجنوب الحبيب واعلموا ان ثورة الجنوب ليست متربطة بمصير فرد او مكون بل هي ثورة مرتبطة بشعب حدد هدفة بالتحرير والاستقلال فلا تهنوا ولا تحزنوا فالله معنا وناصرنا إنشاء الله || |

شهداء الإستقلال الثاني للجنوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          

::..منتديات الضالع بوابة الجنوب..::


العودة   منتديات الضالع بوابة الجنوب > الأقــســـام الــعـــامــة > المنتدى الاسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-07-18, 10:26 PM   #1
حمد بن صالح الحضرمي
قلـــــم جديــد
 
تاريخ التسجيل: 2014-07-18
الدولة: الجنوب العربي
المشاركات: 10
افتراضي أسرار القرأن في شهر رمضان ..


أسرار القرأن في شهر رمضان ..

نعيش مع كتاب الله - عزَّ وجلَّ - نعيش مع هذا القرآن، عطاءِ الله للأمَّة في شهر رمضان؛ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، كتاب مبارك: ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ﴾ [الأنعام: 92]، أُنزل في ليلة مباركة: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ [الدخان: 3] ليلة السلام، ليلة الأمن، ليلة القدر؛ ﴿ إنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1- 5].

نعيش مع كتاب الله الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].

لو أن أمَّة من الأمم أُعْطِيت آية واحدة صحيحة من هذا الكتاب لاتَّخذَتْ ذلك اليوم عِيدًا، ولعَضَّتْ عليها بالنواجذ.

إنَّ الله - تعالى - اختارها لِهَذا الكتاب، واختار هذا الكتاب لها، رُزِقت القيادة، ورُزقت الرِّيادة، وجعَلها الله - عزَّ وجلَّ - الأمة الوارثة؛ ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]، وجعَلَها أمَّة الخيريَّة: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ﴾ [آل عمران:110]، وجعَلَها الله الأُمَّة الشاهدة على الأمم يوم القيامة؛ ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

لِتَكونوا شهداء على الناس بهذا الكتاب، ويكون الرسول عليكم شهيدًا أيضًا في هذا الكتاب، بلْ ذِكْر الأمَّة مرتبط بالقرآن؛ ﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10]، فيه مجْدُكم، وفيه عِزُّكم، وفيه علُوُّكم؛ ﴿ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

حياة أفضل بالقرآن، وطريقة أفْضَل بالقرآن، وشريعة أفْضل بالقرآن، وإنَّ هذا الكتاب ليَشْكو إلى الله - عزَّ وجلَّ - هذه الأمَّة، لماذا اخْتارت الجهل وأمَامَها العلم؟! وهي أمَّة اقرأ؛ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، اختارت الذِّلَّة وأمَامها العزَّة؛ ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 139] اختارت الضَّلاَلة وقد هداهَا الله ربُّ العالَمين، ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام: 39] ﴿ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 178].

الأمم السابقة آثروا العمَى على الهدى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17].

إذًا؛ كتاب ربِّكم بين أيديكم، أيْن أنْتَ من حَلاله وحرامه؟ أين أنت من ذِكْره وشُكْره؟ أين أنت من تلاوته وترتيله؟ أين أنت من حروفه وحدُوده؟ أين أنت من أمْرِه ونَهْيه؟! هل تعلَّمْتَ تلاوته وترتيله؟ هل تدبَّرْت آياتِه ومعانِيَه؟ هل علَّمْتَه أولادك؟ إنَّه حبْل الله المتين، ونورُه المبين، وصراطه المستقيم، ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الزخرف: 43] نعَم، سوف تُسألون عن آياته، وعن حرُوفه وعن حدوده، وعن أمره ونَهْيه، كتاب الله - عزَّ وجلَّ - مَن ترَكَه مِن جبَّار قصَمه الله، ومَن جعلَه خلْفَ ظهْرِه أضلَّه الله، ومن صَدَّ الناس عنه أذَلَّه الله!

كتاب يستقيم مع الفطرة: هل يَحْيا السمك بلا ماء؟! هل يَعيش البشر بلا هواء؟! كلاَّ! كذلك الكون يَحتاج إلى منهج لِيَنتظم مع فطرة الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] منهج الإصلاح ومنهج التصحيح، منهج الذِّكْر: ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ [الأنبياء: 10] ومنهج العلو ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] دستور القوامة والبشر في الأرض؛ ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9] المنهج الحاجز من التدَنِّي، والمانع من الجهالة والعاصم من الضلالة؛ ((ترَكْتُ فيكم شيئين لَن تضلُّوا بعدَهما: كتاب الله وسنَّتِي، ولن يتفرَّقا حتَّى يَرِدا عليَّ الحوض))؛ تخريج السيوطي، عن أبي هريرة، تحقيق الألباني: "صحيح" انظر حديث رقم: 2937 في "صحيح الجامع".

ويقول الله - تعالى -: ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

إن الإسلام منهج حياة بالقائد القرآني، وهو الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم المنهج الربَّاني وهو الكتاب والسُّنَّة، ثم بالجِيل الذي يَقتدي بالرسول القرآني، ويطبِّق المنهج الرباني.

الله - تعالى - يقول: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23] أحسن الحديث تلين له الجلود وتخشع له القلوب، والله - عزَّ وجلَّ - قد وصَف عباده عندما يقرؤون كتاب الله: ﴿ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الفرقان: 73] كيف؟ لا يَسمعونه سَماع الصُّم، لا يقرؤونه قراءة المنافقين، كيف؟ ((رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه))؛ يقْرَأ آيات الصدق ويكْذِب، ويقرأ آيات الإخلاص ويُشْرِك، ويقرأ آيات العدل ويظلم، رُبَّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.

أمَّا عباد الرحمن عندما يَجلسون مع القرآن فلَهُم آذان مصْغِية، ولهم قلوب واعية، ولهم أعْين راعية، ترعَى حدود الله - عزَّ وجلَّ - فلا تتعدَّاها.

كتاب الله - عزَّ وجلَّ - أنزله على قلب رسوله؛ ليقرأه على الناس على مكث لتخشع قلوبهم، وتتطهَّر صدورهم، وتتزكَّى نفوسهم، وتتألَّق عقولهم؛ ليتعرَّفوا على ربهم وخالقهم ورازقهم - سبحانه وتعالى.

كتاب ربَّاني شامل:
القرآن فيه آيات الله وأسماؤه وصفاته، فيه صفات المؤمنين والكافرين والمنافقين، ومصاير هؤلاء، فيه الجنة والنار، فيه الوعد والوَعِيد، فيه الترغيب والترْهيب، فيه الأمر والنَّهْي، قال - تعالى -: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [النحل: 89].

كيف لا، وهو رُوحٌ تسْري في الأمَّة؟! ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الشورى: 52].

كيف لا، وهو حياة تَنْعم بها الأمَّة؟! ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 122].

كيف لا، وهو شفاء؟! ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

كيف لا، وهو سبيل الهداية لِمَا يُصْلِح البلاد والعباد؟! ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].

كيف لا، وهو حَبْل الله المَتِين، ونُورُه المبين، وصراطه المستقيم، مَن قال به صدَق، ومن حَكَم به عدَل، ومن عَمل به أُجِر، ومن دَعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم؟!

لكل مؤلِّف كتاب، ولكلِّ شاعر ديوان، ولكل فيْلسوف منْطِق، وكلٌّ يقدِّم لِعَمله قائلاً: "إنْ كان هناك تقصير فمن نفسي وان كان غير ذلك فمن الله"، أمَّا كتاب الله فالأمْر فيه يَختلف؛ إنه - سبحانه - يقدِّم له بقوله: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾ [البقرة: 2].

أين نحن من هذا المنْهج الربَّاني؟ أين نحن من دسْتور الأمَّة؟ أيْن نَحْن من حبل الله المتين؟ ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103] أين نحن من حلاله وحرامه؟ مِن دوائه وشفائه؟ من أمْرِه ونهيه؟ من وعْده ووعيده؟ من ترغيبه وترهيبه؟! بل أين نَحن من تلاوته وتدَبُّره والتأثُّر به ذِكْرًا ووجَلاً وقربًا من الله - عزَّ وجلَّ؟!

أمَّة بغير قرآن كيف سيكون حالُها؟! أمَّة بغير منْهج كهذا: كيف سيكون مصيرها؟! أمَّة عطَّلَت آياتِه وأحكامَه وحدودَه وهي جريمة شنيعة كيف سيكون مآلُها.

كتاب للتدبر والتذكر:
جاء القرآن كتابًا مبارَكًا من عند الله؛ لِتَتَّبِعه الأمَّة؛ ﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأنعام: 155]؛ لتتدبره الأمة؛ ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، ولا تُنْكِرَه؛ ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [الأنبياء:50]، يَصُونوا حدوده، ويَرْعوا عهوده، يحفظوا كلماته ويدَّبَّرُوا آياته؛ ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]! كتاب تأثَّر به كلُّ شيء في الحياة:
تأثَّر المشْرِك حين سمع القرآن فقال: إنَّ له لَحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعْلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يَعْلو ولا يُعْلَى عليه.

سَمعه أهل الكتاب فخشعت قلوبُهم، ودمعت أعينهم، وآمنوا بالله ورسوله؛ ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].

سمِعَتْه الجن ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ [الجن:1،2] ﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 29] وتحوَّلوا إلى دُعاة لهذا المنهج؛ ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأحقاف: 31].

سَمِعه الجماد، فخشَع من خشية الله؛ ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

هل بَعد ذلك يتأثَّر المؤمن عند سَماعه للقرآن؟ نعَم، المؤْمن الحقُّ يتأثَّر ويزداد إيمانًا؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].

كتاب يطمْئِنُ النفوس، ويُسكن الأرواح، ويُفْرِح القلوب:
ظنَّ البعض بأنَّ مرور الزمان يقلِّل من صلاحية القرآن في الهداية، وهذا خطأ على الإطْلاق؛ فالقرآن هو كتابُ هداية مطْلَق متَى فَهِمه الإنسان فهْمًا صحيحًا، وأنَّ هداية القرآن ليست مُرتبطة بظرف أو زمان؛ ففي كلِّ الظروف هناك هداية ربَّانية، القرآن الكريم له صفة الإطلاق والقطعيَّة والَّتي لا يتَّصِف بها غيره من الكتب السَّماوية، كما أنَّ القرآن يُعْنَى بالكلِّيات والأمور العامة والأصول الثابتة الَّتي لا علاقة لها بالمتغيِّرات.

كما أنَّ إعجاز القرآن هو إعجاز عِلْمي يَصْلح في كلِّ زمان ومكان، كما أنَّ القرآن نزل للناس جميعًا على كافَّة مسْتوياتهم، لكنَّ الكثير من المسلمين غاب عنهم "تفعيل القرآن في الحياة".

وإنَّ القرآن أصْبح يُقرأ في المآتم أو على الأمْوات، ويَستأجرون مَن يَقرأ عليهم؛ ممَّا طبَع في أذهان الكثير من العوامِّ أنَّ القرآن يُقْرَأ في الأحزان فقط، في حين أنَّ القرْآن جاء للطمأنينة والسَّكِينة والفرح والغِبْطة والسرور، بل إنَّ القرآن جاء أيضًا لإِحْياء القلوب والعقول.

فالقرآن الكريم ربَّى الأمَّة المسلمة على كيفية التعامل والتعايش مع الأُمَم الأخرى؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال - تعالى -: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [البقرة: 83].

يُرْوَى أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يَسِير في طرقات المدينة، وإذا به يرى طفلاً صغيرًا ذاهبًا إلى المسجد؛ ليحْفظ كتاب الله، وكان هذا الفتى يمشِي كعادة الفِتْية لاهيًا ولاعبًا في طريقه، لكنَّه كان يردِّد آيات الله التي سيَقوم بتسميعها لمعلِّمه في المسجد، وإذا بأذُنِ عمر بن الخطاب تَسمع هذه الآية من هذا الصبي الصغير: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ [الطور: 7 8] فسقط عمر بن الخطاب من سماعها علي الأرض مغشيًّا عليه، وكلما كلَّمَه أحد قال: ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ﴾ [الطور: 7 8] يا ربِّ ارْحم عمر بن الخطاب، يا رب ارحم عمرَ بن الخطاب، وظل مريضًا في فراشه لمدَّة شهْر!.

صلاح الدِّين يتفَقَّد خِيَام الجند ليلاً قُبيل حطِّين، فيَسمع أزيز صدور جنودٍ يَقُومون الليل ويَقرؤون القرآنَ فيشير للخيمة محدِّثًا مساعده، قائلاً: من هنا يَأتي النَّصْر، ثم يمرُّ على خيمةٍ أخرى فيَسمع جنودًا يَلْهُون ويلعبون، فيقول: ومن هنا تأتي الهزيمة.

قال عبد الله بن مسعود: إنَّ أحَدكم ليقرأ القرآن من فاتحته إلى خاتمته، لا يُسْقِط منه حرفًا واحدًا، وقد أسقَط العمل به.

هل تتأثَّر لتلاوة القرآن أو لسماعه؟
يقول صاحب "الظِّلال": "الحياة في ظلال القرآن نعْمة، نعمةٌ لا يعرفها إلاَّ مَن ذاقها، نعمة تَرفع العمر وتباركه وتزكِّيه".

وهذا بطل العالَم في الملاكمة "محمد علي كلاي" عام 1960 لما بلَغ العشرين من عمره حصَل على لقب بطل العالَم في الملاكمة في أقْصَر المباريات، وأمام ضَجِيج المعْجَبين، وفلاشات آلات التصوير أَعْلَن إسْلامه قائلاً: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله"، ولمَّا سُئِل عن سبب إسلامه قال: "بدَأْتُ أعيش مع القرآن، وخاصَّةً مع الفاتحة أوَّلِ سورة حَفِظتها منه، وبدأتُ رحلةَ الإسلام رحلةَ طُمَأنينة، ورحلة إيمان يَعِيشها صاحبُها بتعاليم خالِقه" وقال: "إننا لو قُمْنا بهذه الدعوة سنَجِد حشودًا كبيرة تَدخل إلي الإسلام، الَّذي عنْدما تقارنه بغيره مِن الأديان تعرف أنَّه الدِّين الذي يهدي القلوب إلى دين الحق والنقاء".

جاء القرآن لتأسيس أصُول الحياة وبناء الحياة ونشْر العدالة والمساواة بين الناس، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70].

كما أنَّ القرآن دعا إلى الحرِّية، فمِن نُظُمِ القرآن في الهداية والإصلاح "الإعداد للمستقبل"، مثلما جاء في قصة سيدنا يوسف: ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [يوسف: 47]، فالقصَّة ليست استثناءً، ولكنها دعوة للمسلمين جميعًا إلى التخطيط والإعداد للمستقبل.

ولقد استوعبَ القرآنُ الحضاراتِ السابقة؛ فالقرآن الَّذي هو منهاج الإسلام لم يأت للقضاء على الحضارات السابقة، ولكنْ لتقويمها وتصليحها وتعديلها، والاستفادة من تَجارِبها، ولقد رَحَّب الإسلام بكل منْجَزات البشرية، والتي لا تتعارَضُ وإنسانيةَ الإسلام، نزَل مفرَّقًا على ثلاثة وعشرين عامًا على مُكْث؛ لِتُعْلِمَ الناس بما فيه.

وعلى هذا؛ فإنَّ جَميع المسلمين مدْعوُّون كلٌّ على قدْر استطاعته إلى العمل بما يخْدم الإسلام والمسلمين، وبالوسائل الممْكِنة والنافعة، فإنَّ الفلاح كلَّ الفلاح في الأخْذ بهذا المنهج القويم، وصدَق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنِّي تارِكٌ فيكم ما إنْ تمَسَّكتم به لن تَضِلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنَّتِي))؛ صحيح مسلم.

والأمَّة التي تَستمسك بِهذا القرآن قادمة، نَرى بشائرها في الجهاد المقدَّس، وفي امْتلاء المساجد، وفي الأمْر بالمعروف، وفي النهي عن المنكر، وفي المواقف القويَّة التي تَقُول للفاجر: قِفْ، وللظالِم: توقَّف، وللناسي: تذكَّر، وللجاهل: تعلَّم، وللمقصِّر: عُد، وللمذْنِب: استغْفِر، وللضالِّ: اهْتَدِ.

نريد الصَّحْوة التي تنبعث من أعماق البيوت، وتَخرج من أعماق المساجد، وتَدخل في أعماق القلوب؛ لتحرِّكها بالله، وتَجمعها على الله، وتذكِّرها بالله؛ ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45] وتؤثِّر فيها بكتاب الله؛ ﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 10].

اللَّهم اهْدِنا إلى العمل بكتابك وبسنَّة نبيِّك، وارْزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تَجْعل الدنيا أكبر همِّنا ولا مبْلغ عِلْمنا، وصلَّى الله على محمد، وعلى آله وصحْبه وسلَّم، والحمد لله ربِّ العالمين.
حمد بن صالح الحضرمي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2014-07-20, 06:28 AM   #2
حمد بن صالح ألحضرمي
موقوف
 
تاريخ التسجيل: 2014-07-20
الدولة: الجنوب العربي
المشاركات: 116
افتراضي

من أسرار القرآن (358)-" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ..)


بسم الله الرحمن الرحيم
من أسرار القرآن

(358)-" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ .........*" (‏ البقرة‏:185)

هذه النص القرآني الكريم جاء في نهاية الثلث الثاني من سورة "البقرة", وهي سورة مدنية , وآياتها (286) بعد البسملة , وهي أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق .
ويدور المحور الرئيسي لسورة "البقرة" حول قضية التشريع الإسلامي , مع الإشارة إلى عدد من ركائز العقيدة الإسلامية , واستعراض لصفات كل من المؤمنين والكافرين والمنافقين , وتفصيل لقصة خلق الإنسان ممثلا في خلق أبوينا آدم وحواء- عليهما السلام- وإشارة إلى عدد من أنبياء الله ورسله , وتناول لمواقف أهل الكتاب بشئ من التفصيل الذي استغرق أكثر من ثلث هذه السورة الكريمة التي ختمت بإقرار حقيقة الإيمان بالله , وملائكته , وكتبه ورسله , وبدعاء إلى الله- تعالى- يهز القلوب والعقول والنفوس في آن واحد .
هذا , وقد سبق لنا استعراض سورة "البقرة" ,وماجاء فيها من ركائز التشريع , ومكارم الأخلاق , والقصص , والإشارات الكونية , ونركز هنا على أوجه الإعجاز التشريعي في اختيار شهر رمضان لتطبيق عبادة الصيام فيه , وفي فرض هذه العبادة وجعلها ركنا من أركان الإسلام .
من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم
(1) إن شهر رمضان هو أشرف شهور السنة على الإطلاق ولذلك جاء ذكره باسمه مفصلا في كتاب الله , وهو الشهر الوحيد الذي ذكر اسمه في القرآن الكريم , بينما جمعت الأشهر الحرم- على فضلها- تحت هذا المسمى , وفصلت أسماؤها في أحاديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ( وهي ذو القعدة , وذو الحجة , والمحرم , ورجب ) والتي كان العرب منذ القدم يحرمون القتال فيها , كأحد بقايا الحق القديم الذي أنزله الله- تعالى- هداية لعباده المؤمنين , ثم انحرف العباد- في غالبيتهم عنه .
(2) عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن القرآن الكريم نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا , وكان ذلك في ليلة القدر من شهر رمضان في أول سنة من البعثة المحمدية الشريفة , ثم أنزل بعد ذلك مفرقا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحسب الوقائع على ثلاث وعشرين سنة .
(3) يؤكد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن جميع ما نعلم من رسالات السماء أنزل إلى الأرض في شهر رمضان , فقد روى الإمام أحمد عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: " أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان , وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان , وأنزل الإنجيل لثلاث عشر خلت من رمضان , وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان " .
(4) هذه الحقيقة تؤكد أن تعظيم شهر رمضان ليس فقط لفرض الصيام فيه , بل لسر يعلمه الله- تعالى- مما جعله مناط اختياره- سبحانه وتعالى- له لإنزال جميع ما نعلم من رسالاته السماوية في هذا الشهر بالذات ,وربما يكون ذلك هو من مبررات تشريع الصيام في شهر رمضان- على جلال عبادة الصيام وقدرها عند رب العالمين لأنها أحب العبادات الى الله- فعن أبي أمامة- رضي الله عنه- أنه قال : أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقلت : مرني بعمل يدخلني الجنة , قال: " عليك بالصوم فإنه لا عدل له " ثم أتينه الثانية , فقال: " عليك بالصوم"
(أخرجه كل من أحمد , والنسائي والحاكم ) .
وعن سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : " لا يصوم عبد يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفا"
( أخرجه الجماعة , إلا أبا داود) .
وعن سهل بن سعد أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "إن للجنة بابا , يقال له الريان , يقال يوم القيامة : أين الصائمون ؟ فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب "
( أخرجه الإمامين البخاري ومسلم) .
(5) إن إنزال جميع ما نعلم من الكتب السماوية في شهر رمضان فيه تأكيد على وحدة رسالة السماء , وعلى الأخوة بين الأنبياء ,وبين بني آدم جميعا ,وذلك كله منطلق من وحدانية الخالق- سبحانه وتعالى- فوق جميع الذين خلقهم في زوجية واضحة حتى يبقى الله- تعالى- متفردا بوحدانيته .
(6) إن اختيار شهر رمضان لإنزال جميع ما نعلم من رسالات السماء فيه تأكيد على أنه أشرف شهور السنة على الإطلاق , فكما فضل الله- تعالى- بعض النبيين وبعض الرسل على بعض , وفضل بعض الأفراد العاديين على بعض , فضل بعض الأماكن وبعض الأزمنة على بعض , فجعل مكة المكرمة أشرف بقاع الأرض , يليها في الشرف مدينة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم بيت المقدس الذي ندعو الله- تعالى- أن يعين أمة الإسلام على تحريره من دنس اليهود .
ومن تفضيل بعض الأزمنة على بعض جعل ربنا- تبارك وتعالى- يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع , وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة ,وجعل العشر الأواخر من ليله أفضل عشرة ليال في السنة , وجعل أشرفها على الإطلاق "ليلة القدر" التي جعلها ربنا- تبارك وتعالى- خيرا من ألف شهر ,( أي أن العبادة فيها تفضل العبادة في أكثر من ألف شهر , وهي تزيد على 83 سنة ) . وفي المقابل جعل ربنا- سبحانه وتعالى- الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة أفضل عشرة أيام ( بمعنى النهار) في السنة , وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة .
(7) من هنا كان تأكيد القرآن الكريم على فضل شهر رمضان الذي قال ربنا- تبارك وتعالى- فيه : "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.....*".
( البقرة:185 ).
(8) وكان المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يبشر صحابته الكرام بمقدم شهر رمضان بقوله : " قد جاءكم شهر مبارك, افترض الله عليكم صيامه , تفتح فيه أبواب الجنة , وتغلق فيه أبواب الجحيم , وتغل فيه الشياطين , فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم "
( أخرجه كل من أحمد , والنسائي والبيهقي ) .
(9) في قوله- تعالى- ".... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ....*" المراد بالشهود هنا هو شهود الوقت , لا شهود رؤية الهلال , الذي لا يراه بالقطع كل الناس . و(شهد) هنا بمعنى حضر , ويقصد به من شهد منكم الشهر بالغا, مقيما , غير مسافر ولا مريض فليصمه أي شهر رمضان , وهذا دليل على كرامة هذا الشهر عند رب العالمين . و(الشهود) و(الشهادة) هو الحضور مع (المشاهدة) إما بالبصر , أو البصيرة , وإما بهما معا , ولكن (الشهود) بالحضور المجرد هنا أولى , ولكن (الشهادة) مع (المشاهدة) تكون أولى عند رؤية الهلال , وهي قول صادر عن علم يقيني حصل بمشاهدة البصر , أوبإدراك البصيرة , أو بهما معا .
ويأتي الفعل (شهد) بمعنى علم علما قاطعا . أو اطلع اطلاعا صادقا , أو حضر حضورا واقعا , أو أخبر وتبين إخبارا مقرونا بالعلم واالإظهار , ولذلك قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : " صوموا لرؤيته , وأفطروا لرؤيته , فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما "
( رواه البخاري ومسلم).
وعن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله عليه وسلم- يقول " إذا رأيتموه فصوموا , وأذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له"
(أخرجه الإمام البخاري).
وعنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"
( أخرجه الإمام البخاري).
وذلك لا يعني عدم الحساب , بل هو من قبيل التسهيل على الأمة في زمن لم يكن متوافرا لها شئ من المعارف والتقنيات المتاحة لنا اليوم .
وعلى ذلك فإن الرؤية تشمل إدراك ذلك بالعين المجردة , أو بواسطة الأجهزة المقربة (التلسكوبات) , أو بواسطة الحساب الفلكي , أو باستخدام الطائرات والأقمار الصناعية .
والتقدير في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشير صراحة إلى الحسابات الفلكية , وعلى كل ما هو متاح من المعارف المكتسبة والتقنيات المتطورة . والذي يعين على رؤية هلال رمضان بعد غروب يوم (29) من شعبان واستخدام كل التقنيات المتاحة هو المناط الحقيقي لإثبات دخول شهر رمضان .
ورؤية هلال رمضان إذا ثبتت في أي بقعة من بقاع الأرض , فإن ثبوتها ملزم لجميع بقاع الأرض إذا أعلموا بذلك , وذلك لأن عملية ميلاد الهلال هي حدث كوني يعم كل الأرض مع اعتبار الفوارق الزمنية .
ومن الملفت للنظر أن كلا من فقهاء الأحناف والمالكية والحنابلة يقررون بأنه لا عبرة باختلاف المطالع , فإذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على بقية البلاد لقوله- صلى الله عليه وسلم- : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وهو خطاب عام لجميع الأمة , فمن رآه منهم في أي مكان كان ذلك رؤية لهم جميعا .
ومن المعلوم أن كلا من القمر والأرض يدور من الغرب إلى الشرق , ونتيجة لذلك فإن البلاد في نصف الكرة الغربي ترى الهلال الوليد لفترة أطول من نظائرها في نصف الكرة الشرقي .
ويبقى فرق التوقيت بين أبعد نقطتين على سطح الأرض لا يتعدى (12) ساعة بالزائد او بالناقص , ومن ثم فإن اختلاف الأمة في بدء الصيام ونهايته هو ناتج عن انقسام المسلمين اليوم إلى أكثر من (62) دولة ودويلة , ولا علاقة له بالمعطيات العلمية .
كذلك فإن التغير في طول كل من الليل وانهار يتضاعف باستمرار في اتجاه خطوط العرض العليا , فإذا وصلنا إلى خط عرض (48,5) شمالا أو جنوبا فإن شفق العشاء يتصل بشفق الفجر في فصل الصيف , ويكون طول الليل حوالي أربع ساعات فقط , وهنا يلزم التقدير على أساس أقرب منطقة تنتظم فيها العلامات الفلكية أو اختيار عدة من أيام أخر .
وفي قول ربنا- تبارك وتعالى- "... فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ...*" هو أمر ملزم لكل مسلم , بالغ , عاقل , صحيح , مقيم متى رأى الهلال أو أخبر برؤيته من مصدر موثوق به .
وفي زمن تسارع وسائل الاتصال والمواصلات الذي نعيشه لم يعد هناك مجال لاختلاف الأمة في تحديد أوائل الشهور القمرية التي يرتبط بهما ركنان من أركان الإسلام هما : الصيام والحج , ولم يعد هناك مبرر لمسلم مكلف أن يحرم نفسه من بركات شهر رمضان بغير عذر شرعي , ولذلك حذر المصطفى- صلى الله عليه وسلم- من التفريط في يوم واحد من أيام رمضان فقال : "من أفطر يوما من رمضان , في غير رخصة رخصها الله له , لم يقض عنه صيام الدهر كله , وإن صامه"
(أخرجه أبو داود , وابن ماجة والترمذي).
من كل ذلك يتضح وجه من أوجه الإعجاز التشريعي في فريضة صيام شهر رمضان , وفي جعل هذا الشهر أفضل شهور السنة لاختياره من بين شهور السنة لإنزال جميع ما نعلم من الكتب السماوية فيه , فالحمد لله على نعمة الإسلام , والحمد لله على نعمة القرآن , والحمد لله على بعثة خير الأنام – صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين- وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


حمد بن صالح ألحضرمي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2014-08-04, 02:48 AM   #3
اطياف راحله
قلـــــم جديــد
 
تاريخ التسجيل: 2014-08-04
المشاركات: 1
افتراضي

جزاك الله كل خير


العاب
اطياف راحله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أسرار, القرآن, رمضان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نغمة جوال رمضان من أقوى النغمات الأجمل لشهر رمضان رائعه جدا ومميزه بتول الشرق منتدى الهواتف المتحركه (الجوال) 0 2013-07-08 12:07 PM
هدية أول أيام رمضان 2011 رنه حديثه وتحدي نغمة أهلا هلا بك دوم يا فرحة المسلم رمضان بتول الشرق منتدى الهواتف المتحركه (الجوال) 0 2011-08-01 10:26 AM
أحدث وأجمل وأقوى نغمات شهر رمضان 2011 رنة يا حبي ليك رمضان شهر الرحمه والغفران مذهله بتول الشرق منتدى الهواتف المتحركه (الجوال) 0 2011-07-31 10:32 AM
رابط لموقع يتلى فيه القرآن الكريم 24 ساعة تسمع القرآن الكريم بمجرد فتحك للموقع بندرالفضيلي المنتدى الاسلامي 8 2010-11-13 06:21 PM
كيف تختم القرآن الكريم في رمضان صقر الجنوب منتدى الخيمة الرمضانية 2 2008-09-10 02:50 AM

=
Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 

تنـويـه
بسم الله الرحمن الرحيم

نحب أن نحيط علمكم أن منتديات الضالع بوابة الجنوب منتديات مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي بل إن الإنتماء والولاء التام والمطلق هو لوطننا الجنوب العربي كما نحيطكم علما أن المواضيع المنشورة من طرف الأعضاء لا تعبر بالضرورة عن توجه الموقع إذ أن المواضيع لا تخضع للرقابة قبل النشر