عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-01-09, 09:42 AM   #21
حيد حديد
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-06
المشاركات: 13,431
افتراضي

ليس هناك من شك أن الربيع العربي بدأ يلملم أشياءه في حقائب السفر نحو التاريخ وليس المستقبل.. وأهم بضائع الربيع العربي التي تدخل صرره وحقائبه هي لغته ..اللغة التي باعها لنا كلمات وعبارات طنانة وجملا موسيقية كأي منتج جديد وحكاية أسطورية وفيلم مشوق .. حيث كانت الشعوب تقف بالدور وبازدحام لمصافحة اللغة الجديدة والحصول على بركتها وكتيباتها الثورية وبياناتها الأولى ومفرداتها المقدسة .. مثل الحرية ..الديمقراطية ..صندوق انتخاب .. والسلمية .. والشعب يريد .. وجمعة الغضب ..وجمعة الرحيل ..وارحل ..والمتظاهرون السلميون.. ثورة الكرامة ..الشبيحة ..الانشقاقات ..الربيع .. الخ..
وفي حقائب السفر جرائد عربية واعلام .. ومنشقون .. ومثقفون وكتاب كثر صدأت أقلامهم .. وأقلام متسولة على أعتاب الأمراء.. ومحللون سياسيون وعسكريون صارت كلماتهم شاحبة نحيلة منهكة من كثرة الركض والهرولة يوميا وبنفس الروتين والرحلة لقبض الرواتب والمال.. فكم هي الآن مثلا شاحبة عبارة (رحيل الأسد) لكثرة ماركضت منذ قرابة سنتين على ألسن الصحفيين وجماعة الربيع السوري .. وكم هي منهكة عبارة (تفكك سوريا) التي تقف على السطر وهي تلهث وتثبتها الجزيرة والعربية بالمسامير والسلاسل كيلا تهوي .. وكم عبارة (الحرب الأهلية السورية) مصابة بالصرع والغيبوبة.. وعبارة (نقل السلطة) صارت عبارة بلا ذاكرة وبلاعذرية بعد أن خلعت ثيابها في الطريق وضاجعها كل الكون على منصات كل المؤتمرات.. وكم هي مصابة بنقص التغذية الشديد عبارة (مرحلة مابعد الأسد) ..
أما أكثر الكلمات التي تحتضر على نقالة الصحافة فهي عبارة (تدخل تركيا والناتو) التي تكتب وصيتها رغم العلاج الكثيف وآخر جرعاتها مؤتمر كلينتون وأوغلو.. فيما عبارة (تغير الموقف الروسي) توفيت منذ زمن وأصحابها يصرون على عدم دفنها وتقبل التعازي ..ووحدها عبارات فيصل القاسم هي التي بقيت تتحرك بحيوية لأنها معروفة باختلالها العقلي .. وقد قررت أن تلبس ثياب المهرجين المضحكة وأنوفهم المدورة الحمراء وأصباغ الوجه وباروكة فيصل لاضحاكنا بعد حفلات الملاكمة والمصارعة ..
الأهم من كل هذا أن هناك لغة جديدة ظهرت شئنا أم أبينا هي لغة أملاها علينا وعلى كل المراقبين أداء مقاتلي الجيش العربي السوري... انها لغة الأقوياء والعمالقة.. مثل مصطلح "سحق" المجموعات المسلحة .."تطهير" .. "اقتلاع" .."اجتثاث" .."ابادة" ..ملاحقة "الفلول" ..المجموعات التكفيرية .. الارهابيون ..الفارون ..المجرمون ..استسلام القتلة والمرتزقة .. ويبقى "الانسحاب التكتيكي" تعبيرا فرضه الجيش السوري على المعارضة .. الانسحاب التكتيكي الذي صار نتيجة حتمية تتلو كل تحرك للجيش السوري الوطني نحو ثورجيي الناتو..اننا أمام ولادة لغة جديدة بعد دمار لغة الربيع .. واننا أمام هدير قادم لثقافة جديدة هي ثقافة المواجهة الشاملة واسقاط الأفكار التي يملأ السم بطنها و"يرجرج" كقربة الماء..
حيد حديد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس