الدكتور أحمد علي عبداللاه قلم من العيار الثقيل و شخصية من معدن أصيل...
له ملكة لغوية يحسد عليها و قدرة تعبيرية تأسر القارئ و تشده إلى كل كلمة يسطرها يراعه
الدكتور أحمد علي ذو ثقافة غزيرة تستشفها من أول سطرين في مقاله...
يمتكل قدرة رائعة على سرد الأفكار و التعبير عنها و يمكنك أن تتابع ذلك مع كل فكرة يرسمها... حتى تصل إلى نهاية المقالة ليتمكم الشعور بإعادة قارئتها مرة أخرى حتى تتأكد أنك إستوعبت تماما ما يريد أن يقوله.
سوف أحاول هنا أن أقرأ بعض من أفكاره التي يسوقها في مقاله و أحاول أن أفك بعض من رموز رسائلة التي ينثرها هنا و هناك تاركا للقارئ مهمة إستنباطها و الإستفادة منها.... و المثير للدهشة و الإعجاب في نفس الوقت أن معظم إنتقاداته و نصائحه موجهة لتيار لقاء القاهرة رغم أنه نشر المقال في صحيفة "الفيدراليين"... و هذه بحد ذاتها رسالة... فهل يفهمها المعنيون!!!
"لأنه يتوجب عند صناعة المستقبل أن نضع الغرائز جانبا ونتمثل خلائق أكثر حركية وديناميكيه"
علينا أن نغادر جمود المواقف الموزعة بين الإستقلال و الفيدرالية بل و أن نظل في حراك ديناميكي حتى نصل إلى الهدف... الجمود إنتحار للقضية الجنوبية!!
- "وان لا نضع حالنا على طرفي التضاد لان هذا النزوع ينتمي لعوالم لاعقلانية ذهبت بنا إلى حضيض قاس"
رسالة لبروكسل و القاهرة... بأن يكون الموقف الجنوبي تكاملي... و نقطة الإلتقاء أو نقطة التكامل لن تكون إلا بتقرير المصير و أن يكون الشعب هو الحكم و هو المرجعية في حالة الإختلافات المصيرية
- "لقد ظلت جماهير الجنوب لحقبة غالية من تاريخها تعلق مصائرها على أكتاف نخبة حكام ما انفكت تقودهم نرجسية القدرة، وهاجس فرادتهم، وهوسهم النظري، أو لنقل قناعتهم بأنهم وحدهم من يستطيع أن يفعل أموراً عظام من اجل الشعب.،وكان التاريخ يكذبهم كلما انقشع الرماد وتوسعت لفحة جمر بعده جمر."
و لا زالت جماهير الجنوب تعلق مصيرها على أكتاف تلك النخبة... فإلى متى؟!!!
- "هدف يبنى على إرادة شعب الجنوب باعتباره وحده من يحدد مصيره . ودون التماهي أو تغليب إرادة الخارج الإقليمي أو الدولي بشكل مفرط او عاطفي، وان لا تزيد سماكة الحجج " العقلانية " أو ما يسمى بفن الممكن بحيث تصبح هي الأساس ذات اللون السائد في المشهد المصيري"
رسالة واضحة لأطروحات كررها العطاس بأن الفيدرالية هي المتاح في الوقت الحالي... الدكتور أحمد علي يؤكد بأن الهدف يجب أن يُبنى على أساس حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره مهما كلف ذلك من ثمن... إنه لعمري لرد جميل على عبارة تتكرر على ألسنة و أقلام مروجي الفيدرالية بأن السياسية فن الممكن و يعتبرون ذلك منتهى الحكمة و الدهاء... بصراحة كنت أفكر في الكتابة للرد على مقولة "السياسة فن الممكن" و لا بأس أن أفعل ذلك هنا جزئيا على الأقل... السياسة فن الممكن هي مقولة الضعفاء و الخانعين الذين يبحثون مقدما عن مبرر للفشل ينطبق عليهم ما قاله أبو القاسم الشابي
و من لم يعانقه شوق الحياة **** تبخر فيها و إندثر
السياسة هي فن تحويل الغير ممكن إلى ممكن... و إلا... فهل ممكن أن تبقى كوبا إشتراكية لما يقارب النصف القرن و هي على بعد أميال من أمريكا... و هل كان ممكننا أن تنتصر فيتنام على أمريكا و ينتصر حزب الله على إسرائيل و أفغانستان على الإتحاد السوفييتي و تستقل تيمور الشرقية عن أندنوسيا و أن نرى حسني مبارك في قفص الإتهام... و ... و .... لماذا نحن فقط من علينا أن نقبل بالفتات بدعوى فن الممكن؟؟؟
نعم يا دكتور أحمد "لم يحصل في التاريخ أن ثارت الشعوب على طريقة فن الممكن بل أن الدماء صنعت المستحيل".
- "أن أي اعتبارات أو ظروف مهما كان حجمها وخلفياتها لا يمكن السماح لها بان تتجاوز هدفاً كانت قد رفعته جماهير ثورة الجنوب"
مقولة الفيدراليين عن الوصول إلى الهدف بأقل الخسائر كادت أن تجعل الهدف هو تقليل الخسائر بدلا من إستعادة الدولة و توارى هدف إستعادة الدولة الذي رفعته الجماهير و قدمته من أجل قوافل الشهداء و الجرحى و المعتقلين إلى الوراء كأنه هدف ثانوي للحراك السلمي.
"أن العودة للجماهير من اجل تحقيق مصيرها هو ما يجب أن يعلو الآن وفي المستقبل لان الزمن هو ربيع الجماهير وليس غيرها"
نعم قلناها و كررناها مرارا.... الشعب يريد تقرير المصير... يجب أن نرفع هذا الشعار فوق كل الشعارات الأخرى و على هذا الهدف يجب أن نجمع لقائي بروكسل و القاهرة... سواء كنت إستقلاليا أو فيدراليا عليك أن تقبل الإحتكام للشعب و الخضوع لإرادته و الإستجابة لمطالبه... و تستجيب لرغبته التي يعبر عنها بإستفتاء شعبي تحت إشراف دولي!!