عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-05-02, 08:34 AM   #16
الفجر الباسم
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-09-06
المشاركات: 28,580
افتراضي

سرد لوقائع وأحداث بدايات ثورة الجنوب يسردها رفيق الزنزانة الرائع .. الشاعر والأديب عباس محمد باوزير
----------
من الذاكرة .. 27 ابريل 1998م ( 1 )
عشية ليلة السابع والعشرين من ابريل 1998م كنا فى اجتماع قيادى بسطح مبنى منظمة الحزب الاشتراكى بحى العمال ( شرج باسالم بالمكلا) نتدارس الوضع القيادى لما بعد فعالية الغد , وقد اوكلت للاخ سالم احمد الخنبشى ( عضو المكتب السياسى للاشتراكى حينها) تسلم القيادة , .. تم ترتيب صفوف القيادة الثانى والثال حتى الرابع , تحسبا لاعتقال الصفوف الاولى ..!!
اثناء الاجتماع وصلنى اتصال هاتفى يخبرنى ان عائلتى قادمة من عدن, وكان علي ان اسارع بالاستئذان لايصال العائلة الى غيل باوزير ..
غادرت مقر الحزب الاشتراكى فى معية الاخ حسن باعوم الذى ودعته عند (فرزة الغيل وكانت ساعتها بموقع شرطة الديس -- باناعمه) ..
لم اجد سيارة .. وبعد انتظار قدم الاخ ( الشهيد) فرج مرجان بن همام بسيارته وقبل ان يقلنا بالسيارة الى الغيل . فى الطريق اخبرته بالفعالية التى نعتزم اقامتها بالغد وان علي ان اعود الى المكلا بعد ايصال العائلة الى الغيل فقبل باعادتى وقال انه سيحضر الفعالية وان الجنوب فى قلوبنا واننا (حد قوله) سنحميه بدمائنا وارواحنا ... نزلت كلماته بردا وسلاما عليَ , أذ كيف لي ان اجد سيارة الى الغيل ناهيك باعادتك الى المكلا مرة اخرى ...
عدت للمكلا وفى المقر واصلنا عملنا الاعلامى فى التواصل مع وكالات الانباء المحلية والخارجية بالذات التى كنا نعول عليها الكثير حيث ان معظم وسائل الاعلام المحلية بين منبطح ومترد او مألفة قلوبها !!!
ما ان بدأنا بالعمل حتى كانت جحافل من الجنود متعددة التوجه والانتماء والملابس العسكرية بما يوحى ان هناك اجهزة امنية متعددة قد ارسلتها .. حوصر المقر الذى كان بابه مغلقا والحمد لله وظلننا فى الحصار حتى صبيحة اليوم التالى 27 ابريل (وكان يوم اثنين اذا اسعفتنى الذاكرة)
رغم الحصار الا ان العمل ظل بنفس الوتيرة والزخم .. كنا واخى فؤاد محمد بامطرف رحمه الله والصحفى بصحيفة الثورى آنذاك الاخ عرفات مدابش واستاذنا ناصر سرور وحارس المقر الاخ عوض جماع الذى كان يومها مصابا بالملاريا ويرتجف من الحمى
قطع عنا الاكل ولم نذق الطعام .. حتى الاكياس التى كان الاخوان يرمونها من سطوح المنازل المجاورة تمت مصادرتها بعد ان استولى الامن على تلك السطوح لمنع ايصال الغذاء الينا , لولا بعض الدقيق الذى كان الحارس قد اشتراه بغية ارساله لاهله فى ميفع حجر ...
طلع الصباح فى اليوم التالى ولازال الحصار على أشدّه .. والجوع قد أخذ منا كل مأخذ ..
حاول الاخ عرفات ان يفك الحصار عنا خصوصا بعد ان اعتقل الاخ ناصر الذى خرج مبكرا من المقر
لم تنفع محاولة عرفات وحجته ( باعتبار انه شمالى) ان تشفع له , وهنا اتذكر ان احد الجنود قال له كيف تبقى مع هؤلاء الانفصاليين فقال ان الدحبشة سلوك وليست جغرافيا !! فقبض عليه واودع المعتقل
حاول الجنود اقتحام المقر بالقوة ولكنا سدّينا الباب الخارجى ببرميل ليكون حاجزا بين الباب والسلم (كانت المسافة كافية للبرميل ان يكون السد المنيع للاقتحام) بينما قام الاخ فؤاد بالعبث ب(كيلون قديم -- مغلاق باب) الذى اصدر صوتا كصوت قرقعة السلاح وهو الامر الذى جعل الجنود يتهاربون من امام الباب الى الشارع ويحكموا الحصار ... من بعيد
عندما قاربت الساعة الرابعة عصرا موعد انطلاق المسيرة امطرنا الجنود بعشرات القنابل المسيلة للدموع والخانقة التى انهمرت علينا من النوافذ وسطح المقر لتحيل نهار ذلك اليوم الى ليل من كثرة الدخان وعشيّت علينا الرؤية , فما كان منا الا دخلنا تحت رشاش الماء ليبلل رؤوسنا علنا نتجنب رشح وحرارة القنابل التى خفف الماء بعض من أذاها
عندها سمعنا جلبة كبيرة بالخارج تلمسنا طريقنا الى النوافذ لنرى الاخ حسن باعوم والجماهير متجهة صوب الجنود الذين ما ان رؤوهم حتى لاذوا بالفرار وتحرك القائد باعوم والجماهير ناحية المقر الذى كان بابه موصدا ...
اسرعت الى الباب , وما ان ازحت البرميل حتى سمعت جلبة صوت تكسير الباب لاجد الاخ عوض جوبان ( البطل) امامى بعد ان وجه رفسة قوية للباب ومعه القائد باعوم و... منها مباشرة الى الجسر حيث المسيرة ستبدأ فى الانطلاقة
ما ان وصلنا الى موقع الانطلاقة تحت جسر الشرج اذا بالجنود صفوفا فى مواجهتنا ومن اسطح ونوافذ المنازل المقابلة للجسر من الجهة الثانية .. وانهمر علينا الرصاص وابلاً لم ينقطع ... سقط حينها الاخ عمر احمد بارجاش على طرف الجسر من الجهة المقابلة وكان على مقربة من رتل الجنود ..
ابلغت الاخ حسن باعوم بان هناك من سقط ..
تحرك الاخ حسن مباشرة اليه وحمله الى سيارة كانت بالقرب من الجنود .. وكانت طقما عسكريا !! وقال بلهجة آمرة لا تقبل جدالاً للسائق تحرك
وبالفعل تحرك السائق الى مشتشفى حضرموت ليعود باعوم مرة اخرى الى الجسر
استمر الرصاص دون انقطاع ( وكنت حتى اللحظة لم اعتقد ان ما يرمى علينا من رصاص كان ذخيرة حية !! )
وفجأة استقرت رصاصة بركن محل تجارى ( معرض دبى ) لتحفر فى الجدار وتنزع عنه قشرة .. حينها ادركت اننا مستهدفون !!
تعالت صيحاتى للاخوة الذين كانوا بجانبى وهم الاخ فرج مرجان بن همام ( الشهيد) والاخ محمد سعيد الدباء (من غيل باوزير) بالاختباء بين البيوت من الرصاص
ما ان استدار للخلف الاخ فرج وكنت بجواره حتى استقرت رصاصة غادرة فى ظهره لتخرج من قلبه مخلفة فتحة كبيرة ......... حاولت بطريقة لا شعورية رفعه كما فعل اخى محمد الدباء كذلك ... جاءت يدى على ساعته التى لم تستطع تحمل ثقل الجسم فينكسر سوارها ويسقط الشهيد ... وياتى حسن باعوم ويحمل الشهيد الثانى الى مستوصف الامل القريب ... و....
واعود للغيل مساء لاكتشف وقتها اننى دون ماكل طيلة يوم كامل ويزيد !!
وتبدأ مرحلة جديدة من الاعتقالات والمطاردات والاقتحامات للبيوت ... وكوابيس لم تنقطع.


الفجر الباسم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس