عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-05-06, 12:11 PM   #342
الشنفره
قلـــــم ذهبـــــي
 
تاريخ التسجيل: 2007-08-26
المشاركات: 4,549
افتراضي

مواجهة الجنوب بصمت الشمال وثورة الجياع بالوحدة
محمد علي محسن
كيس القمح صعد سعره 3 أضعاف قيمته قبل نحو عام من 2200 ريال، عبوة الأرز والأدوية وغيرها من المواد الضرورية ارتفع سعرها خلال مدة وجيزة لأعلى ما يمكن تخيله. السؤال كيف وصل الكيس الدقيق إلى مشارف الثمانية آلاف ريال دونما ضجيج أو احتجاج؟! أين كان الجميع وقت موجة الإعصار هذه والتي من شدتها استشعر بها الكل بل وأحدثت بهم الذعر والخوف والجوع، ومع ذلك لم تحرك ساكناً وكأن ضحاياها في بلد آخر غير اليمن؟!
الإجابة أننا بلا استثناء نقاوم ونناضل ولكن في سبيل الحفاظ على الوحدة القائمة أو رفضها أو العودة عنها إلى حدود الدولتين الشطريتين، وبدلاً من أن تكون المعركة الاقتصادية هي الجبهة الجامعة لكل الفرقاء المختلفين في مناهضتهم للنظام السياسي المستحكم على البلد بذات الإدارة والعقلية العتيقة والفاشلة، رأينا بالمقابل هذه الجبهة القوية والمؤثرة وهي في حالة انحسار وتراجع وضعف إلى أن رفع من بقي في ميدان المواجهة راية الاستسلام أو فضل الانتقال إلى جبهة الجنوب المحتدمة سياسياً وإعلامياً وديمقراطياً ووطنياً ودولياً.. يبدو أن عنفوان الغليان الشعبي الجنوبي كان حاسماً وفاعلاً في المجمل، عندما يتعلق الأمر بالوحدة فيستوجب من الشمال التوقف لبعض الوقت ريثما يطفئ النظام الحريق المستعر في الجنوب، لا أحد في مثل هذه الظروف بمقدوره فهم ما يجري حوله وإذا ما أدرك شيئاً فإنه مضطر لنسيان معدته وجوعه.
ذات تظاهرة شعبية حدث أن وجد قرص الرغيف وكيس الدقيق الفارغ وهما محمولان وسط جملة المطالب، بعدها لم نشهد حضوراً للخبز، فيكفي القول هنا إن القضية الجنوبية أكبر من اختزالها بالمعيشة والغلاء لذلك السبب توارت أية هتافات أو مطالبات من هذا القبيل وتحديداً منذ قيام أحد المتنطعين بتمزيق وقذف الخبز في الأرض ولكأنما الغلاء والرغيف والفساد مشكلات شمالية خالصة ولا علاقة لمجتمع الجنوب بها، في كلا الحالتين يصعب الفصل ما بين وجود الجنوب في الوحدة السياسية المقصية شراكته فيها وبين معاناته المعيشية المتشارك بها مع عامة المجتمع المتوحد معهم، ربما قدرة النظام أكبر من إمكانيات انتفاضة بلا وجهة أو غاية أو مشروع محدد المعالم، لذا استطاع الأول جرجرة خصمه إلى الزاوية الضيقة التي يسهل الإيقاع به. لا يكفي أن تكون صاحب حق أو قضية عادلة، فحتى القضايا المشروعة بحاجة لخطاب قادر على الإقناع والتأثير وكسب التعاطف، وليس كما حصل عند التعبير عن هذا الحق في الشراكة والوجود الوطني والوحدوي.
الناظر في ما آلت إليه النتيجة بعد عام من انتفاضة الجنوب سيجد نفسه أمام مشهد عام انتصرت فيه القوى التقليدية على الجنوب والشمال، نعم ثمة أشياء انتزعها حراك الجنوب ما كان للأحزاب السياسية تحقيقها على المدى القريب، إذ يكفي الإشارة هنا إلى سقف الحريات والمطالب التي تم رفعها، علاوة على إعادة قضية الوحدة المختلة المشاركة والمصلحة إلى الوجود والنقاش والمعالجة الجزئية لجوانب الخلل، رغم الأشياء المحققة على الصعيد الحقوقي والنضالي والديمقراطي وجميعها لم تقتصر على محافظات الجنوب بل امتدت لكل المحافظات اليمنية. ما هو مؤسف في الحراك تمثل بغياب الرؤية الجمعية المناهضة لكل الأوضاع المتردية، ربما غياب المشروع والقيادة الجديرة بالحراك الشعبي جعل العملية بمصلحة من يحكم حيث كان لهذا الغياب أثره في جوانب حياتية وسياسية مهمة ساعدت في مجملها السلطة السياسية في أن ترحل كثيراً من الاستحقاقات السياسية والديمقراطية والتنموية، علاوة على تنصلها من التزاماتها وواجباتها الانتخابية والإدارية تجاه المجتمع الذي تحكمه ويعاني من مشكلات عدة كالفقر والغلاء والبطالة والفساد والجريمة وغياب النظام والقانون وغيرها من القضايا التي تم تجاوزها وربما أهملت في زحمة انشغال الجميع في مواجهة الخطر القادم من الجنوب.
المتأمل في النتائج سيخلص إلى أن النظام العسكري القبلي هو الكاسب الأكبر من جل المعركة الدائرة في الشمال أو الجنوب. صحيح أن حراك الجنوب قدر له كشف مساوئ وتصدعات في بنيان الدولة الموحدة بالقوة العسكرية، وكذا خلق اصطفاف شعبي غير مسبوق، ناهيك عن انتزاعه شيئاً من الحقوق والاعتراف والتعاطف، لكنها جميعاً على حساب وحدة النسيج الاجتماعي الذي تمزقت لحمته في الحراك أكثر مما أحدثته الحرب، ضف لها أزمة اقتصادية وصلت إلى الخبز اليومي الذي ما كان سيطاله هذا الارتفاع الجنوني لولا انشغال الشمال بما يجري في الجنوب.
الخلاصة هي أن انتفاضة الجنوب حوصرت في مساحة ضيقة عندما أهملت حاجة الشمال وحاجتها لقرص الرغيف والوظيفة والعدلة، وبالمقابل فضل الشمال الصمت والاستكانة والهواجس في تعامله مع ما يحدث في الجنوب على الرغم من حاجته أيضاً للوحدة الوطنية الحقيقية مع الجنوب أو ذاته. ما فعله النظام هو ضرب الاثنين بحجر واحد: مواجهة الانفصال بصمت الوحدة، وإخماد ثورة الجياع في الشمال والجنوب بطوفان تقرير المصير واستقلال الجنوب.
__________________
الشنفره غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس