عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-01-09, 10:09 PM   #37
علي المفلحي
عضو مجلس الإدارة
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-22
الدولة: جمهورية الجنوب العربي
المشاركات: 41,823
افتراضي

يافع نيوز – الاشتراكي نت ” المحرر السياسي ”

عندما بدأت ملامح الدولة الحديثة تتبلور في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، متضمنة المقدمات الضرورية لحل القضية الجنوبية، هبت القوى المعيقة لبناء الدولة من كل حدب وصوب لإعاقة استكمال المشوار على هذا الطريق . خرجت من جحورها وكهوفها ومن قواقعها لتلتقي عند نقطة رفض بناء الدولة ولكن بعناوين مختلفة .

العنوانان اللذان شكلا قاسما مشتركا لهذا اللفيف من الرافضين هذه المرة هما- كما يدعيان – الخوف على الوحدة والغيرة على الهوية. ظل هؤلاء يرفعون “الوحدة” و “الهوية ” في وجه بناء الدولة فيما كانوا يعملون في الوقت ذاته على تدميرهما في الواقع وفي الوعي الشعبي كمتلازمتين لا قيمة لهما بدون الدولة. استخدموا “الوحدة ” المنكسرة و”الهوية” المتصدعة في حروبهم للسيطرة على السلطة والثروة…يستدعون “الوحدة” و”الهوية” في اللحظة التي يستجمع فيها الشعب إرادته للسير في طريق بناء الدولة وذلك لتشتيت هذه الإرادة وتخطي لحظة الولادة لإغراق البلد في فوضى اللادولة وهي الفوضى التي لا تحمي وحدة ولا تحافظ على هوية. فما الذي تعنيه الوحدة بلا دولة وما هي قيمة الهوية بدون الدولة ؟؟

هذا شأن الذين خرجوا من جحورهم وقواقعهم في هذه اللحظة ليملأوا الدنيا ضجيجا حول تمزيق اليمن الذي لم يمزقه أحد سواهم ولم يستنزفه ويغرقه في البؤس غيرهم.. وهو أمر لايستعصى فهمه أو إدراك مراميه على أحد ، ذلك أن رفض هؤلاء لدولة القانون موضوع قديم ، فهو متجذر في بنية مصالحهم الخربة التي تتعاكس موضوعيا مع هذه الدولة وتجدهم سرعان ما يعيدون بناء فكرة الرفض تلك بمضامين تحمل عناوين اللحظة.

ولكن ما بال أولئك الذين شغلوا الدنيا بالحديث المنمق عن الدولة المدنية الحديثة ودولة القانون والعدل وأخذوا يقرعون الأجراس إيذانا بقيامها، وفي اللحظة المناسبة ضلوا الطريق، ذهبوا إلى الدواوين التي تطبخ هزيمة الدولة والوحدة والهوية معا، ومن داخل هذه الدواوين خرجوا حاملين رفات “مشروعهم” في صورة نفايات هي مزيج من التحريض والتدليس المتسم بالرخص الذي يطفو فوق دعاوى مشبوهة لحب الوطن والخوف عليه من الاتحادية والأقاليم ، اعتبر هؤلاء تعويض الجنوبيين عما لحقهم من غبن وانتهاكات وتهميش من قبل سلطة حرب 1994 تمييزا يعرض الهوية للخطر.. إنها ثرثرة وتكرار ممجوج وممل لأحاديث أولئك الذين حولوا الوحدة إلى كابوس، والهوية إلى قرصنة لقمع التنوع، والدولة إلى سخرية تلوكها ألسنتهم في دواوين القات.

ما أبشع أن يرفع شعار “حب الوطن” فوق حاملة مصنوعة من جراح شعب مغلوب ومطحون ومقهور كان الجميع إلى وقت قريب يتحدثون عن قضيته العادلة التي يجب أن تحل ليبقى اليمن موحدا ، وعندما بدأت ملامح الحل الجزئي تطرح وباستحياء إذا بهم يتجمعون في لوحة تتقارب فيها اللغة المقاومة للحل بشبكة عنكبوتية من المفاهيم الأقرب إلى العصبية ، وربما العنصرية ، منها إلى حب الوطن كما يدعون .. وفي سياق هذه الشبكة العنكبوتية من المقاومة العصبوية لايجد البعض ما يحاجج به المشروع السياسي الذي لا يرتاحون له سوى استدعاء الأسلوب الرخيص نفسه ليقفزوا به فوق الموضوع إلى الشخصنة بالفهلوة المعهودة ممن لا يتميزون عن غيرهم من دعاة “الوحدة” و”الهوية ” بشيئ مختلف. هؤلاء يجسدون في لحظة المواجهة حالة تلبس مزرية لا تعني لهم “الوحدة” فيها غير قشة إنقاذ من العجز الذي يضعهم في المكان الصحيح من أنفسهم المذلة والمقموعة.

ثار الجنوب مطالبا بحل عادل لقضيته، فقرروا تقسيم الجنوب إلى إقليم شرقي وآخر غربي. يعني أنهم قرروا معاقبته بدلا من حل قضيته. هكذا يقرر “الوحدويون” التعاطي مع قضية الجنوب: إنهاء وتقويض بعدها السياسي بتقسيم الجنوب. إن أخطر القرارات هي التي تتخذ في مثل هذه الأوضاع المرتبكة التي تلتهم فيها شراهة اللهث وراء المنجزات الصغيرة والهامشية الأهداف الكبرى . وعندما قال الحزب الاشتراكي إنه لن يكون طرفا في تقسيم الجنوب لم يكن يعني إنه سيكون طرفا في تقسيم الشمال .. هذا التفسير السطحي ليس له غير معنى واحد وهو أنهم يجهلون التاريخ السياسي للجنوب وأهمية توحيده كخطوة نحو توحيد اليمن وضرورة بقائه موحدا كي لا يتشظى اليمن. إن الدعوة لتقسيم الجنوب هو فخ ليس له أي صلة بقيام الدولة الاتحادية بقدر ما أنه خطوة نحو إعادة تفكيكه بما يرتبه هذا التفكيك من مخاطر على اليمن بشكل عام.

لم يظهر هؤلاء “الوحدويون” أية نوايا جادة لبناء الدولة حتى يطمئن اليمنيون، بمن فيهم الجنوبيون، لمشروعهم التقسيمي المهلهل خاصة وأن تاريخهم من بناء الدولة لا يقدم دليلا كافيا على أي قدر من الجدية على هذا الصعيد .. فهم يرفضون السير في هذا الطريق بضمانات حتى يتم تشكيل الأقاليم حيث يتحدثون عن انتخابات بطريقة غوغائية سابقة لإنجاز ترتيب وضع الأقاليم وهو أمر لا يفهم منه شيئ سوى أنهم يحرقون الخطوات للوصول إلى السلطة وبعد ذلك يحلها الحلال.

لامكان للدولة في أكذوبة الدفاع عن “الوحدة” و”الهوية” عند هؤلاء سوى أنهم يستبطنونها الأهداف الحقيقية لمشروع حرب 1994. يحكي أحد مشايخ صعدة الطيبين أنه زار عدن في أحد الأيام بعد حرب 1994وكانت حالة الغليان قد بدأت تجتاح الجنوب والتقى بالصدفة بمجموعة من المثقفين في فندق عدن حيث يقيم وسمع منهم ما لم يكن يتوقع أن يسمعه عن ممارسات سلطة الوحدة والوحدويين فحمل ذلك إلى معاشق حيث كان ينزل زعماء الحرب الوحدويون وكانوا قد فرغوا من غذاء كامل الدسم يحتاج إلى مهضم غير الكلام الذي سمعوه منه عن معاناة الناس وما نقله إليهم من استياء فما كان من أحد كبرائهم إلا أن قال له : “يا شيخ نحنا ننزل عدن نفتهن ما نشتي نسمع هذه الكرب، روح خذلك جونية رز وسكر وشاهي وراشان مثلما يقولوا أصحاب عدن وادخل أي مكان افتهن وارجع نتحاكا ” . على فكرة استخدمنا كلمة “مكان” بدلا من الكلمة الحقيقية التي استخدمت والتي تحمل إساءات بالغة. غادرهم الرجل مذهولا.. وكان ذهوله أصدق تعبير عن أكذوبة “الوحدة ” و”الهوية” لديهم والخطوط الحمراء التي لطخوا بها كل ما تبقى من ممكنات لتحويل هذا البلد إلى وطن
علي المفلحي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس