عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-05-24, 09:36 PM   #4
سفيان
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2007-12-01
المشاركات: 2,297
افتراضي


الرئيسيةانفصال اليمن.. النداء الأخير للإنقاذ

مهنا الحبيل : بتاريخ 21 - 5 - 2009 دخلت قضية انفصال المحافظات الجنوبية باليمن إلى بُعْدٍ جديد، تجاوز فيه الطرفان تَعْويمَ المعنى إلى التصريح به، بين مُتَّهِمٍ ومُصَرِّحٍ ومُبَرِّر، وأصبحت صنعاء في مأزق مُتَعَاظِم، إِثْرَ الاصطدام الدموي، مما حمل الرئيسَ اليمني إلى التصريح بأسلوب عنيف، وخطاب تَحْرِيضِيٍّ غريب، أعاد استخدامَ مصطلحات الرِّدة والحرب والمواجهة، في حين أنَّ الحِرَاك الجنوبي انْتَهَجَ مسارًا مختلفًا من التصعيد المدني السِّلمي النَّوعي، وتَطَوَّرَتْ حالتُه تدرجيًّا إلى قوة مُتَعَاظِمَة في الشارع الحضرمي والجنوبي عمومًا، لا يملك قرارَها أيُّ حزب معارض أو حركة فكرية إسلامية أو قومية، بل إنَّ إحدى القيادات البارزة في الجنوب هو من المُنْسَحِبِين من حزب المؤتمر الحاكم، وهو ما بَدَّدَ اتهامات الحزب الحاكم.

مَخَاطِرُ مُتَقَاطِعَة

هذا الصورة المستقلَّة لحركة القُوى الجنوبية، من المؤكَّد أنها تحوي نشطاءَ وشخصياتٍ من تَرِكَةِ جمهورية اليمن الجنوبية والثقافة اليَسَارِيَّة، غير أن هذا التَّوَجُّهَ لا يبدو بارزًا، بل إنَّه أصبح يُحتوى في هذا الاندفاع الغريب نحو بلورة خيار الانفصال كَحَلٍّ للعَلاقة بين شَطْرَيِ الوطن، وهو الوطن الذي كان مُوَحَّدًا في قَالَبِهِ التاريخي العربي القديم، مع وجود سلطنات وإمارات مختلفة، إلا أنَّ الإقليم اليمني العربي كان يمنًا واحدًا. في كلِّ الأحوال فإنَّ هذه الحالة تُعطي مؤشرًا خطيرًا لتكريس التَّوَجُّهَات الانفصالية في المنطقة، وتأثيراتها الرئيسية على حالات أخرى في الوطن العربي, والأكثر تعقيدًا وجودُ حالةٍ تمَرُّدٍ ذاتِ نزعة انفصالية أيضًا في صعدة بقيادة الحوثيين، ولو كان ذلك خارجَ النطاق الجغرافي المحدد حاليًا، لكنها نزعةٌ ذاتُ توجُّهٍ انفصاليٍّ مذهبيٍّ. كانت اليمن، ولا تزال، في علاقتها التاريخية الاندماجية بين أبناء الشعب ومدرستيه الفقهيتين في حالة توحُّد ومواءَمة مثاليَّة، غيرَ أنَّ هذا النزع الجنوبي الحاد، في حال استمراره، قد يؤثر على مُجْمَل الحالة الوطنية وتوافُقِهَا المناطقي، وبالتالي يُعرَّض المستقبلُ اليمني الهشُّ لوضعٍ كارثيٍّ، لا سمح الله.

كيف بلغ الجنوب اليمنيُّ المرحلةَ الحرجة؟

لو أننا استعرضنا تاريخ اليمن الجنوبي السابق، وعلاقته بالأوساط الشعبية، من خلال تطرُّف الحكم الشيوعي اليمني، وحالة التَّأَزُّمِ والاضطهاد والقمع التي وُوجِهَ بها أبناءُ الشعب، خاصة في قضية الهُويَّة الإسلامية التي حوربت بشراسة من خلال الحزب الاشتراكي بجناحيه الماوي واللينيني، فإنَّ ذلك الانعكاس القاتم لمعاناة الحضارِمَة وباقي الجنوب، ظلَّ منحوتًا في الضمير الوطني بكل مُعاناته التي لم تُحرَّر أو تُعالَج، وبقيت مغلَّفَةً، غيرَ مسموحٍ لها بالتعبير في كل مباحثات الوَحْدة التي باشرها الحزبُ الاشتراكي بموقفٍ خارجي يُخفي إِمْسَاكَهُ المستمرَّ لمِنْجَلِ القمع الشعبي، وهكذا وَرِثَتْ الوَحْدة هذا المَلف المُستتر، ولكنه عاصفٌ في المجتمع المدني الجنوبي اليمني ذي الثقافة الواسعة، خاصة من خلال حضارمة المهجر.

وكانت الخطيئة الكبرى التي أشْعَلَتْ هذا الملف مجدَّدًا إطلاقُ الرئيس علي عبد الله صالح وقيادات الحزب الحاكم اليدَ للتَّحميل الضِّمني لإقليم الجنوب مسئولية حرب الانفصال بين الشريكين الذين انتهت علاقتهما، خاصة في الجنوب، لشعوره ببدء مرحلة الأُفُول التاريخي، وهو ما دفعه إلى إعلان نقض الوحدة، مدعومًا من بعض الجهات الإقليمية، التي خشيت من قوة اليمن الموحَّد، وهو ما كان وهمًا لأسباب عديدة لسنا بصدد الحديث عنها.. المهمُّ أن المُفارقة في هذه الجزئية أنَّ من خشي من الوحدة بات مفجوعًا من دعوات الانفصال، بعد تبدُّل الواقع التاريخي، واحتلال العراق، وصراع الأقاليم الكبرى.

فسادٌ واستهدافٌ للجنوب

ولم تقف القضية عند هذا الخلل من رئاسة صنعاء والحزب الحاكم؛ بل إنَّ الأمرَ تطور إلى تعويم حالة الفساد الاقتصادي لمؤسسات الحُكم، لتتحوَّل إلى تقاسُم المصالح الاقتصادية في الجنوب كهِبَاتٍ تتوزع بين حيتان الفساد، وما عمَّق الأزمة وأضعف مواقف الحركة الوطنية المعارِضة هي نموُّ الفساد السياسي، ورفض الرئيس وحزب المؤتمر السماح بتغيير جديد لليمن، يخلص فيه إلى حالة إصلاح وطني مُتَدَرِّج، واستبدال الأمر بتأسيس ثقافة التوريث في كرسي الرئاسة وميراث النفوذ، وهو ما جعل مشهد العجز يسيطر على الحياة السياسية في اليمن، برغبة وسبْق إصرار من حزب المؤتمر، وهو بالضبط ما شكَّل فرصةً تاريخيَّةً لدى الجناح المتطرف في قُوَى الحِرَاك الجنوبي، لاستبعاد أيِّ خيارٍ إصلاحيٍّ وَحْدَوِيٍّ، مستشهدين بموقف صنعاء ذاتها من طرح أحزاب المعارضة.

الحلُّ المزدوج وقرارُ الرئيسِ صالح

الوضعُ الذي وصلت له الحالة الوطنية في اليمن ينتظر من الرئيس قرارًا تاريخيًا مهمًا وضروريًا بعقد مؤتمر وطني جامع، وتشكيل حكومة وحدة وإصلاح، يعطيها الرئيس ـ الذي سجَّل له التاريخُ العربي موقِفَهُ من توحيد اليمن ـ الصلاحيات الكبرى لإنجاز المهمة الوطنية، ويُعطَى فيه التمثيلُ الجنوبي التاريخي نصيبَهُ الذي حُرِمَ منه، لطرح مشروعه، وأنَّ الخلاص من دعوة الانفصال يتحقق من خلال نظام فدرالي يجمع المحافظات الجنوبية وإدارة اقتصادها، واستكمال حقها من التنمية، مع توافق لتوزيع الثروة ونصيب الحكومة المركزية، وتبقى السياسة الخارجية والدفاعُ والتعليم والثقافة في إطارها الوَحْدَوِيِّ.

هذه المساحة لأبناء الجنوب ستسحب الاحتقانَ وتُشجِّعُ أبناءهم على إدارة الحالة الاقتصادية التي ستلتقي بخبرات ورؤوس أموال مهاجرة من أبناء المِنْطقة تُنمّى فيها الحركة التجارية والاقتصادية في فضاء تنموي يُثْرِي المنطقة، وينمِّي كلَّ اليمن وفرصَ العمل لشماله وجنوبه، ويتعزز ذلك مع تولّي أبناء المنطقة المناصب الإدارية، وفق معايير الإصلاح التي يشاركون في صياغتها.

لكي يُنقذ الخليجُ نفسَهُ مع اليمن

إن إدراك مخاطر تفاقُم الأزمة والدعوة الانفصالية في اليمن على منطقة الخليج العربي لا يحتاج إلى شرحٍ في هذه الأوضاع المتوتِّرة إقليميًّا ودوليًّا، واستقبال الخليج لعهد تَوَافُقٍ جديد، تزحف فيه القوى الإقليمية توافقًا مع العهد الدولي الجديد أو رغمًا عنه، خضوعًا لقواعد اللعبة الجديدة، لذا فإنَّ المسئولية المباشرة والواجبة على مجلس التعاون إعلانُ ضمِّ اليمن للمجلس، مع دعمٍ ماليٍّ واقتصاديٍّ يخصَّصُ لمشاريعَ تنمويَّةٍ تُدَارُ خليجيًّا للشعب، ولا تسلَّم لبعض الأوساط المُسْتَشْرِي بها الفساد.

لا تفقدوا اليمن بعد العراق

إنَّ ضَمَّ اليمن والعملَ على إنقاذه ليس منَّةً عليه، بل هو عملٌ قوميٌّ إسلاميٌّ إنقاذيٌّ، واجبٌ لمستقبل المنطقة التي سَتَتَصَدَّعُ حين تفتقدُ الركنَ الثاني لأمن المشرق العربي، ودلالات ما نعيشه بعد فُقدان الركن الأول، وهو العراق، كافيةٌ، ولذا فإنَّ توقيتَ التَّحَرُّك لم يَعُدْ له مجال للتَّرَدُّد، بل أصبح من الضرورات، فلا فائدة حين يُنادَى وقد قُضيَ الأمرُ: "أُكلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض".

المصدر: الإسلام اليوم
سفيان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس