[بائع المسك]

خرافات اليمن الموحد والجنوب العربي
حسام سلطان


الأربعاء 21 سبتمبر 2011 11:11 صباحاً

[- ] تغيير حجم النص [+]
صفحة حسام سلطان
حسام سلطان rss
اقرأ للكاتب
جماعة عدن "الحبيبة"


حسام سلطان
يقال بأن التاريخ يكتبه عادةً المنتصرون ، ولذلك قد تكون عبارة مثل "حقائق التاريخ" عبارة غير دقيقة على اعتبار ان الحقائق تختلف عن الروايات المتضاربة والفرضيات التاريخية الغير مدعومة بالادلة والاثار .

بل احياناً حتى وجود آثار لحضارات قديمة في مكان ما قد لايقود الى حقائق تاريخية اطلاقاً بل الى مزيد من الفرضيات، على سبيل المثال وجود الاهرامات في مصر لايدل على من بناها بل ان بعض المسلمات التاريخية التي تقبلتها الامم لسنين مازالت محل تمحيص و نقد من قبل المؤرخين، لازلت اتذكر الجدل الذي اثارته كتب ومقالات كمال صليبي وفاضل الربيعي عن موقع فلسطين التوراتية وجدلية التاريخ والجغرافية، لذلك كان الاتكاء على مايسمى بحقائق التاريخ لحل اي خلاف سياسي متعذراً.

في اليمن حالياً حيث لايوجد منتصرون الكل عاكف فيها على كتابة التاريخ بطريقته وبما يخدم قضيته وطموحاته ونزعاته العنصرية السياسية. البعض يستند في هذه الكتابات على بيت من الشعر او قول مأثور او تصريح لاحد القادة السياسيين او على محرك البحث جوجل، اما الدوافع فبعضها من اجل الابقاء على دولة اليمن بحدودها الحالية وبنفس نظامها وبعضها من اجل تقسيم اليمن الى مناطق او دول بدوافع بعضها مشروع وبعضها مشبوه، والبعض عاكف على كتابة التاريخ من اجل إثبات هوية والبعض الاخر يبحث عن هوية غير موجودة وهكذا..

الجدل الذي يحدث الان في كثير من المحافل اليمنية حول الهوية اليمنية والجنوبية لاعلاقة له من قريب او بعيد بالعلم او الثقافة او حتى حسن الاطلاع، انما هو جدل عقيم من اجل اقناع البسطاء من الناس بخرافات تاريخية من اجل ادخالهم في نزاعات وحروب تخدم مصالح سياسية لاطراف متنازعة كثيرة. على سبيل المثال خرافة تتحدث عن ان اليمن كيان سياسي موحد منذ قديم الازل وان الوحدة التي تمت في عام 1990 بين كيانين سياسيين يمنيين جنوبي وشمالي انما هي اعادة للوحدة التاريخية القديمة المزعومة، مع ان اي مطلع على كتب التاريخ سيرى تعدد للممالك والدول والدويلات التي قامت في جنوب الجزيرة العربية بأسماء مختلفة سواء قبل الاسلام او بعده لم تسم اياً من تلك الدول بالدولة اليمنية او بالمملكة اليمنية الا في التاريخ الحديث.

اليمن وكما جاء في لسان العرب لابن منظور هي ماكان عن يمين القبلة، يعني جنوب الكعبة المشرفة ولذلك سمى الركن الجنوبي من الكعبة بالركن اليماني وهو بالمناسبة لاعلاقة له بالجمهورية العربية اليمينة ولا باتفاقية الوحدة الموقعة عام 90، بل ان لفظ اليمن وللمفارقة معناه الجنوب وهو الاسم المقابل للشام اي الشمال ومنها سمي نجم سهيل باليماني لأنه في جهة الجنوب والثريا شامية لأنها في جهة الشمال كما قال عمر بن ابي ربيعة: وسهيل إذا استهل يماني. لا ادري ماذا سيفعل اصحاب دعاوى "محاربة اليمننة" اذا ما ارادوا الذهاب للحج واستلام الركن اليماني؟ مشكلة.

كما ورد في معجم البلدان قول للمدائني: "تهامة من اليمن ومكة من تهامة وتهامة من التهم وهو شدة الحر وركود الريح يقال تهم الحر إذا اشتد" انتهى من معجم البلدان. ولذلك ذكر بعض المفتون بجواز وصف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في المدائح والقصائد النبوية بالتهامي وباليمني كذلك بهذا المعنى.

الجنوب العربي المذكور في كتب التاريخ القديم والمشار اليه بخرائط قديمة موجودة نسخ منها على مواقع كثيرة في الانترنت يشمل جنوب السعودية وعمان واجزاء من الامارات العربية المتحدة الان، بل ان بعض هذه الخرائط يمتد الى اجزاء من وسط جزيرة العرب ويشار اليه بالعربية السعيدة.

اما التداخل بين مخاليف اليمن واقاليمها عبر الدول والممالك القديمة فلايمكن حصره بمقال ولكن يكفي الاطلاع على بعض كتب التاريخ ومعاجم البلدان لمعرفة اسماء بعض الاقاليم والمخاليف اليمنية، بمعنى الجنوبية، كتاريخ اليعقوبي او معجم البلدان لياقوت الحموي.

التلاعب بمشاعر البسطاء من الناس بخرافات تاريخية ليس لها وجود وبالتلاعب بمسميات قديمة من اجل تحقيق مصالح سياسية جريمة بحق الامة اليمنية الجنوبية العربية. اليمن او الجنوب العربي درات فيها دول وقامت فيها ممالك ثم اندثرت وستقوم دول اخرى وتندثر وسيبقى الانسان وماسيخلفه من فكر وتراث حضاري.

كما كان بودي لو ان الصراع والجدل كان حول التخلص من هيمنة حكم القبيلة في شمال اليمن وجنوبه، كم كان بودي لو ان الصراع الفكري كان حول المشروع السياسي لدولة مدنية حديثة بدلاً من الاستناد على خرافات وعنصريات بغيضة. كم كان بودي لو ان الصراع كان من اجل حل القضايا المعلقة ورد الحقوق والمظالم وبناء دولة النظام والقانون والعلم بدلاً من التهديد بأن الوحدة خط أحمر او التبشير بدولة الجنوب العربي والزعم بان عاصمتها التاريخية عدن.

قليلاً من العقل يا سادة