عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-01-13, 03:13 AM   #25
علي المفلحي
عضو مجلس الإدارة
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-22
الدولة: جمهورية الجنوب العربي
المشاركات: 41,841
افتراضي

حكايات من قلب المقاومة (3)

ضاحة الرباح

احمد عثمان

دخلت جماعة الحوثي وصالح إحدى قرى القبيطة دون مقاومة و اتجهت مباشرة الى الجبل؛ كان الوقت ليلاً والجو ملبدٌ بالغيوم والقرية يلفها الحزن والقهر وعيون النساء والأطفال ترقب بهلع الكائنات الغريبة والتي يبدو عليها الجلافة والغطرسة والوحشية..
الحجة (زينب) كان صوتها يسمع الى خارج المنزل : ( الله يسلط عليكم الهوام ويقهركم ياقادر ياكريم ذلحين مو جاؤوا يدوروا مننا) ؟

صعدت المجموعة المسلحة الى منتصف الجبل حيث الموقع الهامّ ليبدأوا بحفر الخنادق وترتيب الموقع ووضع الأسلحة الرشاشة في أماكنها ، بدأوا فوراً بإطلاق النار لإرعاب الناس ، كانوا منتشين فلا وجود للمقاومة هنا فقد نجح العملاء بإقناع القرية (بالحياد) ومنع تواجد المقاومة وبعد يومين أحضروا الحوثة الى القرية تحت عنوان ( الحياد) - بالمناسبة (الحياد) أصبح عنواناً للخيانة والغدر منذ إعلان (حياد) الجيش وفتح العاصمة للمليشيا وتمريغ الشرف العسكري في وحل هذا (الحياد) السافل ؟

كانت قمة الجبل منطقة (عسرة) لا يسكنها سوى( الرباح ) والمعلومات التي أتتهم من (المتحوثين) بأن الجبل خالي، ليبدأوا ليلتهم بالزوامل و(الشعار) الموت لأمريكا... الموت لاسرائيل..

كان الجبل يكاد ينفجر من الغيظ تماشياً مع حالة معظم سكان القرية المغلوبين والذين هرعوا الى الدعاء وبدأت الحجة ( زينب) ترفع صوتها : ( الله يكسركم مثل ما كسر حمار أحمد غالب من رأس الضاحة ... وما يلقطوكن الا بالجواني .. ذلحين اليهود عندنا ؟)

قبل منتصف الليل هدأت حركة المسلحين وضجيجهم - بدأوا يستعدون للنوم والراحه والحراسة - اشتد ظلام الليل وبدأ الغيم يتكثف أكثر و معه أقبلت الوُحشة التي يتنفسها الجبل، والغيظ الذي يفيض من القرية يتسلل بشكل غريب ونادر الى نفوس المسلحين و غاب النوم عن عيونهم وأخذوا يتحسسون أسلحتهم مستشعرين خطراً ما؟! يسأل بعضهم بعضا عن شعور الخوف الذي داهمهم ليجزموا أن هجوماً قادماً على وشك الوقوع وأعتبروه حدساً مرسلاً من (السيد) ككرامة..!

كان موقعهم مخيفاً و محصناً؛ الجهة الوحيدة المفتوحة هي أعلى الجبل لكن (المتحوث) ( مهيوب العسيق )الذي أدخلهم وهو أحد أعيان القرية المجاورة كان قد أكد لهم إستحالة الهجوم من أعلى الجبل ، فهو صعب و عسر، والمدخل الممكن لصعوده هو مكان الموقع نفسه.
ومع زيادة القلق رفع قائد الموقع التلفون ليجري المحادثة التالية مع المتحوث العسيق :
كيف حالك ايش الاخبار مافيش هجوم ولا أخبار من هانا وإلا من هانا ؟

- لا إطمئن يابو صالح..
- وقمة الجبل ياعسيق ؟

- عليا قمة الجبل عليا..

- قسماً لو جاء شي والا شي منها لا يكون الثمن إلا رأسك ياثعل ؟

- انا فدا يابو(صالح ) إحنا خدامينكم هنا الله المستعان مو جاء مننا أنا يهمنا رضاكم انا (حميس) انا (فدا) ياشيخ يافندم ياسيدي ياااا ...

- بس بس إرقد إرقد يا خضعي ؛ يغلق التلفون ؟

الوقت تجاوز منتصف الليل والجماعة تتأقلم مع الظلام ووحشة المكان
وبدأ بعضهم يأخذ مكانه للنوم والآخر لخدمة الحراسة.. لم يمر سوى وقت قصير ليستيقظوا على صراخ أحد الحراسة (هجوووم )... إستعدوا هجوم من طالع الجبل، لينهضوا مذعورين على أصوات الجبل وهو ينحدر بسيل من الصخور وأحجار قاتلة وبكميات كبيرة ويلحق الصخور أصوات إنحدار لأقدام مقاتلين وهمهماتهم بصورة يبدو النجاة منها صعباً.

قال ابو (صالح) خانونا أولاد الكلب وهو يهرول نحو أسفل الجبل فاراً بجلده سبقه ولحقه أفراد المجموعة تاركين معظم السلاح والذخيرة فالهجوم النازل من قمة الجبل مرعب وواضح أنه كمين محكم هكذا فهمت الجماعة المرعوبة فأعطت لأقدامها العنان ليمروا فارين مذعورين متحاشين الدخول وسط القرية فكل حركة يعتبرونها كمين يوجه اليهم.

ابو (صالح ) افرغ عشرين رصاصة وأكثر ليقتل حمار ( محمد سعد ) التي كانت مربوطة في (حوية) جانب المنزل بمجرد أنها عطشت عطشه (تش) يقفز بعضهم فوق بعض يصرخون، يسقط أحدهم من جدار ويكسر رجله مستغيثا فلم يلتفت اليه أحد فالفرار كان سيد الموقف ليبقى الرجل يتوجع ويصرخ :
( قلي يا ابو صالح ماجاء بنا الى هانا وين اليهود الان باتهرب وتسيبني.. الله المستعان.. آه ماهذه المصيبة التي أصابتنا ) ؟

الحجة زينب مازالت مستيقظة وصعدت الى سطح المنزل وهي تسمع وترى فرارهم بغير الصورة المتعجرفة التي صعدوا بها - هم الان أقرب الى الفئران الشارده من القطط الجائعة !
قالت وهى تتابع صراخهم :
(خذلكم الله ! الله قدير شخزيكم ربي انتم واللي جابكن القرية الله يكسركم ويذرذر دمكم بالمخالف والشعاب)


الموقع مع الفجر خالياً من المسلحين الذين نجوا بأعجوبة لكنه كان ممتلئ بالسلاح والعصائر والأكل والقات ومئونة تكفي لإدارة معركة لأيام طويلة
لقد تركوا كل شيء وفروا من أمام الهجوم المنحدر من الجبل ؟...

أما المهاجمين من أعلى الجبل فلم يكونوا سوى الرباح (قرود ) الجبل !! ومن يعرف قرود الجبال التي تسكن
الأماكن العسرة لا يستغرب ماحدث ، فهي تفر من الوادي أمام النساء والأطفال لكنها تدافع عن أماكنها الشاهقة و (ضاحة الرباح) بشراسة وكلما كان المكان صعب إزدادت ضراوة القرود ضد أي قادم ، وعندما يحسون بمن يقترب من (ضاحة الرباح) خاصة في الليل يقومون بإلقاء ودحرجت الصخور وهي هنا خطرة وقاتلة؛ كماتقوم هذه القرود بحركة جماعية كر وفر وصعود ونزول وهذا معروف ؟
وهي الحركة التي ارعبت الغزاة واعتقدوها هجوماً كثيفاً وجيشا نازلاً من قمة الجبل ، وفي بلاد لايعرفون تضاريسها ؛ ليفروا من هلاك محقق ومفاجئ تاركين خلفهم كل شيء .

وهنا تسجل ( قرود) تعز أغرب معركة وتثبت بأنها شاركت في المقاومة و طرد جيش العنصرية الغازية وبدأ الجبل والقرية والحجر والشجر والقرود والحيوان والإنسان وكأنها جسم واحد ينبض بالحرية وينشد نشيد المقاومة ليصعد خمسة من الشباب الى الموقع و يستولون على السلاح ويكونون أول نواة للمقاومة في القرية التي خدعت بأكذوبة (الحياد) الغادرة و افتتحوا مقاومتهم بروح معنوية عالية، بينما بدأت الحجة زينب أشبه بقائد توجيه معنوي تحرض النساء والرجال على المقاومة:
(دافعوا على شرفكم مثل خلق الله يا عيالي مشجيؤوش الرباح أحسن مننا) !

لقد كان نصراً بلا مقاتلين وغنيمة في معركة غريبة سموها معركة (الرباح) وبدأت شعارات (كلنا مقاومة ) وكأنها قوة سحرية تنطلق من النساء والرجال والأطفال وتكتب بكثافة على الصخور والبيوت و(ضاحة الرباح) التي اصبحت مفخرة لأبناء القرية ومحل إعجاب وتعجب..؟!
علي المفلحي متواجد حالياً   رد مع اقتباس