عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-02-24, 01:07 AM   #22
بو مبارك
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-03
المشاركات: 92
افتراضي خفايا التآمر على الجنوب الحلقة 4

قلم حُر
[email protected]

يكشف تفكير الشيخ الاحمر عن الرؤية الفعلية في حل الأزمة ، وهي أن الخروج من الأزمة يكمن في اخراج الاشتراكي من المعادلة ، ولا سبيل الى ذلك سوى بالقوة العسكرية . وهذا ما سوف يتبين في صورة واضحة في سياق الاستعدادات المعلنة للحرب قبل اندلاعها على نحو شامل بأيام قليلة . إلا أنه كل ما يقال عن فشل لقاء عمان لا يعادل الجملة الكثفة التي وردت في صحيفة 22 مايو الناطق بأسم حزب الرئيس صالح في صنعاء ، قبل أربعة أيام من التوقيع وهي تلخص على نحو عميق الموقف من الوثيقة عندما قالت "أن لجنة حوار القوى السياسية ليست سوى دكان لبيع الأوهام والشعارات وورشة متخلفة لإنتاج الضجيج والخزعبلات . وأن وثيقة العهد والاتفاق ما هي إلا كلمة حق ضعيفة يراد بها باطل وفتنة ، وما هي إلا وثيقة مكر وخداع والتفاف ، وأن التوقيع على هذه الوثيقة لن يكون نهاية للأزمة الراهنة أبداً ، بل سيكون فاتحة شهية وبداية خطيرة لأزمة جديدة قادمة"
وهذا ما حصل فعلاً إذ سجل انفجار الوضع العسكري في زنجبار بعد وقت قصير لا يتعدى الساعات من توقيع الوثيقة ، فاتحة جديدة لأزمة خطيرة ، تمثلت في الطلاق النهائي بين أطراف الائتلاف الثلاثي الحاكم ودخول استعدادات الحرب شوطها الأخير ، وإن كان الزعيم الجنوبي على سالم البيض قد حاول بشتى السبل تجنيب اليمن تجرع هذه الكأس المرة ، فكانت مبادرة الى طلب اللقاء مع صالح في صلالة في الخامس من ابريل 1994 ، وعلى أرضية الاتفاق على فكرة "وأد الحرب" .
بدأ اتجاه الرياح اليمنية يتغير منذ الأسبوع الثاني من مارس فهو انتقل من لغة التهديد الوثيقة وتبادل الاتهامات حول التلكؤ في تنفيذها ، الى خطاب حربي في المعسكرين . المعسكر الجنوبي وعلى لسان البيض ، صدر عنه أكثر من اارة الى أن تجريب لغة السلاح لم يخيف بقدر ما يعبر عن منطق ضعف وحالة مرضية لا تريد للحوار السياسي أن يمتد على استقامته ويذهب نحو اهدافه النبيلة ، وذلك تعليقاً على حادث التفجير في أبين وتصفية اللواء خامس مشاة الجنوبي في حرف سفيان على يد الفرقة المدرعة الأولى بقيادة العقيد على محسن الأحمر . أم في المعسكر الشمالي فقد بدأ صالح يتوعد بالحل العسكري علانية ويناق في اجتماعات قيادية مغلقة لأنصاره "الإصلاح"، مسألة الحسم العسكري للأزمة وترتيباتها . وبدأ يتضح على نحو جلي أن هذا التوجه جاد الى حد كبير . ففي ذلك الوقت بالذات بانت خارطة توزيع القوات شبه جاهزة ، حيث احتشد حتى ذلك التاريخ ما يقارب ثلثلي القوات الشمالية على المحورين الغربي والأوسط من الحدود الشطرية السابقة لتطويق محافظة عدن واجبار القوات الجنوبية على التراجع نحو الخلف . وبدأت تصدر اشارات من صنعاء ان هدف الحشد الشمالي هو احباط أي توجه في أوساط القيادة الجنوبية الى الانفصال ونقل ساحة المعركة الى داخل الجنوب ، وافشال أي خطة مضادة . وقد اتضحت خطورة هذه الحشود عندما نجحت اللجنة العسكرية المشتركة من تنفيذ خطة سحب القوات الشمالية والجنوبية من محافظة تعز ولحج وشبوة ومآرب في العار من مارس . لكن معظم هذه القوات لم يعد الى مواقعه السابقة ، فيما رفضت الوحدات المشالية المتمركزة في المناطق الحدودية السابقة بين محافظتي البيشاء الشمالية وأبين الجنوبية تنفيذ أوامر اللجنة العسكرية ، لأن ذلك كما يتنافى مع الجدول الزمني لديها . وقد تكشفت في هذا الوقت أن خطة حصار عدن بدأت بالتبلور حول المثلث الذي يمتد من قلعة المقاطرة في أقصى غرب الحجرية في محافظة تعز الشمالية الى نقطة العلم في محافظة أبين الجنوبية . وحددت المصادر العسكرية في حينه وجود 7 ألوية عسكرية في مناطق تعز هي اللواء الثالث مدعم ، و3 ألوية أخرى في معسكر حالد بن الوليد ، ولواءان في معسكر الاحتياط ، ولواء أبوموسى الأشعري التابع للإصلاح وهناك الى جانب ذلك كتائب من الرطة العسكرية والصواريخ في جبل عروس . وكتائب من قوات الأمن الأمن المركز على طول الخط الممتد من قلعة المقاطرة وذباب والمخا وعبر – على الشريط الحدودي – حتى نقطة ماوية المحاذية لمحافظة إب . ثم تبدأ بعد ذلك حشود المحور الأوسط التي تتكون من ثلاثة ألوية وكتائب من الشرطة العسكرية والأمن المركزي في معسكر الحمزة ، إضافة الى اللواء الثاني مدرع في ردفان بمحافظة لحج ولواء صاعقة في قعطبة وعلى المحور الأوسط أيضاً تحرك اللواء 56 مشاة وعدة كتائب صواريخ وشرطة عسكرية وأمن مركزي الى محافظة البيضاء لكي تشكل مؤخرة تساند العمالقة المتمركز في العمق الجنوبي .
إزاء هذا الحشد الشمالي والتداخل تقدمت بعض الدول الممثلة في اللجنة العسكرية المشتركة بمبادرة سحب القوات العسكرية الجنوبية الموجودة في الشمال الى المحافظات الجنوبية والقوات الشمالية الموجودة في الجنوب الى الشمال . وهي على النحو التالي :
القوات الجنوبية :
• اللواء الثالث مدرع الموجود في معسكر عمران 60 كلم شمال صنعاء .
• لواء باصهيب في مدينة ذمار 100 كلم جنوب صنعاء .
• اللواء الخامس كان في حرف سفيان 150 كلم شمال صنعاء تم تصفيته قبل الحرب .
• اللواء التاسع ماة في محافظة مآرب .
• لواء مظلات في العرقوب .
القوات الشمالية
• لواء العمالقة في محافظة أبين 100 كلم من عدن
• اللواء الثاني مدرع في معسكر الكبسي ردفان محافظة لحج 60كلم من عدن
• وحدات من الرطة العسكرية والأمن المركزي والحرس الجمهوري في مدينة عدن وعلى محيط مطارها
وكان الهدف من عودة هذه القوات الى مواقعها السابقة لفترة ما قبل الوحدة هو تفادي تكرار المواجهة المسلحة في مناطق تتداخل فيها ، على النحو الذي حدث في أبين وحرف سفيان . وكانت مخاوف الأطراف التي تقدمت بالمبادرة ومنها الولايات المتحدة ومصر ، من أنه في حالة نشوب مواجهة مسلحة ، ستتعرض القوات التابعة لكل من الطرفين على أرض الطرف الأخر للإبادة . كما يهدف الاقتراح الى تفادي الأثار السلبية المستقبلية الى تترتب على عملية من هذا القبيل .
على الرغم من أن اقتراح عودة القوات الى مواقعها القديمة قبل الحرب ، جاء من اطراف خارجية ولم يكن للقيادة الجنوبية أية علاقة بطرحه ، وأن رأت فيه مخرجاً لائقاً يبعد تدخل القوات المسلحة في الأزمة وينزع فتيل مواجهة محتملة ، فإن سلطات صنعاء استغلته كورقة ضد الجنوبيين ، إذ انها سرعان ما بدأت تحضر الرأي العام وتهيجه ضد القيادة الجنوبية ، متهمة اياها مع اطراف في اللجنة العسكرية بالعمل على فصل القوات حتى تعود الأوضاع العسكرية الى ماقبل 22 مايو 1990 وليس ما قبل 19 أغسطس في بداية الأزمة السياسية الأخيرة . وسارع إعلام الشمال للقول أن ما يجري يستهدف الاتفاق على شكل جديد للدولة وهو ما يرفضه المؤتمر والاصلاح والعديد من القوى الوطنية الأخرى ، لأنها ترى أن ذلك سيعنى الانفصال والتشطير لأن فرص التنسيق والعمل المشترك بين اطراف الائتلاف الحاكم اصبحت ضعيفة جداً ، إن لم تكن مستحيلة . لذلك فإن صنعاء ليست مقتنعة بخطوات اللجنة العسكرية المشتركة وما يمكن ان تتوصل اليه ، وهي لا تستبعد ان تتجدد المواجهة العسكرية كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة السياسية . وعزز مخاطر تنامي فرص الحل العسكري الزيارات المتسارعة للمسؤولين الجنوبيين والشماليين الى عواصم القرار العربي بعد توقيع عمان وخصوصاً مصر وسوريا ودول المحيط الاقليمي . وبدا ان تعقب المسؤولين في شطري اليمن كل للآخر ، وليس له تفسيراً وحيد ، وهو أن الصراع بين الجانبين تجاوز النطاق المحلي وان كلا من الطرفين يسعى الى دعم خارجي لموقفه . وأن كانت نوايا القيادة الجنوبية في تحركاتها العربية ، كانت منصبة على ضرورة تفعيل وساطة عربية للحيلولة دون الانفجار العسكري ، فإن القيادة الشمالية بدت بأن ما تسعى اليه ليس الوساطة ، بل محاولة الاحتفاظ بخط الرجعة إزاء الدول العربية وبالخصوص دول مجلس التعاون الخليجي ، استباقاً لأي تطور في النزاع وتحوله الى صراع مسلح بين الجانبين . إلا أن الجانب العربي بدأ ميالاً الى طرف وجة نظر الجنوب التي كانت تعمل على منع الحرب . ومن هنا بدأ الحديث في النصف الثاني من مارس عن لقاء محتل في الخارج بين البيض وصالح . وبدأت التكهنات تتسرب حول اختيار القاهرة مكاناً لإحتضان اللقاء ، بناء على دعوة من الرئيس حسني مبارك ، جاءت تأكيداً للإتجاه الذي يتبناه لحل الأزمة والذي يؤكد أنه لا بد من منع المواجهة العسكرية واللجوء للعنف ، خصوصاً وان الاطراف اتفقت على عقد اول اجتماع للحكومة في عدن لدراسة ترتيبات الوثيقة . وجرى الربط بين الدعوة المصرية واجتماع الحكومة ، وذلك أن أي تقدم في هذا المجال يحقق اعادة جزء من الثقة المفقودة بين صالح والبيض ودفعهما لاستئناف الحوار المباشر بينهما . وقد شاعت تكهنات اخرى في حينه أن أهمية الوساطة العربية ، تنبع من ضرورة تفادي احتمالي الانفجار العسكري والتشطير ، إذا ما فشلت عملية تنفيذ الوثيقة . و أنه قد يطرح خيار آخر بدلاً عن هذين الاحتمالين ، وهو اللجء الى الفيدرالية أو الكونفدرالية .
في لقاء خاص مع الزعيم الجنوبي علي سالم البيض في منزله بالمعاشيق في صباح السابع من ابريل وبعد عودته بيومين من اللقاء الذي جمعه في صلالة مع علي عبدالله صالح . أوضح البيض أن اللقاء حصل بناء على طلبه . فقد علم أن صالح سيقوم بزيارة الى عُمان . وعندها طلب البيض من السلطان قابوس أن يواصل وساطته ومساعيه للحيلولة دون وصول الأزمة الى حافة الهاوية ،وأن ينقل رغبة البيض لعقد اجتماع مشترك لتجنب ذلك . وقد وافق صالح على هذه المبادرة التي قال البيض أنه اقترح على صالح من خلالها فكرة "وأد الحرب" . وحسب البيض فإن اللقاء كان ودياً وأن صالح تجاوب مع الفكرة واعتبرها محرجاً مناسباً . وأتفق الرجلان في اللقاء المغلق بينهما أن تلتقي شخصيات من الطرفين في اليوم الثاني لإصدار بيان مشترك يتضمن التفاهم على مسألة "وأد الحرب" ، وعبر اعادة عمل اللجنة العسكرية المشتركة لتلافي أي احتاكات ممكنة بين القوات العسكرية المتجاورة وسحب الحشود من الاطراف والعمل من خلال لجنة الحوار على ترجمة الاجراءات التي اتفق عليها اجتماع مجلس الوزراء في عدن . وبالفعل التقت لجنة ثنائية من الطرفين مثل فيها صالح الدكتور عبدالكريم الارياني وعبدالوهاب الآنسي . ومن طرف البيض ياسين سعيد نعمان وصالح أحمد عبيد . وعندما اقترح اقترح نعمان على الارياني والآنسي صيغة البيان المشترك رفض الأخيران الفكرة من اساسها ومما قاله الارياني أنه لا علم له بهذه القضية وأما الآنسي فقد اعتبر المسألة من قبيل التآمر من قبل صالح والبيض ضد الاصلاح وأن الرئيس خضع لضغوط الاشتراكي الذي يعتبر أن الاصلاح هو سبب الأزمة بين الطرفين .
انفض الاجتماع دون أن يخرج بنتيجة مباشرة ، لكن عدم صدور البيان لم يمنع صالح من التعهد والالتزام بعدم اللجوء الى الخيار العسكري مهما كانت الاسباب . إلا أنه سرعان ما انفجر الموقف العسكري بعد يوم من اللقاء في السادس من ابريل عندما تعرض لواء باصهيب الجنوبي المتواجد في ذمار الى هجوم ، لولا تدخل اللجنة العسكرية لتحول الى معركة شاملة .لقد فسر هذا الهجوم على أنه رسالة موجهة ضد لقاء عُمان ومن أكثر الروايات دقة حول ما حصل ، تلك التي تقول أن عناصر من الاصلاح اقتربت من البوابة الرئيسية لمعسكر اللواء ، وأطلقت عيارات نارية من أسلحة ثقيلة ، أضطر اللواء للرد عليها . ثم لم يلبث الحرس الجمهوري أن وجه نيران اسلحته الى معسكر باصهيب . وكانت الخسائر محدودة في صفوف العسكريين ، لكنها معتبرة في الممتلكات التابعة للسكان . واتضح على نحو جلي أن هناك مسرحية لاستدراج اللواء الى كمين بهدف ابادته ، تبدأ بالتحرش به من قبل جماعات الاصلاح ليخرج من معسكراته ، ومن ثم يقع في فخ الحرس الجمهوري إلا أن الوقت لم يتسع لهذه الخطة ، فسرعان ما وصلت اللجنة العسكرية المشتركة ، وتمكنت من فض الاشتباك . إلا أم الرسالة المقصودة من ورائه تم تبليغها على نحو صريح وواضح ، وهي أن فكرة "وأد الحرب" سقطت بسرعة ، بل أن طبخة الحرب وضعت على نار قوية ومركزة .
بو مبارك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس