عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-08-29, 08:01 AM   #4
مبعد عدن
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2009-07-11
المشاركات: 60
افتراضي


4- هود عليه السلام :
نسبه:
وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام.
وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح. وكانوا عرباً يسكنون الأحقاف - وهي جبال الرمل - وكانت باليمن بين عمان وحضرموت، بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر، واسم واديهم مغيث.وكانوا كثيراً ما يسكنون الخيام ذوات الأعمدة الضخام
كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }
أي عاد ارم وهم عاد الأولى.
{ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} أي مثلالقبيلة، وقيل مثل العمد.وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه: "منهم أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر".ويقال أن هوداً عليه السلام أول من تكلم بالعربية.
ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام، العرب العاربة، وهم قبائل كثيرة: منهم عاد، وثمود، وجرهم، وطسم، وجميس، وأميم، ومدين، وعملاق، وعبيل، وجاسم، وقحطان، وبنويقطن، وغيرهم.
وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم كما ولكن أنطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان. وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم.

قوم عاد:والمقصود أن عاداً - وهم عاد الأولى - كانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان. وكانت أصنامهم ثلاثة: صدا، وصمودا، وهرا.
فبعث الله فيهم أخاهم هوداً عليه السلام فدعاهم إلى الله، كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح، وما كان من أمرهم وقال تعالى بعد ذكر قصة نوح في سورة هود: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ عَاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}.وقال تعالى في النجم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى، وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى، وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى، فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}.في أرض حضرموت، وفي مكان يسمَى (الأحقاف) كان يقيم قوم عاد الأولى الذين يرجع نسبهم إلى نوح، وكانوا يسكنون البيوت ذوات الأعمدة الضخمة، قال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } [الفجر:7-8] ويبنون القصور العالية والحصون المرتفعة، ويتفاخرون ببنائها، قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } الشعراء: [128-129] ويملكون حضارة عظيمة، وقد برعوا في الزراعة بسبب توفر الماء العذب الغزير وكثر لديهم الخير الوفير، وكثرت الأموال والأنعام، وأصبحت منطقتهم حقولا خصبة خضراء، وحدائق زاهرة وبساتين وعيونًا كثيرة.وأعطى الله أهل هذه القبيلة بنية جسدية تختلف عن سائر البشر، فكانوا طوال الأجسام أقوياء.. إذا حاربوا قومًا أو قاتلوهم هزموهم، وبطشوا بهم بطشًا شديدًا، قال تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ )[الشعراء: 130-134وبرغم هذه النعم الكبيرة والخيرات الكثيرة التي أعطاهم الله إياها، لم يشكروا الله -تعالى- عليها، بل أشركوا معه غيره؛ فعبدوا الأصنام، وكانوا أول من عبد الأصنام بعد الطوفان، وارتكبوا المعاصي والآثام، وأفسدوا في الأرض، فأرسل الله لهم هودًا -عليه السلام- ليهديهم إلى الطريق المستقيم وينهاهم عن ضلالهم ويأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ويخبرهم بأن الله -سبحانه- هو المستحق للشكر على ما وهبهم من قوة وغنى ونعم، فقال لهم: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } [الأعراف:65] فتساءلوا: ومن أنت حتى تقول لنا مثل هذا الكلام؟‍‍! فقال هود -عليه السلام- {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [الشعراء: 125-126] فرد عليه قومه بغلظة واستكبار: { قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } [الأعراف: 66 فقال لهم هود:{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }الأعراف:67-68فاستكبر قومه، وأنكروا عبادة الله، وقالوا له: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } [هود:53] وقالوا له: وما الحالة التي أنت فيها، إلا أن آلهتنا قد غضبت عليك، فأصابك جنون في عقلك، فذلك الذي أنت فيه، فلم ييأس هود -عليه السلام- وواصل دعوة قومه إلى طريق الحق، فأخذ يذكرهم بنعم الله -تعالى- عليهم؛ لعلهم يتوبون إلى الله ويستغفرونه، فقال: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 132-134ثم قال: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ } [هود: 52ولم يجد هود -عليه السلام- فيهم إلا قلوبًا ميتة متحجرة متمسكة بغيها وضلالها، وإصرارها على عبادة الأصنام، إذ قابلوا نصحه وإرشاده لهم بالتطاول عليه والسخرية منه، فقال لهم: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [هود:54-57فاستكبروا وتفاخروا بقوتهم وقالوا لهود: { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت: 15] وأخذوا يسخرون منه ويستعجلون العذاب والعقوبة في سخرية واستهزاء فقالوا: { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [الأعراف: 70فقال هود -عليه السلام-: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [الأعراف:71] وبدأ عذاب الله لقوم عاد بأن أرسل عليهم حرًّا شديدًا، جفَّت معه الآبار والأنهار، وماتت معه الزروع والثمار، وانقطع المطر عنهم مدة طويلة، ثم جاء سحاب عظيم، فلما رأوه استبشروا به، وفرحوا، وظنوا أنه سيمطر ماءً، وقالوا: ( هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) [الأحقاف: 24لقد ظنوا أن السحب ستأتي لهم بالخير، لتروي عطشهم وتسقي إبلهم وخيولهم، وزرعهم وبساتينهم، ولكنها كانت تحمل لهم العذاب والفناء، فجاءتهم ريح شديدة استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام دائمة دون انقطاع، تدمر كل شيء أمامها حتى أهلكتهم، قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } [الأحقاف: 24-25ونجَّى الله هودًا ومن آمنوا معه، قال تعالى: { فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 72]
وسار هود -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين إلى مكان آخر يعبدون الله فيه ويسبحونه .
بعثة هود إلى قوم عاد:ولنذكر مضمون القصة مجموعاً من هذه السياقات، مع ما يضاف إلى ذلك من الأخبار.وقد ذكرنا أنهم أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان. وذلك بين في قوله لهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}أي جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش.والمقصود أن عاداً كانوا جفاة كافرين، عتاة متمردين في عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلاً منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ}أي هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك.{قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.أي ليس الأمر كما تظنون ولا ما تعتقدون و لكنى :{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.والبلاغ يستلزم عدم الكذب وعدم الزيادة فيه والنقص منه، وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم، والحرص على هدايتهم، لا يبتغي منهم أجراً، ولا يطلب منهم جعلاً، بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه، والنصح لخلقه، لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله، فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه، وأمره إليه، ولهذا قال:{يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}أي أما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها، وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحاً وهلك من خالفه من الخلق. وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجراً عليه، بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع.وقال قوم هود له فيما قالوا: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به، وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك؛ بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته، وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه. وعندنا أنه إنما أصابك هذا لأن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك.وهو قولهم: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}.{قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِي}.وهذا تحد منه لهم، وتبرأ من آلهتهم وتنقص منه لها، وبيان أنها لا تنفع شيئاً ولا تضر، وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله. فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا بريء منها لاعن لها{فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون}أنتم جميعاً بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه، ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ولا أفكر فيكم، ولا أنظر إليكم.{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}أي أنا متوكل على الله ومتأيد به، وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه، فلست أبالي مخلوقاً سواه، لست أتوكل إلا عليه ولا أعبد إلا إياه.وهذا وحده برهان قاطع على أن هوداً عبد الله ورسوله، وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله؛ لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ولا نالوا منه مكروهاً. فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه وفساد ما ذهبوا إليه.وقد استبعدوا أن يبعث الله رسولاً بشرياً .ولهذا قال لهم هود عليه السلام: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} أي ليس هذا بعجيب: فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته.وقوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُون، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ، إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ، قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بما كذبون}استبعدوا الميعاد وأنكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها تراباً وعظاماً،وقالوا: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ}، أي بعيد بعيد هذا الوعد،{إِنْ هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أي يموت قوم ويحيا آخرون. كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة: أرحام تدفع وأرض تبلع.وقال لهم فيما وعظهم به: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُون، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ}.يقول لهم: أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيماً هائلاً كالقصور ونحوها، تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام،كما قال تعالى: {ألم تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، ارَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ}فعاد ارم هم عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام.وقوله: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} قيل هي القصور، وقيل بروج الحمام وقيل مآخذ الماء {لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعماراً طويلة{وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُون، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.وقالوا له مما قالوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} أي جئتنا لنعبد الله وحده، ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه؟ فإن كنت صادقاً فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال، فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك.قال: {قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ}وقال تعالى: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِي، قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ، فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}
هلاك قوم عاد:اهلكهم الله تعالى بأن سلط عليهم ريح صرصر عاتيه وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير آية مجملاً ومفصلاً، كقوله:
{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}
يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة الشديدة الهبوط، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية فلم تبق منهم أحداً، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم، وتدمر عليهم البيوت المحكمة والقصور المشيدة، فكما منوا بشدتهم وبقوتهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله عليهم ما هو أشد منهم قوة، وأقدر عليهم، وهو الريح العقيم.
ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة، ظن من بقي منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم وغياث لمن بقي منهم، فأرسلها الله عليهم شرراً وناراً. كما ذكره غير واحد , وهو أشد ما يكون من العذاب بالأشياء المختلفة المتضادة . والله أعلم.عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم، فمرت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد، الريح وما فيها {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة.
و ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال :عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به"
قالت: "وإذا غيبت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر. فإذا أمطرت سرى عنه، فعرفت ذلك عائشة فسألته
فقال: "لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}".
عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعاً ضاحكاً قط حتى أرى منه لهواته، إنما كانت يبتسم وقالت: كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه،
قالت يا رسول الله: إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية؟
فقال: "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب! قد عذب قوم نوح بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا: هذا عارض ممطرنا"
مبعد عدن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس