عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-02-07, 10:37 PM   #8
بو مبارك
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-03
المشاركات: 92
افتراضي خفايا التآمر على الجنوب الحلقة 2

[justify]بعد التوقيع على هذه الوثيقة بالأحرف الأولى تنفس الناس الصعداء ، وشعر قطاع واسع من الشعب اليمني أنه أصبح في بداية الطريق الصحيح نحو قيام دولة النظام والقانون وفق التعبير الذي أخترعه جار الله عمر بـ "التداول السلمي للسلطة" . إلا أن الموقعين على الوثيقة والأطراف القريبة من التوقيع مثل السفير الأمريكي في صنعاء آرثر هيوز ، والسفير الفرنسي مارسيل لوجيل ، والوسطاء ومنهم المصري بدر همام مساعد وزير الخارجية ، كانوا يعرفون أن هناك مصاعب حقيقية تحول دون تنفيذ هذه الوثيقة . فعلى الرغم من النوايا الحسنة الكامنة خلف شعارات "دولة النظام والقانون" و"التداول السلمي للسلطة"تعد الوثيقة مشروعاً يتجاوز الواقع الراهن بمسافات كبيرة . من هنا رأي السفير الفرنسي في لقاء خاص بفندق عدن بعد يوم من التوقيع بالأحرف الأولى ، كان يتلخص بصعوبة تنفيذ بنود هذه الوثيقة حرفياً ، ومهمة الأطراف التي ساعدة على الوصول إليها ، أعادة التوفيق بين طرفيها للوصول الى تسوية وسط بين طرفيها . والملفت في الأمر والذي سيظل لغزاً ، حتى يتضح من خلال مجريات الحرب ، وهو الموقف الأمريكي من الوثيقة ، إذ أن كافة الأطراف تؤكد أن السفير الأمريكي تدخل في أكثر من مكان ليقدم تخريجات لنقاط الخلاف ، وظل يواكب هذه المسألة إلى حين التوقيع النهائي في عمان في 20فبراير1994 . إلا أنه لم يبدر عن حكومته أي موقف جدي يشير الى أنها اعهدت بالتزام مايساعد الأطراف على حل خلافاتها بالطرق السلمية ، وبالتالي الانصياع الى منطق الحوار الذي بلور الوثيقة . وفي طبيعة الحال أن حديث السفير الفرنسي في لقاء خاص ، لم يكن ليعبر عن الموقف الرسمي الذي تبلور بعد ذلك بطريقة مغايرة كلياً ، وخصوصاً في مجلس الأمن .
من الوقائع التي ستظل ملفته للنظر الى أمد بعيد ، وتشيل علامات أساسية في المسار اللاحق للأزمة ومن ثم الحرب والفرز السياسي الذي نشأ خلالها ، هي مواقف الأطراف التي وقعت الوثيقة بالأحرف الأولى وسلوكها السياسي بعد ذلك . ونبدأ هنا باستعراض مواقف قيادات الحزب الاشتراكي ، ونقول مواقف ، لأنه تبلور في اليوم الثاني للتوقيع بالأحرف الأولى أكثر من موقف ، تحول الى موقع خلال وقت قصير نتيجة لهذا الاستقطاب أو ذاك . ونبدأ باستعراضها من حدها الأدني الى الأقصى . تمثل الحد الأدنى بشخصيات في المكتب السياسي للحزب كانت ترى في الوثيقة سقفاً مرتفعاً جداً ، لذلك تتطلب الحكمة التنازل عن ذلك والقبول لنسبة 20% من القضايا الرئيسية التي أثارها ومن هؤلاء فضل محسن عبدالله الذي كان يتولى وزارة الاسماك . هناك تيار ثان رأى أن الوثيقة تمثل برنامجاً طموحاً ، مناط تنفيذه للأجيال المقبلة على حد تعبير جارالله عمر ، لذلك تقتضي الواقعية جدولتها وأخذها بنداً بنداً . فإذا كان الطرف الآخر يرى صعوبة في تنفيذ الشق الأمني وجانب الاصلاح السياسي ، فيتوجب عدم الضغط عليه الآن ، بل نكتفي بمطالبته بالحكم المحلي ويقع في هذا التيار الدكتور ياسين سعيد نعمان ومحمد سعيد عبدالله ( محسن ) وجار الله عمر . في حين كان الأمين العام على سالم البيض وتيار مؤثر في المكتب السياسي ، يرى أن الوثيقة شكلت برنامج الحد المعقول ، بعد أن قدم الحزب عدة تنازلات وردت في مشروع الاتفاق الوطني لتصحيح مسار الجمهورية اليمنية "دولة النظام والقانون ، وخيارها الديمقراطي" الذي ترجم النقاط الـ18 التي أعتبرت قاعدة عمل لجنة الحوار التي انتهت الى الوثيقة . من هنا فإن الوثيقة ليست قابلة لا للتجزئة ولا للجدل أو المساومة عليها ، وينبغي تطبيقها وفق الآلية التي أتفق عليها ، وإلا ظهرنا في عيون الناس بهلوانات سياسية نلعب على الحبال بقصد الاستمتاع ليس أكثر . إن ظهور أكثر من موقف اشتراكي فتح ثغرة أساسية وهامة ، في جدار التعبئة التي وفرها اعتكاف البيض وتعميمه مشروع التغيير على قطاع واسع . ومن دون شك فإن الأطراف الأخرى كانت تنتظر هذه الثغرة لتنفذ منها الى صلب مشروعها المضاد ، السلوك الذي سيحكم مسار الأزمة اللاحقة حتى نهايات الحرب على جبهة المكلا التي أسقطها التواطؤ الداخلي قبل كل شيء .
أما المؤتمر والاصلاح ، واللذان ظهرا خلال وقائع الحوار ، انهما يتبادلان الأدوار ضمن توزيع مدروس يقوده الدكتور الارياني ، يفضي في المحصلة الة موقف موحد ، عادة ما تعكسه المرونة الشكلية للمؤتمر والتصلب الجوهري للإصلاح ، فإن سلوكهما تجاه الوثيقة يثير أكثر من علامة استفهام ، حيث اقلبا بزاوية مقدارها 180 درجة وبسرعة غير مفهومة من الرفض التام للوثيقة الى التوقيع عليها واعتبارها تمثل وجهة نظرهما وصارا يتحدثان عن ضرورة التوقيع النهائي عليها والاسراع في تنفيذها . وذلك على عكس ما حصل داخل قاعات الاجتماعات . وهناك واقعة باتت معروفة في أوساط يمنية سياسية ، وهي أن الدكتور الارياني أثار عاصفة قبل حوالي اسبوع من التوقيع على الأحرف الأولى ، وتلاسن من رئيس الوزراء حيدر أبوبكر العطاس الذي سجلت اطراف الحوار لبرودة اعصابه وقدرته على التوفيق ، الفضل في اخراج الوثيقة الى حيز الوجود ، وإلا لكانت اللجنة ظلت تدور في فراغ ، ويروي أحد أعضاء لجنة الحوار أن العطاس وبعد جدل طويل ، أقترح فصل نقاط الاتفاق والاختلاف ، وبدأ الحوار حول نقاط الخلاف وبذلك وضع المسألة ضمن سياق عقلاني بعيد عن المهاترات وتسجيل المواقف الآنية .
ان عاصفة الارياني لم تقتصر على انسحابه اكثر من مرة من اجتماعات لجنة الحوار ، بل تجاوزت ذلك الى تقديمه استقالته من وزارة التخطيط واتهامه العطاس بالخيانة العظمى تحت بند خرق الدستور . عندما أصدر قراراً بتعيين محمد علي أحمد محافظاً لمحافظة أبين الجنوبية بعدما شغر المنصب . وكان مبعث غضبه ما دار فعلا ولم يتسرب الى خارج قاعة الاجتماعات من نقاش تناول وضع المؤسسة العسكرية منخلال البند الذي ورد في مشروع الاشتراكي للتصحيح والذي جاء فيه : لا يحتل أي قائد عسكري منصب قائد لواء وما فوق لأكثر من خمس سنوات كقاعدة من تاريخ التعيين وللوضع الحالي تحسب الخمس سنوات من مايو 1990 . ولايسمح بأن يحتل أي منصب قائد لواء ومافوق لأكثر من شخص يمت بصلة قرابة لأي من : رئيس مجلي الرئاسة ، نائب الرئيس ، رئيس مجلس الوزراء ونوابه ، وزير الدفاع ، وزير الداخلية ، رئيس هيئة الاركان العامة. وإذا تواجد في المناصب المشار إليها أعلاه أكثر من العدد المحدد فيتم فوراً وقبل إعادة تنظيم وبناء القوات المسلحة اتخاذ الاجراءات التالية :
1. الإحالة للمعاش بحسب القانون.
2. أن يطلب منهم الاستقالة أو طلب الإحالة المبكرة للمعاش .
3. الإحالة الى وظيفة مدنية .
عند تلاوة هذا البند ضرب الارياني يداً بيد ، قائلا ً : "لقد وصلت الرسالة . لقد مسستم المحرمات من خلال تناولكم المباشر لعدد من أصدقائي ـ وهو يعني أقارب الرئيس على عبدالله صالح والمقربين منه ، الذي يبدو أن البند موجهاً الى 33 عسكرياً منهم ، يتولون قيادة الفرق والألوية العسكرية وأجهزة المخابرات والحرس الجمهوري في الشمال منذ مرحلة ما قبل الوحدة ويشكلون عماد حكم الرئيس صالح القائم على ولاء شريحة عسكرية مدعومة من قبيلة حاشد التي يتزعمها الشيخ الأحمر .
بعد أن انسحب الارياني غاضباً من هذه الجلسة قصده أحد ممثلي الاشتراكي في محاولة لإسترضائه فبدأ التخفيف من غضبه بالإشادة بخصاله وقال له : "يادكتور عبدالكريم ، أنت رجل عقلاني ومنرموز التحديث في اليمن والأجيال الجديدة تكن لك كل تقدير ، بدليل أن مكانتك ظلت محفوظة في كل العهود . وما أدراك بمحق حين تعترض على بنذ من هذا القبيل ، الغاية منه بناء مؤسسة عسكرية بعيدة عن كل الاعتبارات . فكان رد الارياني على هذا الإطراء سخرية مرة ، حيث رد على محدثه بالقول "لا مكانة محفوظة في كل العهود ولا هم يحزنون ، مصيري مرتبط بمصير على عبدالله صالح ، فإن بقي بقيت ، وإن رحل يقطعون راسي في اليوم الثاني . وعليك أن تفهم باقي الرسالة" . لذلك كان غاية في الغرابة أن يوقع الارياني على الوثيقة بالأحرف الأولى ، طالما أنه يقيس المسائل على هذا النحو ويشتم مشروع الاشتراكي للإصلاح محاولة انقلابية بطريقة بيضاء . وعلى الرغم من اسقاط البند المشار إليه من الوثيقة والاستعاضة عنه بفقرة تتحدث عن مستقبل القوات غير النظامية مثل الحرس الجمهوري والأمن المركزي ، فإن الوثيقة تطرقت بالتفصيل إلى مسالة صلاحيات الرئيس والتي أكلت منها وفق صيغتها الراهنة لصالح مجلس الرئاسة ورئيس مجلس الوزراء . وحولت الرئيس الى رئيس شبه فخري ، بل أن دوره لا يكاد يتجاوز حدود الإشراف العام على الدولة وعلاقتها الخارجية . أما الشأن الداخلي فصار من مشمولات رئيس الوزراء . وعلى الرغم من ذلك وقع الدكتور الارياني . وتحول فجأة من الرفض الكلي للوثيقة الى تبنيها في صورة كاملة . الأمر الذي يكشف أن الارياني الذي كان موضوعاً في الخيالية ، تنفس فجأة إد وجد لنفسه مخرجاً يتمثل في ركوب موجة الوثيقة ، حينما أكتشف أنه يخطأ كثيراً اذا استمر في موقع المعارض للإصلاح وترك للإشتراكي هذه الفضيلة التي جمعت الشارع العام من حوله . لا بد من استراتيجية جديدة ، بالإلتفاف على الوثيقة من خلال الوثيقة . وأول ملاحظة تسجل في هذا الشأن هي العمل على تغيير وجهة الوثيقة ، فبدلاً من إلقاء الحمل وتبعات عدم التنفيذ على ظهر المؤتمر والإصلاح لا بد من عكس الآية ، ليوضع الاشتراكي في مكانة المعرقل ، وبذلك يستطيع الطرفان الآخران تفكيك ميزان القوى الذي أنجز الوثيقة والاستفادة من عامل الوقت لتهيئة مسرح العمليات الحربية وخلق جو شعبي في الشمال لتأمين مجهود حربي ودعم لوجستي مناسب . وهنا ترد في هذا الشأن شهادة على غاية من الأهمية من قبل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر نوردها بحذافيرها نقلاً عن مصدر خاص . مع التحفظ على المصدر . " في مقيل خاص ومحدود أعلن الشيخ الأحمر رئيس التجمع اليمنية للإصلاح ورئيس مجلس النواب أمام نخبة من أهل الثقة أنه قرر الدخول في مواجهة سياسية وحاسمة مع الاشتراكي بعد أن أصبح على قناعة راسخة بصعوبة استخدام سلاح الأغلبية في مجلس النواب لوضع نهاية للأزمة وطرد الاشتراكي من السلطة .
وأوضح الأحمر في المقيل أن الرئيس أرتكب خطأ حين تأخر كثيراً عن استخدام سلاح الشرعية الدستورية لإنهاء الأزمة وكذلك حين قبل بإعطاء دور كبير لمن وصفهم بزعماء الأحزا الفاشلة في الانتخابات من خلال الاعتراف بلجنة الحوار وتسليمها كل أوراق الأزمة وهو الأمر الذي خطط له الاشتراكي للإلتفاف على الشرعية الدستورية على حد تعبيره.ومضى الأحمر يقول أن الرئيس أخطأ أيضاً حين تأخر عن ردع الاشتراكيين بالقوة المسلحة في شهر يناير والتي كان بالإمكان استخدامها على قاعدة الشرعية الدستورية في ذلك الوقت عندما كانت الأزمة محصورة في الداخل قبل التوصل الى الوثيقة وقبل خروج الأزمة الى الخارج .. ولكن المماطلة والتردد أوصلا البلاد الى ما وصفها الشيخ الأحمر بكارثتين . الأولى وهي كارثة الوثيقة . أما الثانية فهي كارثة تدويل الأزمة بقبول التوقيع عليها في الخارج وقبول الوساطات الخارجية مما تسبب في تهميش دور مجلس النواب واضعاف سلاح الشرعية الدستورية .
ووصف الشيخ الأحمر في ذلك المقيل وثيقة العهد والاتفاق بأنها أسوأ من الإنفصال حيث ستؤدي تطبيقها الى تمزيق اليمن وتحويلها الى كيانات هزيلة ومنفصلة عن مركز الدولة الأم في صنعاء ، وتشجيع القبائل الضعيفة على رفع صوتها ضد مشائخ اليمن الكبار وسلب سلطاتهم القبلية المعترف لهم بها أباً عن جد . تاريخ 25/4/1994م .
هذه المقتطفات من شهادة للشيخ الأحمر التي هي غاية في الصراحة ، جزء من التعبية العامة التي أستعد لها الإصلاح والمؤتمر في سياق التحضير للحرب . وأول ما أعده المؤتمر على مدى الأشهر الثلاثة التي سبقت الحرب الآلة الإعلامية التي شنت حرباً نفسية لا هوادة فيها ، أثمرت نتائج تفوق بكثير انجازات الآلة العسكرية . وفي الوقت الذي أظهر المطبخ الإعلامي الشمالي الذي يشرف عليه الارياني مباشرة ، قدرة على قلب الحقائق ، فإن إعلام الحزب الاشتراكي بدأ مترهلاً وبعيداً عن الحدث وغير واثق من نفسه ، وأكتفى ببعض المناكفات الضعيفة التي أمتلأت بها صحيفة "صوت العامل" التي كانت تصدر من عدن . وهي وإن حاولت وبحسن نية الدفاع عن مشروع الاشتراكي ، فإنها أستخدمت طريقة بدائية في الدفاع ولم تصل الى مستوى البراعة والاحتراف الذي عكسه إعلام المؤتمر في الداخل والخارج ، حيث تبين وجود آلة إعلامية تضخ على مدار الوقت ولا تقبل الكلل ، وهي كانت بمثابة خط الهجوم الأول الذي صاغ لاحقاً مسار المعركة العسكرية .
انسجاماً مع الاستراتيجية الجديدة التي تمخض عنها تفكير الارياني بالإلتفاف على الوثيقة من خلالها ، نشطت الآلة الإعلامية للمؤتمر في اتجاه تقويض الرصيد الذي حققه الاشتراكي على مدى اشهر من خلال الالتفاف الجماهيري حول مشر وع التغيير والاصلاح . وبالطبع لم يأت ذلك من فراغ ، لقد توفرت لها مادة سياسية هامة لتعمل من خلالها . وكانت البداية مع الخلاف على مكان توقيع الوثيقة وآلية تنفيذها . وهنا بدأت البراعة الشمالية هجومها المضاد ، عندما أدخلت خلال أقل من أسبوع من الزمن في أذهان الناس أن الاشتراكي يرفض التوقيع على الوثيقة داخل اليمن من منطلق تعريبها وتدويلها ، خدمة لأغراض ومآرب تتجاوز حدود الإصلاح الداخلي ، الى أهداف غير بريئة تلتقي مع مطامح أطراف اقليمية ودولية ، تعمل على تصفية حسابات سياسية من اليمن ، وذهبت هذه البراعة لتشترط أن التوقيع النهائي يجب أن يحصل داخل اليمن وأن يعتبر منهياً للأزمة ، أي ضرورة عودة نائب الرئيس ورئيس الوزراء وأعضاء الحكومة من الاشتراكيين الى العاصمة صنعاء ، وذلك للبدء في التطبيق المشترك للوثيقة . ونجحت هذه التمثيلية الى حد كبير في خلق معطيات جديد ، بدأت تغير في ميزان القوى . وهنا لم يتمكن إعلام الاشتراكي من الدفاع عن موقفه بشرح الوثيقة . ثم أن مكان التوقيع في الخارج ألصق بالاشتراكي كتهمة دون أن يتمكن من ردها . فالخارج لم يكن خياراً اشتراكياً لا رجعة عنه ، بل كان اجتهاداً في محاولة لتأمين تغطية معنوية عربية للإتفاق ، لذلك كان اقتراح البيض أن يتم التوقيع في مقر الجامعة العربية في القاهرة . وبرزت في خضم هذا الجدل نظرتان ، الأولى من طرف البيض الذي بات واضحاً أنه لم يعد يثق نهائياً بالرئيس على عبدالله صالح وأن الوثيقة هي الفرصة الأخيرة لتربيطه وإلزامه من خلال توقيعه عليها ، لأن سلوكه يتسم كثيراً بالمراوغة . والمسألة الثانية من جانب الرئيس الذي بدأ يستثمر الوثيقة لصالحة من خلال التلاعب بمكان توقيعها ، ومن هنا جاء اختياره للأردن في رسالة ضمنية موجهة الى السعودية ضمن تصفية حسابات سياسية حيث أن الملك حسين شاطره هذا الدور عندما تحول خلال الحرب من وسيط وشاهد على توقيع الوثيقة الى طرف ساعد الشمال عسكرياً في صورة واضحة وملموسة . وفي هذا المجال لا بد من الإشارة الى مسألة غاية في الأهمية تتعلق بالدور الأردني في التحضير للتوقيع النهائي للوثيقة في عمان . وهو دور اقل ما يمكن أن يقال عنه أنه محل استفهام الى أمد بعيد . فبمجرد التوقيع على الوثيقة بالأحرف الأولى تحرك كل من مدير الديوان الملكي الشريف زيد بن شاكر ومستشار الملك حسين خالد الكركي الى عدن وصنعاء ، وقدما دعوات لإستضافة اللقاء في عمان . وفي الوقت الذي كان إعلام الرئيس يركز على مهاجمة فكرة التوقيع في الخارج فإنه بدأ يطبخ الطبخة سراً مع الأردن ، ويسجل في هذا الميدان الدور الملفت الذي لعبة السفير الأردني في صنعاء فايز الربيع الذي كان قد تسلم مهامه الدبلوماسية منذ وقت قليل . ومن المفترض أن الرجل حديث العهد بخفايا الأزمة اليمنية ، الأمر الذي يدفعه الى التريث والتروي ودراسة كل خطوة يقدم عليها . لكنه كان عكس ذلك ، إذ حكم سلوكه الاندفاع . وقبل أن تتوصل لجنة المتابعة السداسية المكلفة إعداد الترتيبات النهائية للتوقيع والمكان وهو معروف عنه أنه قيادي نشيط بحركة الإخوان المسلمين الأردنية ، يوجه الدعوات لحضور مراسم التوقيع في عمان . ولكشف المزيد من الملابسات حول هذه المسألة فإننا نورد شهادة العطاس التي سجلنا في حينه عن هذه المسألة .
: " إن اختيار الأردن كمكان لم يكن من قبل الحزب الاشتراكي ، وإنما هو اجتمهاد من قبل العميد مجاهد أبو شوارب . ولما كان الأردن أبدى قدراً كبيراً من الحرص واهتماماً بالأزمة ، فنحن لم نعارض ذلك ، بل رأينا في الاقتراح امكان ايجاد مخرج يسهل التوقيع ويوفر وجود بعض الشهود من الأشقاء والأصدقاء . ويضيف العطاس : وبينما كانت لجنة المتابعة تبدأ اجتماعاتها وصل مستشار الملك حسين خالد الكركي حاملا دعوة للقاء في السادس من فبراير ، وكان ردنا عليه يضيف العطاس : وبينما كانت لجنة المتابعة تبدأ اجتماعاتها وصل مستشار الملك حسين خالد الكركي حاملا دعوة للقاء في السادس من فبراير ، وكان ردنا عليه أننا ننتظر اعمال لجنة المتابعة وبعد ذلك سنرى ، لكنه في كل الأحوال نفضل ألا يحشرنا أحد تحت ضغط عامل الزمن ، ولا نريد الذهاب الى الأردن للتوقيع قبل أن نتفق على القضايا الرئيسية ، لأن الذهاب الى هناك والخروج والعودة من دون اتفاق ، فإن ذلك يحمل مخاطر كبيرة وهي ببساطة الانفصال ، ويؤكد العطاس أن الكركي ذهب الى عمان وهو يحمل هذا التصور إلا أن قيادة الاشتراكي فوجئت بالرئيس يعلن موافقته على الذهاب الى عمان في السادس من الشهر ، وكذلك استعداد أبو شوارب وأحمد جابر عفيف للسفر الى هناك لإعداد الترتيبات للتوقيع في حين أن لجنة المتابعة لا تزال عند نقطة الصفر . ويقول العطاس أنه أتصل بالأخير ليساله عن الأمر فقال له أنه تلقى دعوة من السفير الأردني بهذا الشأن . وعلى الفور أتصل بالسفير الأردني وسأله كيف كيف يقدم على مسألة من هذا القبيل ! . وهل يتحمل مسؤولية عمل من هذا النوع قد يؤدي الى الانفصال ؟ فكان رد السفير أن لا علم له بهذه الدعوة ،، وذلك كان في النهاية الى إفشال مهمة أبو شوارب وأحمد جابر عفيف ، وعومت المسألة من جديد وتركها في خانة تداعي الاحتمالات الى وقت قصير ، إذ سرعان ما جرى ترتيب مراسيم التوقيع من خارج لجنة المتابعة وبالإتفاق المباشر بين أطراف الأزمة .
هذا في الوقت الذي سرب فيه المؤتمر ثلاثة شروط لتوقيع وتنفيذ الوثيقة وهي على النحو الآتي :
• رفض توقيع الوثيقة خارج اليمن .
• رفض توقيع الوثيقة قبل عودة البيض وقيادة الاشتراكي الى صنعاء .
• رفض توقيع الوثيقة قبل تعهد قيادة الاشتراكي العودة الى صنعاء مباشرة .

وبعد ماأنجزت الطبخة سرا مع الاردن خفت حدة هذه الشرط ، حيث قبل المؤتمر فكرة التوقيع شريطة التزام الاشتراكي بإلتئام هيئات الدولة في صنعاء بعد العودة من عمان مباشرة. لكن رد الاشتراكي على ذلك كان بضرورة اجراء تطبيع العلاقات يسبق العودة المباشرة للبيض وقيادة الاشتراكي من عمان الى صنعاء مباشرة وهي تمثلت في اربعة اجراءات :
• تقديم المتهمين في اعمال الارهاب للمحاكمة والقاء القبض على الفارين كما ورد في الوثيقة.
• سحب القوات العسكرية من داخل المدن والمقصود بذلك الحرس الجمهوري والامن المركزي.
• سحب الحشود العسكرية من مناطق الاطراف وحدود التشطير السابقة.
بعدما جرت مباركة الوثيقة من قبل كتلتي الاشتراكي و المؤتمر في مجلس النواب ، فإن ذلك يجب ان يقود الى اقرارها من قبل المجلس المؤلف في غاليبته من احزاب الائتلاف الثلاثة، وبالتالي اعطاء الصفة الدستورية الملزمة، الامر الذي لا يعرضها للاجتهاد والاخذ والرد بعد ذلك، خصوصا وان اخبار صنعاء تتحدث عن رفض الوثيقة من قبل رئيس المجلس الشيخ الاحمر .
وسط ههذا التضارب في المواقف واختلافات الرأي لم تعد الوثيقة هي محل النقاش. لقد اصبحت خلف اطراف الازمة، من خلال الششروط المضادة. ومع ذلك جرت مراسيم التوقيع عليها في عمان في 20 فبراير 1994 . والكل يعلم انها لن تنفذ، وما التوقيع الا مرحلة جديدة لترحيل الازمة الى مستوى اخر في الوقت الذي بلغت فيه الاستنفارات العسكرية درجة قصوى وحصل اكثر من احتكاك عسكري ينذر بالخطر .

قلم حُر[/justify]
بو مبارك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس