عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-04-02, 09:46 AM   #15
الهمشري
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-23
المشاركات: 447
افتراضي

القيادي الجنوبي د.محمد حيدرة مسدوس في مقاله له كتبها في بريد الجنوب بتايخ 26 مايو 1997 من داخل صنعاء والتي استعرض فيها المعطيات والوقائع التي خلفتها حرب صيف 94 و يستخلص جمله النتائج تظل ابرزها ان الحرب ألغت العقد السياسي بين دولتي الشمال و الجنوب الذي تمثل في اعلان الوحدة في 22 مايو 1990 وفرضت بالقوة نظام الشمال السياسي و الاقتصادي و الثقافي على الجنوب , وبالتالي الحاقه وضمه ...ومن هنا جاء قرار الجنوبيين مقاطعة الانتخابات التشريعية لعام 1997 , والتي كان هدفها أعطاء مشروعية لنتائج الحرب.
د. مسدوس يقول في مقالته بان المشكلة الحقيقية في اليمن هي بالضبط و على وجه التحديد مشكلة غياب الوحدة الوطنية في الشمال و في الجنوب سابقاً , ومشكلة الوحدة بين الشمال و الجنوب حالياً و ليست مشكلة التداول الديمقراطي لادارة سلطة الدولة التي لم تقم بعد, كما أن فرقعات الديمقراطية السياسية و الضجة العالمية لها هي مطلب خارجي غريب تقتضية مصالح دولية اكثر مما هو مطلب داخلي تقتضية حاجة التطور الاقتصادي و الاجتماعي التي لازالت مفقودة و لذلك فان المشكلة الحقيقية في اليمن هي على النحو التالي:
1-لقد تم أعلان قيام الوحدة في 22 مايو 1990 وكان يفترض بأن يتم دمج أجهزة و مؤسسات و مصالح الدولتين في دولة الوحدة خلال سنتين و نصف و هي المدة التي أسميناها بالفترة الانتقالية نسبة الى وظيفتها التي كانت تعني الانتقال من دولتي الشطرين الى دولة الوحدة و ذلك على أعتبار أن يوم 22 مايو 90 هو من الناحية العملية يوم تدشين قيام الوحدة و ليس يوم قيامها , بحيث يكون يوم نهاية هذه الفترة الانتقالية هو يوم استكمال قيام الوحدة من الناحية العملية , ولكن ذلك لم يحصل للاسف ,فقد ظل الجيش جيشين و الامن أمنيين و الشرطة شرطتين و كل وزارة وزارتين والقضاء قضاءين و المناهج الدراسية منهجين و العملة عملتين و الادارة ادارتين...الخ وظلت كافة أجهزة و مؤسسات الدولتين و كافة المنظمات الجماهيرية و الاجتماعية و غيرها مشطرة خلال الفترة الانتقالية, كما انه كان يفترض بان يتم العمل على ازالة الاختلاف في التركيبة الاقتصادية و الاجتماعية بين الشطرين الذي جاء بسبب اختلاف النظامين , وذلك من خلال اعادة شكل اقتصاد الجنوب من عام الى خاص لصالح سكان الجنوب, واعادة بموجب ذلك التركيبة الاجتماعية في الجنوب كما كانت عليه قبل تغييرها من قبل النظام السابق في الجنوب, حيث ان مثل ذلك كان أمراً ضرورياً من اجل خلق تركيبة اقتصادية و اجتماعية متجانسة في الشطرين لتشكل الاساس الاقتصادي و الاجتماعي للوحدة و لكن ذلك ايضاً لم يحصل , ففي الشمال كان الاقتصاد قبل أعلان قيام الوحدة خاصاً, وفي الجنوب كان عاماً . و نتيجة لذلك وجد في الشمال ثلاثة الوان اجتماعية , هي: لون الاغنياء و لون الفقراء و المعدمين , ولون المتوسطين , أما في الجنوب فلون واحد و هو لون الفقراء والمعدمين .
من بين مهام الفترة الانتقالية كان يفترض ايضاً بأن يتم العمل على ازالة الفارق الثقافي بين سكان الشطرين لصالح الثقافة المدنية و ليس لصالح الثقافة القبلية ففي الشمال كانت ولازالت الثقافة السائدة هي ثقافة القبيلة و في الجنوب كانت الثقافة السائدة هي الثقافة المدنية الى درجة ان جزءاً من الاسر الشمالية التي اصبحت تعيش في الجنوب أختلفت ثقافتها عن جزئها الاخر العائش في الشمال , ولكن الذي حصل بعد اعلان قيام الوحدة هو ان السلطة ذاتها قد تبنت رسمياً نشر الثقافة القبلية في الجنوب, وتبنت تعميم اسوأ ما في الشمال لتطبيقة على الجنوب و نتيجة لكل ذلك فقد ظهرت الازمة بعد الفترة الانتقالية كتحصيل حاصل لهذا الواقع الجديد, وقد سلمنا جميعاً بوجود هذه الازمة بما في ذلك الحكام الحاليون, ودخلنا جميعاً في حوار سياسي موسع اشترك فية الجميع بدون استثناء و ذلك من أجل حل الازمة, والاتفاق على شكل دولة الوحدة البديلة للجمهورية العربية اليمنية والبديلة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية , وتم الاتفاق بالاجماع على وثيقة العهد والاتفاق التي تضمنت الحل للخروج من الازمة, و تضمنت تحديد شكل دولة الوحدة البديلة للدولتين.
2-إن وثيقة العهد و الاتفاق التي تم التوقيع عليها في الاردن برعاية الملك حسين و باركها العالم ليست فقط وثيقة الاجماع السياسي الوطني و الدولي, وإنما هي وثيقة الشعب في الشمال والجنوب التي اجمع عليها عبر الملتقيات الجماهيرية التي جرت في عموم المحافظات , واعلنت تمسكها بالوثيقة باعتبارها العقد الاجتماعي الجديد لدولة الوحدة, ولكنه للاسف بدلا من السير نحو تنفيذ الوثيقة تم السير نحو الحرب و أدت هذه الحرب الى حل كافة أجهزة و مؤسسات و مصالح دولة الجنوب السابقة العسكرية و الامنية و الادارية و المدنية و الاجتماعية و الاقتصادية و غيرها لصالح اجهزة ومؤسسات و مصالح دولة الشمال السابقة و بالتالي تعطل قيام دولة الوحدة كتحصيل حاصل لنتائج الحرب, حيث ان الحرب في حد ذاتها و نتائجها المدمرة قد كانت بمثابة أنقلاب ليس فقط على وثيقة العهد والاتفاق وإنما أيضاً قد شكلت أنقلاباً على اتفاقيات الوحدة و على دستور الوحدة ,و أوجدت أوضاعاً مخالفة لاتفاقيات الوحدة و دستورها .والحقيقة أنني كنت أعتقد بان الحرب ستؤدي الى استبدال وجوه سياسية بوجوه سياسية اخرى, و ان الوحدة السياسية بين الشطرين ستظل باقية ولكن الشيء غير معقول هو أن تؤدي الحرب الى إسقاط اتفاقيات الوحدة واستبدال دستورها, وتغيير قواعد الوحدة بين الشطرين من قواعد وحدة طوعية الى قواعد و حدة بالقوة , و النظر اليها كوحدة وطنية و ليست كوحدة سياسية بين شطرين كانا دولتين, فبدلاً من الشراكة السياسية في السلطة على اساس وحدوي تمت عملية استبدال هذه الشراكة بشراكة حزبية من لون جغرافي واحد, وهذا مايخلق لدينا الشك بأن تحويل الوحدة الى هذا اللون هو من أجل خلق ظروف مواتية لانفصال أبدي مستقبلاً ولو حتى عن طريق الديمقراطية وحقوق الانسان كما هو حاصل في كندا , وذلك بسبب ان تحويل الوحدة الى وحدة بالقوة يخلق ليس فقط الغبن الدائم لدى سكان الجنوب وانما يخلق بالضرورة تعارضات تناحرية بين المصالح الاقتصادية و السياسية و المعنوية لسكان الشطرين.
و لهذا و لكي تزول هذه التعارضات في اطار الوحدة,فاننا نطالب بايجاد الية جديدة لسلطة الدولة تقوم على اساس و حدوي و ليس على اساس حزبي, بحيث يكون الشكل الحزبي لها على هذا الاساس و ليس العكس كما هو حاصل الان..وهذا هو المفهوم العلمي للثوابت الوطنية بالنسبة للوحدة اليمنية حيث ان أي مفهوم للثوابت الوطنية خارج هذا المفهوم بالنسبة للوحدة اليمنية يلغي بالضرورة الوحدة بين الشطرين, بسبب أن الوحدة بين الشطرين لاتعني انتصاراً لطرف و هزيمة او اخفاء للطرف الاخر المكون لها , وانما تصبح سلامة الوحدة ذاتها من سلامة الاطراف المكونة لها بالضرورة . حيث ان مثل ذلك يتوقف علية انسجام المصالح الاقتصادية و السياسية و المعنوية الافقية ( الوطنية) و ليست العمودية ( الطبقية) لسكان الشطرين, وهناك فارق مبدئي كبير بين المصالح الافقية و بين المصالح العمودية لسكان الشطرين . فالتعارضات في المصالح العمودية يمكن حلها بالتداول الديمقراطي للسلطة ,اما التعارضات في المصالح الافقية(الوطنية) فلا يمكن حلها الا عبر الحل الدستوري فقط , فهي ليست تعارضات ذاتية بين مصالح سياسيين يمكن حلها بالمناصب السياسية في السلطة او غيرها, وانما هي تعارضات موضوعية تخص المصالح الاقتصادية و السياسية و المعنوية الافقية لسكان الشطرين , وذلك كشعب في الشطرين و ليس كأحزاب او سياسيين.فهل يمكن لاصحاب السلطة و المعارضة ان يفهموا هذه الحقيقة ؟و هل يمكن للمخلصين للوحدة اليمنية بأن يفهموا بان الاخلاص للوحدة هو بالضبط في الاخلاص لمصالح سكان الشطرين الاقتصادية و السياسية و المعنوية على قدم المساواة؟وذلك بسبب أن الشطرين قد توحدا بعد أن كانا دولتين كحقيقة تاريخية لا يمكن طمسها من التاريخ و وبالتالي فان الاصرار على النتائج السياسية للحرب من قبل السلطة و المعارضة هو بمثابة الاصرار على التعطيل الابدي للوحدة اليمنية بكل تأكيد , وارجوا ممن يطلع على مقالتي هذه ان يحتفظ بها للتاريخ.
3-انه من اجل كسب الوقت لتكريس النتائج السياسية للحرب,فقد قام الطرف المنتصر عسكرياً بتقديم تعهد مكتوب الى المجتمع الدولي بعد الحرب, التزم بموجبه بمواصلة الحوار على اساس و ثيقة العهد والاتفاق, ولكنه بعد ان كسب الوقت تنصل من ذلك و أصر على الدخول في الانتخابات خارج وثيقة العهد و الاتفاق, من اجل ان يستبدل شرعية القوة بشرعية الصناديق فقط, وكان يريد مشاركتنا في الانتخابات من اجل ان تكون شاهد زور بأن الوحدة السياسية لا زالت باقية,وانها ليست بالقوة,وهذا ما رفضته اللجنة المركزية في دورتها 34 و بالتالي فان المقاطعة للانتخابات لم تكن تهدف الى عرقلة الانتخابات, وهو ما اوضحناه منذ البداية, وإنما كانت تهدف الى هداية السلطة نحو اصلاح مسار الوحدة و تأمين مستقبلها , وكانت تهدف أيضاً الى ابلاغ شعبنا في الشمال بان دولة الوحدة التي وعدناه بها ليست هذه, و الى إبلاغ شعبنا في الجنوب بأن قيادتنا له في تحريره من الاستعمار و في الدفاع عن سيادته و حماية أراضية و قيادتنا له نحو الوحدة مع شعبنا في الشمال ليست من أجل ان توصله الى هذا الوضع الذي هو فيه اليوم, وأنما من اجل حياة اقتصادية و سياسية و معنوية أفضل من حياة التشطير, واننا سوف نقف معه حتى يتم تحقيق ذلك, وكذلك من اجل ابلاغ العالم بان الحرب قد عطلت قيام الوحدة, وأن الواقع الموجود هو مفروض بالقوة.
4-أننا كثيراً ما نسمع من يقول بان كل مانشاهده في وضع البلاد منذ انتهاء الحرب غير صحيح و كثيراً ما نسمع العكس, والحقيقة أن كلاهما على حق من وجهة النظر التي ينطلق منها كل منهما ,فالزمن مثلاً لا يمكن يكون صحيحاً و مضبوطاً الا بالاستناد الى وحدات قياس الزمن التي هي الثانية و الدقيقة و الساعة, وهكذا بالنسبة لوحدات قياس المسافة و الانسان كذلك, هناك وحدة قياس لتفكيره و فعله حيث يستمد صوابه بالقياس الى نقطة الانطلاق التي ينطلق منها تفكيرة, باعتبارها و حدة القياس لصواب فعله.عادة مايكون مصدر الخطأ بين الناس من نقطة الانطلاق لتفكيرهم و ليس من الافعال في حد ذاتها و ذلك بسبب انه كيفما تكون نقطة الانطلاق لتفكير الانسان يكون فعله, ولذلك فان الذين ينطلقون من وجهة نظر نتائج الحرب,فان كل ما نشاهدنه في الوضع القائم هو صحيح و لا خطأ فيه,وهو كذلك صحيح ولا خطأ فيه من وجهة النظر هذه بالتأكيد . اما الذين ينطلقون من و جهة نظر الوحدة اليمنية, فأن كل ما يشاهدونه في الوضع القائم منذ الحرب هو خطأ, وهو بالفعل خطأمن وجهة النظر هذه. و من هذه النقطة بالذات يفقد التفاهم بين الناس و يستحيل الوفاق بينهم, لكون كل منهم يرى نفسه على حق و هو متأكد تماماً من ذلك. ولهذا فأن الاساس للتفاهم بين الناس هو البحث عن الاساس الذي تنطلق منه وجهات النظر المختلفة. وإذا ما تم الاتفاق على الاساس الذي تنطلق منه وجهات النظر المختلفة, فان الناس لا يمكن مطلقاً ان يختلفوا. و اما اذا ما اختلفوا على نقطة الاساس هذه,فانهم سوف يتفقون بانهم مختلفون, وسوف يكون خلافهم خلافاً مبدئياً واضحاً و مفهوماً لايمكن ان يكون اي بريء ضحية فيه.
5-إن عدم الوضوح في نقطة الانطلاق لوجهة نظرنا في الحزب الاشتراكي قد جعلتنا نختلف حول الانتخابات .فالذين كانوا ينظرون الى واقع الوحدة اليمنية من وجهة نظر نتائج الحرب في 7 تموز(يزليو)1994(الوحدة بالقوة) كانوا يرون بان الدخول في الانتخابات هو المتاح الوحيد امامهم و هو الصواب, وهوكذلك صواب من وجهة النظر هذه. اما الذين كانوا ينطلقون من وجهة نظر الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990(الوحدة الطوعية) فقد كانوا يرون الدخول في الانتخابات بدون و ثيقة العهد والاتفاق و بدون المصالحة و إصلاح مسار الوحدة هو خطأ, لانه يعني التخلي عن المصالحة و عن وثيقة العهد و الاتفاق و و ان المقاطعة من اجل المصالحة هي الصواب, وهي بالفعل كذلك صواب من وجهة النظر هذه. وهكذا يتضح بانه يستحيل التفاهم بدون معرفة الاساس الذي تنطلق منه وجهات النظر المختلفةو كما انه يستحيل ان يستقيم اي منطق لاية وجهة نظر بدون معرفة هذا الاساس الذي ترتكز عليه.
و لهذا و لكي نتفق باننا متفقون او نتفق باننا مختلفون, فانه من الضروري أن نبحث نقطة الاساس التي تستند اليها وجهة نظر كل منا حول الوحدة اليمنية, ونقول بوضوح بان نقطة الاساس هي 22 مايو 1990 او انها 7 يوليو 1994 , حيث اننا اذا ما أستندنا الى 22 مايو 1990 سوف نجد بان ماجرى و يجري منذ الحرب حتى الان بما في ذلك الانتخابات هو خطأو غير معقول.اما اذا استندنا الى 7 يوليو 1994 فاننا سوف نجد بان ما جرى و يجري حالياً هو صحيح و معقول و لاخطأ فيه, وبالتالي على هذا الاساس نتفق باننا متفقون او على هذا الاساس نتفق باننا مختلفون.
6-ان تشبيه الوحدة اليمنية بالوحدات الاوروبية و الامريكية التي تمت بالقوة في القرون الوسطى ليس وارداً , ولذلك فانني انصح السياسيين و المنظرين للمؤتمر الشعبي العام بالذات بان يتجنبوا هذا التشبيه لانهم بذلك يقدمون اعترافاً ضمنياً بان الوحدة اليمنية بالقوة. و بهذا يتيحون الفرصة للمس بشرعية الوحدة في هذا العصر الحديث, عصر الديمقراطية الدولية و حقوق الانسان, وعصر تشابك العالم اقتصادياً و سياسياً و ثقافياً و اجتماعياً الى درجة العضوية, ناهيك عن المس بشرعية الوحدة الذي احدثه اقتحام عدن و حضرموت و غيرها من المناطق الجنوبية و نهبها اثناء الحرب, وعسكرتها بعد الحرب , وحل كافة أجهزة و مؤسسات ومصالح دولة الجنوب السابقة لصالح اجهزة و مؤسسات و مصالح دولة الشمال السابقة, واستبدال دستور الوحدة بدستور جديد لم يستفت عليه, حيث ان تلك الوحدات الاوروبية و الامريكية قد تمت ليس فقط في عصر مختلف عن العصر الرهن , وليس فقط بانها وحدات اتحادية (فيدرالية) وإنما لم تكن تلك الوحدات في البداية و حدات سياسية كما حصل في اليمن قبل الازمة و الحرب.فتلك الوحدات التي تمت بالقوة في القرون الوسطى لم تتم عبر حوار وحدوي تنازل بموجبة كل طرف عن شخصيته الدولية و عن دستوره الوطني لصالح شخصية دولية جديدة بديلة لشخصيته الدولية السابقة ولصالح دستور و حدوي جديد بديل لدستوره الوطني السابق,و انما تمت عبر حوار المدافع منذ البداية و تم بموجبها ضم الضعيف الى القوي بالقوة العسكرية ثم تحولت الى وحدات سياسية قائمة على الوحدات الفيدرالية . اما في اليمن فقد حصل العكس تماماً ,فقد بدأت الوحدة اليمنية كوحدة سياسية تنازل فيها كل من الطرفين عن شخصيته الدولية و عن دستوره و غير ذلك لصالح شخصية دولية جديدة و لصالح دستور جديد, وجاءت الحرب و عطلت هذا المشروع و ادت الى اذابة كيان الجنوب في كيان الشمال و تعطيل الوحدة و هذه المشكلة الحقيقية في اليمن و ليس غيرها.
7-إن الذين يدعون بان اليمن قد كان موحداً في دولة و طنية واحدة في التاريخ القديم,و انه قد تشطر بسبب الظلم او بسبب شدة الحكم المركزي او ما شابه ذلك هو ادعاء باطل و لا اساس له من الصحة,فانا استطيع ان اجزم بانها لم تظهر اي دولة وحدة يمنية موحدة على اساس و طني(يمني) في التاريخ اليمني الا يوم 22 مايو 1990 فقط. صحيح بان هناك العديد من الدويلات اليمنية قد ظهرت في اليمن و لكنها كانت تظهر اكثر من دويلة في وقت واحد,و كانت كل دويلة تقوم إما على اساس ديني اقل او اكثر جغرافياً من الوطن, لان الاديان لم تقم على اساس جغرافي و لا تعترف بالحدود الجغرافية للدين, وإما على اساس المدينة دون الريف و ها هو منطق علم التاريخ لنشوء الدولة, واما على اساس اقطاعي دون بقية الوطن, وليست ابداً و على الاطلاق انها قد قامت دولة يمنية على اساس و طني بما في ذلك الدولة الزيدية. ولا شك بان تسميتها بالدولة الزيدية هي برهان على ذلك وينفي بالضرورة طابعها الوطني(اليمني) . فالدولة الزيدية هي نسبة للدين و ليست نسبة للوطن . وهكذا يبرهن علم التاريخ بان مفهوم الدولة الوطنية الموحدة على اساس و طني لم يظهر الا مع ظهور الدولة البرجوازية في اوروبا فقط.وقد ارتبط ظهور هذا المفهوم بظهور الدولة البرجوازية لضرورات اقتصادية من اجل و حدة السوق الوطنية ووحدة الثروة الطبيعية على مستوى الوطن ككل . ولذلك فان مفهوم الدولة الوطنية الموحدة على اساس و طني لم يكن موجود في التاريخ قبل الدولة البرجوازية على الاطلاق.كما ان هذا المفهوم قد ارتبط الى حد كبير بالعولمة في اوروبا, وبالتالي فان مايقال عن دولة الوحدة اليمنية في التاريخ اليمني لا اساس له من الصحة, لان ذلك يتناقض تماماً مع منطق العلم في التاريخ.
للجميع التحية من الاستاذ د. مسدوس ويخص كل الزملاء الذين قدموا له العون في رحلته العلاجية بالندن...
نشرت في بريد الجنوب بتاريخ 26 مايو 1997
الهمشري غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس