عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-09-11, 05:14 PM   #1
أبو غريب الصبيحي
قلـــــم ذهبـــــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-04-24
الدولة: العاصمة "عـــــدن"
المشاركات: 4,389
Smile نيلسون منديلا ...مسيرة طويلة نحو طريق الحرية

[align=right]نيلسون منديلا ...مسيرة طويلة نحو طريق الحرية
من دروس الحرية و الكرامة

بقلم / محمد بن حامد الأحمدي
منذ فترة قصيرة جاء موظف عربي مهاجر ليعمل في شركة طيران أمريكية كبيرة ، وعند وصوله تعرَّف عليه المسلمون في الشركة ودعوه للغداء الأسبوعي ، حيث يجتمعون في قاعة من قاعات الشركة ويتناولون الغداء ويصلُّون الظهر ويستمعون لدرس في العلوم الإسلامية أو علاقاﺗﻬم بغيرهم . ولما صلُّوا استغرب العقل العربي المهاجر للعمل هذه الحرية ، ثم جلسوا لبدء الدرس فهمس في أذن الأخ الذي عن يمينه : هل هذا العمل قانوني ؟ ! قال له الذي بجواره : نعم ، ولنا سنوات نفعله . ولم يطمئن ، ولم يكد يصدق ، فهمس في أذن الأخ الذي عن يساره : هل أنت متأكد أن هذا العمل مشروع وقانوني ؟ !
فاستنكر المسؤول خوف الرجل وسؤاله لأنه أقدم عهدًا وهذا حق مكفول لكل مجموعة تريد ذلك .
لقد كان هذا المسلم الذي وفد من بلد مشرقي عربي ينعم ببعض بصيص الحرية النسبية مقارنة ببلاد
عربية أخرى مستغربًا جدًا أن تسمح الشركة بل الحكومة الأمريكية لعشرين شخصًا أن يصلوا
ويتدارسوا الإسلام - بل أي قضية - في حجرﺗﻬم تلك ! الأمريكيون المسلمون تعجبوا لمستوى الكبت
في بلاد المسلمين وتدهور عقل الإنسان وقيمته في بلاد المسلمين التي أحبوا دينها فاعتنقوه ، وأنكروا فيها هوان الإنسان وتردِّي قيمته ، وهذا حاجز كبير يمنع دخول الناس في دين الله ، فما إن تتحدث عن هذه الأمور حتى تقدم اعتذارًا مما يحدث ، وإثبات أن الإسلام ليس هو الذي تشاهدونه في بلاد المسلمين .وعربي آخر قال لهم : إنكم أي ها الأمريكيون لا تعرفون ظلمات الواقع العربي ، وتحول الهمس ليكون موضوع اللقاء فزاد خوف الأخ وتوجسه . ولا لوم عليه ولا تثريب فقد جاء من بلاد الرعب المتبادل ، فالشعب يخاف حاكمه ، والحاكم يرهب شعبه ، والثقة والأمن أعز مطلوب ، فالاجتماعات في بلده محرمة ، فكيف ب الدينية ؟ ! ويحسب كل اجتماع ديني خاص بأن وراءه مؤامرة انقلاب وذهاب لرأس الزعيم ! .وهذا أنتج عندنا عزوفًا عن بعض القضايا المهمة والأخطر في حياة الأمة ، ومن أهم هذه القضايا "قضية الحرية" ، حرية قول الحق وممارسته ، حرية الدعوة له ، حرية نصره ، وَأ ْ طر الناس عل ى الحق .
وكرامتنا أن نحيا كما أراد الله لنا عبادًا له وحده أعزة أحرارًا ، لا نقبل بالخضوع لغيره، ولا نستسلم لغير شرعه، وفي ظل شرعه والالتزام به نُحكم كما نريد، ونوالي كما نريد، ونعادي كما نريد، ونعلم ما يُراد بنا، ونعلم مصالحنا ومضارنا . ونتدارس أمرن ا بكامل اختيارنا دون قهر خارجي أو استبداي ، فمَن الذي يزعم أن شخصًا واحدًا كلي ً لا علي ً لا يفهم كل شيء ، ويعرف كل شيء ! اللهم لا ، إلا في عصر "مدَّعي الألوهية من البشر " في ظلمات المثبورين الذين قال أحدهم :[ما علمت لكم من إله غيري ] وقال : [ ما أريكم إلا ما أرى] وما أشبه تلك الحال .

ألم يشهد المسلمون أعظم تجربة حديثة العهد أمامهم منذ شهور ، أم هل تراهم توقعوها مسرحية أمريكية شكلية ! لقد شهدوا وشهد العالم رئيس أمريكا يقف في قفص الاﺗﻬام محاصَر ًا، محمرّ الوجه يستغيث بالمناديل ليمسح عرقه ، ويأمل في عطف الشعب ، ويكاد يستقيل قبل أن يُقال ، يحدوه أمل كبير أن ينجو من حصاره من أجل قضية خلقية ، هي في معيارهم عادية ؛ ومن قبل طردوا زعيمًا ومفكرًا استراتيجيًا كبيرًا "نيكسون" من البيت الأبيض من أجل مخالفة خلقية صغيرة فيها اعتداء على خصوصيات الآخرين، حادثة تجسس على الحزب المناوئ ؛ لأنه علم عنه وسكت ! ولكن شعوبًا كاملة – هي شعوبنا - ليس لها خصوصية وليس لها حرية ولا تجرؤ على التلفظ ﺑﻬا ، وتنزع منها قيمتها ، بل تمسخ الكلمات الكبيرة فتصبح كريهة المعنى والظل ، فيسمى الخروج عن الأدب حرية ، واستقدام راقصة تطور ًا، ويسمى نشر الدعارة رقيًا . وغابت الكلمات والمعاني والأفعال الشريفة ، فلم تخرج هذه الشعوب يومًا فتقول للظالم : قف ! ولا لمستبد : هذا حدُّك ! لأن الكلمات في زمن الاستبداد تفقد معانيها فيصبح الجور عدلاً واستقرارًا، والسكوت على الذل حكمة ، والحرية حرية الفساد ، وكلمة الحق والنصح لله وللمسلمين طريقة الخوارج والبغاة !

والمسلمون في بلادهم لا يحق لهم ولا يسألون عما يفعل ﺑﻬم ، ولا هم ينطقون ، بل قد يهمس شجعاﻧﻬم
في الخفاء ، وهؤلاء الهامسون بالكرامة والحرية قليل مستضعفون ، يخافون أن يتخطفهم الجواسيس ، أو هاربون خائفون. وتصبح الكرامة والعزة والحرية ﺗﻬمة وعيبًا وتطرفًا وخروجًا .
ومنذ قرون استوطنت هذه الأمراض في معظم البلاد الإسلامية إلى اليوم ، فليس للشعب المسلم
المستضعَف دور في قراره ، لا يوالي بقراره ولا يعادي بقراره بل بوصاية من الخارج . يقول برنارد لويس إن العرب منذ جاءهم نابليون الفرنسي ، حتى أخرجه من بلادهم ضغط بريطانيا (!!!) ، منذ ذلك اليوم وإلى اليوم - أكثر من مائتي عام - أدرك العرب أﻧﻬم لا يملكون شيئًا من قرارهم . أي يذهب مستعمر بسبب ضغط من مستعمر جديد، وقد يبدل لباسه ويرسل وكلاء محليين !
وجاء عزوفنا عن "الحرية" - مصطلحًا وسلوكًا وشعارًا - بسبب ا لخوف من المشاكلة مع الذين أساءوا للمصطلح، أو أن غيرنا استخدم اللفظ أو رفع الشعار وتاجر به في غير مكانه أو خالف الحق والشرع .وقضية الحرية ومفاهيمها الشرعية يجب أن تكون على أولويات قائمة المطالب الإسلامية ؛ فحرية المسلم في قول ما يعتقد ، وإنكار ما يرى من منك ر وباطل ، وحريته في قول كلمة الحق ، وممارسة واجبه الشرعي في التوجيه والنصح والإصلاح هي طريق الحق والعزة والكرامة والسيادة . أما السكوت والخمول والتواكل والرعب من كلمة الحق فهي شر طريق سلكته أمة ، وهي طريق الخذلان والهزيمة ، ومخالفة سُنة الله في الشرع والواقع . وسنة الله في الصدع والدفع وقول كلمة الحق واحترامها ما قام عليها مجتمع موحِّد إلا عز ونجا ، ولا ﺗﻬاون بكلمة الحق وممارسته والإعذار إلى الله إلا مَن جانب الشرع ورضي بالخذلان والهوان والمعصية . خفنا من هذه الكلمة لأن الفاسدين استغلوها للترويج للانحلال ، واستخدمها الدهريون - العلمانيون أو اللائيكيون - للترويج لوثنيتهم ، واستغلها الشهوانيون لممارسة الفسق والخروج على الآداب . وقد آن أن نعيد قضايانا الهاربة من خطابنا ، ونزرع العدل في بلادنا ، ونتعود عليه ونحبه ، فبالحق والعدل نتحاب وتنتهي عوامل الفرقة والخوف والخضوع للبغاة والمحتلين .

وعملية التحرر في بلاد المسلمين لا تتم فجأة ، ولا من كلمة وموقف ، ولكنه مشروع متواصل ، وركام من الثقافة والسلوك ، وشجاعة في الكلمة والتصرف ، حتى تصبح العزة خلقًا عامًا ، وتربية الأخلاق للفرد واﻟﻤﺠموع أطول عمليات الإصلاح إطلاقًا . ومن بعد رسوخ خلق العزة والكرامة تنسجم الأمة مع نفسها ودينها وتاريخ أمجادها ، وإلا فإن شواهد العزة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم – وصحبه والتابعين لا يقدر المسلم المعاصر الذي صودرت حريته وعزته أن يفهمها ولا أن يتجاوب معها.

الحرية أم العدالة ؟ :
كان الرجل العربي حرًا أنفًا، لا يخضع إلا لربه ، ويعتبر الخضوع لغير ه عبودية له ؛ لذا اختار الله العرب للرسالة، لما تميزوا به من عزة النفوس وشَمَمها وبراءﺗﻬا من عسف المستبدين ، فلا يقبلون العبودية للملوك - ملوك فارس والروم - ولا مَن استخدمتهم هاتان القوتان لإخضاع الناس على حوا شي الإمبراطوريتين، يفتخر الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم - مذكِّرًا قومه بعناصر عزﺗﻬم وشرفهم وأيامهم الماجدة الحرة - :
وأيام لنا غر طوال ******* عصينا الملك فيها أن ندينا
ويقول - مستنكرًا محاولة الاستبداد - :
بأي مشيئة عمرو بن هند ******* نكون لأمكم فيها قطينا ؟ .
ويأنف من خضوع الحاكم للجواسيس ، أو خضوعه - وهو سيد قومه - لما سقط فيه الحاكم من طاعة
الوشاة وتأثيرهم في قراره :
بأي مشيئة عمرو بن هند ******* تطيع بنا الوشاة وتزدرينا ؟

درس من الأسد الأسود :
إن مشاعر العزة وثقافة التحرر قلَّت في واقع المسلمين اليوم، وكادت أن تكون تاريخًا بعيدًا جيدًا، ولما قرأت سيرة مانديلا جددت تلك القصة معاني تستحق الاهتمام والوعي في بعض بلاد المسلمين التي تشارك إفريقية الجنوبية الكثير من الأحوال المشاﺑﻬة.
خرج مانديلا من السجن بعد عشرة آلاف يوم كاملة في المعتقل ، وكان عمره واحد ًا وسبعين عامًا وقاد دولته الجديدة في طريق لم يسبق أن سارت فيه من قبل . وكتابه "مسيرة طويلة نحو الحرية " - دار الهلال ، مصر ، عام ١٩٩٥ ، ترجمة د .فاطمة نصر - من أجمل الكتب ، بل ومن كتب العالم الثالث المهمة التي روت واحدة من سِيَر العالم المغلوب وكيف كافحت أمة ل تحصل بعد قرون متطاولة على حريتها . فقد احتاجت جنوب إفريقية إلى ثلاثمائة وأربعين عامًا لتنال استقلالها ، ولا تتوهموا أن جميع الإفريقيين في جنوب إفريقية سعوا إلى الاستقلال ، ولا تتوهموا أن كل الرجال يحبون الحرية ويسعون لها ! فليس كل السود قاتلوا من أجل الحرية والاستقلال ، ولا كلهم سُجن ثلث قرن كما حدث لمانديلا ، فليس كل الناس يسعون للحرية ولا كلهم يحبها . لا ، بل استقلت جنوب إفريقية - أو نال السود حقوقهم على الأصح - على الرغم من كراهية عدد من السود غير قليل؛ فمنهم أعداد هائلة كانت تقاتل في صفوف المستعمِرين - الأ فريكانو "البيض" وترى في مانديلا شرًا وشيوعيًا أحمر ! يريد أن يحرمهم من الخير الذي جاء به السادة البيض ، فقد جاءوا لهم بالإنجيل والدخان والموسيقى والثياب الحمر المرقشة ، لقد جاءوا لهم بالذل والخنوع ، والراحة من التفكير والمبادرة ، أراحوهم من مسؤولية القرار ، ومن ثقل الاختيار ، وتلك نِعَم يهنأ ﺑﻬا العبيد - دائمًا - في كل مكان ، والعبودية ليست لونًا ولا جنسًا ولكنها حالة نفسية ، أو "عجز حُ ْ كمي " كما يعرفها الفقهاء . وإن الأحرار من طراز آخر من الرجال - أمثال مانديلا - يهون عليه أن يموت أو يُسجن ثلث قرن ولا ﺗﻬون عليه كر امته وحريته . كان زعماء "المؤتمر" في السجن مطارَدين أو يعملون ضد الاحتلال سرًا ، وكان بعض المتعلمين الدكاترة والقساوسة والصحفيين من السود أنفسهم - ويا َللأسف ! - ضد الاستقلال "الشرير" وضد "سرطان" الحرية ! مع أن البيض "السادة" كانوا لا يؤاكلوﻧﻬم ولا يشاربوﻧﻬ م ولا يزاوجوﻧﻬم ، ولا يستخدمون المواصلات التي يركبها السادة، ولا يسمحون لهم بالسكن في مناطقهم ، ويحرمون عليهم حتى بعض أنواع اللباس ، ويمنعوﻧﻬم حرية التنقل ، وبعض أنواع العمل ، بل لا يرى فيهم البيض بشرًا من البشر ! ومع هذا فقد كانت طائفة من السود تقدس البيض و تعبدهم وتطيعهم بلا حدود . كان هؤلاء العملاء من السود خونة للحرية وكانوا جواسيس للحكومة العنصرية وكانوا رَصاصًا في قلوب شعبهم لصالح الأجانب ، ولكأن "الرصافي" عاش تلك السنوات في جنوب إفريقية ؛ ليقول :
عبيد للأجانب وهم دومًا ****** على أبناء جلدﺗﻬم ُأسود

فقد كان العنصريون البيض يجدون طبقة متغرّبة من السود - يسموﻧﻬا متعلمة - تافهة الشخصية تابعة
للبيض، يحاربون ﺑﻬا الشعب الأسود نفسه ، وقد كانت هذه الطبقة حذاءً تسعى عليه الطبقة العنصرية
لتحقيق مصالحها وخدمتها ، أو وقاءًا للبيض ، تقيهم من حراب الإفريقيين السود ويقع فيها الضرب
ويتقي ﺑﻬا السيد الأبيض الأيدي المضرجة بالدم ، التي تطرق باب الحرية ، ولكن السود أدمنوا طرْق باب الحرية حتى نالوها.
يقوم هؤلاء المتغربون - "طبقة الوسطاء " بين السود والبيض - بجمع السود في مصانع البيض وترتيب عملهم والإشراف على إخلاصهم ، وبذل كل جهد هم للسيد الأبيض ، منهم من يشرف على قومه العمال وعملهم من قبل الفجر إلى الليل في مناجم الذهب والمصانع وأعمال البناء وتربية الحيوانات والمزارع ، ينتجون الملايين للمستغل الأبيض ويَقنعون ببعض جنيهات في ﻧﻬاية الشهور السود تحت أطباق الأرض .
لا تكاد تكفي هذه المب الغ الزهيدة لطعامهم ومسكنهم غير الإنساني في مساكن المصانع والمزارع وأحياء الفقر ، حيث تقل كثيرًا عن غرف كلاب السادة البيض ! أما السماسرة الوسطاء فهم قيادات سوداء يصنعها البيض ، قساوسة و ُ كتَّاب وموظفون ، ويعطوﻧﻬم بعض المزايا عن الشعب ويدفعون لهم أكثر ليستمروا في إخضاع جنسهم الأسود للبيض ، وهذه الطبقة كانت رأس الحربة في قلب الشعب ، وهي الأخطر في وجه مانديلا والمؤتمر الإفريقي ، وهي التي كانت حاجزًا دون أن يتصل بالشعب ويبلِّغه رسالته ويلهمه حريته وكرامته ، هذه الطبقة من الشعب الإفريقي جمعت اللؤم والدناءة من الشعبين وباعت كرامتها وحريتها للأفريكانو ، في البداية عن جهل وسذاجة وشهوة للمَيزات المادية ، وفيما بعد عن عمالة ولؤم وتنكُّر لإنسانيتها وعن آلية حيوانية وانعدام للإنسانية والخلق في سلوكها ، ومَن يهن يسهل الهوان عليه . كانت هذه الطبقة ترى إخواﻧﻬا وأخواﺗﻬا وشعبها يذ ل ويمتهن ﺑﻬا وهي لا تدري ولا تحسب ، بل بعضهم يقول : "إنني أقوم بما يمليه عليَّ عملي وواجبي " !! بل يجرؤ بعضهم ويقول بما يمليه عليه عقلي ووطنيتي !! ومهما وضعت من علامات التعجب فإﻧﻬا لا تغني شيئًا تجاه هذا الموقف من شخص يُتوقع أنه بقي له عمل وواجب وعقل ووطنية وهو يرى قادة المؤتمر في السجن غذاؤهم الجوع أو حساء الذرة البارد والمتعفن ، ولما طالبوا بالخبز قال لهم السجانون في صفاقة : "الخبز ضار بالإنسان " ! هكذا قالوا لمانديلا ورفاقه . لِمَ لا يضر الخبز بالإنسان ؟ ! ، والحرية أضر بنفوس الشعوب من الخبز ، فالحيوان يطعم و لا يثور ، ولكن الحرية غذاء مدمر لكل وسيلة وقاعدة ونظام مستبد .
غير أن المستبد يفقد الكرامة والإنسانية فيتوقع أن الناس - وفيهم العباقرة والدهاة - ليسوا بشرًا ! لأنه
بلغ دركات العنصرية وظلام الكفر وانحطاط العقل والعاطفة ، فتنقلب عنده الأمور . ويرى الكرامة
والطعام الطيب مضرًا بالبشر ، أو مضرًا بغيره هو ؛ لأنه هو البشر الوحيد في العالم ! هكذا يفكر اليهود والأفريكانو والنازيون .
وإذا كان الخبز خطيرًا إلى هذا الحد فكيف بالحرية ؟!! ، إﻧﻬا قنابل نووية .

وعلى عكس تلك النوعية الرخيصة من السود يفاجئنا مانديلا بذكر قصة المحامي الأبيض "برام منيشر" ، وهو ابن لرئيس وزارء مستعمرة ﻧﻬر أورانج وكان والده رئيس قضاة ، كان يدافع عن مانديلا وأعضاء المؤتمر وكان يؤرقه أن الرجال الذين يدافع عنهم يذهبون إلى السجن ، بينما يعيش هو حرًا طليقًا ! وبعد محاكمة ريفونيا قرر المحامي الأبيض أن يلحق بالعمل السري مع السود أنصار مانديلا ضد أعداء الإنسانية البيض "قومه" ، ونصحه مانديلا أثناء المحاكمة ألا يفعل ذلك ؛ لأنه يخدم المعركة أفضل في قاعة المحكمة ، وحتى يرى العالم أفريكانيًا وابن رئيس قضاة ينافح عن المظلومين ، ولكن لشهامته لم يكن ليتحمل رؤية نفسه حرًا والأبرياء يعانون ، فقد كان كالقائد الذي يقاتل جنبًا إلى جنب مع جنوده ، لم يرد أن يطلب من الآخرين أن يقدموا تضحية يتورع هو عنها ، والتحق بالعمل السري ضد البيض (قومه) ، فُقبض عليه ثم أفرج عنه بكفالة ، وقبض عليه مرة أخرى وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة ، ولما أصابه السرطان في السجن شنت الصحافة حملة للإفراج عنه ومات بعد خروجه واستمرت الحكومة البيضاء في مطاردته ، حتى بعد وفاته وصادرت رماد جثته بعد حرقها ! وهكذا قد يخرج حي الهمة شريف الطباع من منبت السوء والوحشية أحيانًا .
ويقول مانديلا بعد هذا : "قدم برام فنيشر أ كبر التضحيات على الإطلاق ، فمهما كانت معاناتي في
بحثي عن الحرية فقد كنت أستمد القوة من كوْني مناض ً لا مع ومن أجل شعبي ، أما برام فكان رج ً لا حرًا ناضل ضد شعبه ، من أجل أن يضمن الحرية للآخرين " (ص ٢٥٧ ) ، إنه رجل شريف يحترم ذوي المواقف ويقدرها، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم لو كان "اُلم ْ طعم" حيًا لوهبت له هؤلاء النتنى (أسرى بدر) . وقد وقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم موقفًا شهمًا لم ينسه له على الرغم من كفره .
وقال مانديلا عنه - مرة أخرى - : "ومع أنه أفريكاني فقد فرض عليه ضميره أن يرفض إرثه الظالم ونبذ قومه ، وأظهر مستوى من الشجاعة والتضحية لا نظير له ، فقد كنت أنا أقاتل ضد الظلم وليس ضد . (٢١٠- قومي"( ٢٠٩
[/align]
__________________
إن تاريخ الجنوب يروي لنا , أن أبناءه لا يلبثون وقت الشدة إلا أن يجمعوا صفوفهم
علي هيثم الغريب

لا بد من التضحية والفداء ليس كرهاً بالحياة بل تعبيراً عن حبنا لهذه الحياة التي أردنا أن تعيشها أجيالنا القادمة بسعادة وحرية وشرف وكرامة
عميد الاسرى العرب ( سمير القنطار)
أبو غريب الصبيحي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس