عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-10, 05:16 PM   #121
طائر الاشجان
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2009-07-23
المشاركات: 695
افتراضي

حذرت الوثيقة من التيه في المسالك الضبابية ، التي من شأنها إطالة أمد الإحتلال ، ‏وبرأيي أن هذه هي نقطة الإرتكاز التي يجب التوقف عندها لمراجعة الموقف .. إننا ‏وبما تضمنته الوثيقة نقع – لا شعورياً – في أتون التيه ، وننجر إلى الحديث عن ‏المصطلحات ، وإحساسنا بانعدام الرؤية الواضحة يزداد عمقاً ، ونقف حيارى عند حائط ‏المبكى المسمى " الحراك السلمي " لأن الوثيقة لم تُشر إلى خيارات أخرى تكون أكثر ‏فاعلية في حال أخفقت المساعي السلمية في تحقيق هدف الإستقلال .‏

افتقرت الوثيقة إلى التماسك المنطقي ، فهي تختزل الحراك السلمي في سنواتٍ ثلاث ، ‏بينما تمتد معاناة هذا الشعب ومقاومته وتَلقّي ضربات الإحتلال الموجعة بصمتٍ يجرحه ‏الأنين ، منذ أن أحكم سيطرته على ربوع الوطن في العام 94م ، وما تكَتُّل الجموع إلا ‏إفرازٌ تلقائي لجملة من المقاساة المُرة التي رافقت الهزيمة وامتدت إلى يومنا هذا .

الجنوب العربي هويتنا إذا ما أمطنا عن صفحة التاريخ تلك الشوائب التي افتعلها ذات ‏يوم قادة الجنوب العربي أنفسهم ، وأرادوا له أن يكون جنوباً يمنياً في إطار أكذوبة ‏صدقها الكل بإصرار ، فحلت بنا كارثة بحجم ذلك التصديق . وسيادة القائد علي سالم ‏البيض هو أحد صُنّاع هذه الفريّة ، أو لنقل راكبٌ على مطية السفر إلى جزر الأحلام ‏التي كان يزينها شيطان الحزب الإشتراكي من طرازٍ جديد ، وهو اليوم يخجل من ذكر ‏‏" الجنوب العربي " ويكتفي بلفظ " الجنوب " ما يفتح الباب على مصراعيه لتساؤلات ‏تصب في بوتقة التيه التي تحذر الوثيقة من وطأته على قضيتنا العادلة .‏

‏"الجنوب العربي " ذلك المكوّن البسيط قبل أن تعتريه دناسة العهر السياسي ، وتُغيّرُ ‏في إسمهِ وجسمه ، هو تلك المادة الخام التي تشكلت بفعل عوامل أهواء التيارات الحزبية ‏لتغدو لقمةً سائغة في فم الإحتلال ، ولذلك فإن الإحتكام إلى أزمنة الماضي واستنطاقها ‏بأثرٍ رجعي ، لا يتوقف بنا عند 21 مايو 2009 الذي أشارت إليه الوثيقة بوصفه يوم فك ‏الإرتباك ( وكأن إعلان الدولة في 21 مايو 94م لم يكن يعني فك الإرتباط ) ولا يقف ‏عند 22 مايو 90م يوم توقيع وثيقة بيع الجنوب العربي برسم الحماية الشخصية لعناصر ‏ما يسمى " بالطغمة " ولا يقف عند يوم 30 نوفمبر 67م الذي آلى فيه مصير الجنوب ‏العربي إلى أيدي الوحوش الكاسرة في غابة التناحرات المتتالية ، ولكنه يقف بنا تماماً ‏مع توقف السفينة " دريادولت " عام 1838 في سواحل عدن ، ويضعنا وجهاً لوجه مع ‏ربان هذه السفينة " الكابتن هنس " لنقرأ في عينيه مجمل هذه التحولات ، وننظر فيما ‏حولنا فلا نجد أثراً للمدعو " اليمن " ، ونكتشف بعد مضي 156 عاماً على لقائنا ‏التاريخي بـ " هنس " أننا لم نكن نمتلك إرادتنا ، وأننا قد أسلمنا أنفسنا طوعاً لخبراء ‏التجميل الذين اجتهدوا في تغيير وجهنا الجنوبي العربي ليبدو " يمنياً بامتياز" .‏

هذه هي الحقيقة المرة التي تجعل من الوقوف عندها أكثر مرارةً ، فهل الحراك السلمي ‏سيظل سلمياً ؟! ، وهل التعويل على محكمة " لاهاي " ومناشدة حقوق الإنسان ، سيعيد ‏للجنوب العربي حريته واستقلاله ؟ إننا نوهم أنفسنا بتفهم العالم لقضيتنا ، لأن هذا العالم ‏ينظر إلى ما يجري على أنه شأنٌ داخلي ، وأن الحراكيين مجموعة متمردة خارجة عن ‏النظام ، وأن الجنوب ( الذي يأنف البيض وهو الوجه الشرعي أمام العالم ) تسميته " ‏بالجنوب العربي " يرسخ القناعة الدولية بعدم التدخل ، ويترك لنا وحدنا خيار التدخل ، ‏ويبقى تدخلنا سلمياً إلى أن يبعث الله فينا عباداً لهُ أولي بأسٍ شديد ، يسطرون ملاحم ‏بطولية تحت شعار :‏
وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا .‏

وحتى ذلك الحين فإن دورنا ينتهي عند المشاهدة لمسرح المسيرات الجماهيرية للحراك ‏السلمي ، وإرسال التعازي كلما سقط شهيد برصاص قناصة المحتل ، الذي يتلذذ بساديته ‏المعهودة وهو يرى دماء فتية الجنوب العربي تُراق بنزفٍ حتى في زنازين الإعتقال .‏
إن الإشارة التي تضمنتها الوثيقة مستشهدةً بقضية فلسطين تحفزنا على المطالبة بتشكيل ‏جناح يمثل الجناح العسكري للحراك على غرار " كتائب القسام " ( الجناح العسكري ‏لحركة حماس ) ويكون رافداً حيوياً لتعزيز الجهود السلمية وداعماً لها ، ولنا في التجربة ‏السودانية مثالاً حياً ، لقد أجبر جنوب السودان – الذي يُعد جزؤُ من الإقليم – أجبر ‏حكومة السودان نفسها على تبني قضية انفصاله بعد مقاومة باسلة ، وعليه فإن قضية ‏الجنوب العربي لن تأخذ حيزاً في اهتمام الرأي العام إلا بوجود مثل هذا الجناح المسلح ‏الذي بدونه يبقى الحراك السلمي بائساً لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع .‏

تحياتي
طائر الاشجان
طائر الاشجان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس